04‏/12‏/2019

من الطائفة القادمة التي ستحكم سوريا؟؟



منذ سقوط الدولة العثمانية، كتب التمزق على بلاد الشام، فصارت دولا بعد أن كانت وحدة مجتمعية واقتصادية وسياسية، وفرض عليها الاحتلال الأوروبي أن تكون تحت هيمنة الأقليات، والتي يوجد لكل منها دول غربية ظهيرة لها ترعاها وتتحالف معها كي تحفظ مصالحها في المنطقة، وتكون ذريعة لتدخلها، فالدروز مثلا تحالفوا مع بريطانيا من حوالي قرنين تقريبا، والكاثوليك والموارنة مع فرنسا، الأرثوذوكس مع روسيا، الشيعة مع إيران، والنصيرية مع فرنسا ثم روسيا، وهكذا...
وظل السنة بلا مرجعية ولا ظهير، حتى انتهى الأمر بسوريا لوصول الطائفة النصيرية ( العلوية ) لسدة الحكم، ليس فقط عن طريق استلام حافظ الأسد للرئاسة، بل عن طريق التغلغل الكبير للطائفة في المؤسسات العسكرية والأمنية والحزبية بشكل يفوق حجمها.

النصيرية _ وهذا اسمهم الحقيقي _ اشتُقَ من اسم مؤسس المذهب محمد بن نصير، أما اسم العلويين فقد أطلقته عليهم فرنسا كنوع من التلطيف والتورية لإعادة دمجهم بالمجتمع السوري بعد أن كانوا هم يرفضون الانتماء له، ويفضلون الانفصال عنه متوسلين فرنسا إقامة كيان طائفي مستقل خاص بهم، لكن سياسي الاستقلال وقتها ارتؤوا احتواءهم لبقاء سوريا الفتية كيان سياسي واحد، وحافظوا لهم على اسمهم الجديد.

النصيريون ثاني أكبر طائفة بسوريا بعد المسلمين السنة ومع ذلك لا يشكلون أكثر من عشرة بالمئة من نسبة السكان، حسب أعلى الإحصائيات.

سنوات الثورة وإن كان المذبوح والمهجر والمشرد والمستباح فيها هم السنة، إلا أن الخاسر الأكبر فيها حقيقة هم النصيريون، وذلك لقدرة السنة على التعويض والعودة لحالة الغالبية لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، على عكس النصيريين الذين أحرقوا أنفسهم ومستقبل طائفتهم حفاظا على نظام مجرم منبوذ، وحكموا على أنفسهم أن يكونوا شيئا من الماضي بمعاداتهم لكل الشعب من أجل كرسي الأسد، وعقارب الساعة لن تعود للوراء نهائيا، وهم يدركون ذلك تماما ويخافونه لأن لا حل لديهم لهذه المعضلة التي ورطوا أنفسهم بها.

النصيريون تقريبا خسروا حتى اليوم أكثر من مئتي ألف قتيل ( البعض يعطي ضعف هذا الرقم )، عدا المعاقين، وهذه الخسائر هي من الذكور المنتجين المعوّل عليهم في التنمية والاقتصاد وحماية النظام، خاصة لو علمنا أن نسبة كبيرة منهم من كبار ضباط الجيش والمخابرات ( الركيزة الحقيقية لدولة الأسد ) ناهيك عن ازدياد الأمراض المجتمعية بينهم _ كحال جميع الشرائح السورية بسبب الحرب _ كالفقر والجهل والمخدرات والدعارة والخمور مع فارق أن بيئتهم لا تملك التحصين الطبيعي الذي تملكه باقي المجتمعات السورية المحافظة، ويكفي متابعة منصات النظام الإعلامية ليُعلَم وضع الشارع المؤيد، خاصة طائفة النظام.

حتى لو انتهت الثورة الآن لا سمح الله، وعاد النظام، فسيعود بلا أنياب ولا أظافر، مجرد جسد منهك متعب بعد أن خسر مادته الخام وركنه الشديد وسيكون سقوطه المستقبلي أمرا لا مفر منه، ومع كل تمدد احتلالي له يتبين أكثر عجزه، لأن القوة والموارد حين تحصران بمنطقة صغيرة تظهر آثارهما، وتتلاشيان تدريجيا بتوسع المنطقة، إضافة لأن تراجع الليرة السورية يزيد مع كل سيطرة جديدة للنظام على أرض، كون أن الثوار هم من يشترون بالعملة الصعبة الليرة السورية، وبانحسارهم عن أي منطقة، تتراجع الليرة أكثر.

لكن إلى أن يأتي هذا السقوط الحتمي للنظام الطائفي، من هي الطائفة الأكثر حظا التي ستعتمد للحكم كبديل عن النصيريين بعد أن أحرقوا أنفسهم لأجل عرش الأسد؟

باستثناء السنة كونهم ليسوا الخيار الأفضل بالنسبة للدول الغربية كحكام لسوريا، وبالأخذ بعين الاعتبار خصوصية المسيحيين، ونسب الشيعة والإسماعيلية القليلة، نجد أن المرشح الأكبر هم الدروز، فهم يشكلون حوالي 3% من المجتمع السوري، ولديهم عصبية تجمعهم، وتدعمهم بريطانيا من سنوات، ولديهم امتداد في لبنان، والأردن، وفلسطين، وكانوا مهيئين لأن يكون لهم دولة خاصة بهم بالستينات، عبر مخطط رعاه الكيان الصهيوني لكنه لم يتم، وذلك عبر احتلال جنوب غرب سوريا، ثم إنشاء مقاومة درزية تظهر بدور البطل، ثم الانسحاب من المنطقة لصالح كيان سياسي درزي يخدم مصالح الكيان الصهيوني، وما أفسد هذا المخطط هو مخطط أفضل منه عبر استلام حافظ الأسد وطائفته السلطة في سوريا.

في أواخر عام 1966 أطاح الأسد وطائفته بالضباط الدروز، واستأثروا بالحكم، وتم تحييد الدروز كطائفة عن المشهد السياسي السوري، وفي بداية الثورة انخرط عدد من شبابهم وناشطيهم بها بقوة، لكن كان هناك قرار من رجال الدين بتحييد الطائفة، ونشط المجتمع المحلي المدني في السويداء لمساعدة مهجري ومنكوبي سوريا، وتشكلت فصائل محلية مسلحة هي أقرب للثورة منها للنظام، وهدفها حماية المجتمع المحلي، وصارت ملاذا للشبان الفارين من الخدمة العسكرية في جيش الأسد.

اعتبر النظام السويداء منطقة مستعصية عليه، إلا أنه لليوم أجّل المواجهة العسكرية معها، ولا يزال يبذل الجهود الديبلوماسية لاحتوائها، واستطاع عبر أذرعه الاستخباراتية اختراق المنطقة إرهابيا كعملية اغتيال وحيد البلعوس واستخدام الدواعش كورقة تهديد للدروز، وعبر الوساطات الروسية من خلال بعض القيادات المجتمعية الموالية له.

النظام يعرف تماما أن الدروز قنبلة موقوتة، لو تركت دون تفكيك فستنفجر به حتما، فهم بديل مقبول للحكومات الغربية، ولايزالون لمّا يُستَهلكوا بعد في الحرب الدائرة، وامتدادهم على ثلاث دول مجاورة لسوريا مخيف، خاصة أنهم في لبنان يعتبرون خصوما سياسيين لحلفاء النظام، لذلك من المتوقع ألا تأفل شمس النظام قبل أن يوجه لهم ضربة انتقامية تجهض قواهم وتحيدهم عن اللعبة.

من المضحك المبكي أن سنة سوريا هم الطائفة الأكبر حجما، والأكبر مظلومية، لأنها كانت رافعة حضارية تاريخية لكل المنطقة الإسلامية، ومصدر تهديد رئيسي لأي غزو خارجي للإقليم، وتسكن منطقة مهمة جدا جيوسياسيا، لذلك حرمت ولاتزال من أبسط حقوقها الديمقراطية وهي أن تحكم نفسها وبلدها كونها الأغلبية، وصاحبة الدور التاريخي الأكبر، لكن هذه المعادلة تغيرت بالثورة، ولن تجد القوى الإقليمية والدولية بديلا عن القبول بالسنة كحكام لبلد هم الأكثرية فيه، وهذا بعض مما قد يجعلهم المرشح الأوفر حظا لخلافة نظام الأسد الطائفي.

معتز ناصر ( جاد الحق )