28‏/03‏/2018

مأساة الغوطة من منظور آخر



لا شك أن ما حصل في الغوطة يدمي قلب كل ثائر حر، لكنه ليس النهاية مهما بدا كذلك، إنه نتيجة طبيعية لاختيارات خاطئة قمنا بها، إن عدلّناها إلى صحيحة ستعود علينا بتغييرات لصالحنا.

وبتلخيص سريع للمشاكل التي سببت لنا هذه الطامات، وسبل علاجها، نجد التالي:

1) وجود التشرذم، وحله مشروع وطني جامع يقوم على أسس واقعية وعقلانية قابلة للتطبيق، ويحمل أهداف الثورة دون مساومة على مبادئها.

2) غياب العدالة والمحاسبة للمفسدين والخونة والمقصرين، وعلاج ذلك بوجود مؤسسات قضائية ثورية تحكم بالعدل، وترد الحقوق، ويعضدها مؤسسات تنفيذية تواجه بالعنف الثوري كل من يمسُّ أمن الثورة واستقرارها.

3) ولاية السفهاء والضعفاء، ودواؤها انتخابُ الثوار لمن يحقق صفتي القوة والأمانة لتولي المناصب القيادية، مع وجود مؤسسات دعم قرار كمراكز دراسات وأبحاث ومجالس شورى من المؤهلين لذلك، ومؤسسات رقابية يقوم عليها أصحاب دين وأمانة وتخصص، لتحفظ حق الثورة، ويكون لديها الشرعية لعزل ومحاسبة المقصرين والمسيئين.

4) انحراف الثورة عن أهدافها لصالح أهداف غيرها، نتيجة الدعم المسيس، أو شراء الذمم، أو انعدام الخبرة السياسية والقيادية، وحل ذلك بتحرير قرار الثورة من يد المتحكمين من الداعمين والحلفاء والقيادات اللاهثة وراء مصلحتها، وجعل هذا القرار بيد من يحفظ مصلحة الثورة الاستراتيجية.

المشكلات السابقة أسباب مهمة لانحسار الثورة عن مناطق ذات ثقل، كحمص وحلب ودمشق وريفها، والحلول التي ذكرناها، وإن بدت تنظيرية خيالية للبعض، هي الطريق الوحيد لاستعادة ما فقدناه.

وحتى لا يبلغ بنا اليأس مبلغه أذكِّر إخواني بعظم النتائج التي حققناها رغم أخطائنا، فإن أدت كثرة النكبات التي نزلت بنا إلى عجزنا عن تقييم مسيرتنا، فدعونا ننظر إلى ردة فعل عدونا على ما فعلناه.

الثورة السورية أدت إلى حالة غير مسبوقة من الوعي في الأمة، إذ كشفت للناس شخصيات ومؤسسات وأنظمة لطالما ظل العالم مخدوعا بها لسنوات طوال، وحررت نسبة كبيرة من البشر من ربقة النظام الدولي عبر نجاحها في إنشاء مناطق تمرد عليه لا تحكمها منظوماته ( المناطق المحررة )، في هذه المناطق انتشرت الأفكار التحررية التي كانت محظورة ومحاربة، وانتشرت التربية لجيل  يعوّل عليه في التغيير.

ملف الثورة السورية هو أعقد ملف من الحرب العالمية الثانية إلى الآن، دفع بالدول لتغيير خريطة تحالفاتها، وزج قواتها العسكرية بشكل رسمي وسافر على الأرض، لأن حرب الوكلاء، وصراعات الاستخبارات، ومناورات السياسيين لم تعد تجدي نفعا، وربما قريباً تشتبك هذه الدول على أراضيها بحروب مدمرة.

الانتفاضات التي تخرج كل فترة في إيران، والصراع الدائر حول الملف النووي الإيراني، وتدافع الدوائر الحكومية الأمريكية التي ظهر عمق الشرخ بينها على العلن في حكم ترامب، والحرارة المتزايدة بين روسيا وجيرانها الأوروبيين، وحصار قطر من أشقائها، ومحاولة الانقلاب التركية الفاشلة، كل ذلك هزات ارتدادية لزلزال الثورة السورية التي ينتظر  الجميع نتائجها.

من الأمور التي تسبب لنا اليأس أيضا هي ظننا أن ما نمر به، رغم قساوته، أمر عجيب وغريب في تاريخ الإنسانية، لكن الأصل بالثورة العشوائية والتخبط، والأصل في “النظام ” الانضباط والتماسك، وكلما اتجهت الثورة نحو التماسك والانضباط، اتجه النظام للتحلل والتلاشي، وثورات الياسمين لا تثمر إلا حكما أقسى مما كان، ووحدها ثورات الدم والدمار والدموع هي من تلد النصر الحقيقي الصلب.

قد يرى البعض أن الثورة متخلفة بمسافات شاسعة عن اللحاق بمشاريع ناجحة، كالنظام التركي المتمثل بحزب العدالة والتنمية، أو حركة حماس مثلا، والجواب على ذلك أن ثورتنا بدأت من اللاشيء، فلا يوجد للشعب السوري بعمومه أي خبرة سياسية أو عسكرية أو قيادية مسبقة، كنتيجة طبيعية للحكم الشمولي البعثي، والثمار التركية التي نراها تجنى اليوم هي حصيلة لعشرات السنوات المرّة من أيام سعيد بيران والنورسي، مرورا بالشهيد مندريس، وانتهاء بالمعلم أربكان، ومع ذلك نجد أردوغان يمشي بتؤدة وحذر، ولا يحرق المراحل للوصول إلى الهدف.

أما حركة حماس فعمرها التنظيمي حوالي ثلاثين عاماً، وعُمر الجهاد الفلسطيني الذي كانت حماس بنته البارة ما يقارب 70 عاماً، والخبرة التاريخية تعتّق المواهب القيادية، وتشحذ ذخائر المواجهة عند الشعب، ولذلك ما نمر به من أخطاء، ومحن، طبيعي في حركة أي شعب، ولكنه يبقى غير مقبول، ويحتاج إلى إصلاح.

لنتذكر أننا أول الثورة كنا أضعف مما نحن عليه اليوم، وكان النظام أقوى مما هو عليه اليوم، لنتذكر أننا لم نكن نملك لا الغوطة ولا حلب ولا حمص، ولم نحرر في البداية أي شبر، ثم حررنا كل تلك المناطق وانتصرنا بمعارك، وهزمنا في أخرى، فحالنا كمن كان مقيدا مغلولا، فحطم قيوده وسار خمسين خطوة، ثم دفعه أعداؤه للتراجع أربعين، فبكى عحاله، ونسي أنه قد نجح مسبقا نجاحا باهرا في تحطيم الأغلال والسير عشر خطوات، والأغلال والقيود أن تحطمت فمحال أن تعود.


21‏/03‏/2018

التعفيش في عفرين، الأسباب والدروس المستفادة.

التعفيش في عفرين، الأسباب والدروس المستفادة.


رجالات السلطة هم قدوة لعامة الشعب، لأن جمهور الناس مقلد للأقوى، ومستعد للتنازل عن شخصيته لصالح شخصية الزعيم بما يشبه التقمص والذوبان، فصاحب القوة وإن كان على باطل فالناس مستعدة لأن تتبعه، بينما صاحب الحق وإن كان ضعيفا فلا يغري أحدا باتباعه.

ربما من خلال هذا التقديم المبسَّط بتنا نفهم سبب الانحدار الأخلاقي المريع للشعب السوري الذي حصل بعد انقلاب البعث واغتصابه السلطة، فرجالات البعث فاسدون مفسدون في الفكر والسلوك، ووجودهم في مفاصل الدولة يعني مأسسة الفساد، وتقنين الجريمة، إذ تمَّ تنظيم هذا الفساد بالقوانين الضابطة لاستمراره وانتشاره، ثم جاءت الثورة لتحمل كثيرا من الناس من المراتب الاجتماعية الدونية والمهمشة، لتضعهم في صدارة السلطة والقرارات، فاستمرت مسيرة الانحدار بتولي غير ذوي القوة والأمانة.

ولعل من مظاهر الفساد التي رأيناها كثيرا بالثورة السورية كنتيجة لما سبق ظاهرة التعدي من قبل المقاتلين على الأموال والممتلكات العامة والخاصة بذريعة أو دون ذريعة، أو ما يعرف محليا بالتشويل أو التعفيش،

لكن ما لا يعرفه أغلبنا أن الفضل بسن ونشر هذه السنة السيئة قبل سنوات من قيام الثورة هو النظام السوري أيام تدخله في لبنان بداية من عام 1976، فشجع حينها على السرقات واغتصاب أعراض المدنيين وأموالهم وسفك دمائهم، وبالتدريج تحولت هذه الأمور إلى ممارسات اعتيادية للجيش السوري العقائدي في أي منطقة لبنانية يدخلها بغض النظر عن طائفة أهل المنطقة.

في الثورة السورية أعاد النظام عبر شبيحته تذكير السوريين بتلك الممارسات، وأعاد سن هذه السنة السيئة على أيدي مرتزقته في أول الثورة، وشيئا فشيئا بدأ ضعاف النفوس والمفسدون المتسترون باسم الجيش الحر باقتباس هذا الفن الرفيع (فن التعفيش) والعمل على تطوير أساليبه، وتنويع إستراتيجياته.

أسباب انتشار هذه الظاهرة كثيرة، لعل أهمها غياب أي مؤسسات قانونية تفرض هيبة العدالة على المجتمع، وتنزع الحق من القوي لترده للضعيف، مع وجود بعض القادة الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وضعف الوازع الديني والأخلاقي نتيجة حالات الفقر والتهجير المستشرية في مجتمعنا، وأيضا ثقافة الاستهلاك والشحاذة والقضاء على الكرامة عبر تكريس الإغاثة.

ومن الأسباب المهمة لانتشار التعفيش إقصاء بعض الفصائل لدور الدين في بناء شخصية مقاتلها، فالفصائل التي اشتهرت بالسمعة السيئة والتجاوزات ومن ضمنها التعفيش هي فصائل تقوم بشكل مقصود بإقصاء الدين، إما كرد فعل على التنظيمات السوداء التي استغلت الدين وشوهته في سبيل مآربها، أو تبييضا لصفحتها لدى الجهات الخارجية الداعمة، أو لأن قائد الفصيل يدرك تماما أن العنصر الملتزم دينيا لا يُرضى به قائدا، وبالتالي يحرص على جعله مرتزقا مجرما.

ظاهرة التعفيش وغيرها من التجاوزات تشكل عائقاً كبيراً للشرفاء عن إكمال مسيرة الثورة. ولمن يبحث عمَّا يرضي الله ثم ضميره، ويتذرع أنه يريد الإصلاح لكن لا يقدر، أقول له: إن هروبك أو هروبكم أو هروبي أو هروبنا  من المشكلة هو تعقيد لها وليس حلاً، فلو وُجِدَ المصلحون (مصلحون وليس صالحون) واختلطوا بالناس، وصبروا على أذاهم، واحتملوا المكروه في سبيل ذلك، وقدموا للعامة على الأرض قدوات واقعية حية في الأخلاق والتعامل، بدلا من التنظيرات الحالمة، والشعارات الخيالية، لتراجعت نسبة الإفساد بشكل كبير.

نحن بعمومنا فينا الداء والدواء، وإن لم يفعّل فينا كل شخص نفسه، ويقوم بواجبه الإصلاحي في ظل غياب المؤسسات، فسيستمر سقوطنا الأخلاقي المروع، وانحدارنا القيمي الرهيب إلى ما هو أفظع وأشنع مما حدث في عفرين، ومع ذلك فإن ما حدث في عفرين رغم قتامته إلا أنه يملك إيجابيات بداخله من عدة أوجه:

1) ما حصل في عفرين أثبت أن نخبنا الثورية ومرجعيات الثورة وأبناءها الشرفاء لم ينحدروا إلى مستوى غيرهم من المرقِّعة والمنافقين في السكوت عن أخطاء من يحسبون عليهم.

2) ما حصل في عفرين ولّد موقفا واحدا عند كل الثوار وجمعهم وجدد روح قضيتهم المركزية الأولى وهي رفع الظلم، وخاصة أن ذلك حصل في نفس تاريخ أيام الثورة الأولى.

3) تجاوزات البعض من المحسوبين على الجيش الحر ليست سياسة ممنهجة كما الحال عند النظام، بل هي تصرفات دخيلة تتعارض مع روح الثورة وأهدافها ويرفضها كل أبناءها وهذا ما حصل فعلا، وأيضا لم تلبس لبوس الدين لتعطي القدسية عن النقد والمحاسبة لمن قام بها، وهذا من أعظم الإيجابيات.

4) ما حصل أعاد روح الشجاعة الأولى للثوار في رفع الصوت وانتقاد الفساد والمفسدين، وأسقط هيبتهم من نفوس الناس، وشجع الثوار على القيام بعمليات تقييم ومراجعة ونقد ذاتي لتصحيح المسار الثوري.

5) انتشار حالة التبلّد المشاعري للثوار ضد التجاوزات في الثورة، استلزم لعلاجها صفعة صادمة تنتشلنا من سكرة هذا التبلّد وهذا ما حصل تماما في عفرين، وسنرى بناءً على ذلك بإذن الله في الأيام القليلة القادمة ما سيثبت صحة هذا الكلام.



جاد الحق


التعفيش في عفرين، الأسباب والدروس المستفادة.


رجالات السلطة هم قدوة لعامة الشعب، لأن جمهور الناس مقلد للأقوى، ومستعد للتنازل عن شخصيته لصالح شخصية الزعيم بما يشبه التقمص والذوبان، فصاحب القوة وإن كان على باطل فالناس مستعدة لأن تتبعه، بينما صاحب الحق وإن كان ضعيفا فلا يغري أحدا باتباعه.

ربما من خلال هذا التقديم المبسَّط بتنا نفهم سبب الانحدار الأخلاقي المريع للشعب السوري الذي حصل بعد انقلاب البعث واغتصابه السلطة، فرجالات البعث فاسدون مفسدون في الفكر والسلوك، ووجودهم في مفاصل الدولة يعني مأسسة الفساد، وتقنين الجريمة، إذ تمَّ تنظيم هذا الفساد بالقوانين الضابطة لاستمراره وانتشاره، ثم جاءت الثورة لتحمل كثيرا من الناس من المراتب الاجتماعية الدونية والمهمشة، لتضعهم في صدارة السلطة والقرارات، فاستمرت مسيرة الانحدار بتولي غير ذوي القوة والأمانة.

ولعل من مظاهر الفساد التي رأيناها كثيرا بالثورة السورية كنتيجة لما سبق ظاهرة التعدي من قبل المقاتلين على الأموال والممتلكات العامة والخاصة بذريعة أو دون ذريعة، أو ما يعرف محليا بالتشويل أو التعفيش،

لكن ما لا يعرفه أغلبنا أن الفضل بسن ونشر هذه السنة السيئة قبل سنوات من قيام الثورة هو النظام السوري أيام تدخله في لبنان بداية من عام 1976، فشجع حينها على السرقات واغتصاب أعراض المدنيين وأموالهم وسفك دمائهم، وبالتدريج تحولت هذه الأمور إلى ممارسات اعتيادية للجيش السوري العقائدي في أي منطقة لبنانية يدخلها بغض النظر عن طائفة أهل المنطقة.

في الثورة السورية أعاد النظام عبر شبيحته تذكير السوريين بتلك الممارسات، وأعاد سن هذه السنة السيئة على أيدي مرتزقته في أول الثورة، وشيئا فشيئا بدأ ضعاف النفوس والمفسدون المتسترون باسم الجيش الحر باقتباس هذا الفن الرفيع (فن التعفيش) والعمل على تطوير أساليبه، وتنويع إستراتيجياته.

أسباب انتشار هذه الظاهرة كثيرة، لعل أهمها غياب أي مؤسسات قانونية تفرض هيبة العدالة على المجتمع، وتنزع الحق من القوي لترده للضعيف، مع وجود بعض القادة الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وضعف الوازع الديني والأخلاقي نتيجة حالات الفقر والتهجير المستشرية في مجتمعنا، وأيضا ثقافة الاستهلاك والشحاذة والقضاء على الكرامة عبر تكريس الإغاثة.

ومن الأسباب المهمة لانتشار التعفيش إقصاء بعض الفصائل لدور الدين في بناء شخصية مقاتلها، فالفصائل التي اشتهرت بالسمعة السيئة والتجاوزات ومن ضمنها التعفيش هي فصائل تقوم بشكل مقصود بإقصاء الدين، إما كرد فعل على التنظيمات السوداء التي استغلت الدين وشوهته في سبيل مآربها، أو تبييضا لصفحتها لدى الجهات الخارجية الداعمة، أو لأن قائد الفصيل يدرك تماما أن العنصر الملتزم دينيا لا يرضا به قائدا، وبالتالي يحرص على جعله مرتزقا مجرما.

ظاهرة التعفيش وغيرها من التجاوزات تشكل عائقاً كبيراً للشرفاء عن إكمال مسيرة الثورة. ولمن يبحث عمَّا يرضي الله ثم ضميره، ويتذرع أنه يريد الإصلاح لكن لا يقدر، أقول له: إن هروبك أو هروبكم أو هروبي أو هروبنا  من المشكلة هو تعقيد لها وليس حلاً، فلو وُجِدَ المصلحون (مصلحون وليس صالحون) واختلطوا بالناس، وصبروا على أذاهم، واحتملوا المكروه في سبيل ذلك، وقدموا للعامة على الأرض قدوات واقعية حية في الأخلاق والتعامل، بدلا من التنظيرات الحالمة، والشعارات الخيالية، لتراجعت نسبة الإفساد بشكل كبير.

نحن بعمومنا فينا الداء والدواء، وإن لم يفعّل فينا كل شخص نفسه، ويقوم بواجبه الإصلاحي في ظل غياب المؤسسات، فسيستمر سقوطنا الأخلاقي المروع، وانحدارنا القيمي الرهيب إلى ما هو أفظع وأشنع مما حدث في عفرين، ومع ذلك فإن ما حدث في عفرين رغم قتامته إلا أنه يملك إيجابيات بداخله من عدة أوجه:

1) ما حصل في عفرين أثبت أن نخبنا الثورية ومرجعيات الثورة وأبناءها الشرفاء لم ينحدروا إلى مستوى غيرهم من المرقِّعة والمنافقين في السكوت عن أخطاء من يحسبون عليهم.

2) ما حصل في عفرين ولّد موقفا واحدا عند كل الثوار وجمعهم وجدد روح قضيتهم المركزية الأولى وهي رفع الظلم، وخاصة أن ذلك حصل في نفس تاريخ أيام الثورة الأولى.

3) تجاوزات البعض من المحسوبين على الجيش الحر ليست سياسة ممنهجة كما الحال عند النظام، بل هي تصرفات دخيلة تتعارض مع روح الثورة وأهدافها ويرفضها كل أبناءها وهذا ما حصل فعلا، وأيضا لم تلبس لبوس الدين لتعطي القدسية عن النقد والمحاسبة لمن قام بها، وهذا من أعظم الإيجابيات.

4) ما حصل أعاد روح الشجاعة الأولى للثوار في رفع الصوت وانتقاد الفساد والمفسدين، وأسقط هيبتهم من نفوس الناس، وشجع الثوار على القيام بعمليات تقييم ومراجعة ونقد ذاتي لتصحيح المسار الثوري.

5) انتشار حالة التبلّد المشاعري للثوار ضد التجاوزات في الثورة، استلزم لعلاجها صفعة صادمة تنتشلنا من سكرة هذا التبلّد وهذا ما حصل تماما في عفرين، وسنرى بناءً على ذلك بإذن الله في الأيام القليلة القادمة ما سيثبت صحة هذا الكلام.


التعفيش في عفرين، الأسباب والدروس المستفادة.


رجالات السلطة هم قدوة لعامة الشعب، لأن جمهور الناس مقلد للأقوى، ومستعد للتنازل عن شخصيته لصالح شخصية الزعيم بما يشبه التقمص والذوبان، فصاحب القوة وإن كان على باطل فالناس مستعدة لأن تتبعه، بينما صاحب الحق وإن كان ضعيفا فلا يغري أحدا باتباعه.

ربما من خلال هذا التقديم المبسَّط بتنا نفهم سبب الانحدار الأخلاقي المريع للشعب السوري الذي حصل بعد انقلاب البعث واغتصابه السلطة، فرجالات البعث فاسدون مفسدون في الفكر والسلوك، ووجودهم في مفاصل الدولة يعني مأسسة الفساد، وتقنين الجريمة، إذ تمَّ تنظيم هذا الفساد بالقوانين الضابطة لاستمراره وانتشاره، ثم جاءت الثورة لتحمل كثيرا من الناس من المراتب الاجتماعية الدونية والمهمشة، لتضعهم في صدارة السلطة والقرارات، فاستمرت مسيرة الانحدار بتولي غير ذوي القوة والأمانة.

ولعل من مظاهر الفساد التي رأيناها كثيرا بالثورة السورية كنتيجة لما سبق ظاهرة التعدي من قبل المقاتلين على الأموال والممتلكات العامة والخاصة بذريعة أو دون ذريعة، أو ما يعرف محليا بالتشويل أو التعفيش،

لكن ما لا يعرفه أغلبنا أن الفضل بسن ونشر هذه السنة السيئة قبل سنوات من قيام الثورة هو النظام السوري أيام تدخله في لبنان بداية من عام 1976، فشجع حينها على السرقات واغتصاب أعراض المدنيين وأموالهم وسفك دمائهم، وبالتدريج تحولت هذه الأمور إلى ممارسات اعتيادية للجيش السوري العقائدي في أي منطقة لبنانية يدخلها بغض النظر عن طائفة أهل المنطقة.

في الثورة السورية أعاد النظام عبر شبيحته تذكير السوريين بتلك الممارسات، وأعاد سن هذه السنة السيئة على أيدي مرتزقته في أول الثورة، وشيئا فشيئا بدأ ضعاف النفوس والمفسدون المتسترون باسم الجيش الحر باقتباس هذا الفن الرفيع (فن التعفيش) والعمل على تطوير أساليبه، وتنويع إستراتيجياته.

أسباب انتشار هذه الظاهرة كثيرة، لعل أهمها غياب أي مؤسسات قانونية تفرض هيبة العدالة على المجتمع، وتنزع الحق من القوي لترده للضعيف، مع وجود بعض القادة الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وضعف الوازع الديني والأخلاقي نتيجة حالات الفقر والتهجير المستشرية في مجتمعنا، وأيضا ثقافة الاستهلاك والشحاذة والقضاء على الكرامة عبر تكريس الإغاثة.

ومن الأسباب المهمة لانتشار التعفيش إقصاء بعض الفصائل لدور الدين في بناء شخصية مقاتلها، فالفصائل التي اشتهرت بالسمعة السيئة والتجاوزات ومن ضمنها التعفيش هي فصائل تقوم بشكل مقصود بإقصاء الدين، إما كرد فعل على التنظيمات السوداء التي استغلت الدين وشوهته في سبيل مآربها، أو تبييضا لصفحتها لدى الجهات الخارجية الداعمة، أو لأن قائد الفصيل يدرك تماما أن العنصر الملتزم دينيا لا يرضا به قائدا، وبالتالي يحرص على جعله مرتزقا مجرما.

ظاهرة التعفيش وغيرها من التجاوزات تشكل عائقاً كبيراً للشرفاء عن إكمال مسيرة الثورة. ولمن يبحث عمَّا يرضي الله ثم ضميره، ويتذرع أنه يريد الإصلاح لكن لا يقدر، أقول له: إن هروبك أو هروبكم أو هروبي أو هروبنا  من المشكلة هو تعقيد لها وليس حلاً، فلو وُجِدَ المصلحون (مصلحون وليس صالحون) واختلطوا بالناس، وصبروا على أذاهم، واحتملوا المكروه في سبيل ذلك، وقدموا للعامة على الأرض قدوات واقعية حية في الأخلاق والتعامل، بدلا من التنظيرات الحالمة، والشعارات الخيالية، لتراجعت نسبة الإفساد بشكل كبير.

نحن بعمومنا فينا الداء والدواء، وإن لم يفعّل فينا كل شخص نفسه، ويقوم بواجبه الإصلاحي في ظل غياب المؤسسات، فسيستمر سقوطنا الأخلاقي المروع، وانحدارنا القيمي الرهيب إلى ما هو أفظع وأشنع مما حدث في عفرين، ومع ذلك فإن ما حدث في عفرين رغم قتامته إلا أنه يملك إيجابيات بداخله من عدة أوجه:

1) ما حصل في عفرين أثبت أن نخبنا الثورية ومرجعيات الثورة وأبناءها الشرفاء لم ينحدروا إلى مستوى غيرهم من المرقِّعة والمنافقين في السكوت عن أخطاء من يحسبون عليهم.

2) ما حصل في عفرين ولّد موقفا واحدا عند كل الثوار وجمعهم وجدد روح قضيتهم المركزية الأولى وهي رفع الظلم، وخاصة أن ذلك حصل في نفس تاريخ أيام الثورة الأولى.

3) تجاوزات البعض من المحسوبين على الجيش الحر ليست سياسة ممنهجة كما الحال عند النظام، بل هي تصرفات دخيلة تتعارض مع روح الثورة وأهدافها ويرفضها كل أبناءها وهذا ما حصل فعلا، وأيضا لم تلبس لبوس الدين لتعطي القدسية عن النقد والمحاسبة لمن قام بها، وهذا من أعظم الإيجابيات.

4) ما حصل أعاد روح الشجاعة الأولى للثوار في رفع الصوت وانتقاد الفساد والمفسدين، وأسقط هيبتهم من نفوس الناس، وشجع الثوار على القيام بعمليات تقييم ومراجعة ونقد ذاتي لتصحيح المسار الثوري.

5) انتشار حالة التبلّد المشاعري للثوار ضد التجاوزات في الثورة، استلزم لعلاجها صفعة صادمة تنتشلنا من سكرة هذا التبلّد وهذا ما حصل تماما في عفرين، وسنرى بناءً على ذلك بإذن الله في الأيام القليلة القادمة ما سيثبت صحة هذا الكلام.


12‏/03‏/2018

أبو الفتح الفرغلي وجماعته.... البداية المشبوهة والنهاية السوداء


بعيدا عن تهم التخوين التي يجيدها الكل، والتي ظهر صدقها في البعض، من خلال تصرفاته، ما هو الدافع الخفي لما تقوم به قيادات الهيئة، بمعنى أنه ماذا يجري داخل أدمغتهم وكيف يفكرون، ألا يرون أنهم بما يصنعونه يسهمون في إسقاط المحرر لصالح النظام وبالتالي القضاء على الثورة؟

أقول وبالله التوفيق، الجماعات الجهادية تنظر للأمور بنظرة تختلف عن باقي من ينظر لها ممن سواهم، وذلك لأن نظام تشغيلهم الداخلي مختلف عن باقي الناس، بمعنى هم مبرمجون على معالجة المعطيات المدخلة بطريقة مغايرة لباقي الناس، وبالتالي ستنتج معهم نتائج تحليل مغايرة، وسيترتب عليها خطوات تنفيذ يراها الآخرون خاطئة، لكنهم يرونها الحق المطلق.

العجيب بالأمر أن نظام التشغيل الداخلي للجماعات السلفية الجهادية، تم اختراقه من مدة طويلة من قبل المخابرات الأجنبية وعلى رأسها الأمريكية، وزرعت هذه المخابرات فيروسات داخل أنظمة تشغيل وتفكير الجماعات ( قد تكون هذه الفيروسات مناهج أو أشخاص أو الإثنان معا )، مما سبب لهذه الجماعات انحرافات خطيرة، حيث ما إن تبدأ الجماعة جهادها للشعب، حتى تبدأ الانحرافات فيها، فيصبح بعد فترة جهادها ضد الشعب الذي خرجت للجهاد من أجله.

هذه الفيروسات التخريبية تعمل على تضخيم الأنا عند الجماعة، فترى الجماعة نفسها على أنها الوصي على الأمة، وبالتالي كل ما تفعله من شر هو لمصلحة الأمة، وإن فعل غيرها خيرا للأمة فهو لا بد أنه شر مبطن يستحق الغير عليه التخوين والتكفير والحرب، لأن الخير يأتي فقط من جهتنا حتى لو كان شرا محضا.

من فترة وجدنا أن أحد أكابر مرقعي هذه الجماعات قد أفتى على قناته بأنه إن تعامل غيرهم مع إيران ولو كان هذا التعامل ضمن الشرع، فهذا خيانة وعمالة، بينما إن تعاملوا هم مع إيران حتى لو كان تعاملهم اتفاقيات مشبوهة مثل اتفاقية كفريا والفوعة، فهذا أمر سياسة شرعية ولمصلحة الإسلام، بمعنى آخر لو غيرنا فعل الواجب أو المباح فهو عميل وخائن، أما لو فعلنا نحن الخيانة فهي من السياسة الشرعية التي نثاب عليها.

يزداد تعنت هذه الجماعات وانغلاق فكرها بازدياد أعدائها من حولها، وازدياد أعدائها هو نتيجة طبيعية لما تفعله من بغي وإجرام وتكفير، ومع ازدياد جرائمها يزداد سخط الشعوب وفصائلها المجاهدة ضد هذه الجماعات، مما يساهم في تضخيم كِبرِهِم وغرورهم، ويبدؤون بعزف مقطوعة المظلومية والطائفة المنصورة التي تحزبت عليها الأحزاب ولا يضرها من خذلها، طبعا هذا لا يعني أن الجماعة خالية من العملاء الصرفيين لأجهزة المخابرات.

عندما تشعر قيادات هذه الجماعات أنها بخطر محدق، تقوم بالتضحية بأكثر الأسماء إثارة للجدل، وفي حالت الهيئة فنتيجة بغيها وعدوانها قد جعلتها بمواجهة الشعب، وليس فقط الفصائل، وبالتالي معركتها اليوم بالنسبة لأفرادها وقياداتها هي معركة شخصية تتعلق بمصائرهم ومصالحهم المهددة من قبل المظلومين، والمبغي عليهم، لذلك لا يعيرون الغوطة أو مصلحة الساحة أي أهمية، لأنهم يظنون أنفسهم هم الساحة والجهاد، فلو لا سمح الله سقطت الغوطة وبقوا هم على عروشهم الوهمية، فهذا هو النصر المبين للأمة، وإذا استمر تطويقهم والضغط عليهم أتوقع أن يضحوا بأكثر الأسماء إثارة للجدل، وتكون على الأغلب هذه الأسماء من جنسية واحدة ( وهذه عادة الجماعات السلفية الجهادية حين تصل للنهاية تبدأ بتقديم القرابين ) وعلى الأغلب ستضحي الهيئة بثلاثيها المصري ( كما ضحت سابقا بالأردنيين )، وأولهم الفرغلي، لأن كلامهم وفتاويهم وتحريضهم، كانت أكثر ما ورط الهيئة بالمواجهة مع الشعب، خاصة أن وكالة إباء بدأت بالترويج الزائد للفرغلي، وكلنا يعلم أن الجولاني لا يسمح بأن تطفو شخصية أخرى غيره على السطح إلا إن كان سيُضحى بها كقربان لإنقاذه، خاصة أنه كل ما اقتربت غصن الزيتون من إدلب زاد استشعار قيادة الهيئة لخطر الغرق نتيجة الطوفان القادم، لذلك ستكون قيادتها مستعدة للتضحية بأثقالها وأولهم الفرغلي ومواطناه......

على فكرة أكثر ما دمر هذه الجماعات هو الربيع العربي وثورات الشعوب، لأنهم لطالما نظروا للشعوب على أنهم قطعان لا تفكر ولا يأتي منها خير، هم وحدهم القيادات الفذة، وعلى الشعوب الغافلة أن تسمع لهم وتطيع، ثم تفاجؤوا أن هذه الشعوب هبت من سباتها، وكسرت قيودها، وسبقتهم بسنين ضوئية، وتركتهم يلهثون وراءها، لذلك التقت مصلحة هذه الجماعات مع مصلحة الأنظمة الحاكمة ضد ثورات الشعوب....

جاد الحق