01‏/10‏/2017

لماذا حلب؟ بعض الجوانب التي تبرز أهمية هذه المدينة للأطراف المتصارعة

لماذا حلب؟

إن شراسة هجمة النظام السوري التي شنها ومن معه من ميليشيات طائفية و قوات روسية على حلب، إضافة لأطماع تنظيم الدولة التي لا تخفى على أحد للسيطرة على هذه المدينة و ريفها، مع طموحات الميليشيات الكوردية الانفصالية للسيطرة عليها، والاهتمام التركي بهذه المدينة، كلها أمور تدفعنا للتساؤل لماذا حلب؟

بالنسبة للنظام والميليشيات الطائفية فإن حلب هي هوى قديم و ذكرى جميلة مذ كانت عاصمة للتشيع أيام سيف الدولة الحمداني الذي كان شيعيا نصيريا ثم دولة بني مرداس و بني عقيل إلى أن سيطرت الدولة العبيدية التي تعرف بالفاطمية على حلب و كانت تدين بالتشيع الإسماعيلي، و حولت حلب إلى مركز لنشر دعوتها و استمر هذا الحال في حلب إلى أن دخلها نور الدين زنكي رحمه الله و من بعده صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لينشرا فيها مذهب أهل السنة و الجماعة و يخرجا الشيعة منها صاغرين أذلاء إلى قرى نبل و النغاولة التي أصبح اسمها الزهراء حاليا و قرى كفريا و الفوعة.

أما بالنسبة لتنظيم الدولة فإن حديث الملحمة و مرج دابق الوارد في السنة النبوية هو الدافع الأول للسيطرة على مدينة حيث أن منطقة مرج دابق تقع شمال مدينة حلب إضافة لأن بعض مفسري الحديث قالوا في تفسير المدينة التي يخرج منها الجيش الذي يحارب الروم يوم الملحمة أنها مدينة حلب، و جدير بالذكر أن زعيم تنظيم الدولة إبراهيم عواد خرج في أول ظهور علني له في جامع نور الدين الزنكي في مدينة الموصل كأنه يحاكي ما فعله نور الدين الزنكي يوم أسس دولته و جعل لها ركنين أساسيين هما الموصل و حلب.

أما بالنسبة لروسيا وتركيا، فإن المتتبع لتاريخ الروس يجد عداوة كبيرة متأصلة تاريخيا بين الروس و الأتراك العثمانيين توجت بالعديد من الحروب التاريخية الطاحنة بين الدولتين، و حلب كانت تعد ثاني أهم مدينة للعثمانيين بعد اسطنبول العاصمة سيما بعد خسارتهم مصر لصالح محمد علي، و كانت هي بوابة لعبور جيوش العثمانيين لسيطرتهم على الشام و مصر زمن السلطان سليم الأول رحمه الله حيث قام أهالي حلب يتزعمهم واليها من قبل المماليك خاير بك بفتح أبواب المدينة للجيش العثماني و التعاون معه ضد المماليك، و العديد من العائلات الحلبية العريقة تعود في أصولها لجذور تركية، لذلك سيطرت الروس و حلفائهم على حلب يعد صفعة قوية لتركيا المحكومة من قبل حزب العدالة و التنمية الذي صارت قادته تعرف بالعثمانيين الجدد.

أما بالنسبة للثوار فإن استطاعوا تحرير المدينة فبإمكانهم جعلها عاصمة للثورة، وقاعدة لها، مستفيدين من الثقل السياسي والاقتصادي والبشري والتاريخي للمدينة، وبذلك يوجهون ضربة قاضية للنظام السوري تعجل سقوطه.

ولا يخفى على أحد أن حلب هي العاصمة الاقتصادية لسوريا ، حيث تحوي 50℅ من العمالة الصناعية و أكثر من نصف حصة التصدير ، إضافة لأقدم غرفة تجارة في الشرق الأوسط و يعود تاريخها لعام 1885.

وبلغت شهرتها التجارية و الصناعية أيام الدولة العثمانية بأن كانت مركز للقنصليات الأوروبية كالفرنسية و الإنكليزية و الهولندية.

ومن الناحية الأدبية و الفنية فلحلب الباع الأطول من الشهرة ، فسوى ذكرها في الأدب العربي ، ذكرها شكسبير في مسرحيتيه عطيل و ماكبث ، و زارتها كاتبة الروايات البوليسية الأشهر أجاثا كريستي عام 1935 و نزلت في فندق بارون و كتبت فيه رواية جريمة في قطار الشرق السريع.

وحلب أقدم مدينة في العالم ، و يعد الجزء القديم فيها كموقع تراث عالمي ، و عام 2006 منحت لقب عاصمة الثقافة الإسلامية ، و الأهم من ذلك كله أنها أكبر مدينة في سوريا ، و تعتبر خزان بشري سني هائل قد يكون قنبلة موقوتة في وجه المشروع الإيراني الطائفي.

جدير بالذكر أن حلب في تاريخها كانت قاعدة أساسية للجهاد و الدعوة خاصة أن أهلها هم أول من استنهض الخليفة العباسي في العراق لجهاد الصليبيين، عبر دخولهم المسجد الجامع في بغداد يوم الجمعة و قيامهم بالاستعصاء فيه و التظاهر محرضين الخليفة العباسي على إعلان الجهاد ضد الصليبيين الغزاة.

وكانت أيضا قاعدة صلبة لتنظيم الطليعة المقاتلة الذي أسسه الشيخ مروان حديد رحمه الله أواخر السبعينات من القرن الماضي و شهدت العديد من المجازر و القمع في أواخر السبعينات و بداية الثمانينات من قبل الأسد الأب خاصة بعد اقتحامها من الفرقة الثالثة التي يتزعمها العميد النصيري شفيق فياض و من أشهر هذه المجازر في تلك الفترة مجزرة حي المشارقة التي كان بطلها المقدم النصيري هاشم معلا.

وبعد انتفاضة تنظيم الطليعة أدرك الأسد الأب أهمية حلب ذات الثقل السني الأكبر في سوريا ، لذلك عمل على تحييد أبناءها من وظائف الدولة خاصة الجيش و الأمن، وضرب الطبقة التجارية والصناعية التي مولت ودعمت عناصر الطليعة التي كان أبناؤها من المدينة نفسها و استبدلهم بشريحة من حديثي النعمة الذين كانوا عبارة عن سماسرة لتبييض أموال رجال النظام في عهد الأسد الأب و الإبن مما سبب تضخم ثروات العائلة الحاكمة و من دار في فلكها، و استهداف رجال الدين والطبقة المثقفة عبر القتل والسجن والتشريد ، و الاستعاضة عنهم بطبقة من رجال الدين الانبطاحيين المميعيين لتخدير الشعب و ترويضه ، و قد نجح هذا الإجراء في تأخير و إضعاف الحركة الثورية في مدينة حلب مما زاد عمر النظام ، و في عهد بشار الأسد نشطت حملات التشيع التي وجدت في حلب ساحة خصبة بدعم و تشجيع الحكومة السورية مستغلة ثقل حلب المدينة محليا و دوليا ، و غايتها تحويل هذا الخزان البشري السني إلى خزان شيعي يحمل الفكر الخميني لينشره في العالمين العربي و الإسلامي ، و اليوم تضاعفت أهمية حلب بعد الثورة السورية ، خاصة بعد سقوط حمص عاصمة الثورة ، و لذلك تركز هجوم الميلشيات الطائفية عليها بدعم و مباركة الحكومة السورية، والغاية تغيير ديموغرافية المدينة وما حولها عبر قتل السنة و تهجيرهم أو تشييعهم بالترغيب والترهيب، وهذا هو التفسير الوحيد لما حصل من مجازر شنيعة في المدينة وريفها من قبل النظام السوري وداعميه، خاصة في قرى ريف حلب الجنوبي المحسوبة على النظام كمجزرة قرية رسم النفل ، حيث قامت الميلشيات الطائفية بذبح السكان السنة و رميهم بالآبار ، و لم يقتصر التهديد الطائفي على الغالبية السنية ، بل امتد ليشمل السكان المسيحيين ، فحلب تملك ثاني أكبر تجمع للمسيحيين بالشرق الأوسط بعد بيروت.

جاد الحق

مقالات جاد الحق

تلجرام telegram.me/jadalhaqarticles

فيسبوك https://www.facebook.com/jadalhaqarticles/

تويتر https://twitter.com/freetalker2017?s=09






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق