30‏/08‏/2019

تركيا الخصم والحكم



لو مد الله في عمري سأكتب كتابا أسميه #أساطير_ثورية وسأضع فيه أهم الأوهام التي صدقها ثوار سوريا وانساقوا خلفها، ولعلي أستفتحه بأسطورتي #تركيا_ما_بتبيعنا و #الضمانات_الدولية.

لست من معارضي ومكفري أردوغان، ولا من مناهضي العدالة والتنمية، لكني ببساطة أرى أردوغان وتركيا بمنظور واقعي يوصّف تنوعها وحجمها.

تركيا اليوم ليست دولة الخلافة الإسلامية، بل هي دولة علمانية قومية لمّا تتحرر بعد من نير النظام الدولي المجرم، واتفاقياته المجحفة، رغم أنها تسعى لذلك وبقوة، وأردوغان ليس المهدي المنتظر، ولا أمير المؤمنين الفاروق، بل هو رئيس مسلم أثبت نجاحه لذلك تحيط به المخاطر من كل حدب وصوب.

وحين أقرأ الدعم التركي للثورة لا أقرأه بأنه لدوافع أخلاقية ودينية فقط، بل لدوافع أخرى أهمها المصلحة المشتركة، والمصلحة تخضع للتغير والتبدل، وبالتالي تفرض تبدل الحلفاء والخصوم، فالتعويل على دوام الشراكة هو محض سذاجة وجهل بأبجديات السياسة.

الأنظمة المتصارعة تلجأ لخلق واحتضان أدوات ضغط على بعضها، والغاية منها ليس إسقاط النظام الآخر، بل إجباره تقديم تنازلات توصل الطرفين لحل وسط، وحين يصل الطرفان لحل وسط سرعان ما يتم التخلص من هذه الأدوات من قبل من أسسها ورعاها، أو تسليمها للغريم حتى يحطمها بنفسه، فالدول لا تختار الأدوات على الأنظمة، كنوع من احترام الزمالة والمهنة المشتركة، فحتى في سياسات الدول من تعرفه أفضل ممن تتعرف عليه، والعشرة لا تهون إلا على أولاد الحرام.

حزب ال pkk مثال معاصر حين تخلت عنه أميركا وروسيا لصالح تركيا، رغم ما تأمله ال pkk من ضمانات أقوى دولتين حول العالم، وكانت ساحة التفاوض والمساومة هي #سوريا ، ولا يدل كلامي أن تركيا خانتنا حين ساومت علينا كما يتشدق البعض، بل يدل أننا فشلنا في الارتقاء بأنفسنا من رتبة التابع المأجور، لمنزلة الند البديل لنظام الأسد، والدول لا تراهن على حصان خاسر.

بالعودة للداخل السوري كشمال حلب نجد حالة ممنهجة من الإفساد غايته معالجة الناس بالصدمة لإقناعهم أن المصالحة مع النظام هي طريق النجاة، ومن سيتولى كبرها أناس يُحسَبون على الثورة والجيش الحر لكن ماضيهم وواقعهم مكشوف للكل، هؤلاء سيحاربون بقايا الثوار بعد تشويه سمعتهم، ثم سيبررون خيانتهم عبر شراذم من المرقعين والمطبلين بالواقعية السياسية، والمناورات الديبلوماسية، والاتفاقات الدولية، وضمانات الحلفاء، ولأجل من تبقى، وحتى نعمر البلد من جديد، والناس تعبت وبدها حل، وهاد أفضل السيء، ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وأكتر من هيك ما طالع بالإيد، وسياسة شرعية... إلخ هذه الحجج الواهية التي غايتها تزيين الخيانة وتبريرها.

بالمقابل غالبية كوادرنا الموجودة في تركيا، لا ترى إلا من منظارها، دافعهم الغير مباشر لذلك هو شعورهم نحوها بالامتنان لاحتوائهم، إضافة لحالة الهزيمة الحضارية النفسية التي يحسونها أمام التطور المادي لتركيا مقارنة بسوريا.

وجود هذا الصنف شكل عائقا للتفاهم الصحيح بين الثورة وتركيا، خاصة أنهم يتصدرون المشهد عند المغنم، ويهربون عند المغرم، لذلك نحتاج فعلا لقيادات وكوادر شبابية جديدة أثبتوا حضورهم في المغنم والمغرم على السواء.

أولئك المنهزمون حضاريا أمام تركيا وجهة نظرهم تتلخص بأن الخضوع لتركيا أفضل من الخضوع لروسيا وإيران والنظام، ثم يقولون لك "أرعى جمال أردوغان ولا خنازير بشار"!!
( طيب ما في مجال تكونو محترمين وعندكم كيانكم الخاص المحترم وما ترعو دواب حدا؟
يعني ضروري تصيرو رعيان عند شي حدا!!؟؟ )

يذكرني هؤلاء بالمؤيدين حين كانوا يقولون لنا أول الثورة "إذا راح بشار مين بده يحكمنا !؟"

يعتبرون أي نقد لتركيا خيانة وتآمر عليها ويبررون ذلك بأن حساسية المرحلة لا تسمح وكثرة أعداء تركيا لأنها تبنت الإسلام، ومصلحتنا تقتضي السكوت عن كثير من الأخطاء... إلخ هذا الكلام المثير للغيظ المُسوَّق من باب الحرص على مصلحة تركيا، مع اعتبار أي انتقاد لأردوغان أو السياسة التركية يخدم أعداء الأمة... هذا الانبطاح الغبي يضر تركيا أكثر من أي انتقاد، لأنه يصورها دولة بعثية مخابراتية كسوريا الأسد ( يا أخي والله تركيا فيها معارضة لأردوغان وما حدا بيتهمن بالخيانة والعمالة، وحتى في إسلاميين معارضين لأردوغان ومو من جماعة كولن، فيستر عرضكن اطلعو من جو سوريا الأسد!. )

بنفس الوقت هناك شريحة تعتبر تركيا دولة احتلال، هؤلاء أنصحهم بزيارة مشفى الأمراض العقلية للتعالج من متلازمة التربية القومية الخاصة بالبعث، أو تخريصات الدواعش، أو سموم صهاينة العرب، مع رجائنا لهم بالشفاء العاجل.

ويبقى العقلاء المعتدلون مغيبون قسريا عن المشهد.

ألا يكفينا ما مر بنا بسبب تحكيمنا لعواطفنا، وإحساننا الظن بمن يستحق ولا يستحق، فلنفكر بمصلحية _كحال حلفائنا وخصومنا على السواء_ ولنجعل مصلحة الثورة هي البوصلة للتحرك والموازنة والقياس.

معتز ناصر ( جاد الحق )