01‏/10‏/2017

حتى لا تنحرف البوصلة

قبل أن أبدأ كلامي وأتقمّص دور الجرّاح الممسك للمبضع، والواقف بقرب سرير المريض المسجّى للعملية، دعوني أذكر نفسي وإخواني من جميع الفصائل أن هناك تحالفا شيعياً نصيرياً صليبياً خارجياً يمسك كل طرف منه بيده سكينا، ويمزق به ما تبقى من جسد ثورتنا المريضة.

قبل أن أخطّئ الفصيل الفلاني وأصوب الفصيل الآخر أذكّر نفسي وحضراتكم بأن هناك آلاف الحرائر ولدت سفاحاً لكثرة ما اغتصبت من كلاب النظام.

دعوني أذكركم أنّ السارين لا يهمه التفصيلات الفقهية التي نعادي بعضنا لأجلها، وأن البرميل الساقط علينا يعاني من عمى ألوان فلا يميز بين راياتنا، وأن القنابل الارتجاجية كل مقراتنا لديها سواء.

ثم بعد ذلك، فإن حال فسطاط المسلمين “الغوطة”، ليدمي قلب كل حر، فليت شعري كيف صار فسطاط المسلمين، فساطيطا لقتل المسلمين، وكيف لم يستطع دم مئات المجاهدين الذي سكب هدراً من عام مضى، أن يلجم غريزة التملك والتسلط الحيواني فينا.

قابيل قتل أخاه فندم، ونحن نقتل إخواننا بالعشرات والمئات، فنلتذذ بدمائهم المهدورة على أيدينا، وننتشي بطعمها ونفتن بلونها.

يا إخواني في جيش الإسلام، وتحرير الشام، وفيلق الرحمن، وأحرار الشام، وغيرها من الفصائل المجاهدة، إياكم والبغي، فالبغي مرتعه وخيم، ومرده أليم، وما بغيكم على إخوانكم، إلا بغيٌ على أنفسكم لو كنتم تعلمون.

كما أدنّا بالأمس بغي الهيئة، ندين اليوم بغي الجيش، ونسأل الله ألا ندين غداً بغي فصيل آخر، وإن كنا نحمل سبب بغي الجيش على من سن سنة البغي على إخوانه المجاهدين بأعذار واهية، وأكل حقوقهم وسلاحهم ولم يستجب أو يرضى النزول لأي محكمة شرعية.

ومهما بلغت الهيئة من السوء والتعدي على جيش الإسلام “بحسب رواية الجيش”، فإن هذا غير مبرر لبدء حرب داخلية لا تميز بين فصيل وآخر في الغوطة بهذا الوقت بالذات.

وطالما أن الحال هكذا، لا قيادة موحدة، ولا رؤية متفق عليها، ولا محاكم شرعية مستقلة ذات سلطة وصلاحيات، تنزع الحق من الظالم وترده للمظلوم، فستستمر مسلسلات رعاة البقر التي تحترفها فصائل فقه التغلب وتحرير المحرر.

إن من يفتي للجيش بخارجية الهيئة، لا يختلف عمن يفتي للهيئة بردة أو إرجاء الجيش، اختلفت المدارس ولكن المدرّس واحد، كلاهما تلقى علومه من نفس الفرع الاستخباراتي، وحضر نفس الصفوف، والمضحك المبكي أن كلّاً من حملة لواء استئصال الطرف الآخر بناء على أسباب عقائدية، جالس بدولة أخرى، وتارك لحربه المقدسة، ومكتفٍ بإطلاق صواريخ الفتاوى العابرة للقارات.

حذاري حذاري ممن يجعل مشكلة الغوطة سببا لبدء معركة بغي جديدة في الشمال، فالظلم لا يرد الظلم، بل العدل والإحسان هو من يرد الظلم، ولو رضيت الهيئة وغيرها من الفصائل النزول لمحكمة شرعية مستقلة ترد بها ما للفصائل عليها من مظالم، لما وصل الحال من الاحتقان، ثم الانفجار، لما وصل له اليوم، وخصصت الهيئة لأنها المروج الأول لفقه التغلب.

ولنعلم أن صلاح النية، وسمو الغاية، لا يبرر فساد العمل والوسيلة، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن أردت أن تقيم شرع الله، وتبني دولة مسلمة، فافعل ذلك بحدود ما شرع الله وأمر، لا بحدود ما شرع هواك، أو زين لك عقلك.

حذاري حذاري ممن يستغل مشكلة الغوطة ليروج من جديد لفكر عودة القاعدة ومبايعتها، فما هذا إلا تذعير للعدو لا يصدر إلا من عميل أو أبله.

ويا مشايخ الساحة وكوادرها وقادتها، إياكم أخص بهذا النداء، دونكم الفرصة لترضوا ربكم، وتنصروا ثورتكم، وتحقنوا دماء مجاهديكم، وتقطعوا دابر شانئيكم فلا تضيعوها، فتصبحوا على ما أسلفتم نادمين، والسلام على من غلب هواه، واتقى في دم إخوانه الله.

قضى الله أن البغي يصرع أهله
وأن على الباغي تدور الدوائرُ

ومن يحتفِرْ بئرًا ليوقع غيره
سيوقع في البئر الذي هو حافرُ

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق