01‏/10‏/2017

وقفة مع حركة حماس

وقفة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس

شكلت تصريحات يحيى السنوار _ رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة  _ التي أعرب فيها عن رغبته لإصلاح العلاقة مع النظام السوري، وما تلا ذلك من زيارات لإيران من قيادات حماس، آخرها زيارة وفد قيادي لتقديم العزاء لقاسم سليماني بوفاة والده، شكلت صدمة كبيرة لجمهور الثورة السورية، حيث عدها البعض خيانة من حماس، واستخفاف بتضحيات ومأساة الشعب السوري على حساب تحقيق مصالح حزبية.

وقبل أن نقيّم تحركات حماس علينا وضعها ضمن السياق الذي صدرت به، حيث أتت في وقت بلغ به الحصار على غزة ذروته، وضاقت هوامش التحرك على حماس في محاولة إحداث أي فجوة في الستار الحديدي المفروض عليها، وبنفس الوقت سجل النظام السوري، وإرهابيو حزب ال pkk، تقدما كبيرا على حساب الثوار على الأرض مرده بالدرجة الأولى لفشلنا في إدارة مشاكلنا وخلافاتنا.

لو عدنا لميثاق حماس القديم منه، والجديد، لوجدنا في ميثاقها أنها تقدم نفسها كحركة تحرير وطنية، يقتصر جهادها على الكيان الصهيوني، وضمن أرض فلسطين، وهو ما يعده البعض عامل نجاح قوي، ونقطة تفوق كبيرة تحسب للحركة، إذ حصرت معركتها بما تطيقه وتستطيع أن تنجز فيه، ولم تعطي لنفسها حجما أكبر منها يوقعها في عطالة، أو يكلفها استحقاقات لا تقدر عليها.

إذن فحماس لم تقدم نفسها على أنها الخلافة المتكفلة بعموم المسلمين، وحصرت جهادها بالقضية الفلسطينية، وعملت على تحييد ما أمكنها من أعداء في المسار الجهادي الذي خصت به نفسها.

وبخصوص تلقي حماس الدعم من إيران، فذلك مرده إلى التواطئ العربي والدولي في حصار غزة ما بعد التحرير، ولم يكسر الطوق إلا إيران لتحقيق مكتسبات على الساحة السياسية، وقبلت حماس ذلك مضطرة حفاظا على مصلحة الجهاد الفلسطيني ضد الصهاينة، ونجحت في رد صيالهم في ثلاث حروب أعوام 2008/2009 ، 2012 ، 2014.

العجيب أن بعض المحسوبين على الثورة السورية يتهم حماس بأنها أسيرة الدعم الإيراني، ويلومها على سياستها في حفظ مصلحة الشعب الفلسطيني، ويتهمها بالتقصير في جهادها، وأنا أقول لهذا الأخ حبذا أن تعلمني وتعلم حماس التحرر من ضغط الداعم واللاعبين الدوليين والإقليميين، وتفتح عمل عسكري على منبج أو اللاذقية أو عفرين.

نحن لا نقول أن حماس معصومة عن الخطأ، لكن نريد أن نشير إلى أمور مهمة وهي:

_) الطعن بحماس سيزيد من تفتت الصف السني المتفتت أصلا، وهذا سيساهم بمزيد من الانكسارات ضد أعداء الأمة.

_) حماس حصرت معركتها حسب استطاعتها بالكيان الصهيوني، فعلينا ألا نجرها لمعارك يخسرها السنة في فلسطين، سواءا هي كتنظيم، أو شعب غزة كمدنيين.

_) علينا ألا نقف عند عثرات إخواننا في حماس، ولو فيها ما يجرحنا، لأن المصاب جلل وواجبنا تغليب حسن الظن في إخوتنا.

_) عدم وقوف حماس في صف إيران والنظام السوري طول الفترة السابقة، مع ما عانته من قطع لدعمها من إيران، وتضييق سياسي عليها، هو أكبر تضحية تقدمها لثورتنا لكننا أضعناها بمراهقاتنا وتخبطنا، كما أضعنا الكثير من الفرص الذهبية.

_) لا ينكر أحد أن شخصيات مستقلة من الجناح العسكري لحماس ساهمت في مساعدة الثورة بما لديها من خبرات متنوعة.

_) نجحت حماس في أهم ما فشلنا به، وهو استثمار تضحياتنا العسكرية، في كيان سياسي يمثلها، ويصون ثمرتها، وتجلى ذلك بانسجام الأداء بين الجناحين العسكري، والسياسي لحماس، خاصة في أسر جلعاد شاليط، الذي بقي خمس سنوات في قطاع غزة الضيق دون أن تدري إسرائيل أين هو، ثم بادلت عليه حماس ب 1027 معتقل فلسطيني، شملت بالمبادلة كل النساء وكل المرضى وكل المعتقلين المقدسيين ومن عرب ال 48، بل إنها عام 2009 مقابل فيديو مدته دقيقتين لشاليط، استطاعت إخراج 19 أسيرة فلسطينية من ذوات المحكوميات العالية.
قارن هذا بصفقاتنا مع النظام خاصة صفقة كفريا والفوعة.

_) حماس لم تبغي على عشرين فصيل ثوري من ثورتنا، وفككتها طمعا بسلاحها وسياراتها، بعد حملات تخوين وتكفير، ولم تعرقل كل مشروع للإدارة المدنية أو التوحد، ولم تعتبر نفسها الطائفة المنصورة وفرضت الاندماج على الفصائل الأخرى، وضللت من تأخر عن الاندماج معها.

_) فشلنا وتخبطنا، وتضييعنا للفرصة تلو الفرصة واتباعنا سبيل المزاودين، أدى لتناقص حلفائنا، وزيادة أعدائنا، وتضييق أكبر على أهلنا، فبالنهاية السياسة مصالح، والمصالح تجدها عند الأقوياء المنتصرين أصحاب المشروع، لا المتشرذمين المتصارعين الذين عجزوا عن تكوين مشروعهم بعد ست سنوات من الثورة.

_) سبقت حماس بوعيها وديناميكيتها الكثير منا، فقد تنبهت لخطر التيار الخياني في فتح، الذي يقوده دحلان عراب الثورات المضادة، وقامت بتصفيته في غزة، بالحسم العسكري المشهور صيف 2007، أيضا لم تمهل خوارج جماعة أبي النور المقدسي ليعبثوا بدماء ومستقبل الشعب الفلسطيني، بل اقتحمت عليهم مسجدهم وقتلتهم قبل أن يستفحل شرهم، وحقنت دماء الآلاف من شعبها، عبر سفك دماء تلك الشرذمة الضالة، دون أن تعمل أي اعتبار للمزاودات وأصحابها.

_) هل يا ترى إذا سُحِقَت حماس تحت الضغوط الدولية، أو تعرض شعب غزة لما تعرض له أهل حلب او الموصل، هل سنكون وقتها سعداء بذلك، أو تتحقق به عزة الأمة المنشودة، أو تعود لها أمجادها الضائعة؟

ما الفائدة المادية التي ستجنيها حماس ومن خلفها جمهور الشعب الفلسطيني من تحقيق المكتسبات المهرجانية الفارغة إذا قطعت علاقتها مع إيران وشتمت النظام السوري؟

هل تصفيق جمهور الثورة السورية سيقي أطفال غزة من مصير أطفال الغوطة ومضايا؟

هل تغريداتنا على التويتر ستشكل قبة حديدية فوق غزة تحميها من قصف إسرائيل؟
أوليست هذن العقلية الغوغائية الفارغة هي أكثر ما يتمناه النظام الدولي؟

والله لو أن حماس اتبعت معنا أسلوب المزاودات لوجدت علينا آلاف المآخذ، مثلا:

أليست قيادات القاعدة التي ضللت حماس واعتبرتها انحرفت بسبب دخولها ميدان العمل السياسي، ثم بعلاقتها مع إيران " الرافضية " ، أليست هذه القيادات نفسها مقيمة في إيران " الرافضية " ، وتتلقى دعما منها، وعاشت إيران في سلام من عملياتها!؟

أليست بعض فصائل الجيش الحر تتلقى دعما من أميركا الحليف والداعم الأكبر للكيان الصهيوني؟

ألم يتلقى الجيش الحر دعما من السعودية والإمارات اللتان كانتا سببا رئيسيا في حصار حماس، والتضييق عليها حتى لجأت لإيران؟ بل وضيقتا أيضا على قطر لأنها احتضنت حماس في فترة من الفترات.

لماذا لم تحمل حماس على الثورة السورية لذلك ولم تطعن بها لأجله، ولماذا نحن فعلنا العكس؟؟

لكل  ما سبق علينا ألا نلوم حماس ولو أخطأت، بل يجب اعتبار تحركاتها أنها ناقوس الخطر الأخير، وإن فتح أي جبهة جديدة على حماس، أو محاولة إسقاطها هو عمالة مجانية تقدم لأعداء الأمة، حيث تزيد من تشرذم السنة الذين صاروا أقلية في المنطقة، ينتهشهم القاصي والداني، وعلينا أن نضع نصب أعيننا أن السياسة هي مصالح ومصالح فقط، لا مكان فيها للعواطف الغوغائية.

تبقى حركة حماس كيانا مجاهدا مقاوما يفخر به كل شريف، ولا زلت أدعو إخواني في سوريا للاستفادة من تجربتها الغنية بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات.

جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق