01‏/10‏/2017

إعلامنا الثوري سلاح لنا أم علينا ؟


لا شك أنه لولا كاميرا الهاتف الجوال، والفيسبوك، واليوتيوب، والسكايب لما كان هناك ثورة في سورية، ولولا أولئك الجنود المجهولون الذين صوروا المظاهرات ونشروها وتواصلوا مع القنوات العربية والعالمية لكانت ميليشيات الأسد قد جعلتنا في خبر كان دون أن يسمع بنا أحد.

الإعلام يصنع الثورة، ثم على الثورة أن تصنع إعلامها بما يضمن لها استفادتها القصوى منه.

ومن الطبيعي في الثورات أن تتم عمليات " سكب " لصناعة وتجهييز الكوادر اللازمة لسد الثغور الموجودة في حركة الثورة.

عملية سكب الكوادر سلاح ذو حدين، فمن جهة تخلق لك على عجالة كوادر قد تؤدي المهمة المطلوبة في حدودها الدنيا، ومن جهة أخرى تحرمك من فرصة استثمار الكوادر ذات الكفاءة في مجالاتها الصحيحة، وبالتالي تعرقل مسيرتك وتصنع لك من المشاكل ما أنت بغنى عنه.

الإعلام الثوري كان الضحية الأكبر لعملية " سكب الكوادر "، فكما يصنع الشرعيون في دورات إسبوعين وثلاثة، وشهر واثنين، فقد تم أيضا صنع آلاف الإعلاميين بمثل هذه الدورات، حتى صرنا نعاني من فائض إعلامين وناشطين يوجب علينا التصدير لدول الخارج.

بعض الإعلاميين يتلخص الإعلام لديهم بحمل الكاميرا والتقاط الصور المميزة، وإدخال المونتاج والمؤثرات على مقاطع مصوّرة، لصنع مقطع مميز ومثير منها، أو جمع أخبار، وتدبيجها، ونشرها على وسائل التواصل، وهم يقومون بذلك بشكل مميز ومبدع، لكن ما ينقصهم هو روح الإعلام وفلسفته، وهو توظيف إنتاج الإعلام الثوري بخدمة أهداف الثورة.

قد تلتقط صورة مميزة لكن نشرها سيسبب كارثة للثورة، قد تجلب خبرا وتنشره بطريقة روتينية ويمر مرور الكرام، لكن معرفتك بفلسفة الإعلام تجعلك توظف ما ينشره عدوك لخدمتك، ويقدم لك بنشر خبرك بصيغة معينة مكاسب لا تتخيلها.

ومن الأخطاء التي يقع بها بعض الإعلاميين، عدم معرفتهم بتسويق قضية الثورة، فيتم تسويقها على مبدأ استجداء الضعفاء المقهورين للأقوياء الغير مبالين، والأصح أن يتم تسويقها على أنها صرخة الضعفاء المقاومين في وجه جلاّديهم المجرمين، والعالم الغير مهتم، حيث نجد على وسائل التواصل الاجتماعي آلاف مقاطع المجازر، والتخوين وشتم الفصائل واتهامها بالخيانة والتقاعس، أو الأخبار الكاذبة بحجة رفع المعنويات، أو فضح الخونة والمتخاذلين، والقاسم المشترك بين جميع ما ذكر هو تحطيم الروح القتالية عند الثوار سواء تم ذلك بقصد أو بغير قصد نتيجة قلة الوعي والثقافة.

المطلوب من إعلامنا الثوري أن يظهر الثورة بأفضل صورة، دون كذب أو تضخيم، أو تقزيم لحجم الثورة وتضحياتها، وذلك ما يحقق رفع معنويات الثوار، وتحطيم إرادة النظام، وخلق شركاء دوليين وحلفاء إقليميين للثورة.

لا نحتاج بعد اليوم إلى مقاطع مجازر وتخوين وشتم وتقاذف اتهامات، بل نحتاج لمقاطع هادفة ترفع المعنويات، وتخدم الأهداف، وتثقف عموم الثوار نحو الحرب الدعائية التي تستهدفهم، ولنا في مقاطع داعش وسياسة حركة حماس الإعلامية، بل حتى إعلام النظام السوري خير دليل.

في أول الثورة كنا نضحك من ضحالة الإعلام السوري وكذبه، لكنه أثبت أنه يتحرك ضمن استراتجية وبانضباط تام محصلتهما خدمة مصلحة النظام.

فاستراتيجية اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، واستراتيجية مخاطبة عواطف الجماهير واستغلالها، واستراتيجية تضخيم الانتصارات الشخصية وتفريغ انتصارات العدو من مضمونها، واستراتيجية الحرب الدعائية ونشر الشائعات، والاستفادة من أخطاء إعلام العدو، كل ذلك استعمله النظام وداعش في حربهما الشعواء ضد الثورة السورية.

إعلام النظام وحلفائه، إضافة لداعش يعتمد نفس المنطلق، وهو استغلال المظلومية التاريخية أو الموقف الأخلاقي _ ولو كان كاذبا _ كقاعدة لترويج الأطروحات وتجميلها بالانتصارات واتضحيات.

فداعش مثلا تنطلق من مظلومية أهل السنة وحاجتهم لسند يحميهم ويحصّل حقوقهم الضائعة من زمن سقوط الخلافة، وتقدم نفسها عبر إعلامها أنها الخيار الأفضل للسنة.

إيران وميليشياتها تعتمد على مظلومية أهل البيت، والانتقام من قتلة الحسين عبر تقديم نفسها الوريث الشرعي الوحيد لمذهب أهل البيت وحقوقهم المسلوبة من صدر الإسلام.

النظام السوري يسوق موقفه الأخلاقي وهو الممانعة ضد إسرائيل واحتلالها، وأميركا وهيمنتها، ولذلك يتعرض لحملات شيطنة إعلامية، وحرب عسكرية وأمنية على أراضيه، وضغوط سياسية واقتصادية خارجية، وهو يدفع أغلى الأثمان دفاعا عن ممانعته وفلسطين التي يعتبرها قضيته المركزية، أضف لذلك أنه الحامي لحقوق الأقليات، التي لكل طائفة منها دولة عالمية قوية تسندها، وبزواله ستسيل دماء هذه الأقليات أنهارا.

أما نحن فننطلق من مأساتنا اليومية التي ننكررها ونكررها ونكررها، كأسطوانة مشروخة لا نهاية لها، توحي لمن يفكر بمساعدتنا للخروج منها بأنه سيوقع نفسه في مستنقع رمال متحركة تبتلعه مع أولئك الفاشلين الضعفاء الذين لم تمنعهم مأساتهم من التفرق بمتاهات وتشعبات هي ترف يمكن تأجيله وغض الطرف عنه لما بعد المأساة.

هذا الفارق التسويقي للقضية التي نقاتل لأجلها هو ما يجعل أعداءنا متقدمين علينا بمراحل وخطوات.

واليوم في خضم معركة الغوطة تطالعنا يوميا عشرات الأخبار والمقاطع الصوتية المدسوسة من الغرف السوداء التابعة لأعداء الثورة، كتعميمات سقوط مناطق بيد الجيش، مقاطع صوتية لنساء يستغثن بغية تدمير المعنويات القتالية، صور وخرائط لمناطق لمّا تسقط بعد من مراكز مسيسة، اتهامات لفصائل مجاهدة بالخيانة والعمالة والتقاعس عن أداء الواجب، وللأسف نحن نتناقلها في صفحاتنا وغرفنا داعمين بذلك النظام في حربه ضدنا، متناسين أن هكذا أخبار تناقلها لا يجوز شرعا أو عقلا حتى لو من باب التأكد، فالأولى قتلها بتجاهلها وتركها، ومن شاء التأكد ليراسل المتخصصين على الخاص، وفي أخبار المعرفات الرسمية كفاية.

مهما كان الحق الذي تقاتل عنه صافيا وأبلجا، فهذا لا يعني بالضرورة أنك ستنتصر وأن الناس ستهرع لمساعدتك في معركتك، تحتاج لآلة إعلامية منضبطة وذكية تبرع في استثمار ضعفك وانكسارك، أكثر من براعتها في استثمار قوتك وانتصارك، فالإعلام الواعي والموجه يحول هزيمتك وفشلك إلى نصر ونقطة قوة لصالحك.

جاد الحق


هناك تعليق واحد:

  1. صرخة الضعفاء المقاومين في وجه جلاديهم المجرمين و العالم غير المهتم. ..
    اختيار الفاظ بليغ للغاية سلم قلم الكاتب.

    ردحذف