01‏/10‏/2017

مستقبل حماة التحرير أم التدمير؟

استعادت الثورة بفضل الله عافيتها العسكرية، وصُحّحت بوصلة بندقية الثوار بالتوجّه نحو النظام، وتزلزلت أركان النظام من ضربات معاول الثوار في دمشق ودرعا.

ومؤخرًا دخلت حماة خط الانتصارات والتحرير، وحتى لا تأخذنا العواطف ويختنق صوت العقل بين صيحات الحماس، علينا التوقف قليلاً والتخطيط لتحركاتنا العسكرية كي لا تكون خبط عشواء، تنقلب علينا وبالاً فيما بعد.

تحرير مدينة حماة حلم جميل يراود جميع الأحرار، فلهتافات العاصي وقاشوشه ذكرى أثيرة بقلب كل ثائر.

لكنّ وضع الثورة المفكك والمتخبط لا يؤهلها لحكم المدن وإدارتها

معركة تحرير المدينة عسكرياً إن وقعت فهي على الأغلب محسومةٌ لصالح الثوار، لكن هناك معركة أهم دائماً يخسرها الثوار، وعلى أساس خسارتها يخسرون أيضا الحاضنة الشعبية، ألا وهي معركة الخدمات والإدارة.

طالما أن الثوار لا يملكون مضادات طيران تحمي المدنيين، ولا يملكون جسماً إدارياً وخدمياً موحداً – لن أقول عسكرياً وسياسياً – فإن تحرير أي مدينة سنية لا يعني إلا تدميرها وتشريد السنة منها، وهو ما تريده إيران، وبالتالي اندفاعنا العاطفي الغير مدروس هو تنفيذ لمخطط إيران في تحقيق التغيير الديموغرافي الذي تطمح وتعمل عليه في سورية.

ولنا في حلب 2012 عبرةٌ وعظة، الكل يعرف أن الثوار حين دخلوا حلب دخلوها من أحيائها العشوائية والفقيرة المكتظة بالسكان، هذه الأحياء كانت أساساً تشكل عبئاً على النظام من جهة الخدمات، النقاط العسكرية التي حررها الثوار بأكثرها هي مخافر شرطة ليس لها أي ثقل أو أهمية عسكرية، ولم يتم تحرير أي نقطة عسكرية هامة كالكليات أو الأكاديمية، ولا نقاط أمنية هامة كفرع الأمن العسكري أو الجوي أو أمن الدولة.

بالمقابل النظام لم يبذل جهداً عسكرياً حقيقياً لاستعادة الجزء المحرر، لأن غايته الأساسية التدمير وليس التحرير، وعمل بنفسٍ طويل لضرب الثورة في حلب واختراقها مخابراتياً فماذا كانت النتيجة؟

كان تعداد سكان الجزء المحرر من حلب التي تعد أكبر حاضنٍ سنيٍّ في سورية مليوني نسمة عام 2012، مع استمرار وتيرة المذابح والقصف من قبل النظام، والأخطاء والتجاوزات والتقصير من قبل الثوار، انخفض العدد لأقل من مئتي ألف نسمة بعد أربع سنوات ونصف تقريباً، هُجّروا قسراً من مدينتهم بمشهد يدمي القلب وكارثةٍ إنسانيةٍ أرهقت كاهل الثورة، مع خطورة التغيير الديمغرافي الذي حصل للمدينة، ولا نريد أن نعيد الكرة في مدينة حماة التي تؤوي اليوم مئات الآلاف من السنة.

ولنستفيد من أخطائنا علينا توحيد طاقاتنا الإدارية والخدمية إن عجزنا عن توحيد العسكرة والسياسة، ثم علينا التركيز على تحرير الأرياف لأنها رئة الثورة ومتنفسها، وعبء خدمتها أخف من عبء تخديم المدن.

ولا يفوتني تذكير إخواني المجاهدين بضرورة تحييد المدنيين خاصة المسيحيين منهم عن الصراع، حتى نحرم النظام من الاستفادة من ورقة الأقليات، ولنكون جديرين بحمل رسالة الإسلام الذي نهانا عن قتل من لم يحاربنا من المدنيين، أو الإساءة لدور العبادة والرهبان، فمعركتنا هي معركة حقٍّ وعدلٍ، وعلينا من أجل الوصول لغايتنا تحييد ما يمكن تحييده، خاصة من يكون المواجهة معه لها تداعياتٌ دولية.

المعركة الأهم (برأيي المتواضع) هي الاستمرار بتحرير الأرياف حتى فتح الطرق لكل المناطق المحاصرة، وحتى نصل مناطق ريف حلب الشمالي الشرقي المحرر حديثا مع باقي المحرر، وهذا يحقق قطع شرايين مهمة للمشروع الانفصالي الخاص لل pkk والنظام على السواء.

أيضا علينا وراثة ما انسحبت منه داعش من مناطق وذلك لأسباب مهمة كثيرة منها، إجهاض ذريعة الاحتلال الدولي بحجة القضاء على داعش، وتحرير إخواننا القابعين تحت الاحتلال الداعشي التكفيري، والسيطرة على مناطق النفط وزراعة القمح في شرق سورية.

وبالعودة لتحرير المدن فتحرير حلب أنفع للثورة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً لعدة أسباب:

-) حلب دُمِّر مسبقا أكثر من ثلثيها، وهذا أهون من تحرير حماة وتدميرها أيضا.

-) خسارة النظام لحلب ستجعل الشمال السوري محرراً بالكامل، وبالتالي فرصة استعادتها عسكرياً من النظام ميؤوسٌ منها، على عكس حماة التي تظل قريبة من حواضن النظام وبؤره، وبالتالي نسبة استرجاعها منه أكبر.

-) بإمكان حلب أن تكون عاصمةً للثورة بما تملكه من تاريخٍ ومكانةٍ اقتصاديةٍ وإعلاميةٍ وبشريةٍ، واتساعها يؤهلها لاحتضان الكثير ممن شردهم النظام.

-) خسارة حلب ذات المكانة الاقتصادية والسياسية صفعة قوية للنظام وهزيمة كبيرة له بمختلف المجالات.

وأفضل طريقة لتحرير حلب هي تطبيق استراتيجية النظام في سيطرته عليها، أي “دبيب النمل”، وذلك عبر تطويق المدينة وإسقاط ما يحميها، وضرب طرق إمداد النظام لها وأهمها طريق خناصر، مع العمل الاستخباراتي والأمني والإعلامي الدؤوب، وقد تستغرق هذه العملية سنوات، إلا أنها ستكون أقل ثمناً وأكبر منفعة للثوار.

كثيراً ما تحدّث حكماء وفلاسفة الحرب أمثال “صن تزو” و”كلاوسفيتز” عن

أهمية التخطيط الاستراتيجي والاستفادة من الأخطاء والتجارب.

وآن لنا بعد ست سنوات من الثورة التي يفترض أنها شبّت واستوت على سوقها أن نسأل أنفسنا، أين نحن من ذلك؟

نأمل من الله أن يوحد صفنا ويجمع كلمتنا على ما يحبه ويرضاه، وألا يستغل البعض نتيجة المعركة، أو تضحياته فيها، ليجعلها ذريعة للبغي على إخوانه ويعود كابوس الاقتتال الداخلي الذي لا يخدم إلا النظام.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق