27‏/05‏/2018

تجفيف مستنقعات ضفادع الثورة

سبع سنوات من المواجهة العسكرية بين الثورة والنظام السوري أورثت الطرفين عجزًا شديدًا، لكن بالنظر إلى موارد كل طرف وداعميه، ومقدار قوته في بدء المعركة، ندرك حجم الإنجاز العسكري الضخم الذي حققته الثورة في ثباتها إلى الآن رغم ما واجهها به النظام.

الثوار إلى اليوم رغم محدودية إمكاناتهم العسكرية ينتهجون المواجهة المباشرة التي كانت سببًا في كسرات متتالية لهم أمام النظام، بينما النظام رغم موارده الضخمة يعمد إلى الأسلوب الأنجح، والأقل تكلفة وهو الحرب الاستخباراتية التي عمودها الفقري ” زرع الضفادع ” في صفوف الثوار.

حالة الشبيح بسام ضفدع، أو (ضفضع) كما تكتب بالعامية، ليست وليدة صدفة، أو نتيجة عملية استخباراتية معقدة.

فالضفدع ليس جسمًا غريبًا حقن فينا على غفلة، بل كان شرغوفا عاش وتكاثر على صفحات مياهنا الراكدة التي لم تحركها الثورة، وبالتالي نحن نتحمل ما جنيناه على أنفسنا.

ما يدفعني للكتابة المتأخرة عن ظاهرة ” ضفادع الثورة ” هو انحسار الثورة، وتجمع الثوار من كل سورية، في الشمال الغربي منها، وبواقعية نقول: إن النظام بعد أن قام بتصفية جيوب الثورة في مدينة حلب وحمص ودمشق وما حولها، ستمتدُّ مطامعه لا محالة إلى الشمال السوري، حتى وإن تأخر في افتتاح حملة عسكرية عليه لاسترجاعه، ولا ننسى أن الاختراقات المخابراتية للنظام تبدأ قبل سنوات من الحملة العسكرية النهائية، ونتائج الاختراقات هي ما يحدد مصير الحملة العسكرية الخاتمة.

النظام اليوم سيلتقط أنفاسه العسكرية اللاهثة، وقد يستغرق الأمر معه بضع سنين، في هذه المدة سيترك دفة القيادة للعمل الاستخباراتي الذي يؤسس له لإعادة احتلال الأرض، وقلنا إن العمود الفقري لاستخبارات النظام هي توليد الضفادع في صفوف الثوار، اعتمادًا على المستنقعات والمياه الراكدة في المحرر التي لمّا تجففها الثورة بعد، وهنا يقفز لنا السؤال الأبرز، من هم الضفادع في الشمال؟

بالطبع كل واحد فينا، وبنسبة خطأ لا تتجاوز الخمسة بالمئة، يستطيع أن يسمي فصائل وشخصيات ستكون حجر الأساس للمشروع الضفدعي بالشمال، لكن ليكون عملنا أقرب للانضباط العلمي، وأبعد عن الشخصنة، سنذكر أهم صفات الشراغيف الذين سيتحولون إلى ضفادع، إذ هناك نوعين للضفادع:

1) أصلية: وهم الذين لم يدخلوا الثورة ولم يعرفوها، ويرون أن سورية قبل الثورة أفضل مما هي اليوم، وأن النظام رغم مساوئه أفضل كثيرًا من الثوار، بعبارة مختصرة هم جماعة (كنا عايشين)

عمل الضفادع الأصلية يكون ذو منحيين، الأول هو نشر الإشاعات وإضعاف الشعور الثوري، وزرع الفتنة والإرجاف بين الثوار، فهم معاول هدم اجتماعي للمجتمع الثوري عبر تضخيم أخطاء الثورة، وتقزيم إنجازاتها، مع ترقيع وتلميع لعورات النظام.

المنحى الثاني وهو العملي، ويكون عند اقتراب الحملة العسكرية للنظام على مناطقهم، حيث يتواصل معهم النظام وحلفاؤه، ويشترونهم بثمن بخس مقابل أن يصبحوا سماسرة للمجرمين، هدفهم توريط ضعفاء النفوس في عقود الاستسلام المخزي للقتلة تحت شعار المصالحة الوطنية.

طبعًا الضفادع الأصلية ليست بخطورة النوع الثاني من الضفادع، لأنها مكشوفة للجميع والكل يتوقع منها الدور المشبوه.

2) النوع الأخطر من الضفادع وهي المتحورة: الضفدع المتحور لم يكن شرغوفا، بل كان مقاتلاً، أو شرعياً، أو قاضياً، أو إعلامياً، وربما قائد فصيل، لكن بداخله بذرة الضفدعة، التي كانت تنمو بشكل تدريجي، دون أن يفطن الثوار لخطورتها.

أغلب من كان محسوبًا على الثورة، ثم ارتد لحضن بشار، ستجد أن ثورته لم تكن نقية، بل فيها الكثير من الدخن والشوائب، فإما كان داعشيًّا، أو قسديًّا، أو من مجموعة مفسدة، أو شخصية مسيئة، أو من فصيل أنشأته جهة استخباراتية أو عسكرية غربية لتنفيذ أجنداتها، أو تلقى دعمًا من جهة خارجية معادية للثورة.

فإن وجدت فصيلاً اشتهر بالإفساد، واحتواء الدواعش والمسيئين، وخرجت منه نسب كبيرة من الخونة لحضن النظام أو قسد، وهناك جهات دولية ترعى مصالحه، وتؤمن دعمه، وتجره لمؤتمرات دولية تقتل فيها الثورة وتشرح جثتها، فكن على يقين أن أتباع هذا الفصيل هم ضفادع المستقبل.

وإن وجدت إعلاميًّا لا يبالي بسمعة الفصيل الذي يعمل معه، ويقوم بالتشبيح والترقيع له مقابل رزمة دولارات، ووضع اسمه على المعبر، فهذا الإعلامي من ضفادع المستقبل.

وإن وجدت ناشطًا يعمل مع منظمات مشبوهة، ويقدم لها الدراسات، ويرفع لها الكشوف، ويروج لأجنداتها الهدامة في المجتمع مقابل مال حرام، أو ترويج إعلامي فاجر، أو مكانة اجتماعية لا يستحقها، فهذا الناشط سيصبح ضفدعًا متميزًا في مستنقع النظام.

في كل مجتمع يوجد محظورات يصنف فعلها خيانةً عظمى يعاقب مرتكبها بالإعدام، إلا في مجتمعنا الثوري، فبإمكانك أن تنشر دعاية النظام، وتشكك بمبادئ الثورة، وتتنازل عن استقلالية قرارها، وتسيء وتفسد باسمها، كل ذلك وأنت مرتاح الضمير، مرتاح البال، لأنه لا أحد سيجرؤ على مهاجمتك، خاصة بوجود قطعان من المرقعين المنتفعين بخيانتك، الذين سيتولون مهمة تلميعك بكل سرور، بينما لو امتلكت ثورتنا مقصلة كمقصلة الثورة الفرنسية، تطير رؤوس الضفادع الأصليين والمتحورين، لجفت مستنقعات العمالة والذل، واستحالت أرضها حدائق وجنان حرية.


جاد الحق


26‏/05‏/2018

قصة الاستبداد والحرية في القرآن الكريم 1


ما السبب أن جعل الله ثلث كتابه الكريم قصصا؟

الجواب ببساطة أن القصة هي أفضل أسلوب للتعليم وإيصال ما تريده للمتلقي، فقصة شائقة، عذبة الألفاظ، سلسة المعان، تؤدى بأسلوب جذاب، تغنيك عن ساعات طوال من التلقين، وتترك أثرا في السامع أبلغ من أثر البراهين المنطقية الجافة.

الرجاء من الجميع أن يأخذوا أماكنهم, ويحبسوا أنفاسهم فالعرض السينمائي القرآني الماتع لقصة الاستبداد والحرية سيبدأ.....

إنها مصر قبل حوالي 1500 عام من ميلاد المسيح، مجتمع مكون من قوميتين هما أهل الأرض ( المصريون ) ووافدون غرباء من فلسطين يعاملون كعبيد من المصريين، وقد تطاول الدهر على أولئك الوافدين حتى استمرؤوا الذل وتطبعوا عليه، لدرجة يعدونه أمرا طبيعيا، وما سواه ( الحرية ) أمرا مستهجنا مخالفا للطبيعة!!!

رأى فرعون ( الحاكم المستبد ) رؤيا أفزعته، مفادها أن ذكرا من بني إسرائيل سيسلبه ملكه!!

أمر فرعون بقتل كل ذكور بني إسرائيل، فانطلقت المخابرات الفرعونية تقتحم بيوت بني إسرائيل لتفتش عن الأطفال الذكور، وما إن يجدوا طفلا ذكرا حتى يقوموا بكل احترافية, ومهنية بتنفيذ الأوامر الفرعونية بذبحه، ثم يخرجون من البيت وكأن شيئا لم يكن!!

لابد أن الجندي الفرعوني قد برر لنفسه جريمة قتل الطفل بأنه عبد مأمور ينفذ القوانين التي تصدرها الدولة الفرعونية، وأن ما يفعله ليس إجراما بل هو حماية للوطن، وتخيل المشهد أن جنديا يدخل بيتا لبني إسرائيل فيجد صبيا رضيعا في مهده فيسل سيفه ويذبحه دون أدنى مقاومة أو اعتراض من والدي الصبي!

فهما لا يريدان المشاكل، ويمشيان قرب الجدار، ولا يوجد في قاموسهما معاني الحرية والمقاومة والعزة والكرامة، لا ننسى أن طول الأمد تحت الاستبداد قد أورثهما وغيرهما استمراء الذل والمهانة....

" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ "

الوضع أصبح حرجا، وبنو إسرائيل يعيشون الذل مستكينين له، وفرعون بلغ به الطغيان أن نصب نفسه إلها على مصر، لا بد من رسول من الله يجلي الغمة، ولا بد من وحي سمائي ينير الظلمة، وهنا أذن الله أن يلد المخلص موسى صلى الله عليه وسلم...

" وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ "

لكن كيف سيلد موسى ويتربى في هذه الأجواء الموبوءة والمدمرة لشخصية الإنسان؟

هو إن سلِمَ من سيوف مخابرات فرعون، فلن يسلم من انتكاس فطرته عبر التربية الإسرائيلية المذلة، التي تطمس الشخصية وتدجن الفرد لصالح السلطة المستبدة، فكيف سيخرج من أناس اعتادوا أن تقتاد بناتهم أمام أعينهم للخدمة في منازل الفراعنة وما سيتعرضن له من امتهان، وقتل لذكورهم الرضع في مهودهم أمام أعينهم، كيف لهم أن يخرجوا حرا قائدا ذي شخصية قوية، يتحدى المستبد فرعون الذي ادعى الألوهية، ويثور ضد دولته الإجرامية؟؟

من أجل ذلك قضت حكمة الله أن ينشأ موسى في قصر فرعون منبع السلطة، ومثوى الغنى والرفاه، حتى تتبلور شخصيته كقائد حر ينقذ شعبه من جحيم الاستبداد الفرعوني، لنعيم طاعة الله وعبوديته، وأيضا حتى يرى موسى فرعون بحالته البشرية الضعيفة الحقيقية بعيدا عن هالات الإعلام المأجور الذي صوره إلها، سيراه موسى بشرا يأكل الطعام، ويشرب، ويقضي حاجته، تماما كأي بشري آخر، وبالتالي ستنكسر هيبته في صدر الرسول القائد الحر موسى صلى الله عليه وسلم.

وفي خلاص ذلك الرضيع المبارك لفتة إلهية تعبيرية جميلة حيث يقول الله موحيا لوالدته " فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ " فأحيانا لا تكون السلامة إلا في قلب الخطر، ولا تدرك العافية إلا في قلب العاصفة، إذا خفتِ عليه فألقيه في اليم رسالة لكل أم تخشى على ولدها من الأذى إن سلك طريق تحرير الأمة، والجهاد في سبيل الله.

فرعون المستبد يريد مغالبة إرادة الله وذلك بقتل ذكور بني إسرائيل في بيوت أهليهم، إذن سيأتي الله بنيان فرعون وهامان وجنودهما من القواعد ليخر عليهم السقف، وسيلتقط آل فرعون مهلكهم بأيديهم ويحبونه ويتخذونه ولدا، ويربونهم كأمير فيهم " فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًاَ ".

وفعلا شبّ موسى وكَبِر، وحان موعد أدائه للخدمة العسكرية الفرعونية في جيش الطاغية، هناك حيث يساق الشباب وهم في فورة صباهم إلى معسكرات التجنيد الإجبارية في خدمة الطواغيت، حيث يعاد تدجينهم كمواطنين " شرفاء " يدينون بالولاء لحساب الطاغية فقط، وذلك لا يتم إلا بمراحل طويلة من التعذيب والإهانة وكسر الكرامة والعزة في قلوبهم، ثم يتخرجون من هذه المعسكرات وحوش بشرية تحمل في قلبها حقد لا يوصف على مجتمعاتها، وتنتظر الفرصة السانحة لتفريغ هذا الغل.

لذلك نفهم لماذا قيض الله لرسوله موسى حادثة قتل المصري ومن ثم الهروب لمدين " فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " وقد كان له ذلك، خرج من مصر مهاجرا فارا بدينه خائفا من بطش فرعون وزبانيته، ثم عاد إليها رجلا مكتمل القوة والرشد، رسولا من الله لبني إسرائيل، مؤيدا بمعجزات رب العالمين.

لكن كيف تعامل فرعون مع موسى حين عاد له بالرسالة؟

حاول أن يسقطه بنظر الرأي العام عبر:

1) تذكيره والناس أنه ربي في قصر فرعون، في رسالة تحمل معاني أنه ناكر للجميل، أو جاسوس يعمل لحساب فرعون من أجل توريط بني إسرائيل، والدليل أنه تخريج قصر فرعون.

2) إثارة سجل موسى القضائي في مرحلة ما قبل البعثة، فهو قانونيا متورط في جريمة قتل، وفار من وجه العدالة، فكيف يصبح المجرم المطلوب للدولة مصلحا اجتماعيا أو مخلصا، فضلا على أن يكون رسولا!!

وفي كل موقف يقرن القرآن الكريم في المواقف والحساب عليها بين فرعون، ووزيره هامان، وجنودهما من العبيد المأموريين أو المجندين إجباريا، فهم سواء في الطغيان، سواء في العقاب والمآل " إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ".

وحين ضاق فرعون ذرعا بقضية موسى، وعجز عن الرد عليها بالبراهين والحجج، لجأ لأسلوب الطغاة المفضل في مواجهة المصلحين ألا وهو القتل، لكن فرعون كرأس سلطة سياسية لا يجدر به أن يتصرف كزعيم عصابة، بل عليه أن يخرج جرائمه بصبغة سياسية قانونية، لذلك يطلب التفويض من الشعب لقتل موسى لأنه عميل لجهات استخباراتية خارجية، وغايته نشر الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ "

إذن المعركة هي بين السلطة الساهرة على أمن الوطن وراحة المواطن، وبين مندسين عملاء لجهات خارجية غايتهم إثارة القلاقل الداخلية، وليست كما يصورها إعلام موسى أنها مواجهة بين حق وباطل، وخير وشر، وثورة ربانية لتعبيد العباد لرب العباد، وسلطة مستبدة كافرة تعبد العباد لعبد منحرف.

لكن ما هو موقف بني إسرائيل في كل هذه الأحداث؟

في الجزء الثاني بإذن الله......

جاد الحق




09‏/05‏/2018

عقليات باب الحارة

#عقليات_باب_الحارة 🔪 💪

ما أزال أرى أن ما يسمى الدراما السورية هي إحدى أهم أدوات النظام السوري المجرم لتدجين الشعب السوري، وتلقينه كل فاسد من الأخلاق والقيم والسلوك.

خطورة ما يُقدِّمه في المسلسلات السورية لا يقتصر على مشاهد العري وأجواء الانحلال الأخلاقي التي يحاول المخرج من خلالها إقناعك أن الشعب السوري هكذا، بل تكمن الخطورة الحقيقية في القيم الفاسدة التي تمرر من خلال شاشة التلفزيون لتتسرب إلى لاوعي المشاهد حتى تُعيد توليفه من جديد.

مسلسل باب الحارة بأجزائه المختلفة أكبر مثال على دور التلفزيون والدراما في صياغة العقل الجمعي للشعب، فهذا المسلسل الذي يفترض أنه يحاكي البيئة الدمشقية أيام الاستعمار الفرنسي ترك في سلوك مشاهده السوري وسما واضحا، فصار كلُّ مشاهد يظن نفسه أنه العكيد معتز أو العكيد أبو شهاب، وكل عائلة أو عشيرة، أو أهل قرية أو مدينة أو حي، بل حتى فصيل عسكري، هم أهل حارة الضبع الذين ملأت أخبار معاركهم وذكرياتهم وانتصاراتهم على من خالفهم المشارق والمغارب.

طالما أن لي عصبة جاهلية مثلي تَسندُ ظهري فأموري في السليم، أستطيع حلَّ أكبر مشكلة بدقائق أمضيها في توجيه وتلقي اللكمات والرفسات، وطعنات الأمواس والشبريات!

لماذا التعقل، ولماذا التفكير، ولماذا التبين، ولماذا التورع عن المشاكل، طالما أنني العكيد أبو شهاب، وبظهري عائلة أو عشيرة أو فصيل من القبضايات كحارة الضبع؟ العقل والتورع ومعرفة رأي الدين في المشاكل هي صفات سلبية تليق بالشخصيات الضعيفة والهامشية كالشيخ عبد العليم، وأبي بدر زوج فوزية، بينما السفه والطيش والخفة وحل المشاكل بالطريقة الجاهلية هي دليل الرجولة والشجاعة كشخصيات أبو شهاب ومعتز، لاحظ كيف يتم ربط القيم الإيجابية بشخصيات سلبية في العمل، يتم تقديمها بأسلوب هامشي وسطحي، والصفات السلبية تربط بشخصيات إيجابية، يتم تقديمها بالعمل على أنها نجوم وركائز أساسية في المسلسل، وهذا ما يجعل المتلقي خاصة إن كان طفلا أو مراهقا يتقمص السلوك السلبي حتى يتحول لديه لقيمة، عبر تعلقه بالشخصية التي خدعه بها المخرج بتقديمها بأسلوب جذاب.

وتتعزز هذه القيم السلبية بأجواء النكبات الاجتماعية والسياسية التي نعيشها مع غياب سلطة من أي نوع، وتراجع الوازع الأخلاقي والديني والاجتماعي، وبمعادلة بسيطة نجمع فيها انتشار عقلية باب الحارة + نزوح وتهجير + حالة حرب + فقر = ما حصل في مدينة الباب من اشتباكات مناطقية خلفت العشرات ما بين قتيل وجريح.

نحتاج إلى إعادة بناء منظومتنا القيمية الإيجابية، وترويجها عبر شخصيات عامة تصلح لأن تكون قدوات يمشي على أثرها باقي المجتمع، ونحتاج إلى تعزيز ثقافة المؤسسات في المجتمع حتى يسهم المواطن العادي بجعلها تأخذ مكانها الذي تستحقه، وإلا فسنشاهد مزيدا من حلقات باب الحارة في مناطقنا المحررة.

جاد الحق
جريدة حبر