01‏/10‏/2017

سلسلة مقالات القاعدة في سوريا 6 ( الهيئة والأحرار إلى مواجهة جديدة حاسمة )

تقول الهيئة إنَّ الأحرار بغوا حين رفضوا الاندماج الذي رعته مكونات الهيئة الرئيسية، وإنّ قتالها مع الأحرار غايته جمع شتات الساحة لتحقيق الاعتصام الذي يرضي الله ورسوله.

وبناءً على هدف الهيئة من كلامها حول قتال الأحرار، حُقّ لنا أن نتساءل لماذا أوقفتِ الهيئة القتال بعد ضمانها السيطرة على معبر باب الهوى، ولم تكمله حتى تحقيق الغاية المنشودة وهي إنهاء الأحرار كفصيل ودمجه بمشروع الهيئة؟

للإجابة عن هذا السؤال علينا إلقاء نظرة على ما خلف التصريحات الدعائية الموجهة للجمهور، فماذا نجد خلف هذه التصريحات؟

نجدُ خلفها وقوع الهيئة ضحية لما وقعت به الأحرار من قبل وهو تصديق الوعود الخارجية، فأحد الأسباب المهمة لما حدث للأحرار هي إفراطهم بتصديق الوعود والضمانات الخارجية الإقليمية، وتحديداً تركيا وقطر، فظنهم أنّ القوى الإقليمية لن تتخلّى عنهم في مواجهة الهيئة بسبب تمثيلهم للقوى الثورية المعتدلة مقارنةً بتشدّد الهيئة أوجد عندهم نوعاً من التراخي والتواكل بالنسبة للمعركة الحاسمة.

وبنفس الوقت حين وعدت قطر وتركيا الأحرار بالدعم، وعدت أيضاً الهيئة بالتسويق والاعتراف وغضِّ الطرف إن أزاحت الأحرار _ التي طالما كانت جهةً مشاكسة القرار بالنسبة للقوى الإقليمية، نتيجة اعتمادها في التمويل على عائدات معبر باب الهوى وتحرُّرها من ضغط الداعم _ واستلمت هي المعبر ومنطقة إدلب لكن بواجهة مدنية تمكن قطر وتركيا من المناورة بالملعب الدولي.

لكن بيان راتني وما تبعه من تصريحات لديبلوماسيين أجانب عن إدلب والهيئة، وما لحق ذلك من تضييق تركي على واردات معبر باب الهوى، جعل أحلام الهيئة وقيادتها تذهب أدراج الرياح، خاصة أنهم أساؤوا تقدير العواقب.

فاليوم معبر باب الهوى قلّت عائداته بسبب التضييق التركي المتوقع أن يزداد مع الأيام، والتصريحات الغربية أجمعت على أنها لن تُخدَع بواجهة مدنية تضعها الهيئة لتتستر خلفها فصائل وشخصيات مصنفة إرهابيا، ومعدل الانفلات الأمني يزداد لتزداد معه النقمة الشعبية ضد الهيئة بإدلب، وذلك بسبب بقايا جند الأقصى وفلول الدواعش الهاربين الذين استقبلتهم الهيئة بصفوفها ببراغماتية منقطعة النظير حتى تستعين بهم في إزاحة خصمها اللدود أحرار الشام عن عرش المعبر، والأهم من ذلك أنّ الحجج التي وضعتها الهيئة لقتال الأحرار توجب عليها قتال الزنكي المنشق حديثا عن الهيئة، وبنفس الوقت تذكرنا أنّ الهيئة لمّا تنهي بعد الأحرار، رغم الضربة القوية التي أنزلتها بها.

ومنه لدينا اليوم في قطاع إدلب، منفذٌ خارجي وحيد مضيّق عليه، مئات الآلاف من المهجرين والنازحين واللاجئين، عصابات مجرمة ترتكب أبشع الجرائم في ظل غياب أي سلطة أمنية رادعة، منطقة جغرافية مكتظة وشبه معدومة الموارد والبنية التحتية، ورفاق سلاح متخاصمون، مدجّجون، مؤدلجون، ممنهجون، وبينهم حاضنة شعبية سئمت الوضع وتنشد الخلاص، ويحيط بهم جميعا ًأعداء يتشوقون للقضاء عليهم.

البعض يرى أن المشكلة ليست في بغي الهيئة على الأحرار، بقدر ما هي عدم حسم الهيئة للمعركة كما أعلنت، فإن نصف البغي الذي قامت به الهيئة على الأحرار قد عرّى دعايتها، وأفقدها جزءاً كبيراً من شعبيتها، وزاد من خصومها المتشوقين للثأر.

والحلُّ هو أن يغلّب كل طرف المصلحة الثورية العامة، على الفصائلية الضيقة، وأن يتحاورا بعيداً عن الفتاوى عابرة الحدود والقارات التي لم ترد بغي الهيئة، ولم تنجح بفرط الأحرار.

الهيئة والأحرار وإن اختلفا واقتتلا عليهما الاعتراف أنّهما، عاجزان إن افترقا، قادران إن اجتمعا،  _ونفس الأمر بالنسبة لفيلق الرحمن وجيش الإسلام _  فالقوة الناعمة لدى الأحرار أكبر من مثيلتها لدى الهيئة، والقوة الخشنة لدى الهيئة أكبر من مثيلتها لدى الأحرار، لذلك على الهيئة أن ترد اعتبار الأحرار وسلاحها وبعض مقراتها ومواقعها، وتستفيد من طرحها السياسي ومشروعها وقربها من الناس، وعلى الأحرار أن تعامل الهيئة على أنها الطرف الأقوى الواجب احترامه، وتتحالف مع قيادتها للتخلص من العدو المستقبلي المشترك وهو أنصار عودة القاعدة وفلول الجند وداعش، خاصة أن الهيئة تركت الباب مواربا تجاه الأحرار، إذ زعمت عبر بياناتها الرسمية أن الأحرار إخوة، والاقتتال كان ضرورياً، ولم تصحوهم على الأقل على المعرفات الرسمية.

قد يكون هذا الطرح ثقيلا على نفوس مشحونة لدى الطرفين المتصارعين، لكنه الأقرب للحاضنة الشعبية التي ملّت حالات الاقتتال الداخلي والتراجع العسكري الناتج عنه، وهذا الطرح يجمع من جديد الشعب خلف ثواره، ويعيد الشعب لحمل لواء ثورته، وبالتالي يقطع الطريق على من يريد حرق إدلب بحجة الإرهاب، لأن النظام الدولي يخشى مواجهة الشعوب مباشرة، ويحاول الالتفاف عليها.

ويبقى هناك سؤال معلق، هل ستواجه الهيئة حقا تركيا فيما إذا قررت دخول إدلب وإقامة قواعد عسكرية، أم أن ما صدر منها من تهديد بذلك لا يتعدى الدعاية التحشيدية للعناصر، والتخويفية للطرف التركي بغية تحقيق مكاسب أكبر؟

الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير إدلب.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق