01‏/10‏/2017

كيف دمر حافظ الأسد المجتمع السوري؟

يوري بيزمنوف، عميل سابق للمخابرات السوفيتية، وصحفي لدى وكالة أنباء نوفوستي الروسية، انشق عن الاتحاد السوفيتي عام 1970 وهرب لأميركا وفضح أساليب المخابرات السوفيتية في التخريب.....

التخريب الاستخباراتي المقصود هنا لا يعني نسف الجسور، وتفجير المعامل كما يظهر بأفلام جيمس بوند، بل يعني تخريب النسج الاجتماعية والدينية والقيمية للدولة المستهدفة وذلك عبر الدعاية الموجهة وأساليب الحرب النفسية.

تحدث العميل المنشق يوري بيزمنوف في محاضرة بأميركا عام 1983 عن خطة التخريب الممنهجة التي يتبعها الاتحاد السوفيتي ضد الدول المستهدفة، بغية إسقاطها في فلك الشيوعية.

هذه الخطة تقوم على النخر الاستراتيجي البطيء في محاور رئيسية للمجتمعات وهي:

الدين

التعليم

الحياة الاجتماعية

هيكل السلطة

علاقات العمل.

ومدتها من 15 عاما إلى عشرين عام.

لكن ما علاقة هذا الكلام بحافظ الأسد...!؟

الكل يعرف مدى التقارب بين حافظ الأسد في حياته، وبين الشيوعيين حول العالم، كعلاقاته بروسيا والصين ودول أوروبا الشرقية، وقد عمد حافظ الأسد إلى استيراد العديد من النماذج التربوية الشيوعية كمنظمة طلائع البعث التي اقتبس فكرتها من كوريا الشمالية الشيوعية، ومنظمات الطلبة والعمال والفلاحين التي بدأت فكرتها في روسيا الشيعية، بل حتى أساليب التعذيب الرهيبة تلقاها ضباط المخابرات السورية في الاتحاد السوفيتي، طبعا فيما بعد تفوق التلميذ على الأستاذ.

منذ وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا عبر انقلاب تشرين الثاني 1970، عمل على نفس الخطة وغايته تقويض المجتمع السوري وتدجينه مما يسهل عليه بقاءه في الحكم وتوريثه لسلالته المجرمة من بعده.

بالنسبة للدين قام الأسد بحرب شعواء على كل القيم الدينية الإسلامية، وشجع انتشار الإلحاد تحت ستار الفكر والتنور، وحارب الشعائر والمشايخ تحت شعار مكافحة الرجعية، وشجع انتشار التبرج والانفلات الأخلاقي في المجتمع السوري على أساس أن هذه هي التقدمية التي ستحقق لنا الازدهار، واستغل حربه ضد جماعة الطليعة المقاتلة لاجتثاث كل ما هو إسلامي من مشايخ وجماعات وتيارات فكرية، ونشر بالمقابل ليسد الفراغ الحاصل، التصوف المنحرف الذي يجعل الدين اسما بلا رسم، وحشيشا يعطى للشعب حتى يتخدر ويرضا بالسلطة والواقع، وما جرائم الإبادة في الثمانينات إلا غيض من فيض حرب الإسلام في سوريا التي رفع لواءها حافظ الأسد.

وفي التعليم تم وضع مناهج تقضي على ذكاء الإنسان، وتعلمه الطاعة والانقياد، وتجبره على بذل جهد كبير في تحصيل اللاشيء، حتى صار الطالب السوري كحمار الرحى أعزكم الله، يقدم جهد دراسي جبار ليدور في حلقات مفرغة من الهراء، ويتخرج من الجامعة أخيرا ليجد نفسه أنه عاطل عن العمل والإنتاج والإبداع والتفكير والطموح وبشهادة رسمية أيضا، وأصبح الشاب السوري مقتنعا قناعة تامة أنه ليس بإمكانه تأمين حقوقه الأساسية من منزل وعمل وزواج إلا بالعمل خارج سورية.

أما الحياة الاجتماعية ونعني بها منظمات المجتمع المدني، والحكم المحلي، فتم استبدالها بمنظمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سورية، والاتحاد النسائي، واتحاد العمال، واتحاد الفلاحين، و.... إلخ، وجميعها تتبع للحزب الواحد، حزب البعث العربي الاشتراكي، فكيفما يممت وجهك واتجهت، ستتقلب في كنيف البعث وزبانيته.

وبالنسبة لهيكل السلطة، فهو دولة قمعية مخابراتية ركائزها الأساسية فروع مخابرات ذات باع لا يضاهى من الإجرام والبطش، وفي قمة هرم هذه الدولة تجد أقلية طائفية باطنية من النصيرية ومن نافق لهم من باقي الطوائف، سلطة مركزية ديكتاتورية بيروقراطية، حيرت العلماء والدارسين والفلاسفة، وعجز الكل عن فك طلاسمها.

فلا انتخابات حقيقية، ولا مصداقية لإعلام أو تصاريح سياسية، ولا حرية تعبير أو عبادة، ولا خدمات للمواطنين تناسب ما يستحقه الإنسان، ولا إبداع أو إنتاج أو تقدم بأي مجال أو نوع، حتى في الرياضة.

دولة فساد وإفساد، ضرب التخلف الحضاري بكل أشكاله فيها جذوره عميقا جدا.

وآخر قسم في خطة التدمير هو علاقات العمل، حيث تقوم علاقات العمل في سورية الأسد على الرشوة والمحسوبية والواسطة والبيروقراطية، يقر بذلك ويعرفه المؤيد قبل المعارض، وأصبحت عادة كتابة التقارير عرفا مقبولا ومتوارثا بين الموظفين، فالكل يكتب تقارير بالكل، والكل يتجسس على الكل، وكل ذلك يصب في مصلحة رأس السلطة.

لو طالعنا تقارير التنمية والإنتاج في سوريا قبل حافظ الأسد وبعده لوجدنا فجوة رهيبة، تراجعت معدلات التنمية والإنتاج، وتقدمت معدلات الفساد والتخلف والجريمة والفقر والقمع بشكل لايوصف، فالدولة التي لقبت يوما ما بيابان الشرق الأوسط، وحازت عاصمتها بكل جدارة على لقب أجمل مدينة في الشرق الأوسط لعام 1950، أصبحت اليوم قاعا صفصفا، وهشيما تذروه الرياح، وصار أهلوها ما بين شهيد ومشرد ومعاق ويتيم وأرملة وثاكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قد يقول البعض أن ما حصل هو بسبب الثورة، وأن الثمن الباهظ الذي ندفعه اليوم هو ثمن الكلام، لكن الدين والواقع والتاريخ يقولان أن هذه الفاتورة الباهظة هي ثمن الصمت والسكوت وليست ثمن الكلام، فحين عبد بنو إسرائيل العجل لخمسين يوم فقط، ابتلاهم الله بكفارة عن جرمهم بظلمة تغشاهم، وأن يقتل بعضهم بعضا، فبلغ عدد قتلاهم في حربهم الأهلية سبعين ألف، فما ظنكم بشعب عبد العجل لأكثر من خمسين عام حتى أُشرِبَت عبادة العجل شغاف قلبه، وتوارثها في جيناته....!؟

جاد الحق

مقالات جاد الحق

تلجرام telegram.me/jadalhaqarticles

فيسبوك https://www.facebook.com/jadalhaqarticles/

تويتر https://twitter.com/freetalker2017?s=09



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق