01‏/10‏/2017

نقطة الانعطاف، يوم أحرق البوعزيزي قيودنا





في الدول المتحضرة من يحرك عجلة التاريخ ويصنع الأحداث هم الفئة المثقفة، أو الطبقة القيادية للمجتمع، أما في دول العسكرتارية حيث يصير المثقف والمفكر لاعق لبسطار الجنرال الملهم والقائد الفذ، فلا بد أن يخرج من أمواج الجماهير المستضعفة من يسلب أضواء صنع الحدث، وتغيير التاريخ، ممن اتخذها ظهريا، وصيّر نفسه عازف طبلة في جوقة الحكومة.
شاب تونسي يحاول أن يكافح من أجل لقمة تسد رقمه، وتصون ماء وجهه عن سؤال الناس، يدفع عربة خضار متواضعة نحو سوق مدينة " سيدي بوزيد " التونسية، تستوقفه دورية زبانية الحاكم، وتحاول مصادرة بضاعته.
يسترحم الشاب الزبانية مرارا وتكرارا أن يدعوه يعيش بشرف، ألا يكفيهم أنهم سرقوا كل حقوقه ومستقبله!؟
فليتكرموا عليه بإبقاء هذه العربة التي صارت حصنه الأخير من ذلّ الحياة.
يتجمهر الباعة أصدقاء الشاب حول هذا المنظر المؤثر، يتحرقون لنصرته، لكن يمنعهم الخوف من غضب مولانا السلطان، وللتحديد الخوف من غضب مخابرات مولانا السلطان.
يتطور الموقف بدراماتيكية عالية، وتقوم شرطية بلطم الشاب على وجهه أمام أكثر من خمسين شخصا!!!!!!
ينهار الشاب من البكاء قهرا، وهنا يبلغ الموقف ذروته، فدموع الشاب المقهور أنبتت في نفسه ونفوس من شهد الموقف شجرة العصيان التي ستضرب جذورها بعيدا جدا جدا عن تونس.
أظلمت الدنيا في عيني بطل المقهورين " محمد البوعزيزي "، الذي أتوقع أن سيرته بعد عشرات السنين ستدوّن ككل أبطال الذاكرة التراثية للشعوب، كروبن هود، وهرقل، والزير سالم.
وقف البوعزيزي أمام مبنى بلدية سيدي بوزيد وسكب على نفسه مادة قابلة للاشتعال، وأحرق نفسه...... لم يدرِ أنه أحرق معه خوف الشعوب العربية، وقيودها، وعروش طغاتها.
في اليوم الثاني بعد حادثة البوعزيزي، خرج مئات الشباب البوعزيزية ليتظاهروا ضد الطاغية بن علي، وحصلت اشتباكات بينهم وبين زبانية مولانا الشيطان، وتمددت الثورة أكثر فأكثر في تونس، حتى أحاجت المجرم بن علي إلى الفرار ليلا بطقوس من الذلّ والخوف تتناسب مع أمثاله.
لكن حبكة قصة البوعزيزي لم تنتهِ في تونس، بل انسابت الأحداث لأنظمة دول بلغت من الظلم عتيّا.
وصرنا نرى الأصنام تتكسر، بعد أن همّ بها من قُهِروا على عبادتها تحت السياط.
17/12/2010 اليوم الذي أهدانا به البوعزيزي حريتنا، حين أحرق نفسه لينير لنا الطريق، فغطّت بساطته وعفويته، كل أشباح الدجالين، والمتعالمين، الذين صبحا ينادون بتحرير الشعوب، وعشيا يعاقرون جلّاد الشعوب كؤوس دماها.
شكرا بوعزيزي لأنك كنت رجلا في زمن المسوخ.
جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق