01‏/10‏/2017

سلسلة مقالات القاعدة في سوريا 5 ( أريد حياته ويريد موتي )

هل تذكر حين كنت طالبا في المرحلة الابتدائية، وأتيت يوما لمدرستك دون أن تكتب وظيفة، أو تدرس لمذاكرة معينة، ما كان شعورك حينها؟
لا بد أنك تمنيت كما تمنى الكثيرون منا، أن يكون كل طلاب الصف لم يكتبوا الواجب، أو يحضّروا للمذاكرة، حتى لا تكون أنت الشقي الوحيد في الصف، بمعنى آخر وجود من كتب الواجب أو حضر جيدا للمذاكرة يشعرنا بضعفنا ودونيتنا، وهذا الشعور يحرك فينا كإنسان رغبة في تدمير الأفضل منه لأنه تفوق علينا، وبتفوقه علينا يظهر فشلنا ويشعرنا بانعدام القيمة.
هذا ما يحصل اليوم بكل أسف في الساحة الثورية السورية بين فصائلها، تعدد الفصائل واختلاف مشاريعها، وترافق ذلك مع فساد القلوب، وانحطاط النفوس لدى البعض، حرمنا من ميزة الاستفادة من تعدد المشاريع بزيادة دعم الثورة، وأوردنا مهلكة التناطح والتغلب، فتحول التنوع من تكاملي مغني، إلى تلاكمي مردي.
فتسعون بالمئة من جهد الفصائل يذهب للاقتتال والتنافس الداخلي، وعشرة بالمئة فقط يذهب لباقي أعداء الثورة / نظام، داعش، قسد…../
فيروس التغلب، وجرثومة التحزب، فتكت بكل أجهزة المناعة الثورية، فصارت ملوك الفصائل في عصر انحطاط الثورة، لا ترضى فقط الدخول بالاقتتال مع بعضها وترك العدو الصائل، بل تجاوز الأمر ذلك لرفضهم وجود من يتبع صوت الشرع والعقل بترك الاقتتال والتزام الحياد، فإما تقاتل إخوانك معي، وإما أقاتلك معهم.
وضع الغوطة أكبر دليل على ذلك، فحياد أحرار الشام العقلاني، جعل بين الفرقاء المتقاتلين اتفاق ضمني على إنهاء هذا الفصيل الذي أظهر بعقلانيته عوار وفشل من تورط بدم إخوانه، فكان البغي المشترك من الجيش والفيلق على الأحرار.
موقف الأحرار من الاقتتالات الداخلية أظهر ضرورة وجود بديل ثالث للفصائل المقاتلة التي نابذت بعضها بالسلاح، ووجود البديل الثالث يؤمن مأوى لكل عاقل ذي بوصلة سليمة توجه سلاحه لنحر أعداء الثورة، لا إلى نحر إخوانه.
في الشمال نجد المزيد من نماذج المراهقة التي نريد كثوار حياتها وتريد موتنا بمراهقاتها، فمثلا الهيئة التي لم تفتأ من تأسيسها للآن بمحاولة إدخال الجميع بحرب بسوس طاحنة لا تنتهي إلا بباصات تنقل الجميع ربما إلى كولومبيا لنعيد أخطاءنا فيها من جديد.
فبعد تحشيد عقائدي وعاطفي من شرعيي الهيئة وإعلامها، ضد الاجتياح التركي المزعوم، والذي صوروه كحملة صليبية تستهدف المحرر، وهو ما فندناه بمقال سابق _ راجع مقال ما قبل التدخل التركي _ وقلنا أن غاية تركيا هي قاعدة عسكرية على جبل بركات مقابلة لل pkk والقوات الروسية، بعد كل ذلك التحشيد تخرج علينا بعض القنوات المحسوبة على الهيئة لتقول أن التدخل التركي المزمع لن يحصل، أو فشل.
طبعا هذه التصريحات جاءت بعد زيارة وفد الهيئة برئاسة مظهر الويس لتركيا، وكلنا يعرف أن الجولاني ليس ساذجا ليقاتل تركيا في حال دخلت سورية، لكن غايته هي استغلال إشاعة التدخل التركي، ليبرر التغلب على الفصائل المنافسة كالأحرار والفيلق، ويبقى وحده على الأرض وبالتالي يحقق مكاسب سياسية باعتراف الدول به كقوة فاعلة على الأرض، وتبدأ حينها بالتعامل معه.
مطامع الجولاني تبددت بعد ما أظهره الأحرار من حزم تجاه مسألة إقامة نقاط رباط للهيئة على جبل بركات، إضافة للضعف العسكري الذي شهدته الهيئة بعد معارك لواء الأقصى، ومعارك حماة، ومشاكلها الداخلية التي على رأسها هجمات المقدسي المتكررة، وتشويشه العقائدي على قطاع جيد من المقاتلين داخل الهيئة، وما يتم تحضيره من إعادة للقاعدة بسورية من قبل العريدي والطوباسي، وتنسيقهم مع المقدسي، بموافقة وإقرار من الظواهري زعيم القاعدة، هذا كله ترافق بتراجع لشعبية الهيئة، مما جعل الهيئة تلجأ للقوة الناعمة، عبر الإعلام، والمظاهرات المدنية المدبرة، التي تروج بها لطروحاتها.
طبعا قريبا سيخرج علينا إعلام الهيئة ورموزها بكلام مفاده أن وقفة الهيئة وتصريحاتها القوية أخافت تركيا وحلفاءها من الفصائل، وجعلتها تعدل عن اجتياح المحرر، إلى إقامة قواعد عسكرية على جبل بركات ضد pkk وروسيا.
ثم يعقبه كلام طويل عن المصالح والمفاسد، وأدنى المفسدتين، والتقاء مصلحتنا مع مصلحة تركيا ” المسلمة ” ، ضد النظام النصيري والملاحدة، وكل ذلك حفظا لماء وجههم أمام جمهورهم، وليبرروا لعناصرهم تراجعهم عن مواقفهم الاستعراضية التي أعلنوا عنها بسبب إشاعة التدخل التركي.
من اللافت للنظر في مأساة / أريد حياته ويريد موتي / التي نعيشها اليوم في ثورتنا، أن الفرقاء المتقاتلين يكملون بعضهم، فكلا منهم يتغذى على أخطاء الآخر ويمده بأسباب الحياة.
فتخوين فتح الشام سابقا للفصائل واتهاماتها لها بالخيانة والتقصير ولبعضها بالردة، تبريرا للبغي عليها في منطقة معينة، يعطي لطرف آخر الحق باتهام الهيئة اليوم بالخارجية والدعشنة والعمالة، كسببا للبغي عليها في منطقة أخرى.
مزاودة الهيئة وتنطعها في موضوع التعامل مع الخارج، يعطي للآخرين حرية التمييع والانبطاح للغرب والشرق.
التقصير العسكري والإهمال وعدم المحاسبة عليه من طرف الجيش الحر خاصة في سقوط حلب، يعطي الحق لمن قال عن نفسه ثلثي القوة العسكرية وقدم في معارك فك حصار حلب، أن يبغي عليهم ويفككهم.
ولكن هذا التعاون غير المتفق عليه بين النقيضين في أن يستغل كلا منهما أخطاء الآخر، ليبرر بها أخطاؤه الشخصية ماذا يستفيد الطرفان منه؟
الجواب كالتالي:
تفكيك بعض فصائل الجيش الحر ظلما من تشكيلات الهيئة، يعطي الحق لهذه الفصائل أن تطعن بالأحرار ظلما وعدوانا، وتتهمها بالتنسيق مع الهيئة ضدها، ومحاولة تجريدها من سلاحها، ويأتي ذلك بعد أن حمتها الأحرار من بغي تشكيلات الهيئة قبل أن تتجمع في الهيئة.
بالمقابل حماية الأحرار لبعض فصائل الجيش الحر، التي لا تخلو من أخطاء كارثية، يوم البغي عليها ظلما من تشكيلات الهيئة قبل أن تندمج، يعطي الحق للهيئة للبغي على الأحرار فيما بعد والطعن فيها.
أي أن مصلحة النقيضين تتفق في نسف الوسط الذي يظهر فشلهما وسوء إدارتهما للملفات، وحال الوسط الضائع بينهما:
أريد حياته ويريد موتي
عذيرك من خليلك من مرادِ
أي أني أريد له الخير والعيش الرغيد، ويريد لي الموت والشر، ويكفيني عذرا إليه ما أريده له من خير……
ويبقى الحل هو ما تكرهه فصائلنا وقاداتها، بأن تحل جميع الفصائل نفسها وتنصهر ببوتقة واحدة، وكيان واحد يكون الأصل فيه تقديم الكوادر وأهل الخبرة، مع رفع علم الثورة، لنعيدها سيرتها الأولى، ويكون ذلك بإشراف مرجعية شرعية من أهل العلم المعروفين، والممثلين للفكر الشامي الوسطي، وبالتنسيق مع باقي أطياف الثورة المهمشة كالأجنحة المدنية.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق