31‏/10‏/2017

شو طالع بإيدي !؟

" شو طالع بإيدي !؟ "
هكذا عادة يكون الرد حين تطلب من شخص ما أن يقوم بواجبه في الإصلاح وبناء المجتمع.

" شو طالع بإيدي " ليست عبارة عامية لتوصيف حالة عجز مؤقت عن أمر ما، بل هي دلالة خطيرة على وباء مخيف فتك بمجتمعاتنا وأنفسنا حتى انتهى بنا الحال إلى ما نحن عليه.

يأتيك أحدهم ليملأك تشاؤما واكتئابا بحديثه عن انتهاء الثورة، وفشل الثورة، وأخطاء الثوار، وانحراف بوصلة الجهاد، وخيانات القادة، وخذلان الشركاء، تنكر الرفقاء، ..... إلى آخر قائمة الندب والعويل وجلد الذات المعهودة.

تسأله، وماذا فعلت أنت بهذه المصائب المتلاحقة، وما دورك في التخفيف عن المقهورين بهذه النكبات المتتالية؟
تسأله ذلك لأن كلامه يدل على حرقة قلبه، وحرقة القلب دليل على الاهتمام الكبير بالأمر ، والاهتمام الكبير بالأمر يدفع للعمل والبذل والصبر، فيأتيك الجواب صادما كنفخة الصعق " ليش أنا شو طالع بإيدي!؟ "

ثم ليقطع عليك الطريق، يقلب الاسطوانة على الوجه الآخر، فيحدثك عن هول المؤامرة الكونية، والماسونية العالمية، وسطوة النظام الدولي، وشراسة المعركة الإقليمية، وخطورة المرحلة الحالية، ..... إلى آخر قائمة المبررات اللانهائية، كل ذلك ليقنعك أنه فعلا ليس بيده شيء!!!!

وإني لأسأل نفسي ثم إخواني من صغار الثوار والطبقات الثورية البروليتارية المسحوقة، هل الماسونية العالمية تمنعنا من قراءة الكتب، وتجبرنا على إضاعة أوقاتنا على وسائل التواصل وفي المهاترات؟

هل الصهيونية لا تسمح لنا بتلاوة القرآن وتدبره، أو حفظ الأحاديث النبوية والعمل بها؟

هل النظام الدولي يقيدنا عن ممارسة الرياضة على أمل أن نصبح يوما ما بلياقة أعدائنا؟

هل القيادات الخونة والفاشلة تضع العراقيل بطريق كل شخص فينا حتى لا يكمل دراسته أو يقرأ كتبا تفيده أو يطور من نفسه بدورة ما أو يحضر كورس على الانترنت يستفيد منه أو يدعو إلى الله على بصيرة، أو يربي أبناءه على القدوات الحسنة، أو يعامل الناس بخُلُق حسن، أو يحسن لزوجته وأبيه وأمه؟؟؟؟؟

بعد أن نقف وقفة حق أمام أنفسنا نجد أن " شو طالع بإيدي " سراب نقيد أنفسنا به حتى لا نقوم بالواجبات الثقيلة على النفس.

من يمنعك عن تلاوة القرآن وتدبره، أو ذكر الله، أو الصلاة، أو الدعاء، أو قراءة الكتب، أو تقوية جسمك بالرياضة، أو نصح إخوانك، أو الإحسان لمن حولك، أو إكمال دراستك، أو تطوير نفسك بدورات ومحاضرات ودروس؟

من يمنعك عما سبق ليس الماسونية، ولا الصهيونية، ولا المخابرات الجوية، ولا إرهاب الأسد، ولا إجرام داعش، ولا حتى الاحتباس الحراري
من يمنعك هو نفسك الكسولة الأمّارة بالسوء، التي تحب الخمول، وتكره العمل.

أخي المجاهد والثائر، هناك الكثير مما تستطيع أن تقدمه وهو في متناول يدك، تحتاج فقط لقرار شجاع رجولي، تلزم به نفسك.

قرر أن تمتلك الإرادة واشنق عبارة " شو طالع بإيدي " واستبدلها بعبارة " أستعين بالله ولا أعجز ".

لو قال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته " شو
طالع بإيدي " لما وصلنا هذا الدين العظيم.

لو قال البخاري " شو طالع بإيدي " لما جعل الله صحيحه أصدق الكتب بعد كتابه الكريم.

لو قال عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي " شو طالع بإيدي " لما كانت حطين وتحررت القدس.

لو قال محمد الفاتح " شو طالع بإيدي " لما نال بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية.


لو قال الشيخ أحمد ياسين العجوز مشلول اليدين والرجلين " شو طالع بإيدي " لما أرعبت حماس الكيان الصيوني والنظام الدولي من ورائه.

لو قلت أنت وقلت أنا أول الثورة " شو طالع بإيدي " لظللنا لليوم نسام سوء العذاب تحت " البوط العسكري " للبعث المجرم.

أخي الثائر والمجاهد تذكر الروح الأولى، والمظاهرة الأولى، والطلقة الأولى، وطوابير من صناديق شبيحة الأسد ملأ نتنها سوريا وإيران والعراق ولبنان.

تذكر الرعب في عيونهم وهم بسلاحهم الكامل، وأنت تتظاهر أعزلا

تذكر صرخاتهم المذعورة وأنت تدك حصونهم بسلاحك البسيط...

تذكر هذا كله لتعرف أنه طالع بيدك الكثير والكثير، فاستعن بالله ولا تعجز......


جاد الحق


23‏/10‏/2017

لماذا فكر السلفية الجهادية يضر الثورة السورية ( 5 ) ؟

انتشار ثقافة ما يسمى " الأمنيات " و " التزكية "  بين التنظيمات السلفية الجهادية جعل اختراقها مخابراتيا أسهل من غيرها.

في التجمعات المحلية كل الناس تعرف بعضها وتاريخها، ومن لا تعرفه تجد غيرك ألفا ممن يعرفه ويعرف عائلته، أما في التنظيمات السلفية الجهادية فالكل يلبس القناع، والكل يغير اسمه، والكل يزور تاريخه، ويكاد أن يكون استفسارك عن حقيقة أو تاريخ شخصية ما ردة مغلظة عن الإسلام!!!!

المصيبة أن بدعة " الأمنيات " يقدمها المناهجة على أنها من الدين، ويحشرون لها الأدلة حشرا، وذلك بدعوى أنهم ملاحقون ومستهدفون من كل مخابرات العالم!!!!!

فهل هم مستهدفون أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وتابعيهم بإحسان ليوم الدين؟
فما من أحد من السلف الصالح إلا وقد عرفناه وعرفنا أصله وفصله وقرأنا كلام من عاصروه عنه، أما من نجهلهم في التاريخ فهم عبد الله بن سبأ وأمثاله.

انتشار ثقافة المجاهيل والأدعياء في صفوف السلفية الجهادية يزيد من سهولة الاختراق المخابراتي للتنظيم، خاصة أن أفضل قناع تتخفى وراءه في هذه التنظيمات هو المزاودة والتنطع، فكلما كنت متنطعا ومغاليا أكثر، كل ما ازدادت مكانتك بينهم وصرت أبعد عن الشبهات.

افرض معي عزيزي القارئ أننا نرغب في اختراق المخابرات الأمريكية مثلا، هل سنرسل لاختراقهم رجلا ملامحه شرقية، ولحيته طويلة، ويلبس افغانية، وكلامه كله الجهاد وشرع الله، برأيك هل هذا الشخص سيتمكن من اختراقهم؟

طبعا لا، لأنه مكشوف للأعمى قبل البصير، لكن لو أرسلنا شخصا شكله وكلامه وثقافته وطريقة تفكيره مثلهم، لاشك أن عمله سيصبح أسهل، وسيتمكن من اختراقهم.

وكذلك هم حين يخترقوننا استخباراتيا، سيرسلون لك من يتكلم بلسانك، ويبدو شكله مثلك، ويلبس الأفغانية، ويرخي لحيته، ويتحدث لك بشرع الله والجهاد، بل ويزاود على الصالحين والصادقين منا ليبدو حريصا على الدين، كل هذا لنثق به ونتبعه، ونسلمه عقولنا يحركنا كيف شاء، وتكون النهاية تدمير أمتنا بأيدينا، ونحن نظن أننا نحسن صنعا...!!!

من أراد الاستزادة فليبحث مثلا عبر النت على كتاب " في قلب الجهاد " لعميل الاستخبارات الغربية المدعو ( عمر الناصري ) ، أو ليقرأ عن الجاسوس " عماد سالم " الذي أوقع بالشيخ عمر عبد الرحمن، ناهيك عن مئات الجواسيس الذين رأيناهم وسمعنا بهم، وكانوا يتقلدون أعلى المناصب في تنظيمات داعش وجبهة النصرة....

#يتبع

#جاد_الحق

#السلفية_الجهادية_والثورة_السورية 5

تلجرام  telegram.me/jadalhaqarticles

فيسبوك https://www.facebook.com/jadalhaqarticles/

المدونة http://jadalhaqarticles.blogspot.com/?m=1

تويتر  https://twitter.com/freetalker2017?s=09

17‏/10‏/2017

لماذا فكر السلفية الجهادية يضر الثورة السورية ( 4 ) ؟

تحدثنا سابقا أن الخوارج والتكفيريين الذين طعنوا الثورة في ظهرها، وأشغلوها عن معركتها الرئيسة والأساسية مع النظام خرجوا من رحم السلفية الجهادية، وساعدهم في الانتشار، رفع الشعارات البراقة الخادعة، ليدلّسوا على السذج والسطحيين بالتفكير.

برغم أن التناقض كان صارخا بين رفع شعار " تحكيم شرع الله " وعلى الأرض عدم النزول لأي محكمة شرعية، وبين رفع شعار " ما جئنا إلا لنصرتكم " وعلى الأرض بغي ممنهج على فصائل الثورة، إلا أن هذا التناقض لم يفلح بإيقاظ الغوغائيين من سكرتهم، ولم ينجح بتنبيه السذج من غفلتهم، لأن الغلاة يتفوقون على غيرهم بتخدير مشاعر عموم الناس بالعواطف، والدعاية القائمة على المزاودات والشعارات، هذا الأمر سبّب نقص مناعة ضدهم، فصرنا نرى إجرامهم ضد المسلمين _ خاصة المجاهدين _ ، الذي يخدم كل أعداء الإسلام، ومع ذلك لا نزال نصنفهم إخوة مسلمين!!!

ولو رجعنا للسنة النبوية لنتعرف على صفات الخوارج ماذا سنجد؟

لن تجد من صفاتهم السكر والعربدة ولعب القمار، بل ستجد أنهم شديدو الزهد والعبادة، يقولون بقول خير البرية، يعني كل كلامهم قال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، ومع ذلك فإن هذه الأقوال هي عبارة عن مزاودات وشعارات، بينما الأفعال إبليسية خالصة، والدليل الأحاديث الشريفة الباقية التي تكمل صفاتهم ( يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ) يعني القرآن عندهم للتغني والمزاودات، لا للتطبيق والعمل.

( قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ) يكون جمهورهم من الشباب الصغار الذين لا تجربة بالحياة لديهم، وتحركهم العواطف، وصفة السفاهة وخفة العقل غالبة عليهم.

( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) معركتهم الأساسية هي مع المسلمين، حتى لو قاتلوا غير المسلمين إلا أن حربهم الأهم هي مع المسلمين، ويغطون ذلك بشعارات قتال المرتدين ( من يخالفهم من المسلمين ) أولى من قتال الكفار، وقتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد!!!

ومن صفاتهم الإجرام، إذ يستحلون دم المخالف لهم، كما فعلوا مع ابن الصحابي خباب بن الأرت وزوجته الحامل.

وعلامة مميزة لهم أنهم لايبقون متحدين، بل سرعان ما ينقسمون على بعضهم ويكفر بعضهم بعضا ويتحاربون، مثال داعش والنصرة، ثم داعش نفسها حين انقسمت لتيارين وهما أتباع تركي البنعلي، وأحمد بن عمر الحازمي.

والأهم برأيي هما الصفتان التاليتان:
1) المزاودة حتى على خيار المسلمين، ( يا محمد اعدل ) فحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم من مزاوداتهم، فهو برأيهم الضال لا يعدل، بينما هم عدول!!!
الصحابة كعلي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وغيرهم، وقعوا في كفر، وهم يتلبطون بأعلى درجات الإيمان!!! مزاودات بمزاودات.

2) لا تنشط دعوتهم وتنظيماتهم إلا في البلدان المنكوبة، والمجتمعات المتفرقة ( يخرجون على حين فرقة من الناس ) ، فالإسلام الصحيح لا ينتشر إلا بأوقات السكينة والهدوء، لأنه يحتاج قلوب صافية وعقول واعية تتفهمه، لذلك انتشر وقت صلح الحديبية أكثر من أوقات الحرب مع قريش.
ولو نظرنا لداعوات الغلاة تراها كما قلنا تنشط بالمجتمعات والبلدان المنكوبة ( سوريا، العراق، الصومال،....) لأنها مرض اجتماعي كالمخدرات والدعارة وغيرها، وليست من الإسلام في شيء...

#يتبع

#جاد_الحق

#السلفية_الجهادية_والثورة_السورية 4

تلجرام telegram.me/jadalhaqarticles

فيسبوك https://www.facebook.com/jadalhaqarticles/

المدونة http://jadalhaqarticles.blogspot.com/?m=1

تويتر https://twitter.com/freetalker2017?s=09





14‏/10‏/2017

خفايا الدخول التركي إلى إدلب


المتتبع لأثر المخابرات التركية في الملف السوري يجده قد مر بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى من بداية الثورة المسلحة إلى ظهور داعش ثم معركة كوباني
في هذه المرحلة نرى تعاونا كبيرا من المخابرات التركية مع الثورة السورية، تجلى ذلك بالتسهيلات التي كانت تقدمها تركيا عبر حدودها مع سوريا، بما يتعلق بمرور السلاح، والمقاتلين، تحديدا الجهاديين من غير السوريين.

المرحلة الثانية، تبدأ من من ظهور داعش، وازدياد نفوذ حزب ال pkk في سوريا، حتى مرحلة الانقلاب
وتميزت هذه الفترة بمحاولة المخابرات التركية التأثير في الملف السوري، لكنها كانت مقيدة بنفوذ أجهزة مخابرات الدول الأقوى تحديدا أميركا، وبسبب وجود مشروع مدعوم غربيا لاحتواء ودعم فصائل الجيش الحر.

المرحلة الثالثة تبدأ من إفشال الانقلاب التركي، وتستمر للآن، تتميز هذه المرحلة بظهور أثر المخابرات التركية في تحكمها بالمسار العسكري للثورة السورية، خاصة عبر عملية درع الفرات، ويعود ازدياد نفوذ المخابرات التركية إلى فشل الانقلاب، حيث قامت إدارة أردوغان باستئصال أتباع غولن من مؤسسات الدولة، وأولها الجيش والمخابرات، مما أسهم في توحيد رؤية النظام، وانسجام عمله، بما يتوافق مع أمر القيادة، وأيضا قام أردوغان بزيادة نفوذ " حقان فيدان " ، رجل المخابرات التركية القوي الذي أثبت جدارته، حيث كافح أذرع باقي أجهزة المخابرات الأجنبية في تركيا، تحديدا الموساد.

ظهر بالنسبة للملف السوري مشروعان متضادان
الأول مشروع سوريا موحدة
الثاني مشروع تقسيم سوريا
رواد المشروع الأول هم روسيا، إيران، وتركيا، وغايتهم ببقاء سوريا واحدة هي بالنسبة لتركيا وإيران عدم ظهور دويلة كردية تصبح مصدر تهديد للدولتين، ولمشروعهما، وأمنهما القومي، لأنهما تمتلكان تقريبا نفس المكونات القومية الموجودة في سوريا، سيما أن تركيا تعتبر سوريا عمقها الاستراتيجي وصلتها بالعالم العربي والإسلامي، وبالنسبة لإيران وروسيا فهما تفضلان ابتلاع الدول كاملة لصالحمها  _ حيث كانت إيران معارضة سابقا لمشروع تقسيم العراق _  ، وأيضا لأن التقسيم سيولد دويلة كردية تتبع تماما لمصالح أميركا وإسرائيل وتهدد مصالح إيران وروسيا.

رواد المشروع الثاني ( مشروع التقسيم ) هم أميركا والدول الأوربية، إضافة لتوابعهم من دول عربية كالأردن والسعودية والإمارات.
فالتقسيم يضمن لهم استمرار الصراع، ما يعني صفقات تسليح، واستثمار ثروات، وتحالفات جديدة، وقواعد عسكرية، والأهم ضرب للدول التي تحاول الخروج من قيد القطب الأمركي الواحد، أو تهدد مشاريعها التوسعية استقرار دول حلف التقسيم.

ببدء مفاوضات آستانة، بين دول مشروع وحدة سوريا، وحضور روسيا وإيران كضامنين عن النظام السوري، كان موقف تركيا أضعف منهما، لعجزها عن السيطرة على كافة فصائل المعارضة السورية، فقد كان لديها عقبتان رئيسيتان، هما حركة أحرار الشام الإسلامية، وهيئة تحرير الشام التي تكونت من جبهة فتح الشام وفصائل أخرى، وهما الفصيلان الرئيسيان في الشمال السوري.

حاولت تركيا أن تقنع بالحضور أحرار الشام، وهو الفصيل الأكبر على الساحة الثورية السورية، وصاحب الحضور والرمزية الأقوى، ويمثل الفكر الإسلامي الثوري المعتدل، الذي ينجح في أن يكون وسيطا بين الجيش الحر، والجهاديين.

رفضت أحرار الشام حضور آستانة لسبب بسيط، هو خوفها من مزاودات وتشويش منافستها هيئة تحرير الشام، وكان هذا الرفض هو القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقة تركيا بأحرار الشام، وقررت تركيا بعدها إنهاء الأحرار كفصيل قوي بالساحة السورية، وتركيا وقتها لم تكن تملك ورقة ضغط على أحرار الشام كباقي الفصائل، عبر ابتزازها بالدعم، لأن سيطرة أحرار الشام على معبر باب الهوى الحدودي، وفر لها حد أدنى من التمويل يحمي استقلالية قرارها.

بنفس الوقت كانت الاشتباكات تندلع بشكل متكرر بين الأحرار والهيئة، بسبب رغبة تحرير الشام، بإنهاء أحرار الشام، لأنها عقبة قوية في طريق بسط سيطرتها ومشروعها، حيث كانت تحرير الشام  _ نسخة معدلة ومطورة من السلفية الجهادية _  تحاول تطبيق نظرية إدارة التوحش في إدلب، لتنشئ شبه دولة مقبولة إقليميا وعالميا.

كانت أحرار الشام تعمل بخطة دفاعية وقائية، تضمن لها أقل خسارة ممكنة، وتجنبها دخول حرب مفتوحة مع تحرير الشام، بنفس الوقت كانت تحرير الشام تعد نفسها لهجوم كبير تسقط به أحرار الشام.

قامت المخابرات التركية بإرسال تطمينات ووعود لبعض الأفراد في قيادة أحرار الشام السابقة، أنها في حال شنت عملية عسكرية ضد الهيئة فستقوم تركيا بدعمها، خاصة أن الهيئة كانت تعد لهجوم كبير على الأحرار، والأحرار تعرف ذلك.

وسبق ذلك أن أرسلت المخابرات التركية للهيئة، شخصية معروفة بالثورة السورية، ومقربة من قيادة تحرير الشام، ولها علاقات جيدة وقديمة بأبي محمد الجولاني، قائد الهيئة الحالي، وأوصلت هذه الشخصية رسالة مفادها أن تركيا سئمت من تشرذم الفصائل السورية وفشلها بإدارة ملف الثورة، وتريد التعامل مع فصيل واحد قوي صاحب شوكة وتأثير، لكنها تشترط أن ينشئ هذا الفصيل واجهة مدنية له من أجل تسهيل مهمة دعمه دوليا وإقليميا من تركيا، والتقطت الهيئة الطعم، وفهمت أن هذا ضوء أخضر تركي لإنهاء أحرار الشام.

صدّقت قيادة الأحرار السابقة الوعود التركية، وبدأت هجوم غير مخطط له، على هيئة تحرير الشام أواخر تموز الماضي، طمعا بوجود دعم تركي سيقدم لها حال بدء الهجوم، لكن تراكم الأخطاء داخل الأحرار ولّد حالة من الترهل شلّت حركتها، مما سهّل عملية الهيئة في إقصاء الأحرار عن الواجهة.

الوضع الداخلي المترهل للأحرار كان كفيلا بإنهائها بفعل عامل الزمن، لكن الهجوم غير المحسوب على الهيئة سرع من أجل الأحرار.

أسباب ترهل البيت الداخلي للأحرار كثيرة، منها مثلا، غياب القائد الرمز الذي يجمع الكل، وعدم وجود قيادة قوية قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، انتشار الولاآت العشائرية والمناطقية على حساب الانتماء الفكري والتنظيمي، إيواء شخصيات فاسدة ونفعية، بذريعة كسب ولائها، لكنها سرعان ما أعلنت حيادها في القتال مع الهيئة، أو سارعت للانضمام لها، وأيضا عدم وجود فكر واحد يجمع شمل الأحرار خاصة بموضوع قتال الهيئة، إلى آخر أخطاء حركة أحرار الشام التراكمية، التي يعرفها كل متتبع للشأن الثوري السوري.

استطاعت تحرير الشام تحييد قسم كبير من أحرار الشام خلال أيام معدودة، وتم حصر من تبقى منهم في معبر باب الهوى، وقسم آخر انحاز إلى جبل الزاوية وسهل الغاب.

اكتفت مكونات الهيئة العسكرية بالسيطرة على التلال المشرفة على المعبر، لتسقطه نيرانيا، ولم تقتحمه، ما يؤكد وجود اتفاق وتنسيق مسبق بين الهيئة والأتراك من أجل تفكيك أحرار الشام، وأعلنت الهيئة أنها ستسلم المعبر لإدارته المدنية السابقة، المعروفة بميلها للهيئة، مع ضمان سيطرتها أمنيا عليه، عبر وضع كتائب أمن تتبع ظاهريا لإدارة المعبر، بينما فعليا هي من الهيئة.

وحين انسحبت أحرار الشام إلى منطقة درع الفرات، لم تدخل تركيا سيارات الأحرار، ولا الكميات الكبيرة من السلاح التي أخرجتها من مستودعاتها لتأخذها معها إلى منطقة ريف حلب الشمالي، حتى لا تصبح الأحرار هناك قوة تهدد باقي الفصائل.

بعد أن استقر الوضع للهيئة في إدلب حاولت إنشاء الإدارة المدنية التابعة لها، لكن هذه الإدارة لم تلقَ الاهتمام أو الدعم التركي الموعودان، ورافق ذلك تسريبات لمكالمات بين قيادة الهيئة عبر أجهزة اللاسلكي، يظهر فيها ما قال عنه ناشطون ثوريون أنها فضائح، وتركت هذه التسريبات أثر سلبي كبير على الهيئة، عبر تراجع شعبيتها بين المدنيين، وخروج مظاهرات شعبية ضدها، وانشقاق مكونات مهمة عنها، كحركة نور الدين الزنكي، وبعض من أعضاء اللجنة الشرعية فيها، كالمحيسني والعلياني، السعوديان، إضافة لانشقاق كتائب وألوية تتبع لها.

لكن يبقى السؤال هو من سجل وسرب هذه التسجيلات؟

كثيرون يشيرون إلى أثر المخابرات التركية من وراء الكواليس، استمرارا منها في خطة تطويع المعارضة السورية، عبر تفكيك من يرفض المشروع التركي للثورة، المتمثل بالجيش الوطني، الذي سيجمع مكونات المعارضة السورية المتشرذمة، تحت غطاء سياسي مقبول دوليا وإقليميا.

قبل تفكيك أحرار الشام، قامت الهيئة بتفكيك ومحاربة عدة فصائل تابعة للجيش الحر، بحجة أنها حضرت آستانة، وتريد الحل السياسي الذي يضيع ثمرة جهادها وتضحياتها، وتهدف لإدخال الجيش التركي، الذي تصفه بالعلمانية والكفر، إلى الشمال السوري، ومن قبل قامت الهيئة بالتشنيع على الفصائل المشاركة في درع الفرات، واعتبرت المشاركة فيه خيانة وعمالة، ومظاهرة للكفار ( أميركا وتركيا وحلف الناتو ) على المسلمين ( تنظيم الدولة )، وطاردت واعتقلت الكثير من المنتسبين لفصائل درع الفرات.

وحين بدأت تركيا بالتهيئة الإعلامية لدخولها إدلب من أجل إيقاف تمدد تنظيم ال pkk، إلى البحر المتوسط، اعتبرت الهيئة أن هذا عدوان واحتلال من أجل ما سمته محاربة المجاهدين وتحكيم شرع الله الذي تُحكَم به إدلب، وضج إعلام الهيئة خاصة الرديف، بتكفير تركيا وأردوغان والجيش التركي، ومن سيدخل معهم إدلب، أو يرضا بدخلوهم، وكَثُرَ التهديد والوعيد لمن سيدخل إدلب وأنها لن تكون نزهة لهم، وبالغ إعلام الهيئة الرديف تحديدا بذلك.

وحين بدأت إجراءات دخول الجيش التركي ودرع الفرات لإدلب، أخرجت الهيئة بيانا توعدت فيه بقتال درع الفرات، وأنها لن تسمح له بالدخول لإدلب، مع تعمد عدم ذكر أي شيء بخصوص تركيا أو جيشها، مما فسره البعض أنه رسالة مبطنة لتركيا أن الهيئة تطمع أن تعتمدها تركيا مندوبا لها في إدلب بدلا من درع الفرات.

العجيب أن الهيئة حاربت درع الفرات، وقام بعض المحسوبين عليها بتكفيره، خاصة بعد تصريحات أردوغان، أن القوات البرية التركية ومن معها ستدخل إدلب، تدعمها جوا القوات الروسية، وغايتها وقف تمدد ال pkk ، وتثبيت مناطق خفض التوتر، الناتجة عن اجتماعات آستانة، ومع ذلك حين دخل الجيش التركي إدلب، دخلها بحماية الهيئة التي سابقا حاربت وكفرت من اتهمته بالتعاون معه، أو يسعى لإدخاله لإدلب!!!!

تناقض خطاب الهيئة الإعلامي، مع تصرفها على الأرض، سبب شرخا كبيرا في الهيئة، تُرجِمَ لانشقاقات جديدة، وتذمر من قواعد الهيئة، خاصة بعد محاولة البعض منهم مهاجمة طلائع القوات التركية في ريف حلب الغربيْ مما أدى لاعتقالهم من أمنيي الهيئة، وصرح إعلام الهيئة أن الدخول التركي كان بعد الاتفاق معها!!!

وإننا نتسائل أين هو هذا الاتفاق؟ وما هي بنوده؟ وأين ومتى تم توقيعه؟ ومن وقعه بالنيابة عن كل طرف؟

والأغرب من ذلك إن كان هذا الاتفاق المزعوم موجود فعلا، فلماذا لا تظهره الهيئة أو تسربه، علما أنه يشكل نصرا كبيرا لها، لأنه يعتبر اعتراف رسمي من قوة إقليمية فاعلة بالهيئة.

لكن ماذا بعد الدخول التركي لإدلب بموافقة الهيئة وحمايتها؟

اليوم كل الاحتمالات هي ضد الهيئة، فإما أن تستخدم تركيا الهيئة كوقود لمعركة ضد ال pkk ، مما يؤدي لإضعافها وتكريس الهيمنة التركية، أو أن تدخل الهيئة في معركة خاسرة مع تركيا ودرع الفرات وتفقد بسرعة ما بقي لها خاصة أن هناك أطرافا داخلية في إدلب تتربص بالهيئة لتنتقم منها جراء تفكيكها وسلب سلاحها، أو أن ترضا الهيئة بالأمر الواقع وتفقد مصداقيتها بين جمهورها بعد أن سقطت دعايتها، أو أن تنحاز الهيئة للمشروع المضاد لمشروع تركيا، وهو مشروع التقسيم الذي ترعاه أميركا ودول الغرب، وتأخذ منهم الدعم لقتال تركيا والجيش الحر معها، مما سيضعها في خانة النظام السوري، وتنظيم الدولة، وقوات ال pkk الانفصالية، بالنسبة للشعب السوري، هذا إن تناسينا أن هناك قسم من الهيئة كان يتبع سابقا لجبهة النصرة، واعترض على قرار فك ارتباطها بالقاعدة، وظل مصرا على تبعيته لها، ودخل بمصادمات مع قيادة فتح الشام المتمثلة بالجولاني، واليوم يعتمد على ما يسميه " حياد الهيئة عن المنهج الصحيح " ، ليحشد أنصاره حتى يعيد مبايعة القاعدة، بتوجيه من المنظر السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي، وبمباركة أيمن الظواهري زعيم التنظيم، وزعامة حمزة بن أسامة بن لادن، الذي أشيع أنه وصل سوريا عبر العراق قادما من إيران.

حاولت الهيئة مؤخرا أن تخرج من هذه الاحتمالات عبر الاستعانة بتنظيم الدولة، لكن التنظيم نكث بعهوده، وغدر بعناصر الهيئة بعد أن أمنوا عناصره، وسيطروا على مساحات وقرى بمنطقة الرهيجان في البادية، جنوب شرق حماة، ما يدل على أن تنظيم الدولة لن يقبل إطلاقا التعاون مع الهيئة الذي يعتبرها مرتدة، وقتال المرتد عند التنظيم، أولى من قتال الكافر الأصلي، حسب أدبياته.

عملية تطويع فصائل المعارضة السورية من قبل المخابرات التركية تعتبر الأعقد والأضخم لها في الملف السوري من بداية الثورة السورية، وقد بدأت من بعد إفشال الإنقلاب، وكانت باكورتها عملية درع الفرات، التي فيها التقاء مصالح كبير بين تركيا كدولة، وبين الثورة السورية، ثم تفكيك أحرار الشام، وقد نرى في الأيام القادمة عملية مماثلة لدرع الفرات ضد الهيئة، لإكمال سيطرة الجيش الحر المدعوم تركيا على إدلب، بعد استنفاد تركيا للخيارات السلمية مع الهيئة، والتي تضمن تحقيق مصلحتها بأقل خسائر ممكنة، ويتوقع أن تبدأ بعد استكمال تركيا لإنشاء قاعدة عسكرية تركية فوق جبل بركات بريف حلب الغربي، والمطل على منطقة عفرين التي يسيطر عليها حزب ال pkk، وستكون المرحلة التالية السيطرة على المعابر والشريط الحدودي، ثم التوجه نحو العمق ( مدينة إدلب ).

الهدف التركي أصبح واضحا، وهو حل كل الفصائل السورية ذات الأيديولجيات والمخططات الخاصة ( الهيئة، الأحرار، الشامية، الزنكي ) بغض النظر عن ماهية هذه الأيديلوجيات والأهداف، لأنها أثبتت عجزا عن التوحد، وتحقيق المراد من وجودها، وعلى أنقاضها سيقوم مشروع جديد.

جاد الحق

تلجرام telegram.me/jadalhaqarticles

فيسبوك https://www.facebook.com/jadalhaqarticles/

المدونة http://jadalhaqarticles.blogspot.com/?m=1

تويتر https://twitter.com/freetalker2017?s=09