01‏/10‏/2017

مراجعات ثورية

” نعم أنا كنت سلفيا جهاديا وحبست على هذه التهمة في سجون النظام ، واليوم أستغفر الله وأتوب إليه واعتذر لشعبنا أننا أدخلناكم في معارك دونكيشوتية كنتم في غنى عنها أعتذر أننا تمايزنا عنكم يوما، لأني عندما خرجت من السجن الفكري الذي كنت فيه واختلطت بكم وبقلوبكم قلت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق عندما قال ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ) أعتذر منكم أعتذر، وإن شاء الله قابل الأيام خير من ماضيها لثورتنا ولإسلامنا”.

أبو يزن الشامي 4 أيلول‏/2014

كانت هذه الكلمات آخر تدوينة لأبي يزن تقبله الله، ذاك التلميذ النجيب في مدرسة السلفية الجهادية الذي آثر رضا الله عبر إنقاذ المستضعفين من هذا الشعب المسكين، على إخلاصه لأدبيات مدرسته الفكرية. اليوم بعد حوالي الست سنوات من هذه الثورة المباركة لايزال ينقصنا شجاعة كشجاعة أبي يزن رحمه الله، شجاعة أدبية تسمح لنا بالاعتراف بأخطائنا كبداية لتصحيحها، وشجاعة أكبر منها لتقبل ذواتنا البشرية التي جبلت على الخطأ.

ألا تحتاج ثورتنا عامة لمراجعات فكرية لأدبياتها وآلياتها وخطابها كأبي يزن؟ نحن لا نشكك بنقاء ثورتنا وأهدافها، لكن من الواجب علينا التشكيك بآلياتنا التي اتبعناها في طريق الثورة لنصل لغايتها.

ست سنوات من المراوحة في المكان، والتشريد والقتل، كفيلة بإيقاظنا من سكرة العنجهية والعزة بالإثم التي أخذتنا في لحظة انتصار عابرة وقفنا عندها منتشين، وتخطاها النظام بحكمة وعمل دؤوب.

إلى الآن لم نفلح بخطابنا الإعلامي باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ” خذل عنا ما استطعت ” ، لم نفلح في تحييد الأقليات التي ركبها النظام كمطية وجندها لتقاتل ضدنا، بل حتى لم نفلح في تحييد الأغلبية السنية السورية، التي نجح النظام في تجنيدها بصفه، فلا يزال السنة إلى اليوم هم العمود الفقري في جسم النظام كأجهزة دولة، أو أذرع عسكرية وأمنية، ولو فرضنا أن هناك من غير السنة اليوم من أقنعناه بحمل السلاح معنا ضد النظام وقبلناه في صفوفنا لوجدنا تعدادهم لا يتجاوز أصابع الكف الواحد.

نعم لقد فشلنا في كسب الشعب السوري نفسه لصالحنا قبل كسب القوى الدولية والإقليمية، وفشلنا حتى في تحييده، بينما النظام استطاع أن يجند نسبة كبيرة من الأكثرية السنية لتقاتل في صفه، ومن لم يقاتل في صفه فهو يخدم في دوائره ويساهم في دفع عجلة سيطرة النظام، أو على الأقل مقيم في مناطقه يكثر سواده ولا ينفع الثوار. نفس القياس على الإخوة الأكراد الرازحين تحت احتلال الأحزاب البعثية الانفصالية. وبالنسبة للأقليات فقد أحسن النظام استغلال هذه الورقة الرابحة لآخر مدى، بل وبنى عليها مكاسب سياسية دولية تخدمه مئة بالمئة، وأكثر ما استفاد منه هو خطابنا الغوغائي العاطفي الموجه لهذه الأقليات مثل ” جئناكم بالذبح يا روافض “، ” الخنازير النصيرية ” إلى آخر هذه الكليشيهات.

طبعاً لانعني بذلك أن معتقداتهم صحيحة أو أفضل من عقيدتنا، لكن المطلوب أن نخاطبهم بما يحقق مصلحتنا في تحييدهم ولو جزئيا عن معركتنا. النظام وحلفاؤه رغم طائفيتهم وإجرامهم بحق الأكثرية السنية إلا أنهم لا يظهرون عبر قنواتهم الرسمية بخطابات طائفية فجة تناسب إجرامهم، بل على العكس تكون خطاباتهم مليئة بالمزاودات الوطنية التي تسعى للحفاظ على الفسيفساء السورية ونسيجها الاجتماعي، وقد برهنوا نجاحهم في تجنيد قسم كبير من المحسوبين على السنة للقتال معهم ضد أهلهم، فحتى حركة النجباء الشيعية المجرمة لديها قسم سني من سنة الأنبار واسمه نجباء الأنبار.

من الأخطاء الثورية التي تحتاج أيضا لتصحيح هو بناء شراكات إقليمية ودولية للثورة قائمة على أساس المصلحة المتبادلة فقط، وفتح قنوات تواصل مباشر حتى مع أعداء الثورة كروسيا وإيران. صدماتنا العاطفية في مجال السياسة مردها لأمر بسيط وهو خلطنا بين العاطفة والسياسة…..

فكون الإدارة التركية بقيادة أردوغان متعاطفة مع قضيتنا لا يعني بالضرورة سكوتها عن أخطائنا التي تضر مصلحة ثورتنا وتركيا على السواء، ولا يعني أن أردوغان محسوب على التيار الإسلامي سيترجم انتماءه إلى دعم لا محدود لفصائل إسلامية قد تسبب له مشاكل دولية هو بغنى عنها…

التحالفات السياسية الناجحة والمثمرة تبنى على المصلحة المادية المتبادلة فقط….

إذن خطابنا الإعلامي، وعقليتنا السياسية هما أول الأمور التي تستحق منا المراجعة والتغيير، وفي أبو يزن الشامي ابن الثورة السورية البار خير مثال حين خرج من ضيق المنهج لسعة الإسلام، ومن سواد التحزبات الأيدولوجية إلى بياض قلوب الثوار البسطاء.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق