23‏/12‏/2017

الشوفينية الثورية


مع بغضي الكبير لاستخدام مصطلحات أعجمية، واعتزازي الشديد بلغة القرآن الكريم، إلا أني أجد نفسي مضطرا لاستخدام مصطلح " الشوفينية " للتعبير عن حالة التزمت والمزاودة على الغير، التي يمارسها بعض الثوار.

تُعَرّف الشوفينية حسب الموسوعة العالمية الحرة بأنها:

" الاعتقاد المغالي، والتعصب لشيء والعنجهية في التعامل مع خلافه، وتعبر عن غياب رزانة العقل، والاستحكام في التحزب لمجموعة ينتمي إليها الشخص والتفاني في التحيز لها؛ وخاصّة عندما يقترن الاعتقاد، أو التحزب، بالحط من شأن جماعات نظيرة، والتحامل عليها، وتفيد معنى التعصب الأعمى. "

كانت طبيعة سوريا في ظل احتلال البعث غياب الوعي، وانعدام الحياة السياسية ومنظمات المجتمع المدني، مع تشجيع البعث المحتل للتفكير الغوغائي القائم على المزاودة بشعارات الممانعة، وفلسطين، والأمة العربية.

ومع كثرة استخدام مبدأ المزاودة، تولّد إقراراه في العقل الجمعي للمجتع السوري، إلى أن أتت الثورة المباركة التي غايتها إسقاط النظام بكافة رموزه، ولعل أهم رموزه قيم البعث المسمومة، ومبادئ تفكيره الهدامة، المغروزة فينا عنوة، وهي أول أركان النظام التي تحتاج الإسقاط.

هتفنا في أول الثورة هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه، فهل حقا التزمنا هذا الشعار النبيل أم كنا _ من هتفه _ أول من انقلب عليه وحاربه؟

إذا كانت ثورتنا حقا لله، ونوايانا مترفعة عن السلطة وعن الجاه فما هو سبب تشرذمنا المستمر سياسيا وعسكريا ومؤسساتيا من أول الثورة ولغاية سبع سنوات بعدها؟

السبب الأساسي هو خمرة السلطة والجاه، التي أسكرت عقولنا، وسحر المكتسبات الذاتية التي جنيناها على حساب آلام شعبنا.

نعيب على بعض المتأسلمين أنهم رفعوا شعار ما جئنا إلا لنصرتكم، وحين انخدعنا بهم، وثبوا علينا ليحكمونا بالحديد والنار بحجة صيانة ثمرة الجهاد، وتحكيم الشرع، لكن لم لا نعترف بأننا فعلنا نفس الشيء، حين جعلنا ما قدمناه للثورة طوعا من أنفسنا، أو كرها بسبب الظروف، قربانا للوصول للكراسي والمناصب، وأبعدنا الأكفاء بحجة التسلق وعدم الثورية، فقط لنبقى نحن تحت عدسات الإعلام، ولِنَعُبّ من الدعم القادم للثورة الحصة الأكبر....

هذه هي الحقيقة المرة التي نغتالها يوميا بسيل من الشعارات البراقة التي نخدر بها ضمائرنا حتى نبقى نحن تحت الأضواء، وفوق الكراسي، لأننا ثوريون وقدمنا، أما فلان وعلان من الكوادر، وأصحاب الكفآت، فهم ما بين متسلق، أو خريج 2016، أو من ثوار 2015، إلى آخر تلك المزاودات المعلبة.

أليست حجة التضحية وبذل الدماء في الدفاع والصون، هي حجة كل سلطة عسكرية منقلبة على إرادة شعبها، مجابهة إياه بالحديد والنار، تحت شعار أن الجيش هو من يحمي الوطن والمواطنين، وتضحياته هي من تؤهله للحكم والسلطة؟
وبعد كل انقلاب عسكري ومصادرة لرأي الناس، وترهيبهم مخابراتيا وفكريا تحصل الكوارث.

والأقدمية فقط ليست معيارا للنجاح والشرف، فكم من ثائر بذل وقدم أول الثورة، ثم ارتد على عقبيه شبيحا، أو داعشيا، أو قسديا، وكما قيل الطريق لمن صدق، لا لمن سبق.

وللتمييز بين الثائر الحقيقي، والمتثورن النفعي، إليكم هذا المقياس.

الثائر الحقيقي صاحب قضية وهم، وحامل رسالة حق لكل الناس، ويسره أن يشاركه أهله وإخوانه في حمل رسالته، فلا تراه كالّا أو مالّا في نشرها والصبر على أذى الناس بسببها، ولا يزال يطمع في تغيير قناعة الرماديين أو المؤيديين، ليَدَعوا ما به من جهل وشر، ويحملوا معه شعلة الثورة.

أما المتثورن فتراه يُضيّق الثورة، ويُحجّر واسعها، حتى لا تكاد دائرة ثورة الشعب السوري العريضة أن تتسع إلا له ولجماعته من المنتفعين، ولو تمكن من تغيير اسم الثورة من الثورة السورية لاسمه واسم عائلته لما قصّر عن ذلك، فحاله في الثورة كحال الخوارج في الدين، لا يزال الإسلام عندهم يصغر ويتضاءل وينكمش حتى لا يكاد يسع إلا بضعة آلاف من جماعتهم.

هؤلاء المتثورنون المزاودون ظاهرهم ثوار، وباطنهم منتفعون حسّاد، يخافون زوال أو نقصان ما أكلوه من الدنيا باسم الثورة، على يد غيرهم من أصحاب الكفآت فلذلك يرمونهم بهتانا بكل نقيصة ليصرفوا الناس عنهم، ويدفعونهم إلى خارج ساحة الثورة، حتى ولو كان في خروجهم دمار لها، فما أحلى الخراب والهزيمة إن كان من يدي _ أنا الشوفيني الثوري _ المتصدر تحت الأضواء، وما أقبح البناء والنصر إن كان من يد الكفؤ المتصدر لما هو أهله وأنا قابع في الظل!

من الصفات المميزة للمتزمتين الثوريين بغضهم لأصحاب الشهادات الجامعية، لأنهم يشعرونهم بدونيتهم علميا وثقافيا، ويشكلون تهديدا لمصالحهم، وبحسب رأي الشوفينيين الثوريين، أنهم حين ضحوا بمستقبلهم وحياتهم وتركوا دراستهم وعاشوا الحصار والتشرد والقتل، كان أولئك القاعدون، من ثوار اليوم، آمنون مطمئنون يمارسون حياتهم بطبيعية، حتى تخرجوا من جامعات النظام، وحصلوا على شهادة جامعية.

وأنا أقول لهم، أخي الثائر، وعد الله أكثر من ضحى في سبيله، وهم المجاهدون، والشهداء، بالجنات والنعيم، ولم يعدهم بمنصب دنيوي، ولا حكومة، ولا وزارة، ولا غيرها، لأن الدنيا ليست دار عدل، بل هي دار ابتلاء، ولأن الآخرة هي دار الجزاء العادل والاستيفاء، ثم إنك ببداية ثورتك قلت بأنها لله وليست للسلطة ولا للجاه، فما بالك اليوم تصارع وتناطح على السلطة والجاه باسم الثورة، تفرح إن حصلت عليهما، وتأسى إن فاتك تحصيلهما!؟

وإن ساءك حصول غيرك على شهادة جامعية أو علمية، فاجعل هذا دافعا لك لتحصل بدورك على درجة علمية تعزز بها أقدميتك الثورية، وتخدم بها ثورتك، ولا تظن أنك رافعة الثورة، وحامي حماها، فإن تركتها لحظات انهارت وتبددت، فالثورة أكبر مني ومنك، وهي حق لكل أبنائها، حتى المغتربين منهم الذين نزاود عليهم في غربتهم، ونظهرهم بمظهر الفارين من الزحف، الذين ينتقدون أخطاءنا نحن الأبطال الصامدين على أرض الوطن.

ثم إن مرض ابنك، أو أردت إجراء عملية جراحية، هل تذهب به أو بنفسك للطبيب الأكثر خبرة وإن كان قد تخرج البارحة من جامعات النظام، أم تذهب لشاب نصف متعلم مارس التطبيب في الثورة!؟

إن ساءك دراسة غيرك في جامعات النظام، أو إقامته في مناطقه، فقدم له أفضل مما يقدمه النظام كبرهان على صدق التزامك بوعود الثورة بالحياة الأفضل للناس.

قد يدافع البعض عن تزمته الثوري أنه لحماية الثورة من أن تُخطَف، متناسيا أنه أول من خطف الثورة بحرمان أبنائها وشعبها من الأفضل، عبر حجب أصحاب الكفآت والكوادر.

الثورة لا تنجح إلا إن استطاعت تحقيق الشعارات التي ترفعها، وبنت مجتمعا أفضل من مجتمع النظام الذي ثارت عليه، وهذا يفسر سبب أن جزء كبير من الثوار تركوا الثورة، وجزء أكبر من المدنيين في المناطق المحررة فضل العيش بمناطق احتلال النظام وال pkk، بسبب الخدمات الأفضل التي تُقَدَم في تلك المناطق، ولا تكن خياليا حالما فتتوقع من جميع الناس أن تكون صحابة، تضحي بكل ما تملك في سبيل الثورة، بل كن واقعيا، وقدم للناس ما يجعلها تختار الثورة على غيرها.

بعد سبع سنوات من التشرد والقصف والتقتيل، ألا يستاهل شعبنا منا أن يشاركنا حمل السلاح للدفاع عن نفسه، ألا يستحق تمثيلا حقيقيا معبرا عنه في المجالس المحلية، ألا تليق به خدمات اجتماعية أفضل في التعليم والصحة وغيرها؟؟

أيها المتزمتون الثوريون هبوا لنا " ثورتكم " كما وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام لكافة الناس.

وسعوا مدارككم العقلية وفكروا كما الدول واقرأوا التاريخ.

أسلم خالد بن الوليد بعد عشرين سنة من بعثة الرسول، وسبعة عشر عاما من الدعوة الجهرية، وسبع سنين من الهجرة للمدينة، وكان هو سببا مباشرا في قتل أكثر من 70 من خيرة الصحابة من أصل 700 من مجموعهم، ومع ذلك سُرّ النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وأعطاه مكانته اللائقة به كقائد عسكري، ولم يعيره بماضيه.

من أسباب انتصار السلطان قطز في عين جالوت أنه راسل الأمراء المسلمين المتحالفين مع التتار ورغبهم ووعدهم وشجعهم على الانشقاق عن التتار والعودة لحضن الإسلام، وفعلا انشق قسم كبير منهم، علما أن التتار قتلوا في بغداد وحدها مليون مسلم!!!!

اعترف بول بريمر الحاكم العسكري الأمريكي في العراق أن من أخطائه قراره بحل الجيش وأجهزة الأمن العراقية أيام صدام حسين، مما جعل مئات الآلاف من منتسبي هذه الأجهزة تخسر وظائفها وتدخل في دوامة عنيفة من السخط والحقد على الأمريكان، ترجمتها على الأرض في توظيف خبراتهم العسكرية والأمنية بقتال المحتل الأمريكي، ولو احتواها بول بريمر في الدولة الجديدة لانقلب ولاء أغلب تلك العناصر له.

بل كان الدواعش في العراق ثم سوريا، أكبر مستفيد من قرار بريمر، حيث استغلوا خبرة أولئك الضباط والعسكريين البعثيين السابقين، واحتووهم تحت راية تنظيمهم، وكانوا سببا مباشرا في سيطرتهم على العراق، ثم جزء كبير من سوريا قبل أن يندحروا.

حتى النظام السوري المجرم، صحيح أنه يغدر بالكثير ممن وقع معه على مصالحة، إلا أنه أيضا يستغل الكثير منهم ممن قاتله لسنوات وقتل منه وآذاه، يستغله اليوم في قتالنا وقتلنا، مستعملا عبقرية النبي صلى الله عليه وسلم في تحييد الأعداء، وإن سماها بغير اسمها، ونحلها لغير صاحبها.

فما بالنا اليوم نضيق صدرا بإخوتنا المنضمين للثورة حتى ولو تأخروا نسبيا، ونترك خبراتهم ليستغلها أعداء الثورة من النظام أو التكفيريين، أو عملاء الاستخبارات صبيان الثورة المضادة؟

طبعا لا أدعو لاستقبال كل من هب ودبّ في صفوف الثورة وتوليته المناصب، ولا أدعو للتسامح مع المجرمين بحق شعبنا، لكن أدعو لرفع شعار استخدام القوي الأمين، مع تفعيل دور المحاسبة العادلة، والرقابة الشعبية، والمؤسسية الثورية.

قد يسأل البعض وإن لم نجد قويا أمينا فمن نستخدم؟

وهذا السؤال امتحن به الخليفة العادل عمر بن الخطاب، داهية العرب المغيرة بن شعبة، فقال له أأستعمل القوي الفاجر، أم الضعيف الأمين؟

فرد المغيرة " بل القوي الفاجر، فقوته لك، وفجوره عليه، أما الضعيف الأمين، فضعفه عليك، وأمانته لك " ، وبذلك يبرز دور الرقابة الشعبية والمؤسساتية الغائبة في ثورتنا، في حماية مسار الثورة من اختطافه سواءا من أعدائه، أو من الكوادر التي لا تحمل عقيدة الثورة، فبوجود رقابة كعمر ( شخصية عمر تمثل الرقابة الثورية ) فلا خطر من استعمال صاحب الخبرة فيما يجيد ( استخدام تنفيذي ) ، وإن لم يكن ثائرا، مع عزله عن مفاصل القرارات السيادية الثورية.

أخي الثائر الشوفيني المتزمت، أقدر حرصك على ثورتك، لكن أبشرك أن ما تفعله خراب لها، وأن البلد عاجلا أم آجلا سيبنى لكن بيد غيرك من أصحاب الكفآت والكوادر، بغض النظر بصف من سيكونون، فاختر لنفسك وثورتك ما تحب، إما أن تكون جزءا فاعلا في البناء بعد الهدم عبر تشجيعك لكل الناس على الثورة، وتنازلك عما أخذت من مكتسبات باسمها لصالح من يستحقها، أو أن تظل جزءا من عملية الهدم يتم استبعاده في البناء، لتجد زاوية في مقهى منزوٍ، تجلس بها تدخن وتلعب الطاولة، وتلعن من تسميهم المتسلقين حسدا منك حين يظهرون نجاحهم.

سلمنا رقبتنا لبائع الخضروات، والقصاب، وعامل البناء، والنجار، والأُمّي، وخريج دورات التكفير، وتلميذ المعتقلات، فتجرعنا الزقوم على أيديهم سبع سنوات، أفلم نقتنع بعد بتجربة الضابط، والطبيب، والمهندس، والمدرس، والسياسي، والاقتصادي، وخبير علم الاجتماع، والإدارة؟؟؟

جاد الحق



16‏/12‏/2017

أن نصنع أجيالا ثورية

سبعون عاما على اغتصاب فلسطين من الصهاينة ولازالت جذوة الجهاد الثوري الفلسطيني مشتعلة في صدور أبناء فلسطين.

سبعون عاما ولا تزال البندقية تنتقل من جيل لجيل، وراية الجهاد الثوري يتوارثها الأحفاد عن الآباء عن الأجداد.

لو فتشنا عن سبب استمرار الجهاد الثوري الفلسطيني رغم تقادم الزمن، وتشابك الأحداث، وعبور القضية منزلقات ومنعطفات وسهول ووديان وجبال ومفازات، لرأينا الجواب يكمن في التربية.

أجيال تربت على الإخلاص للقضية، واحترام رموزها، وحب الوطن، وبذل الغالي والرخيص في سبيل الحق، وهكذا يأتي كل جيل من المجاهدين الثوريين ليكمل مسيرة الجيل الذي سبقه، حتى يصل الشعب للهدف المنشود.

كم نحتاج في ثورتنا السورية لهذه التربية، فبتحليل بسيط لمراحل الثورة السابقة نجد أن شعبية الثورة تزداد وتنقص حسب منعكسات الأوضاع عليها، وبالتالي الجمهور الثوري يتقلص ويتمدد بردات فعل على الأحداث الجارية.

في بدايات الثورة، كان خروج المظاهرة، أو كتابة عبارات أو منشورات معارضة للنظام يرقى لمستوى عملية استشهادية، وبالتالي كان عدد الثوار قليلا بسبب ارتفاع نسبة الخطورة.

بعد أن سقط حاجز الخوف عند الشعب، وشاهد الناس الوجه الحقيقي للنظام، والتعاطف العالمي مع الثورات السلمية، زادت نسبة المظاهرات، واتسعت رقعتها وتنفس الناس الحرية للمرة الأولى فعشقوها، وتولدت لديهم تلك الصور الوردية المثالية الخيالية عن تحركات الشعوب والثورات السلمية.

ثم أتى العمل المسلح كضرورة مفروضة لحماية الثورة السلمية، وبدأت المعارك مع آلة النظام العسكرية، وبذلك تقلص عدد الثوار، بسبب انسحاب بعض المثاليين الحالمين من الثورة، نتيجة صدمة العمل العسكري، التي لا تتحملها مشاعرهم الرقيقة.

ومع خروج داعش خنجر النظام الدولي لطعن حركات الشعوب، وظهور بعض المفسدين والأخطاء من قبل الجيش الحر كنتيجة حتمية ومتوقعة لخمسين سنة من التربية البعثية الإفسادية، خرج المزيد من الثوار.

عقب ظهور داعش حصل تراجع عسكري كبير للثوار، ثم أتت فتنة قسد، واستمر التراجع العسكري للثوار بعد تدخل الروس لجانب النظام، وتشابكات المصالح الدولية، وتأثيراتها على الثورة، ثم عمليات البغي الممنهج، والاقتتال الفصائلي المقصود من البعض، والذي يستهدف فصائل الثورة، كل هذه العوامل أدت لتناقص الكتلة الثورية أكثر فأكثر.

هذا التناقص مرده لعدم وجود آلة تجنيد مهمتها صنع أجيال جديدة من الثوار تكمل المسيرة، إما عبر البناء والتربية، أو عبر التجنيد والضم.

بناء جيل عقائدي يحمل الهم ويكمل المسيرة، كلمة كبيرة، لا تُعطى حقها ببضع جمل، لكن سنعطي لفتة سريعة عنها.

الكل مر بمراحل طلائع البعث، شبيبة الثورة، الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، اتحاد العمال، اتحاد الفلاحين، الاتحاد النسائي…إلى آخر هذه التنظيمات البعثية التي كان سببا مباشرا لتخلف الشعب السوري وانحطاطه، وتحوله لشعب مدجن في حظيرة البعث.

يكمل هذه المنظمات مناهج دراسية تعمل على تكرار الفكرة حتى تثبيتها، ونشاطات اجتماعية ( لقاآت، محاضرات، معسكرات، مسابقات…) كلها ترتبط بفكر العصابة الحاكمة.

بل حتى في الدين صنعوا لنا مشايخ بعثيين!!! فأصبح الدين ضحية أخرى لعبث البعث.

لذلك علينا اقتباس التجربة، مع تصحيح المفاهيم، والغايات، والوسائل، فننشئ منظمات ومؤسسات تعنى بكل الشرائح، مهمتها تربية الناس على قيم سامية كالدين والحرية والعدالة وكراهية الظالمين، وحب الفداء، والتحدي، والصمود، والقابلية للاستمرار في جهادنا الثوري المسلح حتى تحقيق غايته، وصيانة مكتسباته فيما بعد.

وعلينا ألا نغفل دور المناهج المدرسية في غرس هذا الوعي، وتفعيل دور إسلامنا الوسطي المتكامل، الذي تعالى عن غلظة الغلاة، وانهزامية المتميعين، فالعامل العقائدي أساسي لقيام المجتمعات، وتحريض الشعوب للعطاء، خاصة في ظل هذه المشاريع العدائية التي تستخدم الأيديولوجيا لتجنيد مجرميها، ولا يصد المقاتل العقائدي إلا المقاتل العقائدي، ولا يفل الأيدولوجيا الخاطئة، إلا الأيدولوجيا الصحيحة.

ومما يسهم في بناء الأجيال الثورية أمران مهمان أغفلتهما الثورة السورية:

1) الإعلام الموجه: الذي غايته تسويق فكر الثورة، والدفاع عنه، وتوعية الجماهير لما يحاك لها، وتجنيد المزيد لخدمة الفكرة، وهذه أهداف تغيب عن الكثير من المحسوبين على إعلام الثورة، حتى بعد سنوات من وجودهم بهذا المجال، بسبب عدم أخذ الإعلام من زاوية أكاديمية حِرَفية، فليست مهمة الإعلام نقل الأخبار فقط.

2) الصبر الاستراتيجي: الذي يعطينا النفس الطويل للتخطيط والتنفيذ، وصب تركيزنا على الهدف الأسمى، فلا نلتفت للمكاسب المهرجانية الاستعراضية على جنبات الطريق، التي مهمتها مشاغلتنا عن الهدف الأصلي، وبنفس الوقت يعطينا ميزة المناورة، والمراوغة، دون تضييع للثوابت، ولمعرفة قيمة الصبر الاستراتيجي يكفيك أن تعلم أن ما تفعله إيران اليوم خططت له من عام 1979، وهو ما سمته الخطة الخمسينية، وتقتضي بنشر مبادئ وفكر الخميني في الدول المجاورة لإيران، لتشكيل امبراطورية أيديولوجية واحدة، من أفغانستان حتى المتوسط، بما عُرِفَ بتصدير الثورة.

صنع الأجيال الثورية هو الضامن الحقيقي لتحقيق أهداف الثورة، وهو ما يجعلنا نطمئن أن الثورة وإن طال بها الزمن ستصل لمستقرها الذي تستحقه بتضحيات أبنائها، لذلك فليكن هدفنا أن نصنع أجيالا ثورية….


جاد الحق


12‏/12‏/2017

متلازمة الطير الأبابيل

اضطراب نفسي تعيشه شعوبنا المسلمة، قد يكون تعبيرا عن فرط نرجسية كامنة فينا ناتجة عن اعتقاد خاطئ أننا أبناء الله وأحباؤه، ولسنا مجرد بشر ممن خلق.

هذا الاضطراب يجعل مخدر الأمل بالنصر والتأييد الإلهي، يشل أي حركة لنا على طريق النصر الحقيقي.

دائما نعلل تركنا للعمل المتعب الذي لا بد منه في بذل الوسع في التخطيط والإعداد بأننا أصحاب إيمان عالٍ، لا يلزمنا مع هذا الإيمان عمل وإعداد، ولا يضرنا كيد عدو أو قوته.

فلا بد أن تأتينا الطير الأبابيل لتنهي مهمة القضاء على الأعداء، ثم نتحرك نحن “على رواء” لنقوم بواجب إعمار الأرض وإنقاذ البشرية.

والعجيب أنَّ الطير الأبابيل لم تأتِ إلى الآن رغم كل ما مرت به الأمة من مصائب ونكبات.

فحين دخل القرامطة الباطنيون بيت الله الحرام في مكة، في مثل هذه الأيام الفضيلة من شهر ذي الحجة، وقاموا بذبح ثلاثين ألفا من الحجاج، ورموا جثثهم في بئر زمزم، ثم قلعوا الحجر الأسود وأخذوه معهم لبلادهم وبقي عندهم 22 سنة، في زحمة كل هذه المآسي لم يرَ أحد أي أثر لأي طير أبابيل، بل حتى لم تنزل صواعق على القرامطة، ولم تخسف بهم الأرض، ولا أهلكتهم صيحة عذاب من السماء، بل انتهوا تاريخيا بشكل اعتيادي مكرور، كما تنتهي أي دعوة أو دولة، استكملت سنن السقوط الكونية التي لا تحابي لا مسلما ولا كافر.

وفي ذروة مجازر الأعداء ضد الأمة من الغزو التتاري، مرورا بالحملات الصليبية القديمة والحديثة، إلى مجازر الطغاة المعاصرة ضد شعوب الأمة، سجل غياب ملفت للنظر للطير الأبابيل، ولصيحات العذاب السماوية، وللزلازل والأعاصير المهلكة للظلمة، والناصرة للمستضعفين.

وفي الوقت نفسه سجلت انعطافات تاريخية مهمة، رجحت الكفة لصالح من أخذ بالأسباب دون أن ينتظر قدوم الطير الأبابيل وسقوط الشهب المحرقة، والنيازك المدمرة، كانت هذه الانعطافات حصيلة سنوات طوال من العرق والدموع والدماء والتضحيات والعمل الدؤوب، ترجمت بأسماء وقائع كبدر وحطين وعين جالوت وتحرير أفغانستان والشيشان وقطاع غزة، وثورات لاهبة شوهت أوجه الظالمين، وقطعت أيديهم بسياطها.

هل نفهم من الكلام السابق إنكار الطير الأبابيل وقدرة الله على نصر عباده إن أراد؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نصحح بعضا من المفاهيم؛ فقد أخطأ من توهم أنَّ العرب في الجاهلية تركوا الطريق مفتوحا لأبرهة ليهدم رمز ديانتهم، الكعبة المشرفة.

بل إنَّ العرب قاتلوا أبرهة تحت قيادة ذو نفر، ونفيل بن حبيب الخثعمي حتى كادت أن تفنى، حينها تيقنوا أنَّ الله سيتدخل لإنقاذ بيته بعد بذلهم طاقتهم وعجزهم عن فعل الأكثر.

في قصة طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، بعد أن نعرف أنه قضى 950 عام يدعو قومه للإيمان متبعا مختلف السبل، وكانت المحصلة أن ما آمن معه إلا قليل، نفهم كيف أتى نصر الله لنبيه نوح صلى الله عليه وسلم، وإغراق الكافرين بالطوفان.

وفي الخندق بعد أن تحزبت الأحزاب على المسلمين، وتعاهدوا على اجتثاث دولتهم الوليدة، لم تأتِ الرياح والبرد والخوف والجنود التي لم يروها، إلا بعد الخطة العسكرية الإبداعية في حفر الخندق، وما صحبها من تكتيكات أهمها التحام القيادة بالشعب وعيشها معاناته ( كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن حجرين على بطنه وهو يحفر الخندق بيديه مع أصحابه )، وأيضا التخطيط السياسي المتقن لرفع الروح المعنوية للشعب، ومحاولة تحييد الأعداء بإعطائهم بعض المصالح المادية، ثم يأتي الجهد الاستخباراتي والحرب النفسية لتمزيق صف العدو، مع استمرار عمليات رصد العدو، ورفع الجاهزية لصده، بعد هذا كله أتت الرياح والجنود التي لا ترى لتطفئ نيرانهم، وتكفئ قدورهم، وتدب الرعب في قلوبهم.

وبالعودة للسؤال المطروح سابقا، فلا ننكر الطير الأبابيل، ولا العذاب الإلهي الذي يأتي لينقذ المستضعفين، لكننا ننكر انتصار من استطاب الكسل، واستعذب البلادة، ثم تمنى على الله الأماني.

في ” متلازمة الطير الأبابيل ” يستوي العلماني والإسلامي، فالعلماني يعول على الأشكال المادية للطير الأبابيل، كتدخل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وتركيا، وروسيا، واتفاقات خفض التصعيد، وجنيف بنسخها، وأستانا بأجزائها، ويخال أن التأييد سيأتيه منها جاريا نضاخا لا ممنوعا ولا مقطوعا.

والإسلامي يميل للأشكال الخوارقية للطير الأبابيل، كظنه أنَّه بالاندماجات الغوغائية، والاعتصامات العاطفية، وتطبيق ما يظنه واهما شرع الله، سينزل علينا نصر الله وتمكينه مدرارا كإعصار هارفي الذي يضرب تكساس.

والطرفان يتناسيان قصدا الواجب الثقيل في الإعداد، ويغضان بصريهما تعمدا عن طريق الآلام الطويل المتعب والموصل بنهايته للنصر.

فلو أمسكنا تاريخ كل أمة قوية، وكل دولة ذات شأن، من زمن آدم عليه الصلاة والسلام، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، لن نجد أن هذه الحضارات والإمبراطوريات قامت على أكتاف الحالمين المتواكلين، ولا المنظرين الورديين، ولن نجد أثرا لك

جاد الحق

09‏/12‏/2017

السلاح المدافع عن الحق عزٌّ لأصحابه

في كل عاصفة يزداد عدد المنحَنيين، وفي كل نكبة يكثر المنبطحون، وما أكثر العواصف والنكبات في طريق الكرامة والحرية، وما أكثر المتساقطين على جانبي هذا الطريق.

آخر صرعة خرج بها علينا أولئك المشبوهون، هي الدعوات المبطنة لسحب السلاح من يد الثوار. قبل إسقاط النظام طبعا كلامهم لا يخرج بهذا الشكل الصارخ حتى لا يثيروا حفيظة أحد، بل يخرجونه بلسان الناصح المشفق، والحكيم المجرب، بألسنة تقطر عسلاً، وقلوب تغلي حقدا على الثورة وثوارها.

“كلام حق أريد به باطل”، أفضل جملة لتوصيف دعوات التضييق على السلاح بيد الثوار.

نقول لا لفوضى السلاح، وألف لا لسحبه قبل اسقاط النظام، أو حصره بيد فئات مرهونة لجهات تقامر على الثورة. ونعم لتنظيمه في أيدي الثوار وتوحيد جهودهم .

يقولون إن انتشار السلاح مظهر غير حضاري

فنرد عليهم حمل السلاح سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وضمان للشخص على روحه وعرضه وماله، وسيف بيد الشعب المظلوم يدافع به عن نفسه ممن ظلمه، ونقول لأولئك الحريصين على الحضارة، والتشبه بدعاتها، إن أكثر الشعوب اقتناءً للسلاح هو الشعب السويسري!

بل أن حق حمل السلاح من الحقوق المقدسة في معظم الولايات الأمريكية.

يقولون إن انتشار السلاح سبب رئيسي للجرائم….

نقول لهم سبب انتشار الجريمة بالدرجة الأولى هو الأمراض الاجتماعية، وعلى رأسها نقص الوازع الديني والأخلاقي، والفقر، والبطالة، وإدمان الموبقات كالخمور والمخدرات والقمار، أما موضوع انتشار السلاح فليس سبباً رئيسياً، بل لو قارنا مستوى الجريمة بالمناطق المحررة، بمستوياتها في دول أوروبية وعربية، لوجدنا بفضل الله أنه منخفض جدا، رغم الأوضاع الكارثية التي يعيشها الشعب، ومرد ذلك بالدرجة الأولى للوعي الديني، والوازع الأخلاقي، والتكافل الاجتماعي، الموجود في مناطقنا المحررة بنسبة أعلى من دول أخرى.

وللعلم عدد من يموت بسبب التدخين، والمخدرات، والخمور، وحوادث السير، حول العالم، أكبر ممن يموت بحوادث إطلاق نار.

نعم نريد أن يكون هناك تقنيين وتنظيم لموضوع السلاح، ونشجع كل حملة توعوية لترشيد حمله، لكننا نعارض الأصوات الخادمة لأعداء الثورة، والمطالبة بتجريد ثورتنا من مخالبها التي تدافع بها عن نفسها ضد أعدائنا، لتعود مقصوصة الأظافر، مهيضة الجناح.

هل تذكرون كيف كان النظام يحارب موضوع انتشار السلاح بين أيدي الشعب، ويسمح به بين أيدي شبيحته وزبانيته؟

هل تذكرون ببداية الثورة كيف كان الحي والقرية والمدينة التي يسكنها أهل السنة لا يوجد بها قطعة سلاح يدافعون بها عن أعراضهم وأرواحهم، بينما كفريا والفوعة، ونبل والزهراء، وقرى وأحياء النصيرية تحوي ترسانات من السلاح؟؟؟

وطبعا نذكّر أن موضوع حصر السلاح بفئات من الناس غايته الاستحواذ على قرار الثورة العسكري ومصادرته، وهذا أمر غير مقبول به، ولا يمكن التنازل عنه، لا لصديق، ولا لعدو.

في لبنان بعد إخراج منظمة التحرير الفلسطينية، والضغط عليها لتسليم سلاحها الثقيل في بيروت، دخلت كتائب الموارنة بدعم ورعاية من الجيشين السوري والإسرائيلي إلى المخيمات الفلسطينية في بيروت، لتنفذ ما عرف بمجازر ” صبرا وشاتيلا”.

وليس هذا فحسب، بل شن حلفاء النظام السوري، من حركة أمل الشيعية، والحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي، هجوماً على ما يعرف بحركة “المرابطون ” التي هي الفصيل الذي يمثل السنة في حرب لبنان الأهلية، وقاموا بإنهائه، ونزع سلاحه، رغم أنه كان قومي التوجه، ناصري المبادئ، وشريكهم في القتال لسنوات، وقام ببطولات كبيرة، وتضحيات ضخمة في صد الاجتياح الإسرائيلي، وبنفس الوقت استمر السلاح موجودا بيد الطوائف الأخرى إلى أن انتهى الوضع بسيطرة حزب الله على كل الدولة اللبنانية ولايستطيع أحد نزع سلاحه المخالف لكل القوانين اللبنانية والعالمية.

في البوسنة قامت قوات الأمم المتحدة بجمع السلاح من أهالي بلدة ” سربرنيتشا ” بحجة أنها هي من ستتكفل بحمايتهم، وبعد أن أنهت جمع السلاح حاصرت القرية، ومنعت خروج العزل، ثم أدخلت الصرب ليقتلوا ويغتصبوا وينهبوا وهم آمنون مطمئنون أن لا أحد سيدفعهم ويتصدى لهم.

في مصر ذبح كلاب السيسي وأحرقوا 4000 مسلم في ميداني رابعة والنهضة، وما جرأهم على ذلك إلا دعوات سخيفة من قبل “سلميتنا أقوى من الرصاص” ولو وجد كلاب السيسي رصاصاً من الثوار عليهم، لولوا هاربين كالحمر المستنفرة.

في العراق كان الدواعش يسحبون سلاح العشائر عبر شرائه بأضعاف مضاعفة، وبحجة أن ما يسمى ” الدولة الإسلامية “هي من يتكفل بحمايتهم”، ثم انسحبت لتتركهم عزلا، في مواجهة الحشد الشيعي المجرم.

بنفس الوقت رفض الثوار بليبيا تسليم سلاحهم، ولو سلموه لاستبيحت دماؤهم وأعراضهم من قبل حفتر، وأذناب القذافي، وكلاب الدواعش.

ولو لم يكن السلاح منتشراً بيد أهل اليمن لاستباح الحوثيون عملاء إيران كامل اليمن.

فالقرار بيدك أخي الثائر، وأنت من تحدد مصيرك ومصير أهلك، هل تريد أن تشبح ويهتك عرضك كصبرا وشاتيلا وسربيرينيتشا، أم تحفظ نفسك ومن تحب بسلاحك الذي ترفعه للحق فقط؟؟؟