17‏/12‏/2018

رفض المجتمع لك البداية، وليست النهاية!

لا يبحث الإنسان في علاقاته الاجتماعية عما ينقصه، بقدر ما يبحث عما يتوافق مع نفسيته وقيمه، فصاحب الأخلاق والقضية يبحث عمن يشابهه، وصاحب النفس الدنية وحب المال يبحث أيضا عمن يشاركه هواه.

بإدراك هذه المفاهيم يقل تأثرنا بالصدمات العرضية التي تواجهنا أثناء البحث عن أشباهنا، ويتحول حزننا على فقد شخص ما، أو مفارقة مجتمع، من حزن إلى عرس، وفي ذلك يستحضرني نماذج لرسل الله أحب سردها لتقريب الفكرة أكثر:

1) يوسف عليه الصلاة والسلام، الطفل المدلل من أبيه النبي يعقوب، المكروه من إخوته حسدا وغيرة، تحول بمكيدة إخوته من طفل سعيد ينشأ بين حب والديه وحنانهما، إلى طفل منبوذ، مرمي في بئر قد يهلك فيه، حتى منّ الله عليه بإنقاذ حياته بقافلة جعلته عبدا مملوكا بعد أن كان حرّا، وليس ذلك فحسب بل باعوه بدراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين!!!
يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام أجمعين، كرهه إخوته دون ذنب منه، وتآمروا عليه، ويوم بيع ممن أسره، كان الناس في بيعه وشرائه من الزاهدين بثمنه!
لكن حين قيض الله له من يشتريه، ويستشعر عظمته وخطورة قدره، فيقول لزوجته أكرمي مثواه، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، كانت النتيجة أن يوسف لم ينفعهما فقط، بل نفع مصر كلها، وأنقذها من كارثة اقتصادية محققة، ومجاعة مهلكة، كادت أن تفتك بمصر وشعبها.

2) كان موسى عليه الصلاة والسلام ابنا متبنيا لفرعون، مما جعل موسى يربى على أنه أمير، وبالتالي نال ما يناله الأمراء المنعمين المترفين من الدنيا، لكن نفس موسى الرسولية لم ترد من الدنيا أكثر مما يعينها على مهمتها العظيمة ( تحرير شعب بني إسرائيل )، لذلك لم يجد هذا الأمير صعوبة في اتخاذ القرار بترك كل ما لديه، وخسارة كل المكتسبات المادية، في سبيل الفرار بنفسه ودينه وحريته خارج أراضي الطاغية، والذهاب لمدين ليعيش فيها غريبا وحيدا فقيرا، لكن على الأقل حرّا، ثم رضي وهو سليل بيت الملك بمصاهرة عائلة متواضعة الإمكانات المادية، وتعيش على رعي الأغنام، لكنها عائلة عظيمة النفس، شريفة المشرب، والدليل على ذلك أن البنت وأبيها، اكتشفا بفِراستهما أن موسى الفقير الغريب ليس شخصا عاديا، بل هو شاب بإمكانات عظيمة، ويوما ما سينال من الدنيا ما يليق بإمكاناته، فاتخذوا قرارهم بناءا على هذا التقييم، وكانت النتيجة أنهم ظفروا بكليم الله، ومحرر بني إسرائيل، والرسول العظيم من أولي العزم، صهرا لهم هم، من دون الناس أجمع.

3) سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وُلِدَ يتيما، وكان من عادة أهل مكة أن يرضعوا أبناءهم خارجها، فكانت النساء المرضعات تقدم من البادية لمكة حتى تأخذ الأطفال الرضع، ويتسابقن على أخذ الرضع من أبناء الشخصيات الغنية والمهمة في مكة، وكلهن رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم الرضيع اليتيم فأعرضن عنه زهدا فيه!!! فهن يرجون إحسان والد الرضيع وكرمه وأمواله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا أب له، فتركنه ترفعا عن يتمه وقلّة ذات يد أمه وجده، مع أنه الرحمة الموهوبة للعالمين، وأعز خلق الله عنده، حتى جاءت حليمة صاحبة الحظ العظيم التي أنهكها وزوجها الفقر والضنك، ولم تجد بمكة رضيعا تأخذه، فقررت حليمة ألا تعود خالية اليد، فأخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرة، وأصبحت أما له بالرضاعة، وكلنا يعلم ما حصل لاحقا من أحداث وكرامات، حوّلت حليمة من امرأة بدوية في صحراء مكة كانت لتعيش وتموت كحال صديقاتها المرضعات دون أن نسمع بأي منهن، حولتها إلى أم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، وعرفنا باسمها وقصتها مع اليتيم العظيم بعد 14 قرنا من وفاتها...

فمن هو الخاسر حقا؟ هل هو يوسف، أم من رماه بالجب، أم من باعه زهدا فيه، أم من أعرض عن شرائه، أم من اشتراه بدراهم معدودة؟

هل خسر موسى بمفارقته طبقة الأشراف والأغنياء في مصر يوم فرّ بدينه وحريته من طاغيتها ليعيش غريبا فقيرا بعد أن كان أميرا مطاعا، أم أن هذه الطبقة هي التي خسرت موسى؟

ماذا حول النساء المرضعات اللواتي أعرضن عن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم تكبرا على يتمه وفقره، وأخذته حليمة لأنها لم تجد غيره، من خسر ومن ربح؟

ثق تماما أنك إن كنت صاحب همّة، وأخذت بأسباب النجاح، فإن القدر سيكون خير حليف لك، وأن من تركك لضعف في دنياك قد قدم لك خدمة العمر، فهو ببساطة يخبرك بلسان حاله أنك تستحق من هو خير منه، كما يستحق هو من دونك، وكلاكما سيجد من يستحقه، وأفضل انتقام تقوم به ضده هو أن تيسر له أسباب لقائه بقرينه، وقرينه سيقوم بالواجب معه على أتم حال.

أما قال الفتى العربيُّ يوما
شبيه الشيء منجذبٌ إليهِ!؟

جاد الحق


11‏/11‏/2018

ماهي أسباب اختلافات الفصائل في الثورة السورية؟

الاختلاف هو المحرك الأول للبشر في مجالات الإبداع والحضارة، فلو اتفقنا في كل شيء لتجمد إنتاجنا عند سقف معين ولأصبحت الحياة بعدها نسخة رتيبة متكررة من بعضها.

ثم تأتي الحقيقة التي لا مفرّ منها إلا بالتسليم لها، وهي أن الاختلاف بين البشر سنّة كونية لا ترتفع، ولا تنتهي، حتى فناء الدنيا، واقرأ إن شئت قول الله في القرآن: " ولا يزالون مختلفين ".

هناك خمس أنواع للخلافات الشائعة متعارف عليها عالميا:

1) أسباب شخصية:
تحكمها العواطف والمطامع والظروف الخاصة، والبيئة المحيطة، والتجارب الماضية لكل شخص.

2) القناعات:
كل شخص لديه مجموعة من الدوافع والقيم تكوّن له قناعات وأساسيات ينطلق منها في الحياة، ويصنع منها لنفسه أهدافا وخططا، تباين القناعات سيؤدي لتعارض الخطط والأهداف بين البشر، وبالتالي حصول الاختلافات.

3) سوء المعلومات:
سواءا كان ذلك بتلقيها من مصدرها، كأن تكون غير صحيحة، أو بمعالجتها بعد التلقي، كالفهم الخاطئ القائم على افتراضات مسبقة للتفسير.

4) تداخل الصلاحيات:
عدم تحديد واجبات وحقوق كل فرد بشكل واضح يؤدي لحصول حالة من التعدي بين الناس على بعضهم، وكل طرف يظن نفسه صاحب الحق ويقوم بواجبه، أو يطالب بما يستحقه، وهنا يظهر الاختلاف.

5) البيئة الضاغطة:
الظروف الخارجية، والأشخاص الذين هم بعيدون عن المشهد اليومي بإمكانهم التأثير علينا بما يهزّ استقرارنا النفسي، وسلامنا الداخلي، فيصنعون لنا حالة من التوتر، تعبر عن نفسها بخلق مشاكل واختلافات مع الآخرين.

ما علاقة الكلام السابق بالثورة السورية؟

لو أسقطنا ما سبق من تحليل لأسباب الخلافات على خلافات الفصائل السورية لوجدنا التالي:

بإمكاننا استبعاد سبب اختلاف القناعات، لأن الاختلاف الأيديولوجي تمايز عن بعضه من زمن، كداعش وقسد، وما تبقى اليوم من فصائل إلى حد ما تشبه بعضها بشكل كبير من جهة الأهداف والوسائل، فالكل يعلم السقف الذي لن يسمح له المجتمع الدولي بتجاوزه، والكل يسعى  لذلك السقف بالطرق نفسها من التفاوض مع الدول، وتقديم التنازلات مقابل تحصيل المكتسبات، مثل ما يسمى هيئة تحرير الشام.

فبعيدا عن الخطاب الديني الإعلامي الموجه للعناصر كدافع لهم لتنفيذ الخطط المتفق عليها مع الدول، ستجد أنها طبقت على الأرض كل الاتفاقات الدولية بحذافيرها، والتزمت بحرفيتها، وإن كان ما يبثه إعلامها خلاف ذلك.

فالمحصلة جميع ما تبقى من فصائل حفظت الدرس جيدا، وكل منها يطبقه حسب مقدرته العقلية، والتنفيذية على الأرض.

بإمكاننا أيضا استبعاد سوء المعلومات، لأن كل الفصائل تعرف بعضها بشكل أكثر من جيد، نظرا لتجاورها الجغرافي، ولقدم التعامل بينها، ولأن قياداتها من أول الثورة للآن ما تغيروا، يعني الكل حفظ الكل وفهمه جيدا ويعرف بشكل ممتاز طريقة تفكيره مما يؤهله للتنبؤ المسبق بردات الفعل والتصرفات للطرف الآخر.

يبقى لدينا من أسباب الخلافات:

الأسباب الشخصية، تداخل الصلاحيات، البيئة الضاغطة.

*) الأسباب الشخصية:

عمل البعث طوال أكثر من خمسين عاما من اغتصابه السلطة على القضاء على أي نوع من العمل الجماعي في سوريا، وكرّس في عقليتنا نظرية الأب القائد الرمز الواحد الذي لا يُرجع القول لديه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولن تستطيع الثورة أن تغسل ببضع أشهر وسنوات، ما تم تغذيته لعقولنا ووعينا عشرات السنين، وهذا ما أدى لتضخم الأنا عند البعض من المهمشين اجتماعيا قبل الثورة، ثم فجأة وجدوا أنفسهم يستلمون السلطة التي طالما اشتهوها بعطش شديد!

ولذلك نفهم مشكلة عض القادات بالأنياب والنواجذ على المناصب، وعدم اجتماعهم على مشروع واحد، أو رمز جامع، ولا تُحَل هذه المعضلة إلا بإقصاء حقيقي لأصحاب الأنا المتضخمة.

*) تداخل الصلاحيات:

المنطق يقول أن كل شخص أو مؤسسة أو فصيل له اختصاصه، وقد علم كل أناس مشربهم، لذلك يفترض كثورة أن نسير بمجموع الجهود ( حالة مثالية ) أما الحقيقة أننا بسبب التداخل والفوضى نسير بفرق الجهود ( حالة واقعية ).

في الحالة المثالية نحتاج للجميع تحت مظلّة واحدة من الأهداف والقيادة، حينها نجد أن الجيش الحر سيأخذ دور المؤسسة الشرعية  على الأرض والتي تمثل الجزء المسلح من الثورة، بينما مثلا السلفية الجهادية  ستكون الباب الخلفي للتفاوض مع الدول عبر الضغط عليها بالتهديد بورقة الإرهاب والأسلمة والجهاد العالمي ( وهذا أساسا ما تفعله الأنظمة السياسية مع بعضها أو مع شعوبها ).

طبعا كلامنا السابق عن الحالة المثالية، أما في حالة الفوضى الواقعية وتداخل الصلاحيات، في ظل ادعاء الشرعية من كل طرف، مقابل سلبها من الآخر، فلا شك أن الصراع والاختلاف سيكون سيد الموقف، إذن الحل هو بالمشروع الجامع، والقيادة الموحدة التي تحدد صلاحيات الجميع.


*) البيئة الضاغطة:

تضغط المخابرات الدولية على فصائل الجيش الحر عبر الدعم، وأيضا تضغط المخابرات على الفصائل المؤدلجة عبر المنظرين والإعلام الموجه لقواعد هذه الفصائل.

هذا الضغط الخارجي يولّد احتقانا عند الجهة المستَهدَفة تفرغه باختلاق المشكلة مع الطرف المقابل كنوع من الهروب للأمام، لذلك بناء المرجعيات الداخلية والتمويل الذاتي سيحمينا من مشاكل البيئة الخارجية الضاغطة.

الثورات لحظات فارقة بتاريخ الشعوب، وهي أشبه باللقاح الذاتي للشعب ضد هجمات فيروسات وجراثيم طاعون الاستبداد، وكلنا نعرف أن للقاح أعراضا جانبية تشبه في بعضها أعراض المرض لكنها أخف، ثم سرعان ما ينهض الجسم بمناعة أقوى من قبل، ولذلك ما نراه من أخطاء ومشاكل في الثورة هو أمر طبيعي _ رغم قسوته _ وأهون بكثر من ضريبة البقاء تحت نير الاحتلال الأسدي.


جاد الحق


14‏/10‏/2018

التحرك في المنطقة الآمنة

من منا كسوريين لم يشاهد مسرحيات غربة، وكاسك يا وطن، وليلة سقوط بغداد؟

مسرحيات كوميدية سياسية _ هكذا صُنِفَت _ تميزت بنبرة نقد جريئة مقارنة بغيرها، وبشكل ساخر، لبعض سياسات الأنظمة الحاكمة، لكن السؤال المهم هو كيف تسمح أنظمة شمولية مجرمة لهكذا مسرحيات وغيرها أن تُعرَض للشعب الرازح تحت نير هذه السلطة المنتَقَدة في المسرحية؟
ألا تعتبر هذه المسرحيات تحريضا للشعب على الثورة ضد جلّاده؟

الجواب ببساطة هي أن هذه المسرحيات ما هي إلا حُقَن بنج، وأقراص مسكنة للشعب، لأن الشعب لو تُرِكَ مضغوطا فلابد أنه سينفجر بوجه السلطة، لذلك تعمد السلطة لصنع شريحة من المؤثرين على الرأي العام، تكون مهمتها التنفيس عبر تسليط الضوء على سفاسف الأمور من فساد وأخطاء، وانتقادها، وتضخيمها ليتوهمها الشعب أنها هي المشكلة الحقيقية، وأن هناك من يعالجها، وبالتالي ينسى جذر كل المشاكل وهو وجود السلطة القمعية نفسها!!!

ومن هنا نفهم مصطلح المنطقة الآمنة، حيث أنها ما يوفر لنا شعورا موهوما بالرضا عن الذات، سواءا كنا فيها مُنتَقِدين، أو سمّاعين لنقد غيرنا، في الحالة الأولى نحن مصلحون وطنيون شرفاء، وفي الثانية نحن شعب حضاري يتمتع بحرية التعبير.

في المنطقة الآمنة تنتقد الوزير وتسكت عن صاحب الجلالة الذي عينه، تتحدث عن فساد مدير دائرة حكومية، وتسكت عن فساد الحزب الحاكم الذي ينتمي له، تهاجم ضابطا مرتشيا وتسكت عن حقيقة أن الجيوش والأجهزة الأمنية في العالم العربي هي صنيعة المحتل، ويده الباطشة لحماية عملائه من الزعماء والرؤساء.

حين أتت اللحظة التاريخية الثورية الفارقة، انهارت المنطقة الآمنة التي كانت مرتعا خصبا للكثيرين ممن حسبناهم أصحاب قضية، وانقسم الناس لفسطاطين رئيسيين، الأول مع الأنظمة المجرمة، والثاني مع ثورات الربيع، قد يقول البعض أننا نسينا الحياديين، الواقع أن الحياديين لم يخرجوا ضد النظام القمعي، وإن لم يرضوا به بشكل كامل، لكنهم شاؤوا أم أبوا هم جزء من منظومته كما تدل الوقائع.

بعد افتراق الناس لمعسكرين نشأت مناطق آمنة جديدة لكل فريق:

عند المؤيدين للأنظمة بإمكانك نقد الشبيحة أو البلطجية، لكن لا تستطيع انتقاد النظام القمعي الذي جمعهم وسلحهم، وأطلقهم للنهش في الشعب.
بإمكانك نقد فساد المحافظ لكنك لا تنقد الرئيس الذي عينه...وهكذا.

عند الثوار، بإمكانك نقد تصرفات فصائل مسيئة، لكنك لا تستطيع التصريح بحقيقتها الخيانية، وبالحل الجذري معها وهو استئصالها لأنها سرطان يُنهِك جسم الثورة.
بإمكانك نقد الفاسدين من المحسوبين على الثورة، لكن ليس بإمكانك نقد سياسات الدول الداعمة والراعية لهم كتركيا وقطر، وغيرها.

وهكذا نجد أنفسنا نتحرك في دوائر مغلقة من المناطق الآمنة، التي مهما انقسمت، وتكاثرت، ستعود للاتحاد من جديد، لترجعنا للمنطقة الأم، الخاصة بالنظام القمعي، والتي نستطيع فيها انتقاد فساد عامل نظافة بدائرة حكومية، مقابل السكوت على فساد المدير العام، وفضح شرطي مرور مرتشي، مقابل السكوت على النظام السياسي القائم بأكمله على الفساد.

قد نُخدَع بتذكرة العودة السالمة للمنزل التي توفرها المنطقة الآمنة على المدى القصير، لكننا نتناسى أن التحرك الدائم بهذه المنطقة يهدد وجود المنزل نفسه بمن وما فيه، وتبقى الحلول الثورية الجذرية الحاسمة، في استئصال جذور الفساد سواءا كانت مؤسسات، أو أنظمة سياسية، أو أفراد، هي بر الأمان، والأرض الصلبة التي تمكننا من بناء المستقبل المنشود، خاصة إذا كان توقيت هذه الحلول في اللحظات التاريخية التي لا تتكرر إلا مرة كل جيل عبر الثورات الشعبية.


أبو الثورة

من آثار غياب الدين والدافع العقدي لدى بعض المحسوبين على الثورة انتشار ما أحب أن أسميه #أبو_الثورة .

#أبو_الثورة اسمه يعرّفك به، فلست بحاجة لمعاجم، ولا لمختصين أكاديميين حتى يشرحوا لك معانيه ودلالاته، فهو ببساطة أبو الثورة، بكل ما تحمله الأبوّة من معان فيزيولوجية، وروحية، وأبعاد عقدية، وسياسية.

هل قدمت خمسين شهيدا من عائلتك المكونة من ستة أفراد فقط؟
اسمحلي أن أخبرك أن أبا الثورة قدم سبعين شهيدا من عائلته المكونة من خمسة أفراد فقط، ولا تسألني كيف ذلك، فلا يعلم جنود ربك إلا هو...

هل كنت في أول مظاهرة خرجت من جامع ( آمنة، الريحاوي، العمري، خالد بن الوليد، بني أمية، .... إلخ ) دعني أخبرك أن أبا الثورة كان معارضا شرسا للنظام قبل أن تلتقي النطفة مع البويضة اللتان شكلاك فيما بعد...

هل كنت في أول تشكيل عسكري في قريتك أو مدينتك أو حيك؟
إذا كانت إجابتك نعم فعلى الأغلب أنت لا تدري أن أبا الثورة هو من قام بنفسه بتهريب السلاح لكم من العراق أو تركيا أو لبنان، على ظهور الحمير، والبغال، في الليلة الظلماء الباردة، التي قضيتها أنت سامرا مع أهلك وخلاّنك قرب المدفأة.

وأرجوك أرجوك لا تقل لي أطفال درعا، فلعّلك لا تعلم أن أبا الثورة قد باع هاتفه المحمول ليشتري لهم بخاخات الطلاء ليكتبوا بها عبارات الثورة الأولى على جدران مدرستهم.

ولا تخبرني بوحشية معتقلات الأسد في الثورة، فأنت لم تذق وحشيتها قبل الثورة حينما كان أبو الثورة يرسل السلاح لمجاهدي العراق ضد الاحتلال الأمريكي، أو ينظم النشاطات التثقيفية ويوزع المناشير، التي تبشرنا بالمستقبل الديمقراطي الحر.

المختصر المفيد أنك مهما قلت أو قدمت، فلن تصل لمعشار تضحيات أبي الثورة، ومهما بلغت وحققت، لن تقترب لمثقال ذرة من تراث أبي الثورة.

أبو الثورة يعيش أسعد لحظات حياته حين يتعرض لحصار ثم تهجير، وأكثر ما يبهج قلبه هو استشهاد أحد أقربائه بغارة طيران، أما إن شاء الله وشهد معركة ما ولو قدرا دون رغبة منه، فذاك الفوز الذي ما بعده فوز، وحبذا إصابة في هذه المعركة، لأن أبا الثورة ينظر لهذه الأمور أنها مؤهلات تمنحه قدسية الجلوس على عرش المزاودة، ولذة تصنيف الناس لثوار ومتسلقين، أو مجاهدين وقاعدين، وفي ذلك من المتعة الرائعة ما يرضي غروره وأناه المتضخمة.

تفسير ظاهرة أبو الثورة لا أتوقع أن يخرج عن ثلاث نظريات:

1) إما عميل استخباراتي يعتمد على المزاودات لذر الرماد في عيون الناس حتى لا يروا حقيقته.

2) أو إنسان منتفع يلهث خلف مصالحه الشخصية ويحميها عبر تغليفها بشعارات رنانة.

3) أو إنسان فاشل، يحسد من حوله بسبب مركب النقص في داخله، فيحاول تحطيم الناس الناجحين عبر إفراغ إنجازاتهم من مضمونها.

لذلك نجد كثيرا من الأصناف التي تمارس طقوس جلد الذات وتستلذ بها، وتريد أن تبقى وتبقينا معها أسرى لمرحلة مضت وانتهت، كالسلمية، أو بدايات المسلحة، أو غيرها، وكل ذلك يخدم هدف واحد، وهو أن يوصل لك بطريقة غير مباشرة، أنه في تلك المرحلة كان هو أبو الثورة الذي فعل وفعل، ثم تنكر له الزمان وأهله.

مشكلة تضخم الأنا لدينا جميعا، هي أحد أسباب استمرار معاناتنا لليوم، فكم من أنا متضخمة أفسدت بسفهها مشروعا إنقاذيا، وكم من أنا متضخمة اوردتنا المهالك بطيشها ومراهقاتها، ويبقى الشعب هو الخاسر الأكبر، ويبقى المزاود لا ثورة قطع، ولا أجرا أبقى، وبعد أن نقرأ هذا المقال سنفهم معان جديدة لشتيمة " يلعن أبو الثورة " !!!!!!


07‏/09‏/2018

خيارنا المقاومة



الهزيمة في الحرب هي قرار واختيار، قبل أن تكون واقعا يفرضه الخصم.

حين تخسر معركتك الداخلية مع ذاتك، وترى نفسك أضعف من خصمك، فأنت بذلك تقدم مفاتيح هزيمتك لعدوك على طبق من ذهب، والعكس بالعكس، فحين تحسم المعركة مع ذاتك أولا، وترى منازلة خصمك حتى الرمق الأخير الخيار الوحيد، فلا شك وقتها أن خصمك سيحسب لك ألف حساب، فمن يختار المقاومة دفاعا عن حقه، يستحق بكل جدارة أن ينال شرف الانتصار على خصمه.

وها قد قالها الثوار مجددا، وأعلنوها مدوية، أن يا بشار أجلب علينا بخيلك ورجلك، واحشر شذاذ الآفاق من كل جانب، وادعهم ليأتوا لنصرتك من كل فج عميق، وأجمع أمرك علينا أنت وشركاؤك، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلينا ولا تُنظِرون.

حين ننظر اليوم إلى مسيرة الانتكاسات العسكرية السابقة، ونتفكر فيها مليّا، نجد أن بعض أسباب ما مررنا به يعود لانخداعنا بطوائف هي المتردية، والنطيحة، وما أكل السبع:

1) من كان يراهن على الاندماجات العاطفية مع الغلاة، ويسوّق للشعارات الغوغائية، ويؤمن بمشروع التغلب ويسعى له، كل أولئك سقطوا، صحيح أنهم استنزفونا كثيرا، لكن ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

2) غلاة الطرف الآخر، من المتمسحين بالثورة، وعلمها، واسم الجيش الحر، الذين يرون غلّو المتأسلمين مبررا لهم في الغلو المضاد، والمبالغة في الانسلاخ عن الهوية الدينية للشعب السوري، والتخلي عن العقيدة الجهادية القتالية، رأيناهم حين حمي الوطيس، كيف كانوا أول من لبى نداء المصالحات الخيانية مع النظام المجرم، درس قاسٍ لكننا نحتاجه أيضا!.

3) دعاة الواقعية السياسية، الذين إن أحسنا الظن بهم، فلا نخرجهم من زمرة المعتوهين، الذين يظنون أنفسهم هنري كيسنجر، وسيتمكنون من الضحك على ثعالب المخابرات، وحيتان العلاقات الدولية، ومنظري مراكز الدراسات الاستراتيجية!
بينما هم في الحقيقة مهرجون في المحافل السياسية، مهمتهم تحليل وتقنين جريمة ذبح الشعب السوري، من خسر هؤلاء فهو الرابح الأكبر!.

4) عديمو الهوية، المنهزمون النفسيون، الذين أقصى طموح لهم أن يرعوا جمال أردوغان، على أن يرعوا خنازير بوتين...
ما شاء الله على الهمة العالية، والثقة الكبيرة بالنفس!!
عزيزي الراعي، إن كنت لا ترى نفسك أكثر من راع لقطيع غيرك، فهلا رعيت لأهلك قطيعهم، وخرجت من عقدة الهزيمة النفسية، والانبهار الحضاري، بمنجزات الحلفاء، والشركاء!؟
هؤلاء تحديدا شر مستطير، وأحد أسباب انتكاساتنا السابقة، والحمد لله بدأ الناس بتفهم أبعاد اضطرابهم النفسي، وضرورة إقصائهم عن مراكز القيادة.

5) المفسدون بالأرض، من فصائل الخطف والاغتصاب والسرقات، أو المتسلقين على الثورة، سواءا من المحسوبين علينا، أو من المحسوبين على الحلفاء الأتراك، الذين يشوهون اسم الجيش الحر، واسم تركيا، ويزكمون أنوفنا برائحة إفسادهم، ليفسدوا عبير الدم الواحد الذي سفكناه لمصلحة الأمة التي تجمعنا بتركيا، هل تعتبرون فقدان هؤلاء خسارة!؟ لا والله بل هو الفوز العظيم..

فعلا نحتاج لانتكاساتنا السابقة، حتى نكشف هذه الفئات الجرثومية التي سببتها، وبالتالي نقتنع بوجوب تحييدها، وإنهائها، وبذلك تعاود جذوة الثورة اشتعالها في صدورنا لتضيء لنا طريق النصر.

ولو تصفحنا التاريخ، لوجدنا أن كل أمة سادت وصنعت حضارة كانت الحرب هي من صقلتها، ودفعتها لمقدمة الصفوف، فإما حرب استقلال، أو تحرير، أو توحيد، أو إسقاط لطاغية.

#خيارنا_المقاومة ونعم الخيار ما اخترناه لأنفسنا، فكم من ميتة علّتها طلب الحياة، وكم من حياة علّتها طلب الموت، وقديما قالت العرب " بقية السيف مباركة "
ولموت في عز، خير لنا من حياة في ذُلّ، وصدق الشاعر حين قال:

سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى