29‏/07‏/2018

فخ اسمه الواقعية السياسية

كحال كل الدعوات المشبوهة، لا بد من أن يكون لها شعار برّاق يُخفي أهدافها الحقيقية، وأكثر دعوى تروّج اليوم هي دعوى التسليم للنظام المجرم وحلفائه، وشعار هذا التسليم " الواقعية السياسية " .

الواقعية السياسية كمفهوم مجرد أمر جميل وضروري، ويعني أن تفهم حجمك السياسي وفقا لقوتك على الأرض، وتموضعك بخريطة التحالفات الدولية، وعلى هذا الأساس تقرر استراتيجياتك اللازمة لتحقيق أهدافك.

أما اليوم فقد أصبحت واقعية البعض السياسية تُختَصر بالتفاوض على ثوابت الثورة، وأولها الاعتراف بالنظام وتسليمه المحرر، مع ممارسة الإرهاب الفكري ضد من يعارض هذه الخيانة، عبر اتهامه بالتهور، والتطرف، وضيق الأفق!!!!

وأقول للواقعيين السياسيين أن الإنسان بمسيرته الطويلة اكتشف طرقا ملتوية توصله لأهدافه تغنيه عن مداومة القتال، والحرب، وسفك الدماء، وهذه الطرق تعتمد على المراوغة، واللف، والدوران، وعقد الاتفاقيات، ومناصبة العداوات، حسب خريطة المصالح، كنوع من التغيير الأقل خسائر لأسلوب الحرب لتحقيق المصالح، فالحرب والسياسة صنوان، يعملان معا بالتبادل، للوصول لنفس الغاية، وبالتالي أي عملية سياسية لأي كيان، لا تملك مسارا عسكريا يحميها، أو لا تمثل هذا الكيان، وتحقق أهدافه المرسومة مسبقا تكون وبالا عليه، وخيانة لمبادئه، تماما كحال من يفاوض باسم الشعب السوري الثائر، لتحقيق مكتسبات هي أساسا ضد ثورة الشعب!!!!
فهل هذا يسمى واقعية سياسية أم واقعية خيانية!!!

الواقعية السياسية تفرض عليك أن تقاتل بما تستطيع لتحقيق أفضل شروط للتفاوض السياسي، لأن القوي على الأرض يفرض شروطه على طاولة المفاوضات بمقدار قوته، لذلك القوي يحتاج أن يقاتل بكل جهده بغية تحقيق أفضل نصر يعطيه ميزات إضافية، والضعيف يحتاج أن يقاتل بكل جهده للتخفيف من شر هزيمته، وإذا انعدم القتال عند الضعيف فجلوسه مع القوي ليس تفاوضا، بل هو لتوقيع شروط استسلامه المذلة، فماذا سيجبر القوي على الاعتراف بالضعيف والرضا بما يطرحه؟؟؟

أجد في نفسي سذاجة في مناقشة هكذا فكرة، لأنها من البديهيات الواضحات التي لا تحتاج برهان، ولا ينتطح فيها عنزان، لكننا صرنا نتيجة انتكاس الفطر السليمة، وسيطرة خطاب الهزيمة، نحتاج لأن نناقش البديهي، ونثبت صحة الصحيح!!!

أي عملية سياسية للثورة الآن، وهي بهذا الضعف العسكري والترهل هي انتحار، وكل ما يسمى ضمانات دولية، خاصة التي تأتي من طرف الحلفاء هي إبر تخدير، نحتاج لرص صفوفنا والقتال حتى آخر رمق، على الأقل لنحسن من شروط هزيمتنا، ووالله لو أخذنا بأسباب القتال ثم قاتلنا لوجدنا النصر أقرب، وأسهل مما نتخيله، لكن ينقصنا القائد الرمز، الذي يجمع بسالة الإقدام، مع شجاعة الصمود.

قرأت مرة في أحد كتب الكاتب الأميركي روبرت جرين قصة عن اللورد ويلسن القائد البحري البريطاني، كان معروفا بشجاعته، وعبقريته، وتضحيته في سبيل وطنه، لكن القيادة البريطانية وضعته ثانيا في القيادة، وأمّرت عليه رجلا يسمى " هايد " وأوكلت له مهمة إقناع الدانمارك بإقامة حظر بحري على فرنسا بقيادة نابليون، المهمة تبدو ديبلوماسية أكثر منها عسكرية، وتحتاج لواقعية سياسية أكثر منها لضغط عسكري وقتال.

جمع هايد الضباط ليشاورهم، فما كان من نيلسن إلا أن انفجر غاضبا صائحا أن الدفاعات الدانماركية مرعبة للأطفال فقط، وبإمكان البريطانيين إحراز نصر عسكري كبير إن قاتلوا، وفعلا سقط هايد أسيرا لاندفاع نيلسن وقرر دخول الحرب، لكن قراره كان نابعا من نفسية مهزوزة مترددة، تعشق السلام والوداعة، وتخشى المغامرة والاندفاع.

بدأت المعركة وبدا فيها أن خسائر البريطانيين كبيرة، مما ولّد إزعاجا وقلقا لهايد، لأن حياته المهنية كقائد كانت على المحك، بعكس نيلسن الذي كان يعرف ما يجري ومدركا لأبعاد الواقع.

وبعد 4 ساعات من المعركة أمر هايد برفع راية الانسحاب وهي الراية رقم  39 ، لكن نيلسن تجاهل الأمر وكأنه لا يعنيه، وحين أخبره أحد الضباط بأمر راية الانسحاب تناول منه النظار _ وكان نيلسن أعورا _ ثم وضعه على عينه العمياء وقال له ساخرا أين هي؟ أنا لا أرى شيئا؟

وبعد أقل من ساعة على رفع الراية رقم 39 تهاوت دفاعات الدانماركيين  واستسلموا لينتصر البريطانيون!!!!

لو صبر الدانماركيون قليلا لانتصروا وسحقوا البريطانيين!!!.

لو لم يتجاهل نيلسن أمر الانسحاب النابع من نفسية هايد المستسلمة والخائفة على منصبه، لما انتصر البريطانيون في حربهم وحققوا هدفهم.

واليوم من ينصحنا برمي السلاح والاستسلام للمصالحات الخيانية المذلة بذريعة الواقعية السياسية، ورفض التغيير الديموغرافي، والحفاظ على من تبقى، هو إما شخصية منهزمة مستسلمة تحتاج لمن يرميها في أواخر الصفوف، أو خائن يريد تخذيلنا عن تحقيق ما نستحقه من نصر...

لذلك لا سبيل لنا إلا أن نقاتل، ونقاتل، ونقاتل، ثم نقاتل، ونقاتل، ونقاتل، فإما أن ننتصر، أو على الأقل نجعل نصر عدونا _ لا سمح الله _ بطعم الهزيمة، ونحقق لأنفسنا شروط هزيمة أفضل.

يقول كارنيجي : " كثير من الرجال الناضجين لا تقل مخاوفهم عن مخاوف الأطفال والصبيان  "


جاد الحق


23‏/07‏/2018

عام على البغي

كمثل هذه الأيام من السنة الماضية جرت أكبر عملية بغي لهتش، استطاعت بها توجيه ضربة قاصمة للفصيل الذي يعد بيضة قبان الساحة ( أحرار الشام )، وتمكنت من احتلال أغلب المحرر، ومن التحكم بمعبر باب الهوى، وكنتائج بسيطة لهذا البغي رأينا تسليم مئات القرى والمناطق من هتش للنظام دون إطلاق طلقة، وانفلات الوضع الأمني، وتدهور الحالة الاقتصادية.

بعيدا عن نظرية المؤامرة ما هي الأسباب الموضوعية التي أدت لتغلب هتش على أحرار الشام؟

في هذا المقال سنتعرف على بعض أهم الأسباب التي أدت لهذه الكارثة، عسانا نستفيد جميعا من هذا الدرس القاسي حتى لا يتكرر......

أسباب سقوط الأحرار في معركة المعبر ضد هتش:

1) انعدام الحزم عند القيادة في القرارت، والحسم بحل المشاكل المستعصية، وغياب القائد الرمز الكاريزماتي.

وبتكرار مواقف الارتخاء والرمادية من القيادة، خاصة أيام مشكلة جند الأفعى، تولّدت صورة لصقت بالحركة، وهي أن الأحرار ضعفاء مترددون، خصم لين وسهل، .....إلخ

هذه الصورة جرت من المفاسد والويلات ما هو كافٍ لفرط الحركة عبر عامل الوقت فقط.

2) عدم وجود عقيدة قتالية لدى عنصر الأحرار تجعله يمسك بندقيته بثبات، فانعدام التوجيه العقدي السياسي والشرعي، خلق حالة من التردد عند العنصر زادتها دعاية هتش.

3) انعدام حس الانتماء للحركة عند العناصر، إذ الغالبية الساحقة من أبنائها لم يتحرك لخوض معركته المصيرية، إما بسبب تغليب النزعة المناطقية والعشائرية على الواجب الديني والتنظيمي، حيث فضلت مناطق محسوبة على الحركة مصلحتها الخاصة على الواجب الديني والتنظيمي، رغم أنها كانت تنال حظا كبيرا من دعم الحركة، مع ذلك لم تطلق طلقة نصرة للحركة في معركتها المصيرية، أو بسبب انتشار المفسدين والمظالم وسوء الإدارة والتي تنعكس سلبا على أبناء الحركة، فتفقدهم انتماءهم وولاءهم لها.

4) غياب الرموز التحشيدية المحبوبة التي مهمتها التعبئة العقدية والعاطفية للمعارك، فبحين تملك هتش أبا اليقظان وأبا شعيب والفرغلي، الذين كانت مهمتهم الأولى التفرغ للعناصر العاديين وتهيئتهم للبغي، لم نجد للأحرار رمزا شرعيا متفرغا للنشاط الميداني مع العناصر، قد يكون شرعيو الأحرار أكثر علما وأصح نهجا، إلا أنهم لا يملكون نشاط وجلد شرعيي هتش، باختصار " جَلَد الفاجر، وعجز الثقة ".

5) غياب موضوع محاسبة المفسدين والمقصرين بشكل تام عند الأحرار، وتجلى ذلك بعدم اتخاذ الحركة موقفا رادعا ضد معتنقي فكر الانقلابيين، أو الذين قصروا بقتال الجند ورد بغي هتش في الفترة السابقة، مما ولد حالة من النفور من الحركة تسربت للكوادر وحملة المشروع، خاصة من صمد في معركتها الحاسمة، كل ذلك بسبب غياب محاسبة المقصرين أو المفسدين، على الأقل مساءلتهم على العلن ابتداءا من أبي عمار القائد العام السابق ونائبيه، وانتهاءا بأقل عنصر، مما أوجد عند فئة كبيرة من أبناء الحركة قناعة بعبثية الإكمال بمشروعها حتى رغم تغير قيادتها.

6) من الأمور التي أثرت سلبا على معنويات كثير من المقاتلين، البخل على أبناء الحركة بموضوع السلاح والذخيرة سواءا بالحرب أو السلم، بذريعة لا يوجد سلاح وذخيرة، وحين حصلت المعركة وفُتِحَت مستودعات السلاح الكل صُدِم بما فيها!!!.

7) عدم وجود خطة لأي شيء، فلا يوجد خطة للحركة يوم قررت مهاجمة هتش، ولا خطة دفاعية للمعبر، ولا خطة بديلة، ولا أي خطة من أي نوع، فأين القادة العسكرييون والمفكرون وغيرهم؟!

8) التخبط الإعلامي في التعاطي مع الحدث كان واضحا، ويندرج تحت انعدام التخطيط في الحركة.

9) التعويل العاطفي الساذج على موقف تركيا وغيرها، رغم أنه من الواضح لكل ذي عقل أن بغي هتش كانت بالتنسيق، والموافقة التركية.

10) في الحصار بالمعبر تم كثيرا التسويق لآمال خادعة، وصدقها الكثير من الأحرار، كتدخل الزنكي والفيلق، وأن هناك جدوى من عمل عسكري يبدأ من داخل المعبر، إذ هناك من سيتحرك من الخارج، وهذا الكلام لم يعدو الوعود الكاذبة لتوريط المحاصَرين أكثر.

11) الانحياز إلى سهل الغاب برأيي كان خطأً استراتيجيا كبير، فقد وضعت الحركة نفسها بين فكي كماشة، النظام في الجنوب، هتش في الشمال، فإما تضغط هتش، أو تضطر الأحرار بمزاوداتها فتح عمل عسكري ضد النظام تكون نتيجته كارثية، أو يبدأ عمل عسكري متواقت ضد الأحرار من النظام وهتش بآن معا، أو تكون الأحرار كبش محرقة في صد النظام بأي تقدم له، خاصة أن طبيعة السهل منبسط ومكشوف ولا يصلح للمقاومة والتمترس.

12) الانخداع بسياسة هتش الكاذبة بدعوتها للاجتماعات والتهدئة والتحييد المزعوم للمناطق، وهي سياسة غايتها كسب الوقت والمراوغة.

13) طلب المؤازرة من درع الفرات خطأ كبير، حيث أظهرت أن الأحرار عاجزون عن الدفاع عن انفسهم.

14) سياسة التملق وإبر البنج، التي يعتمدها الأبواق والمفسدون في الحركة بغية ذر الرماد بالعيون عن كوارثهم، أو امتصاصا لغضب أبناء الحركة، وتجلى ذلك بالخطابات غير العقلانية التي أفرطت بالأمل، وشطحت بالعواطف والثقة، وكتغريدات وكلام بعض قيادات الحركة، وإعلامها الرديف التي تسوق لفكرة أن الحركة لازالت قوية، وتهوّن من حجم الكارثة كحال أحدهم الذي قال أنه يكاد يجزم أن فترة أبي عمار أفضل فترة للحركة بعد فترة القادة المؤسسين!!!

15) الاختراقات الأمنية لصالح هتش والتي كانت من الصف الأول، حتى مستوى أصغر عنصر في الحركة.

16) وجود عدد كبير من قيادات وكوادر الحركة في تركيا وقت البغي، إما لظرف طارئ ووجيه، أو بسبب أنهم من الأساس يقودون من تركيا، أو لتقديمهم امتحانات.

17) موقف الأحرار السلبي من بغي هتش على فصائل للجيش الحر من قبل، وتعاملهم غير المدروس مع الفصائل التي انضمت لهم لاحقا _ مشكلة تجمع فاستقم مثالا _ .

كل هذه الأسباب كانت مقدمات للنتائج التي رأيناها لاحقا بعد #عام_على_البغي .


17‏/07‏/2018

مسيرة الضفدعة تبدأ بخطوة

لو مد الله في عمري سأكتب كتابا أسميه #أساطير_ثورية وسأضع فيه أهم الأوهام التي صدقها ثوار سوريا وانساقوا خلفها، ولعلي أستفتحه بأسطورتي #تركيا_ما_بتبيعنا و #الضمانات_الدولية .

لست من معارضي ومكفري الرئيس أردوغان كما يحسب البعض، ولا من معارضي حزب العدالة والتنمية، لكني ببساطة أرى أردوغان وتركيا بصورة واقعية تعبر عن الحجم الحقيقي للدولة الشقيقة ورئيسها.

فتركيا اليوم ليست دولة الخلافة الإسلامية، بل هي دولة لمّا تتحرر بعد من نير النظام الدولي المجرم، واتفاقياته المجحفة، رغم أنها تسعى لذلك وبقوة، والرئيس أردوغان ليس المهدي المنتظر، ولا أمير المؤمنين الفاروق، بل هو رئيس مسلم أثبت نجاحه لذلك تحيط به المخاطر من كل حدب وصوب.

وحين أقرأ الدعم التركي للثورة السورية لا أقرأه بأنه لدوافع أخلاقية، ودينية فقط، بل لدوافع أهمها المصلحة المشتركة، وهذه المصلحة تخضع للتغير والتبدل، وبالتالي تفرض تبدل الحلفاء والخصوم، فالتعويل على دوامة الشراكة هو محض سذاجة وجهل بأبجديات السياسة.

الأنظمة المتصارعة تلجأ لخلق واحتضان أدوات معادية لبعضها، الغاية من خلق ورعاية هذه الأدوات ليس تحطيم النظام الآخر، بل جبره لتقديم تنازلات توصل الطرفين لحل وسط، وحين يصل الطرفان لحل وسط سرعان ما يتم تحطيم هذه الأدوات من قبل من أسسها ورعاها، أو تسليمها لغريمها حتى يحطمها بنفسه، إذن الدول لا تفضل مصلحة الأدوات على مصلحة الأنظمة، أمر قد تستطيع اعتباره نوع من احترام الزمالة والمهنة المشتركة...

وكأمثلة تاريخية على ما ذكرناه، نجد أن الأنظمة العربية ( عبد الناصر والقذافي وحافظ الأسد ) رعت المقاومة الفلسطينية المسلحة أول تشكيلها، لعدة أسباب منها، تلميع صورتها أمام الشعوب، وامتصاص نقمتها على الواقع المر، والحصول على أوراق رابحة لابتزاز الغرب والكيان الصهيوني، وحين تصل الأمور لنقطة التفاهم، تسارع هذه الأنظمة لتحطيم أدوات ابتزازها.

مثال معاصر حزب ال pkk وكيف تخلت عنه أميركا وروسيا لصالح تركيا، رغم ما أسماه ال pkk بالضمانات من أقوى دولتين حول العالم، وطبعا كان التخلي لصالح نظام سياسي آخر هو تركيا، وساحة التفاوض والمساومة هي الثورة السورية، ولا يدل كلامي على أن تركيا خانتنا كما يتشدق البعض، بل يدل أننا فشلنا في الارتقاء بأنفسنا من رتبة التابع المأجور، لمنزلة الند البديل لنظام الأسد.

هذا ما يفسر إيعاز تركيا لأكثر المنبطحين بالجيش الوطني لإدخال المدعو نصر الحرير للشمال المحرر، تركيا لا تريد التصادم مع جمهور الثورة، ولا تريد خدش صورة أردوغان التي يقدمها الإعلام التركي الناطق بالعربية أنه أمل المظلومين، وبنفس الوقت تريد حلا يخفف عنها عبء دعم الثورة السورية الذي أرهقها وعرقل مسيرة نموها الاقتصادي وأمنها الداخلي والخارجي، لذلك اوعزت عبر مخابراتها لأكثر الفصائل انبطاحا لها بريف حلب الشمالي إدخال الحريري ليروج لمخرجات مؤتمر سوتشي الذي غايته إعادة الشرعية لنظام الأسد.

الغاية ليست دخول نصر الحريري، بقدر ما هي علاج الشعب السوري بالصدمة وعلى دفعات ليصحو من حلم الثورة، ويرضى بالحل السياسي القاضي ببقاء الأسد المجرم فيريح ويستريح، والأهم أن إقناع الشعب الثائر بهذا الحل يتم عبر أدوات مأجورة للأنظمة، حتى لا تتطلخ صورتها في ذهن الشعب السوري.

تدنيس نصر الحريري للشمال السوري خيانة، وحمايته من أطراف محسوبة على الجيش السوري الوطني الحر خيانة أكبر أتمنى محاسبة أبطالها بإنزال أشد العقوبات فيهم، وأعجب كل العجب ممن سل سيفه وقلمه ولسانه على تنظيمات التكفير والغلو المخترقة للثورة، ثم أعمى عينيه، وأصم أذنيه عن فصائل الإفساد والانبطاح والتمييع!!!! مع أن الطرفين يقومان بنفس المهمة، لكن بأساليب مختلفة....

وإلى من يظن أننا نصنع من الحبة قبة أقول، #مسيرة_الضفدعة_تبدأ_بخطوة ومن أدخل نصر الحريري اليوم، غدا سيدخل النظام، وسيحارب معه من بقي محافظا على ثوابت الثورة، وسيبرر خيانته عبر شراذم من المرقعين والمطبلين بأنها واقعية سياسية، ومناورات ديبلوماسية، وتفاهمات دولية، وضمانات من الحلفاء، ولأجل من تبقى، وحتى نعمر البلد من جديد، والناس تعبت وبدها حل، وهاد أفضل السيء، ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وأكتر من هيك ما طالع بالإيد، وسياسة شرعية،..... إلى آخر هذه الحجج الواهية التي غايتها تزيين الخيانة وتبريرها....

وليعلم الشعب أن من تخلى عنه يوم تقدمت داعش في ريف حلب الشمالي وفر إلى تركيا حتى اضطرت حرائر مارع لحمل السلاح دفاعا عن أنفسهن ضد زنادقة داعش، ومن تركه وحيدا في مخيمات النزوح على الشريط الحدودي وهرب لمزارعه وشققه الفارهة في تركيا يوم احتل حزب ال pkk أرضه، لن يقوم اليوم برعاية مصلحته، ولو أقسم أغلظ الأيمان، ولبس جلود الضأن، وأتانا بخير قول البرية......


جاد الحق


08‏/07‏/2018

عصف ذهني ثوري

النفاق، كلمة لها رنتها الخاصة باللغة العربية، تلك الرنة الموسيقية توصل لك معنى الكلمة حتى وإن كنت تجهله، وكون النفاق أذان بخراب الحضارة والعمران، فقد جعل الله انتشار النفاق وأهله علامة من علامات القيامة التي ستنهي الكون، كما دلت أحاديث شريفة كثيرة.

للنفاق أشكال وألوان، بعضنا يظن أخطرها نفاق العالم للسلطان، لكن هناك نفاق أشد خطورة وشناعة، ألا وهو نفاق العالم للشعب!!!!

العالم ليس فقط بالشرع، بل كل شخص بارع بتخصصه هو بالضرورة عالم فيه، ونفاق العالم للشعب يكون عبر إسماعه مايود سماعه _ والضمير يعود للشعب _ .

تصور لو أنك زرت الطبيب فوجد أن أجهزتك العضوية تعمل بكفاءة عالية، لكن هناك ورم بسيط في الدماغ، فقرر حرصا منه على راحتك النفسية وعلى سلامة مزاجك أن ينظر للنصف المليء من الكأس، ويكتم عنك هذه السلبية، بمقابل طمأنتك على أداء باقي أعضاء جسمك!!!

لاشك أن هذا الطبيب يراوح بين دركتي الخيانة، أو الغباء، ولا مكان ثالث يحويه، وسيتضرر من هذا الفعل بالدرجة الأولى المريض الذي يقوم بالتشخيص.

المثال السابق الذي يتفق على صحته أصحاب العقول والفطر السليمة يشرح خطورة نفاق الشعب من العالم حرصا على معنوياتهم وسلامهم الداخلي!!!!

وبما أننا اليوم في الثورة على أعتاب نكبة أرخت ظلها الثقيل على أهلنا في درعا، أجد نفسي مضطرا ارتداء القبعة السوداء من قبعات التفكير الست، لأخبركم ما بات معلوما بالضرورة أن الكارثة حقيقية وتحصل لنا نحن دونا عن سائر الشعوب.

أول خطوات علاج المشكلة هي الاعتراف بوجودها، لذلك الهروب من الواقع المرير لمخدر الأمل الزائف لن يفيد في الحل شيء، أستطيع بسهولة تسويد عشرات الصفحات ببطولات ومآثر ومدائح أهل حوران _ وهم أهل لذلك _  لكن فعليا هذا لن يغير شيئا بميزان القوى، نعم الشجاعة والبطولة والتضحية عوامل تدخل في تعديل كفة الصراع العسكري، لكنها ليست لوحدها قادرة على حسم الصراع، هناك أيضا عوامل أخرى أشد أهمية كالانضباط القيادي، والقوة النيرانية، وكفاءة التخطيط العسكري، والموارد، وغير ذلك.... هنا نستطيع فهم قول الله تعالى: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " كلمة قوة جاءت نكرة تامة تشمل كل القوى الإيمانية والعلمية والأخلاقية والاقتصادية والعسكرية، ثم جاء التخصيص للعامل الأكثر حسما ألا وهو " رباط الخيل " أي القوة العسكرية بلغة اليوم.

علينا الاستفادة من درس درعا لأقصى حد، ولعل أهم استفادة نحصلها هي معرفة الأسباب التي أدت للكارثة، وأهمها الثقة الساذجة بالحلفاء والداعمين، التشرذم، عدم محاربة المفسدين والضفادع واستئصال شأفتهم، وترك القيادة لغير الجديرين والذين تولوها بدعم من جهات خارجية، وخذلان إخوانهم في داريا والغوطتين وجنوب دمشق.

في الشمال تعاد نفس القصة الحزينة، ثقة مفرطة بتركيا جعلتنا نفقد هويتنا الثورية، ونتكاسل في معركة الإعداد والاعتماد على النفس، متناسين أن من يدعم الثورة السورية هو طرف سياسي تركي استطاع بالكاد النجاح بانتخابات شعبية نزيهة، وأفلت وما كاد من براثن انقلاب عسكري مدعوم دوليا.

لا أستطيع استيعاب فكرة أن بيننا من السذج والمهزومين نفسيا من يظن أنه إذا لا قدر الله واستحكم خناق المجتمع الدولي المجرم على تركيا، فإن تركيا ستضحي بمصلحتها لصالح مصلحة الثورة السورية!!!!

القواعد التركية أتت بظروف سياسية متغيرة، ومتشابكة، وقد تتغير وتتشابك أكثر وتُسحَب من سوريا، إذن حل القواعد التركية ومناطق الحماية على المدى البعيد غير مضمون.

المضمون هو خلق حلفاء جدد إقليميا ودوليا، مع عدم التسليم الكامل لهم، والاعتماد على الذات في خلق الاكتفاء الثوري من جميع المجالات.

بعد تثبيت هذه البديهية السياسية لدينا، علينا أن نعمل على انتخاب وضعوا ألف خط تحت كلمة انتخاب، قيادة ثورية في كل المجالات ومن أصحاب القوة والأمانة لإيصالنا لبر الأمان.

إلى أن تلد هذه القيادة لا بد من سحق المفسدين في الشمال لأنهم مشروع ضفادع قريب البدء، لا يهمني من سيتهمني بالدعشنة أو غيرها لأن الواقع هو الواقع، المفسد لن يردعه عن غيه وضفدعته المستقبلية سوى السيف والسوط، أم الدين والأخلاق فهي لأهلمها.

وإلى الحالمين التائهين في عوالم الأمل الواهم، والمدن الفاضلة، والخيالات اللازوردية، الذين يظنون أن الله سينصرنا بمعجزة ما لأننا مؤمنون فقط، فأنا أسألهم أين أفادنا الأمل في النكبات التي حلت بنا من حمص القديمة مرورا بحلب وداريا وانتهاءا بجنوب دمشق؟؟؟

لم تأت الطير الأبابيل، ولا نزلت صاعقة أحرقت بشار، لأن من يفقه سنن الله يعلم أن إغراق فرعون كان آخر تدخل إعجازي إلهي في قصم الجبابرة، ثم أصبحت السنن من بعدها إعداد وجهاد ومجاهدة واستشهاد....

يقول خالص جلبي في كتابه القيم مفسرا السلوك الانهزامي في توقع تدخل المعجزات لحل مشاكلنا :

" إن افتراض حصول تغيرات كونية عظيمة خلاف سنة الله أسهل علينا من مراجعة أنفسنا "

ومن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سيجد أن الصحابة خير البشر بعد الأنبياء، ومعهم خير خلق الله وأعظمهم عنده، قد حسبوا حساب انهزامهم في بدر، فبنوا العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون موقع آمن له يشرف منه على المعركة، ويوفر له انسحاب آمن في حال دارت الدائرة عليهم، فمن نحن اليوم حتى نسقط من حساباتنا حصول الهزائم والانتكاسات؟؟؟؟

أما بخصوص أهلنا في درعا فأذكرهم بأن ضريبة الاستسلام أكبر بكثييييرررر من ضريبة الكفاح والجهاد، فلا حل لهم إلا بمواصلة القتال لآخر رمق، فقوتك على الأرض هي من يجعلك تفرض شروطك على الطاولة، وإياهم أن يثقوا بشياطين الإنس من الحلفاء والداعمين، وأوصيهم بشحذ السكاكين لقطع رقاب الضفادع، واحذروا يا أهل حوران كل الحذر من مكائد بني صهيون، فهناك خطط لهم لاستغلال نكبتكم من أجل تحويل أبطالكم لحراس حدود للكيان الصهيوني كما كان جيش لحد الخائن في لبنان.

وبعد أن ينهي النظام درعا، الكل يعرف أنه سييمّم وجهه شطر الشمال، فماذا أعددنا للمواجهة غير التخوين والمزاودات وتراشق التهم؟

سيرى الكثيرون في المقال أنه متشائم، ويحبط المعنويات، لكني أذكرهم أن الدواء قد يكون مرا أحيانا، وأن السموم دائما ما تمزج بأطايب الطعام.


جاد الحق