01‏/10‏/2017

الحشيش الديني

في لقاء تلفزيوني مع الخبير الاقتصادي الأميركي ” جون بيركنز ” والذي كان يعمل سابقا مع وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية، روى بعضا من ذكريات عمله التي يشرح بها كيف توظف الولايات المتحدة الدين لتحقيق غاياتها.

يقول جون بيركنز:

في بداية الثمانينات اكتشفت الشركات الأمريكية المرتبطة بالحكومة احتياطيا هائلا من النفط في حوض الأمازون بجمهورية الاكوادور، لكنها اصطدمت بعقبة وجود سكان محليين من الهنود الحمر الوثنيين الذين يرفضون بيع أراضيهم لنا، أو دخولنا لها.

جربنا معهم في البداية سلاح مباشر وهو الحملات التنصيرية، لكنهم قاوموها بشراسة، فاضطررنا للتغيير من تكتيكنا وسحبنا الحملات لنعيدها باسم ” المعهد الصيفي للغات “، وهو مؤسسة بحثية غايتها دراسة اللهجات المحلية من أجل إيجاد طريقة لكتابتها، ونشر كتب بلغتها لتثقيف وتحضير السكان المحلليين.

وبعد دراسة لغة السكان المحليين وعاداتهم وديانتهم، قمنا بإرسال منظمات إنسانية لهم تحاورهم بلغتهم لتقنعهم أنهم إن تركوا أراضيهم لنا، وذهبوا لأراض أخرى حددناها لهم، فسنقدم لهم خدمات مجانية كالصحة والتعليم وغيرها، وغايتنا من ذلك تحويلهم لمجتمع استهلاكي نستطيع استغلاله.

أيضا رفض السكان المحليون ذلك.

حينها أطلقنا مشروعا استخباراتيا يسمى عيون وآذان، ” eyes and ears ” ، وهو عبارة عن مركز تنصت وتجسس يراقب كل حركة أو سكنة في قبائل الهنود، وكنا نرمي لهم عبر المروحيات سلالا غذائية مزدوجة القعر، فيها آلات تنصت حساسة جدا، ونسجل ما يتحدثون به.

فما إن يحصل عندهم حريق أو حالة إسعافية، نقوم بإرسال مروحية لهم فيها فريق طبي، وحين يسألوننا باستغراب كيف عرفتم!؟

كنا نجيبهم الإله من أخبرنا، فيزيد استغرابهم!!

ثم صرنا نرمي لهم موادا غذائية تحوي سموم، وبعد أن ينتشر التسمم بينهم، نرسل لهم الفريق الطبي ليعالجهم، ونخبرهم أن الإله هو الذي أخبرنا وطلب منا علاجكم، ولو انضممتم لنا ونفذتم ما نقول لحلّت عليكم بركة هذا الإله.

مرة فكر السكان المحليون بمهاجمة أحد مواقعنا، فأرسلنا قوات عسكرية حاصرت قريتهم، وأخبرناهم أن الإله قد أطلعنا على نواياهم العدائية ضدنا، حينها فقط انهاروا وصدقوا أن هناك إلها فعلا يخبرنا، ورضوا بأن يتنصروا ويسلمونا أرضهم، ونجحت حيلتنا…!!!

في العالم الإسلامي الذي تغلب على أبنائه العاطفة والسطحية، لعبت المخابرات الأمريكية نفس اللعبة، عبر تحويل الدين لحشيش يعطى للشعوب حتى تتخدر وتنفذ عين ما تريده المصلحة الأمريكية، وهي تظن أنها تحارب أميركا وتضرب مصالحها.

فصنعت الاستخبارات الأمريكية جماعات ولصقتها بالإسلام، وجعلتها تروج لنفسها عبر الشعارات البراقة كتحكيم الشريعة، ورفع رايات مكتوب عليها عبارة التوحيد، وتقمّص الصفات الواردة في أحاديث الفتن والملاحم، كاتخاذ السواد شعارا لها، أو حديث الروم والثمانين راية ومعركة مرج دابق.

ولتعينها على استغلال عوام المسلمين شكلت فعلا تحالفا دوليا بذريعة حرب هذه الجماعات بعينها، وأعطتها هالة إعلامية كبيرة.

وللآن يا سبحان الله لم يستطع هذا التحالف الدولي بما يملكه من مقدرات وإمكانات، بعد حلول عامين ونيف من تشكيله القضاء على هذه الجماعات وذلك لجعل الخدعة قابلة للتصديق أكثر من السذج والغوغائيين، عبر إبراز مقدار إيمان وقوة هذه الجماعات، لأن الشعوب تحركها سياسة القطيع، فهي تنجذب نحو القوي، ومن يداعب عواطفها، ولا تعي أن هناك سننا إلهية وضعها الله في الكون، لن يجدي القفز فوقها.

ولجعل الكذبة محبوكة أكثر لامانع إن قامت هذه الجماعات ببضع معارك ضد أعداء الإسلام، قتلت فيها الآلاف وسيطرت على بعض المدن واغتنمت أسلحة وذخائر، فهذا كله مشاهد من داخل النص، تعطي الكذبة واقعية ومصداقية.

الإنسان الطبيعي يتدرج بتعلمه في الصفوف الدراسية من الأول للثاني وهكذا حتى يدخل الجامعة ويتخرج منها، ثم يقوم بدراسات عليا.

أما هذه التنظيمات فالقفز فوق السنن والقوانين الإلهية علامة مميزة لها، فتراها مجرد أنها قد سيطرت على منطقة جغرافية ضيقة، يسكنها مسلمون بائسون، مزقتهم الحروب والحصارات، وفتكت بهم الأمراض الجسدية والاجتماعية، مباشرة يعلنون فيها إمارة كرتونية بحجة التمكين، ويبدأون بتهديد العالم من شرقه إلى غربه….

ومن شدة تمكنهم يخفون على رعاياهم أسماءهم الحقيقية وتاريخهم وأشكالهم!!!

هل من عاقل يؤمن أو يعتقد أن جماعة لاتصنع سلاحها بنفسها، ولا تستطيع منع الطيران من استهدافها، وكل فترة تُعدِم أو يهرب منها أعضاء بعد اكتشاف عمالتهم لجهات خارجية، ولايوجد لديها مصدر تمويل دائم ومستقر، تسيطر على رقعة أرض لا يوجد فيها لا مؤسسات خدمية، ولا مشاريع إنتاجية، ولا أي شكل من أشكال المجتمعات المتمدنة، وتريد هذه الجماعة أن تحارب دولا كأميركا أو روسيا التي تنفق المليارات على سلاحها وخدماتها لمواطنيها، واستخباراتها، وبحثها العلمي، ثم تنتصر!!!!؟؟؟؟

أي مجنون يصدق هذا الهراء!؟، بل المصيبة أنهم يقنعون العوام أن هذا الهراء هو ما أمر به الدين!!!!

علامة مميزة أخرى لهذه الجماعات، أنها لا تنشط إلا في المجتمعات المنكوبة، لأن المشاكل الاجتماعية كالحروب، والتشرد، والفقر، تخفض من حالة الوعي عند الأفراد وتجعلهم من السذاجة بحيث يصدقون هكذا ترهات، على عكس الإسلام الذي لم ينتشر برواج إلا في أوقات السلم والهدوء لأنه يحتاج أنفسا مطمئنة تتشربه، وعقولاً صافية تعيه، ويكفيك أن تعرف أن الإسلام انتشر في وقت صلح الحديبية وتوقف الحرب مع قريش أكثر من أي وقت آخر.

ولكن السؤال ماذا قدمت هذه الجماعات من فائدة حقيقية للإسلام!؟

-) أدخلت فصائل المقاومة والجهاد السنية في العراق وسوريا وكل مكان دخلته معارك جانبية كان الكل في غنى عنها، وتسببت بمقتل الآلاف وفي طليعتهم خيرة الكوادرة من مختلف المجالات.

-) شوشت عبر التكفير والتخوين والمزاودات والغلو، على المشاريع الإنقاذية للشعوب المسلمة للتخلص من الاحتلال والقمع، لتكون حرية هذه الشعوب بداية لتحكيمها للإسلام الشامل، فهذه التنظيمات لاحرية حققت للشعوب، ولا أقامت لهم دولة لا إسلامية ولا علمانية ولا أي شيء، وفوق ذلك استجلبت عليهم الأعداء من كل فج عميق.

-) دمرت هذه التنظيمات المخابراتية بافتعالها للمشاكل مع فصائل المقاومة، وخطابها التهديدي الأجوف المعادي لكل العالم، دمرت بيضة المسلمين، فهذه حواضر السنة مخربة مهدمة محتلة كحلب والموصل، وتشرد منها ملايين السنة، بينما المدن والقرى الشيعية والنصيرية تعيش آمنة مطمئنة.
وللأسف رغم كل ذلك يصرّ بعض السذج أن تقوده عاطفته، وينخدع بشعارات تحكيم الشريعة، وأعلام التوحيد، ويعتبر أن هذه التنظيمات رغم كل فشلها وإجرامها، هي تنظيمات تعبر عن الإسلام، وهدفها حماية السنة، وأن من يحاربها هو عميل مرتد صاحب أجندات خارجية، ويظن بسطحية أن عدوه لن يرسل له جواسيس يسوقونه بلحية طويلة وأفغانيات وتقعر وتشدق بالكلام، كما أرسل لأجداده من قبل ضابط مخابرات بريطاني يتحدث اللهجة الحلبية بطلاقة وسمى نفسه “أبو حمدو الحلبي”، ليقود قطعان الغوغائيين فيما ظنوه ثورة قومية ضد العثمانيين، ليتبين لاحقا أنه جاسوس بريطاني اسمه لورانس، امتطاهم ليدمروا بأيديهم الخلافة الإسلامية العثمانية، حتى يحكمهم الاحتلال الغربي الصليبي……

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق