01‏/10‏/2017

سلسلة مقالات القاعدة في سوريا 3 ( عن هيئة تحرير الشام وما بعدها )

تسارع الأحداث الأخيرة في الساحة الشامية يعطيك شعورا أنك تركب الأفعوان في مدينة الملاهي، بل حتى المخرج المبدع ألفرد هيتشكوك نفسه عجز أن يقدم لجمهوره هذا الكم من التشويق والإثارة والمفاجآت الذي قدمته فصائل الثورة لنا.

الحدث الأهم في مساء أمس كان الإعلان عن اندماج يجمع بين الزنكي، وفتح الشام، وبعض الفصائل الأخرى الصغيرة، باسم هيئة تحرير الشام، وتحت قيادة المهندس هاشم الشيخ القائد العام الأسبق لحركة أحرار الشام الإسلامية.

وبمجرد إعلان التشكيل سارعت شخصيات وكتائب صغيرة بإعلان بيعتها للهيئة، من هذه الشخصيات أبو صالح طحان، والشيخ المحيسني.

طبعا لن أتكلم عن ظاهرة المشايخ ” المستقليين ” الذين قالوا على استحياء أن فتح الشام بغت على إخوانها وطالبوها بالتحاكم للشرع، ثم كانوا أول من يهرول للاندماج معها قبل أن ترضخ لحكم الشرع.

وبعد أن ودعت الثورة مرحلة حرجة وهي الاقتتال الداخلي بسبب البغي وعقلية التغلب لدى فتح الشام، نجدها دخلت مرحلة حرجة أخرى هي الاستقطاب المنذر بسيناريو الساحة العراقية لا سمح الله، والذي تحطمت فيه صخرة المقاومة العراقية إلى شقين نقيضين، هما داعش والصحوات، وذابت بين هذين النقيضين فصائل المقاومة الصادقة.

المرحلة السابقة رفعت من اسم أحرار الشام كثيرا، بسبب حنكتها في احتواء الأزمة، وضبط نفسها عن ردات الفعل الصبيانية، مما جعلها تثبت بجدارة أنها فعلا صمام أمان للساحة الشامية، وهذا ما جعل فصائل الجيش الحر الخائفة من بغي فتح الشام عليها تأوي إلى كهفها وتنضم لها.

بنفس الوقت شهدت فتح الشام التي هي العمود الفقري للكيان الجديد انخفاضا كبيرا في شعبيتها بسبب بغيها، وشاركتها الزنكي الانخفاض بالشعبية بسبب موقفها الحيادي السلبي، وقد نجح الطرفان في استعادة جزء من الشعبية المفقودة بإعلان الاندماج ووجود شخصيات معوّل عليها في الساحة معهما كالشيخ أبي جابر، والمحيسني، والتعويل الأكبر في استعادة الشعبية الضائعة هو عمل عسكري ضد النظام ينسي الناس حادثة البغي ورفض التحاكم للشرع.

المهندس أبو جابر زفّ خبر الاندماج ببشارة وقف إطلاق النار بين الفصائل، كبادرة لنزع فتيل الأزمة التي كادت تقضي على الثورة، لكن ماذا عن نزول الأطراف إلى محكمة شرعية مستقلة، هل سيستطيع أبو جابر إقناع الجولاني ومن معه بالقبول بذلك، علما أن الجبهة رفضت حوالي 15 مرة سابقا النزول للشرع!؟

يبدو أن هناك تحديات كبيرة ستواجه أبو جابر، أهونها معضلة جند الأقصى الدواعش.

معروف أن عناصر جبهة فتح الشام لديها سمع وطاعة عمياء لقائدها الجولاني، الذي تعتبره رمزا لها، نفس الأمر بالنسبة لعناصر الزنكي التي تعتبر الشيخ توفيق رمزا لها، وهذان المكونان هما العصب الأساسي لهيئة تحرير الشام، فكيف سيستطيع أبو جابر كونه قائدا اتخاذ قرار وضمان نفاذه في الهيئة دون تعارض مع توجهات من يدين لهم العناصر بالارتباط الرمزي والعاطفي!؟

وقد يذهب البعض بعيدا فيقول أن وضع الشيخ أبو جابر موضع القيادة، هو ذر للرماد في العيون من قبل الجولاني الطامح لابتلاع الساحة، وأن الأمر هو مراوغة من الجولاني الذي يريد كسب واجهة دعائية لتشكيله الجديد متمثلة بأبي جابر والمحيسني وباقي الشخصيات، وبنفس الوقت يرتب صفوفه لإكمال عملية التغلب التي بدأها، لكن هذه المرة بمساعدة شريكه الجديد الحج توفيق، المعروف بعدائه
لجيش المجاهدين وتجمع فاستقم بسبب تراكمات مشاكل سابقة.

أو أن الجولاني يقوم بما قام به حافظ الأسد حين وضع نور الدين الأتاسي رئيسا، ليهيء الظروف المواتية له لينقض على الحكم، وكما فعل عبد الناصر مع محمد نجيب بمصر، وبالتالي هذا يجعل حياة الشيخ أبي جابر موضع الخطر خوفا من تصفية مدبرة، أو عزل مخطط له.

وتبقى القضية مفتوحة على كل الاحتمالات والتحليلات.

بنية الهيئة نفسها غير متجانسة إلى حد كبير، فتجمع يضم فتح الشام التي كانت قاعدة، والزنكي التي كانت جيشا حرا ولها ارتباطات خارجية وتتلقى الدعم من موك، وجند الأقصى الدواعش، وشخصيات من بقية مؤسسي أحرار الشام على رأسهم أبي جابر الذي برز في عهده اسم لبيب النحاس الذي عينه أبو جابر مسؤول علاقات خارجية لأحرار الشام، وشرعيين كانوا مستقليين إلى الأمس، وآخرين استقالوا من أحرار الشام قبل فترة نتيجة نشاطها السياسي الذي عدوه تمييعا وتبديلا في المنهج، كل هذه المكونات تجعل خريطة هيئة تحرير الشام البنيوية عصية على الفهم.

فكل طرف من الأطراف السابقة يتبع لمدرسة فكرية مختلفة، إن لم تكن متناقضة، كحالة من كان في أحرار الشام سابقا، ومن هو في جند الأقصى لليوم ويرفض الاعتراف ببيعة الجولاني.

هنا يبرز سؤال كيف ستتخذ هذه الأطراف موقفا سياسيا وشرعيا موحدا مما يجري من حولها بعد أن جمعها جسم واحد؟

قد يكون وجود فتح الشام والطحان، يعطي زخما عسكريا قويا لهيئة تحرير الشام، لكن أيضا وجود أشخاص كالجولاني، وعناصر جند الأقصى، وشرعيين كأبي اليقظان ومن شابهه، يجعل من العسير تحصيل اعتراف سياسي أو دعم مالي وإعلامي للجسم الجديد، هذا إن لم يتم التضييق عليه وخنقه من الأطراف الإقليمية والدولية.

أيضا وجود شخصيتين طامحتين للسلطة والنفوذ، كالجولاني وتوفيق شهاب الدين، يمكن أن ينتج في المستقبل انشقاقا، أو اقتتالا بغاية التفرد بالسلطة.

على الطرف الآخر نجد أحرار الشام التي يشكل انضمام الفصائل الجديدة لها عبئا إضافيا فوق ما تحمله من مشاكل داخلية وخارجية، ومع ذلك هناك أمران هما في صالح أحرار الشام

الأول خروج أحد أطراف الاستقطاب خارج الدائرة، مما يعني زوال حالة الاحتقان فيها، وإمكانية إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتكوين مواقف سياسية وشرعية واضحة، تمكن أحرار الشام من ممارسة لعبها على التناقضات الدولية، والتدافعات الإقليمية، بما يحقق مصلحة الثورة، وقد تبرز أحرار الشام بعد استقرار وضع بيتها الداخلي كحليف مهم لقوى إقليمية فاعلة على الساحة كتركيا أو قطر.

والثاني أن الفصائل المنضمة لها تملك نفس التوجه الفكري السياسي والشرعي، مما يجعل إمكانية صهرها في بوتقة واحدة أسهل، خاصة أن الفصائل التي دخلتها تعتبر وليدة رحم الثورة الشعبية المحلية وممثلة لها.

ما تحتاجه أحرار الشام اليوم هو إعادة هيكلة على كافة مستوياتها، وتبني لعلم الثورة السورية بشكل رسمي، وتهيئة كوادرها القديمة والجديدة على كافة الأصعدة خاصة العسكرية والشرعية لرفع سويتهم بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.

قد نرى في الأيام القادمة اندماجا يجمع أحرار الشام بما تبقى من فصائل سورية، تحل فيه الحركة نفسها، لتصبح نواة لتشكيل جامع يضم كافة الفصائل والهيئات الثورية.

نأمل في الأيام القادمة حصول محكمة شرعية مستقلة تعيد الحقوق لأهلها بعد البغي الحاصل من فتح الشام، لأن تغيير الاسم والراية لا يسقط الحقوق ولا يهدرها.

نأمل أيضا أن يكون الطرفان مكملاّن لبعضهما بما فيه مصلحة الساحة، لا محطمان، وأن يعيا أنهما جناحان للثورة، لا سكينان تنهشان لحم أبنائها.

ونأمل أيضا أن تساهم الاندماجات الحاصلة في تصحيح البوصلة وتحويل السلاح إلى صدر النظام لا إلى صدر الشعب وثورته وفصائله، ونرى تنافس الجسمين في إحراز الأهداف في مرمى أعداء الثورة، كالنظام، وداعش، والميليشيات الكردية الانفصالية.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق