30‏/09‏/2017

اندماج الفصائل السورية بين الممكن والخيال العلمي

اندماج فصائل الثورة السورية بين الممكن والخيال العلمي

لقد طغت أخبار اندماج الفصائل على أي شيء آخر، حتى غدت حديث الناس في سهراتهم واجتماعاتهم، وصرت أشك لو أني فتحت صنبور المياه لنزل منه تسجيلات صوتية للشيخ فلان يبشر بها بقرب الاندماج المنشود الذي سينهي كل آلامنا ويحقق كل أحلامنا، أو مقال للمفكر علاّن ينذرنا بالويل والثبور وخراب الدور من هذا الاندماج، ثم عشرات الردود، ومئات الردود على الردود، وآلاف التعليقات.

وبما أن الكلام عن الاندماج أصبح ” موضة ” خريف وشتاء سنة 2016 فقد قلت لنفسي لِمَ لا أكتب أنا ” العبد الفقير لله ” و ” الثائر المعتر الدرويش ” عن هذا الاندماج قبل أن يصبح حقيقة وأكون قد خرجت من المولد بلا حمّص!؟

يلّح في بالي عدة أسئلة مهمة جدا قبل أن نندمج، مثلا من نحن!؟

هل نحن ثوّار وطنيون سوريون مسلمون نرى في ثورتنا جهاد في سبيل الله وقتالنا هو بالدرجة الأولى للدفاع عن المستضعفين وتحقيق آمالهم بالحرية والعيش الكريم ويجمعنا علم الثورة، وغايتنا بناء دولة سورية بما يتوافق مع دين أهل البلد وثقافتهم، أم نحن جهاديون عالميون نلبس الأفغانية، ونرفع رايات مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وغايتنا إسقاط أميركا وكل أذنابها من الحكومات العميلة والمرتدة وإقامة دولة خلافة إسلامية واحدة تحكم بشرع الله من المحيط الهادي إلى الأطلسي، مع التنبيه إلى أن علم الثورة راية عمّية…..

من نحن بالضبط…….!؟

سؤال آخر: على ماذا نجتمع؟

سيأتي الجواب ببساطة على الثوابت….

وما هي هذه الثوابت؟ ومن سيحددها؟

هذه الأسئلة هي غيض من فيض والتي يفترض الإجابة عليها قبل أن نندمج حتى نعرف أين نضع رجلنا، ويفترض أيضا أننا قد أجبنا عن هذه الأسئلة قبل زمن طويل، أما اليوم حين شد النظام حبله على رقبتنا ليخنقنا فأظن أنه من المتعذر الإجابة عنها والأولى إرخاء قبضة النظام بعمل عسكري والتوقف عن إضاعة الجهود وتشتيت الساحة بالأخذ والرد والتنازع بمسألة الاندماج.

الضغط الشعبي والكلام عن الاندماج زاد بالفترة الأخيرة بسبب حالة التراجع العسكري للثورة والتي سببت حالة من القلق في الحاضنة الشعبية تم التعبير عنها بالسخط على الفصائل، وتم ركوب موجة هذا السخط من قبل أعداء الثورة من النظام والدواعش عبر العمل لإسقاط الفصائل من قبل الحاضنة، والتي فسّرت هذا التراجع بالتشرذم وكثرة الفصائل.

جدير بالذكر أن النظام المتقدم علينا عسكريا لديه تقريبا 66 فصيل من الميليشيات الطائفية تحارب بصفه كلواء أبي الفضل العباس وما يسمى بالنجباء، ناهيك عن الميليشيات القومية ذات التوجه اليساري كنسور الزوبعة والحرس القومي العربي، إضافة لقطعان الشبيحة المحليين الغير مؤدلجين وبقايا جيشه المهترئ، وقوات روسية وإيرانية.

لماذا لا نسمع في صفوف النظام دعوات لدمج وتوحيد هذا الخليط العجيب الغير المتجانس!؟

الجواب يعود لسببين:

أولا: وضوح البوصلة عند العناصر السابقة ذكر جميعها على الأقل للمستقبل القريب، ويتمثل هذا الوضوح بالقضاء على الثورة السورية والشعب السوري بأي ثمن، أما تقسيم الكعكة فيؤجل إلى ما بعد النصر على العدو.
ثانيا: انضباط هذه الميليشيات إلى حد كبير بالقرار العسكري والسياسي النابع من القيادة المشتركة الواحدة، مما يعطيها حالة من النظام والانسجام أقوى من الفصائل الثورية، وتترجم هذه الحالة بانتصارات على الأرض.

فبالله عليكم ألسنا نملك من المقومات المشتركة للاجتماع من الدين واللغة والعادات وصلات القربى والجوار ووحدة الهم والمصير أضعاف ما يملكه عدونا؟

الجواب طبعا نملك

إذن لِمَ على الأقل لم نوحّد خطابنا السياسي أو قيادتنا وقرارنا العسكري؟
فكيف من عجز عن هذا البعض من التوحّد سيقوم نفسه بذاك الكل من الاندماج!؟ يتسائل مراقبون….

ثم إن من سيحقق لنا اندماج العمر هو نفسه من أعاق وخرّب كل الاندماجات السابقة، ألا وهم قادتنا الأشاوس الذين لم يجمعهم ببعضهم لا الدين ولا المصلحة الدنيوية المشتركة.

فهذا الإصرار العجيب على البقاء على الكرسي والعض عليه بالنواجذ، يذكرني بشعار إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد، والذي كانت جماهير الشعب السوري تردده بعفوية وقناعة وضع 46281967619307168 خط تحت هاتين المفردتين، في كل مرة نجدد بها البيعة للقائد الخالد الفذّ الملهم، وحيد دهره وفريد عصره.

يبدو أننا قبرنا قائدا خالدا واحد، لكننا استنسخنا منه عشرات…..

ومما يزهدني أيضا في حكم أندلسٍ على رأي الشاعر، تسجيل صوتي لبعض قادة الفصائل المعروفة بتضحياتها وجهادها، يصرّح فيه ألا مشكلة لديه بالتنازل عن القيادة لصالح الصف الثالث والرابع، ويبقى هو وزملاؤه من القادة السابقين الذين سيصبحون عاطلين عن العمل كمجلس أمناء أو شورى يتحفوننا بنصائحهم الفذة وتوجيهاتهم الفريدة…..

سبحان الله زهد بالإمارة ما بعده زهد، وتغليب للمصلحة العامة يعجز البيان عن وصفه…..
أخطر ما يهدد الثورة هو حشرها في نماذج مسبقة الصنع متنافرة، مثل اندماج يجمع مايسمى بالفصائل المعتدلة بطرف، وفتح الشام ومن معها ممن يدعى فصائل إسلامية طرف آخر، فتتكرر لدينا ثنائية صحوات ودواعش، وهي عبارة عن مسلسل حزين مدمر من مليون جزء مزّق المقاومة العراقية، وبعثر معها العراق شعبا ودولة، وجعلهما لقمة سائغة بفم الذئب الإيراني المتربص.

طبعا لابد من التذكير أن جبهة درعا التي انخفضت فيها درجة حرارة المعارك إلى ما تحت الصفر بألف درجة رأس الحربة فيها هو ما يسمى ” الفصائل المعتدلة “، وأيضا حلب التي تملك العشرات من هذه الفصائل المعتدلة سقطت بيد النظام بسرعة الضوء، وتباهى النظام عبر إعلامه بكمية السلاح والذخائر التي تكفي تحرير سوريا وغنمها النظام من مستودعات هذه الفصائل.

أو النوع الثاني من الاندماجات، وهو اندماج ” كلنا قاعدة ” وإن صنفونا إرهاب قلت الشرف يا احباب، حيث سيختصر الساحة الشامية بمفهوم ضيق أحادي البعد، ويستجلب عليها من البلاء ما يدك الجبال الرواسي، خاصة أن القاعدة ليست لها تجربة حكم وإدارة واحدة ناجحة يستند عليها في بناء دولة، وكل ما تعرفه عن الإدارة هو ما سطره لها أبو بكر ناجي في رائعته الخالدة ” إدارة التوحش ” .
وطبعا القاسم المشترك لفشل كل مبادرات الاندماج السابقة واللاحقة هو دور البطولة المكرّر الذي يقوم به نفس الممثليين من القادة، إذ عقمت نساء المسلمين أن تلد وجوه جديدة خليقة بالقيادة.

وأنا أعجب من كل صوت لقائد أو شرعي أو إعلامي يطالب الفصائل بالتوحد الآني دون أن يقدّم أي مساعدة لهذا التوحد!؟، فهل مثلا من يدعو للتوحد قدم سياسة مالية مشتركة للفصائل تستند عليها حتى تستطيع جمع مكاتبها المالية، أم هل قدم هيكلية إدارية وتقسيم للسلطات تعتمده الفصائل خلال فترة معينة كتسهيل لجمعها ودمجها؟، بل هل أصلا الفصائل فيما بينها متفقة على توجه سياسي واحد، أو مرجعية شرعية وقضائية مشتركة!؟ الجواب على كل ما سبق هو ” لا ” فكيف ستندمج الفصائل وعلى ماذا!؟

حتى فيروز في الأغنية الشهيرة سألت حبيبها لوين رايحين!؟ إذ رغم حبها له فمن حقها أن تسأل وتستفسر حتى يطمئن قلبها، فلماذا نحن حين نسأل قادتنا وشرعييهم لوين رايحين تأتينا عشرات الآيات والأحاديث التي تبشرنا بخزي الدنيا وعذاب الآخرة إذ نتطاول على من يمثل شرع الله ونشكك بهم!؟

والله يا معاشر قادة الفصائل والعلماء وطلّاب العلم أنا أسامحكم بالاندماج الكامل وأسامحكم بكل أخطاء السنوات السابقة إن استطعتم فقط أن توحدوا لنا القضاء، أو الجهد العسكري بما يرجع لنا زمن الانتصارات الجميل، وحينها ستدفعوني رغما عني أن أصدق دعواتكم الاندماجية.

إذا كنا نريد الاندماج حقا فلنعمل له عبر الأخذ بسنن الله الكونية حتى يكون نموذجا تطبيقيا واقعيا يرضي الله بأمره بالاعتصام وذلك عبر الخطوات التالية:

1) إيقاف خطاب المزاودات والتخوين، وسياسات الإسقاط والتشهير الإعلامي من جميع الأطراف.

2) الاتفاق على مرجعية شرعية مؤهلة وإعطائها صلاحيات تسهّل عملها، واعتماد علم الثورة السورية راية لجميع تشكيلات الثورة.

3) غرفة عمليات عسكرية واحدة تجمع الكل وتوحّد الكلمة والعمل.

3) توحيد المحاكم والقضاء، والحواجز، وتفعيل دور الشرطة الحرة، وفصل العسكرة عن الإدارة المدنية، وتسليم ملف الإدارة والخدمات لمن يحقق شَرطَي القوي الأمين.

4) توحيد مناهج المعسكرات وخاصة الشرعية منها، والقيام بمعسكرات مشتركة تجمع كل الفصائل.

5) توحيد الخطاب والعمل السياسي والإعلامي.

6) اعتماد سياسة مالية وهيكلية إدارية واحدة عند جميع الفصائل تمهيدا لدمجها.

7) أن يكون الاندماج شاملا لجميع التشكيلات الثورية المدنية منها والعسكرية، وكل يعمل باختصاصه، مع تقديم الأكفاء والكوادر وإقصاء غير الأكفاء عن القيادة، وأولهم القيادات الحالية.

بهذه الخطوات المنطقية التي تراعي أمر الله وسننه، نحصل على اندماج ناجح وله قابلية للاستمرار والتطور لدولة في فترة لا تتجاوز السنة الواحدة بإذن الله.

” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا “

” إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنه بيان مرصوص “

بهاتين الآيتين الكريمتين ومثلهما من كلام الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، يتم افتتاح كل بيان يتم فيه إعلان انشقاق فصيل أو ولادة فصيل جديد يزيد المتفرق تفرقا، وكأن تالي البيان يريد أن يزرع في عقولنا معنى مضاد للمعنى الأصلي للآيات التي توجب الوحدة والاعتصام، وهو ما حصل فعلا…!

لذلك أخي الثائر والمجاهد والمواطن العادي لا تنخدع بكل دعوة للاندماج تسمعها لأن من يسوّق لها اليوم عبر التلاعب بكلام الله وشرعه، له مقاطع على اليوتيوب شاهدات على كذبه ودجله، ولو كان حريصا على الساحة بحق لما وجدناه ينادي بالاندماج، لأنه ببساطة سيكون مندمجا مع إخوانه، متلاشيا معهم، بعيدا عن البهارج وعدسات الإعلام والأضواء، وما كلام الاندماج إلا هروب للأمام من تراكمات الفشل الثوري المتوارثة، ولاتزال أشباح اندماجات الجبهة الإسلامية والشامية والجنوبية تغزو أحلامنا وتعكر صفو أملنا.

جاد الحق

سحر باقية وتتمدد

سحر باقية وتتمدد

البساطة والوضوح أهم عوامل انتشار الأفكار ورواجها، لأنها تزيد من عدد معتنقيها، وتسهل فهمها وشرحها ونقلها.

في سورة الكهف نجد أن ذا القرنين وصل لقوم لا يكادون يفقهون قولا، أي أن لغتهم لا يفهمها أحد، وطلبوا من ذي القرنين بناء سد لهم، من المعروف أن خطة بناء السد هي خطة هندسية معقدة جدا وصعبة الفهم على غير المختصين، لذلك قام ذو القرنين بتجزيء الخطة إلى مراحل، وحول كل مرحلة لطلب واضح ومفهوم، وعبر عن كل مرحلة بكلمات يسيرة.

الأولى آتوني زبر الحديد، أي قطعه الصلبة الكبيرة.

الثانية انفخوا أي أشعلوا نار.

الثالثة آتوني أفرغ عليها قطر، أي نحاس مذاب.

وحتى في علم الاجتماع وعلم النفس نرى كيف ترتبط الشعوب والحضارات بالرموز والشعارات بسبب اختصارها لمعاني كثيرة، ودلالتها المرتبطة بوجدان معتنقيها، ومالها من أثر في جمع الناس والسيطرة عليهم وتوجيههم بقوة سحرية.

فالمسلمين في غزواتهم الأولى اتخذوا شعارا كشعار أمت أمت.

والناس في مظاهراتهم تراهم كلهم يرددون شعار واحد يعبر عنهم وعن مطالبهم.

والأحزاب والحركات الأيدولوجية بعمومها لديها شعارات، وكلما كان الشعار مختصرا معبرا، كلما كان أكثر رواجا وتقبلا، وكما كانت الأهداف قصيرة واضحة، كلما تعلقت قلوب وعقول طامحيها بها أكثر، كلما ازداد تكرار هذا الشعار ازداد ترسخه في لاوعي معتنقيه ومستمعيه، وأصبحت له سطوة كبيرة في توجيه حركة الشعوب.

من منا لا يحفظ شعار حزب البعث العربي الاشتراكي وأهدافه!؟
أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
أهدافنا وحدة حرية اشتراكية.

لاشك أن التجديد للحركات السياسية ضروري ومطلوب لتتناسب مع الواقع المتغير، وحزب البعث العلماني القومي كان له نصيب الأسد من التجديد عبر إنشاء فرع جهادي سلفي رديف له وهو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وكما أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة أصبح لدينا الدولة الإسلامية باقية وتتمدد.

في كل الإصدارات وكل الأناشيد وكل معارك تنظيم الدولة وكل شعاراته تجد العبارة السحرية المغناطيسية باقية وتتمدد.

عبارة عبقرية مقتضبة مفهومة وخفيفة على اللسان جمعت بين الشعار والهدف وتختصر سياسات تنظيم الدولة فهو يهدف للتمدد والبقاء بأي ثمن، حتى ولو كان سفك دماء المسلمين ودمار ثوراتهم وبلدانهم.

طبعا الشعارات كالمعلبات، لديها فترة صلاحية وتنتهي، لذلك ما يصلح في الأمس لا يصلح اليوم، وما يصلح اليوم لا يصلح بالغد، وبعد الهزائم المنكرة التي مني بها تنظيم الدولة، وخسارته لأرض دابق التي استغل الأحاديث النبوية الصحيحة حولها، وطوعها لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب الغوغائي العاطفي ليحولهم حطبا يذكي به نار حروبه، وكومبارسا يضفي لمسة واقعية جاذبة لإصداراته، يحتاج تنظيم الدولة إلى شعار جديد يضعه من الآن بجذب به من بقي من السذج والجهال، تمهيدا لعودته للصحراء وانتظاره الإذن من النظام الدولي ليعاود الكرة من جديد ويسفك دماء المسلمين ويطعن حركات جهادهم وتحررهم، ولا نستغرب حينها لو أسفر التنظيم عن وجهه البعثي القبيح وخرج علينا بشعار

” خلافة إسلامية واحدة ذات رسالة خالدة “.

جاد الحق

أصل البلاء

ﻛﻨﺖ ﻣﺮﺍﻫﻘﺎ، ﻭ ﻛﺎﻥ ﺷﻌﺮﻱ ﻳﺘﺴﺎﻗﻂ ﺑﻜﺜﺎﻓﺔ، ﻭ ﻛﺤﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﺮﺍﻫﻖ ﻳﻬﻤﻪ ﻣﻈﻬﺮﻩ ﻭ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻵﺧﺮ، ﻏﻤّﻨﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻮﺭﺕ ﺃﻧﻲ ﺃﺣﻤﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻨﻮﺀ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺮﻭﺍﺳﻲ .
ﺷﻜﻮﺕ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻮﺍﻟﺪﻱ ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ ‏( ﺁﺧﺪ ﺑﺮﺩ ! ‏) ، ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ ! ، ﺇﺫ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺒﺐ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﺗﺴﺎﻗﻂ ﺍﻟﺸﻌﺮ ! ؟
ﻻﺣﻘﺎ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻤﺜﻘﻔﻴﻬﺎ ﻭ ﻋﻮﺍﻣﻬﺎ، ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻭ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ – ﻭ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﺃﻛﺜﺮ – ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻛﻞ ﻣﺼﺎﺋﺒﻬﺎ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﺑﺴﺮﻃﺎﻥ ﺍﻟﻘﻮﻟﻮﻥ ﻭ ﻣﺮﻭﺭﺍ ﺑﺎﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻭ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺑﺎﻻﺣﺘﺒﺎﺱ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﻱ .
ﻭ ﺇﺫﺍ ﺍﺭﺗﻘﻴﻨﺎ ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻨﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ، ﻧﺠﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﻴﺪ ﺳﺒﺐ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ ﻷﺻﻠﻴﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻴﻦ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻭ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻭ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺃﻛﺜﺮ .
ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺗﻘﺒﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﺭﺓ ﻣﻀﻄﺮﺓ ﺃﻥ ﺗﺨﺴﺮ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ﻷﻥ ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ﺗﺤﺎﺭﺏ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ، ﻭ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻣﻌﺪﻝ ﺍﻹﻧﻔﺎﻕ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺩﺍﻓﻌﻲ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺰﺍﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺴﻠﺢ، ﻭ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻳﺤﻖ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﻭﻫﻲ ﺗﻀﺮﺏ ﺑﺮﺃﻱ ﺷﻌﻮﺑﻬﺎ ﻋﺮﺽ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ ﻟﺘﺸﻦ ﺣﺮﻭﺏ ﺇﺑﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ .
ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺒﺮﺭ ﻟﻤﺎ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻭ ﺇﻻ ﻻ ﺩﺍﻋﻲ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺗﺨﻠﻖ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺃﻋﺪﺍﺀﻫﺎ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺑﻜﻞ ﻓﺸﻞ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭ ﺗﺒﺮﺭ ﻛﻞ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺤﺎﺭﺑﺎﺗﻬﻢ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﺒﺮﺭ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ، ﻭ ﻻ ﺻﻮﺕ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ .
ﺟﻤﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺮﺭ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭ ﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺗﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺤﺎﺭﺏ ﺍﻹﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭ ﻳﺘﺼﺪﻯ ﻟﻠﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ، ﻭ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ ﻳﺒﺮﺭ ﺳﺤﻘﻪ ﻟﻠﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺮﺍﺯﺣﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺗﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻐﺘﺼﺐ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻜﺎﺩﺣﻴﻦ، ﻭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻳﺒﺮﺭ ﻓﺴﺎﺩﻩ ﻭ ﺗﺨﻠﻒ ﺑﻠﺪﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻤﺎﻧﻊ ﻭ ﻭﺍﻗﻊ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻮﻁ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻷﻧﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﺣﺎﺭﺓ ﺍﻟﺨﻮﻧﺔ .
ﻭ ﻟﻮ ﺷﺌﻨﺎ ﺿﺮﺏ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﻟﻤﺎ ﺍﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﻟﻴﻮﻣﻴﻦ .
ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺃﻳﻠﻮﻝ ﻭ ﺃﻥ ﻣﻨﻔﺬﻳﻬﺎ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ﺗﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻘﻠﺔ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺭﺃﺕ ﺃﺻﺎﺑﻊ ﺍﻟﻤﺨﺮﺝ ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺗﻲ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ، ﻭ ﻫﻲ ﺗﻌﺒﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﻟﺘﺴﺘﻐﻞ ﺳﺬﺍﺟﺔ ﺍﻟﻤﻨﻔﺬﻳﻦ، ﻭ ﺗﺴﻬﻞ ﻋﻤﻠﻬﻢ، ﻭ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻳﺸﻴﺢ ﺍﻟﻤﺨﺮﺝ ﺑﻨﻈﺮﻩ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻟﻴﻮﻫﻢ ﺃﺑﻄﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﻮﻣﺒﺎﺭﺱ، ﺃﻧﻬﻢ ﻃﺎﻗﻢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﺨﺮﺟﻪ ﻭ ﻣﺼﻮﺭﻩ ﻭ ﻛﺎﺗﺐ ﺍﻟﺴﻴﻨﺎﺭﻳﺴﺖ .
ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﺮﺑﺤﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﺨﺎﺀ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺍﻧﻬﺎ، ﻛﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻹﺭﻫﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮ ﺍﻟﺠﺪﻝ – ﺧﺎﺻﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺼﺒﻐﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ – ﻟﻮ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ ﺗﺠﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﺪﻡ ﺳﻮﻯ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺗﺪﻋﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻨﻬﻢ؛ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻡ ﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻞ، ﻛﻢ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻛﺎﻥ ﺍﺳﻤﻪ ﺣﺮﻛﺔ ﺃﻣﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ؟ ﻭ ﻛﻢ ﻗﺘﻞ ﻭ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻟﺜﺎﺋﺮ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ؟ !
ﺩﺍﻋﺶ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺰﻋﻤﻬﺎ ﺃﻋﺎﺩﺕ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺠﺪﻫﻢ ﻭ ﺧﻼﻓﺘﻬﻢ ﺍﻟﻀﺎﺋﻌﺔ، ﻛﻢ ﻗﺘﻠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﺎﺋﻞ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﺑﺤﺠﺔ ﺃﻧﻬﻢ ﺻﺤﻮﺍﺕ ﻭ ﻣﺮﺗﺪﻭﻥ ﻭ ﻛﻢ ﻗﺘﻠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ! ؟
ﻛﻢ ﺗﻔﺠﻴﺮ ﺍﻧﺘﺤﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﺗﺠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻋﻢ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﻢ ﻭ ﻛﻢ ﺗﻔﺠﻴﺮ ﻓﻲ ﻭﻛﺮ ﺍﻷﻓﺎﻋﻲ ﺇﻳﺮﺍﻥ ! ؟
ﻛﻢ ﻗﺘﻞ ﻭ ﺷﺮﺩ ﻭ ﺩﻣﺮ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ؟ ﻭ ﻛﻢ ﺩﻣﺮﺕ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻭ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻟﻠﺘﺎﻥ ﻳﺪﻋﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻤﺎﻧﻌﺘﻬﻤﺎ؟
ﻭﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﺣﺮﺏ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ﻟﻠﻴﻮﻡ ﻫﻲ ﺣﺠﺔ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ.

جاد الحق

فتنة الماجريات

قبل البدء بحديثنا لنتعرف أولا على مصطلح الماجريات، هذه اللفظة المركّبة «الماجريات»، مركبة من (ما جرى) فهي تعني الأحداث والوقائع والأخبار.

وهي كلمة استعملها المؤرخون والأدباء في العصر الإسلامي الوسيط، كما نجدها عند ابن خلكان والسخاوي وغيرهم بمعنى الأخبار والحوادث، وآل بها الأمر إلى أن أصبحت تعني عند علماء السلوك: اشتغال المرء بالأخبار والأحداث التي لا نفع فيها.

في زمن يسمى عصر السرعة، ويوصف بثورة المعلومات، صار فيه العالم قرية صغيرة، فانتشرت الوجبات السريعة، والأطعمة الجاهزة التي أجمع مختصو الصحة والتغذية على ضررها وعدم نفعها، فهي تسبب زيادة والوزن والكولسترول و….إلخ، ناهيك عن انعدام قيمتها الغذائية.

بالتوازي مع الوجبات الغذائية السريعة، انتشر أيضا الوجبات العلمية السريعة، التي أسقطت العلم من مرتبته القدسية التي لا ينال شرفها إلا بالتعب والجد ومجاهدة النفس والهوى، إلى سلعة سوقية في متناول الجميع.

فبدل أن تفني عمرك بقراءة ودراسة الكتب والمذاهب السياسية لعدة سنوات، ثم تمارس عمليا ما درسته وقرأته على الأرض، وترى الفوارق، وتقوم بمراجعات لما مرَّ بك، ثم أخيراً تصل لمرحلة السياسي، الذي بمقدوره أن يحلل ويوازن ويخطط ويستنتج، اليوم ما عليك إلا أن تخوض معامع ” الماجريات ” فتتابع المواقع والقنوات الإخبارية المختلفة، وتقرأ وتشاهد كل ما يعرض تحت عنوان السياسة من أقصى اليمين لأقصى اليسار، ثم تقحم نفسك بدوامة سياسية ما، حينها تجد نفسك قد أصبحت سياسيا دون أن تشعر.

الطريق الأول طويل شاق متعب، الطريق الثاني سهل ممتع مختصر، لكن الطريقين لا يوصلانك لنفس النتيجة.

في الطريق الأول تصبح سياسي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بينما في الطريق الثاني تصبح عشر سياسي، ربع سياسي، ثلث سياسي، ولن تتجاوز النصف في أحسن أحوالك.

النقطة الأهم أنَّ الطريق الأول يمكنك من أن تحجز لنفسك مكانا في مسيرة تحضر مجتمعك، بينما الطريق الثاني تحجز به لنفسك مكانا في عرقلة مسيرة تطور مجتمعك.

الانشغال بالماجريات من أهم أسباب توقف الإنتاج الفردي والمجتمعي، ففي مجتمعاتنا كل مواطن عربي تجده متعدد الملكات والمواهب بشكل ملفت، هو وحده دولة كاملة بما فيها من زعماء، وقادة، وسياسيين، ومفتيين، وموسيقيين، و….، كل ذلك بسبب إشغاله لنفسه بالماجريات المختلفة التي مكنته من امتلاك التعابير والملامح العامة لكل فن، لكنها لم توصله لدرجة التخصص والإتقان فيه.

بينما الدول المتقدمة حول العالم، أفرادها متخصصون في مجال، أو مجالين، أو ثلاثة بأحسن الأحوال، فترى الجميع فاعلين منتجين، السياسي يلتزم بالسياسة فيبدع، ولا يزاحم غيره في مجاله فيشوش عليه، الطبيب، المهندس، الباحث، كلهم الشيء نفسه.

من طرائف مجتمعنا أنَّه حتى فيما يسمى بالمجال الفني، تجد الممثل يغني،

والمغني يمثل، وقس على هذا.

قد يقول البعض انتشار الإعلام، وانشغال المجتمع بالماجريات من نعم الحضارة علينا التي يجب استغلالها، فاليوم باستطاعتك أن تتعرف على جميع وجهات النظر،

والجواب على ذلك، أنَّ التنوع الإعلامي الحاصل قد زاد عن حدِّه؛ لدرجة التشويش والفوضى، فصار العالم من حولنا كأنَّه ثوب منسوج من مئات الألوان التي تعمي العين وتشوش العقل، أو مقطوعة موسيقية من آلات مختلفة وكل آلة تعزف بصوت وتواتر مختلف، مما يجعلك تشعر كأنك تركب الأفعوان في مدينة الملاهي.

هل المطلوب منا أن ننعزل عن الماجريات من حولنا بقواقع وصوامع؟

الجواب لا حتما، لكن المطلوب أن نركب لأنفسنا منقيات تحجب عنها شوائب الماجريات، مع خلق حالة توازن ذاتي، بين ما هو مطلوب لأهميته، وما هو مرغوب لإغرائه، وجدول لتحديد الأهمية من الأهم إلى الأقل أهمية.

ما هو تأثير الماجريات على الثورة السورية؟

بعد أن شلّت الثورة قبضة النظام القمعية، وبدأت الناس تتحدث بالسياسة والدين، المحرمتين على الشعب في عهد البعث، راجت ظاهرة الماجريات والحديث عنها، فالكل يحلل ويناقش ويفند ويوضح ويبدي رأيه.

ومع انتشار الفصائل وتنوعها، ظهر ما يسمى بالدورات الشرعية، وهي فكرة طيبة غايتها تعليم الناس ما جهلوا من أمر دينهم ممَّا لا غنى لهم عنه، ولكن مع الأسف استغل أعداء الثورة من مختلف التوجهات موضوع الدورات الشرعية، وحولوها لمصانع إنتاج للمفتيين، فيكفيك أن تحضر دورة شرعية مدتها شهرين مثلا، لكي تصبح شيخ الإسلام ابن تيمية، وتفتي بالتكفير ومناطات الردة، وبكل نازلة لو عرضت على عمر بن الخطاب، لجمع لها الصحابة.

فالكبت الديني السياسي الاجتماعي أيام النظام، ولَّد لدينا شرها وتعطشا للماجريات والحديث عنها، وإبداء الرأي فيها.

ولأنَّ المصائب لا تأتي فرادى، ولأننا كنَّا نعاني بالثورة ممن يفتي بالنوازل ومخزونه العلمي شهرين فقط من دورة شرعية، اليوم نجد ما يسمى ” منظرين “، موهبتهم تتمثل في ركوب موجة الماجريات، لا يعرفون سورية إلا على الخريطة، ولا الثورة إلا عبر الإعلام، ومع ذلك صدروا أنفسهم للإفتاء للثورة، فكانت فتاواهم شقيقة براميل النظام وصواريخ روسيا، كلها تصب لمصلحة أعداء الثورة المختلفين، فخيرة فصائل الثورة عندهم، مرتدة، وموالية للكفار، ومرتزقة، فما بالك بعموم الثوار؟!، فليت شعري ما فتكت بنا الماجريات وأهلها.

قم بجولة قصيرة على الفيسبوك أو التويتر لتصدم بعدد العلماء والأدباء والمثقفين والمفكرين والمفتيين والسياسيين في مجتمعنا، هنا تسأل نفسك إذا كان لدينا هذا الكم المهول من الكوادر فأين أثرها علينا؟ لماذا لا زلنا في الدرجة الأخيرة من سلم الحضارة؟

الجواب لأنَّ ما تراه هو نتيجة الماجريات، التي تصنع لك نصف مفكر ونصف مثقف ونصف عالم، وتكون المحصلة العامة لإنتاجهم الحضاري هي الصفر في أحسن الأحوال، هذا إن لم تكن بالسالب.

هناك مثل ألماني أحب أن أختم به يقول: ” دع السياسة للسياسيين “

نعم دعها لأهلها فهم أولى بها، ودع الإفتاء لأهله فهم أولى به، ودع القيادة لأهلها فهم أدرى بها، ودع الثقافة والعلم والفكر لأهلهم، فهم وحدهم من يعرفون كيف يوردون الإبل، وإن شئت أن تصبح مثلهم، أخرج نفسك من حوض الماجريات الضيق المريح، واسبح بصبر وجد بمحيط التحصيل العلمي والثقافي.

جاد الحق