02‏/06‏/2018

لماذا الشعب اللبناني يكره السوريين؟

تطالعنا في لبنان كل فترة صورة جديدة من مظاهر التعبير عن الكره للسوريين، لكن هل سألنا أنفسنا ما سبب هذا الكره؟؟

الأمر أكبر من مشكلة لاجئين يزاحمون أهل البلد في معاشهم، أو تهديد أمني يشكله أولئك اللاجؤون على البلد المضيف، الأمر هو رد فعل على مئات الجرائم والتجاوزات التي قام بها الجيش السوري في لبنان بأمر من حافظ الأسد، وللأسف كان والدي ووالدك عزيزي القارئ، وأخي وأخوك، وربما أنا وأنت، أداته المنفذة لمصلحة نظام حافظ الأسد.

طبعا هذا المقال ليست غايته التبرير للتجاوزات الحاصلة ضد أهلنا المهجرين في لبنان، لكن غايته تسليط الضوء على قطيعة الرحم مع أشقائنا في دول الجوار والتي أورثنا إياها حافظ الأسد.


بداية ما هو لبنان؟

لبنان بخريطته المعروفة اليوم هو بلد استحدثه الاستدمار الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، وسبب استحداثه حصول فتنة طائفية في جبل لبنان بين الموارنة والدروز عام 1860 وقد كانت هذه الفتنة برعاية بريطانية فرنسية لتفكيك السلطنة العثمانية.

دعمت بريطانيا الدروز، فيما دعمت فرنسا الموارنة، وانتهت الأحداث بجعل جبل لبنان منطقة تخضع لإدارة مشتركة بين الدول الأوروبية الاستدمارية، والسلطنة العثمانية.

في عام 1920 أنشأت فرنسا دولة لبنان الكبير بحدود لبنان الحالية، وكانت تحت سيادة الموارنة حتى عام 1943 حتى تم توقيع ما يعرف بالميثاق القومي، والذي ينص أن رئيس لبنان مسيحي ماروني، ورئيس وزارئه مسلم سني، ورئيس مجلس نوابه مسلم شيعي، ونسبة المسيحيين في البرلمان إلى المسلمين هو 5 مقابل 6، وكان وقتها المسيحيون يشكلون نصف سكان لبنان.


الحرب الأهلية

مع مرور السنوات زادت نسبة المسلمين في لبنان على المسيحيين، واستمر التمثيل السياسي مناصفة، مما سبب توترات سياسية زادت مع دخول التنظيمات الفلسطينية المسلحة إلى لبنان عقب طردها من الأردن بعد ما يعرف بأيلول الأسود.

ارتاع المسيحيون من دخول الفلسطينيين للبنان، واعتبروه تغيير سكاني للبنان المسيحي، فحصل استقطاب سياسي بين قوى مسيحية شكلت اليمين اللبناني، وتلقت دعما من أميركا وفرنسا، وبين التيار الآخر الذي ضم قوى اليسار اللبناني إضافة للتنظيمات الفلسطينية، وكانت مدعومة ابتداءا من سوريا، في محاولة من حافظ الأسد لتدجين المقاومة الفلسطينية، وفرض سيطرته على لبنان.

اشتعلت الحرب عام 1975 ، وكانت الكفة العسكرية لصالح اليسار البناني بداية، ثم حين استعصى تطويع اليسار على حافظ الأسد، قرر تقليم أظافره عبر الدخول العسكري إلى لبنان عام 1976 بحجة إنهاء الحرب وحماية المسيحيين البنانيين.


المجازر سورية بنكهة طائفية

اتصف الدخول السوري إلى لبنان بنفعية شديدة، فيوما يتم دعم اليسار ضد اليمين، وأياما يتم دعم اليمين ضد اليسار، لكن المتابع بدقة للأحداث يجد أن المستهدف الأكبر من المجازر السورية _ سواءا تنفيذا بشكل مباشر أو إخراجا فقط _ هم السنة سواءا كانوا فلسطينيين أم لبنانيين، إسلاميين أم يساريين.

قبل الدخول السوري للبنان كانت المجازر ضد المسيحيين _ كمجزرة الدامور _ لإجبارهم على التحالف مع سوريا تتم عبر تنظيمات فلسطينية موالية لها كقوات الصاعقة، وفتح الانتفاضة، وغيرها، والغاية من المجازر تعميق الشرخ اللبناني، وتكريس التدخل السوري كحقيقة واقعة، أما بعد الدخول السوري للبنان فصارت المجازر سورية بامتياز، حيث كانت باكورة مجازر الجيش السوري مذبحة مخيم تل الزعتر الفلسطيني، والذي حاصره الجيش السوري الممانع من ثلاث جهات، والرابعة غطاها حلفاؤه المسيحييون، اضطر فيها الفلسطينيون لأكل القطط والكلاب وجثث الموتى، وانتهت باقتحامه من الميليشيات المسيحية وقتل 2000 فلسطيني فيه.

ثم تنوعت المجازر السورية بين مختلف القطاعات اللبنانية والفلسطينية حسب ما تأمر به القيادة السورية، وفي كل الأحوال كان يسمح للجندي السوري بارتكاب كل الموبقات والمحظورات من اغتصاب وتعذيب وقتل وسرقة ضد اللبنانيين باختلاف طوائفهم، والفلسطينيين، حتى شملت هذه المجازر والجرائم المسيحيين الذين ادعى الأسد أن دخوله كان لحمايتهم.

من المجازر التي قام بها الجيش السوري ضد اللبنانيين على سبيل العد لا الحصر، مجزرة ثكنة الفياضية ضد الجيش اللبناني في الرابع من شباط عام 1978، قصف بلدة دير الأحمر في حزيران من نفس العام، اقتحام بلدات القاع، وراس بعلبك، وجديدة الفاكهة، وخطف عدد كبير من أهاليها وتصفيتهم من قبل مجموعات تابعة للاستخبارات السورية.

بين تموز وتشرين الأول عام 1978 قام الجيش السوري بمحاصرة بيروت الشرقية معقل القوات اللبنانية المسيحية فيما سمي بحرب المئة يوم، حيث تم خلال تلك الفترة قصف شديد لبيروت الشرقية وحي الأشرفية وقتل وهجر الآلاف من المسيحيين.

في شباط 1980 هاجمت القوات السورية بلدة قنات في شمال لبنان واقتحمتها بعد قصفها على مدار 6 أيام، وفي نفس الشهر تم اغتيال الصحافي سليم اللوزي على يد مخابرات الأسد، وفي تموز من نفس العام المخابرات السورية تغتال رياض طه عميد الصحفيين اللبنانيين.

في عام 1981 حاصر الجيش السوري زحلة المسيحية وقصفها بعنف بحجة قتال بشير الجميل، موقعا مئات القتلى.

طبعا لم يسلم شيعة لبنان من مجازر الأسد، خاصة بما عرف بحرب الأشقاء والتي حصلت بين حزب الله المدعوم إيرانيا، وحركة أمل المدعومة سوريا، والتي شهدت تدخلا عسكريا سوريا لصالح أمل ضد حزب الله تنظيما وحاضنة، مخلفا مئات القتلى من المدنيين.

ولكن المجازر الأبرز التي ارتكبها الجيش السوري في لبنان لم تنل حقها من الضجة الإعلامية رغم أنها كانت بعنف وقسوة مجزرة حماة.


مجزرة حماة لبنان

في 20 كانون الأول عام 1985 بدأ الجيش السوري اقتحام مدينة طرابلس وما جاورها، والتي كانت محاصرة من قبله منذ عام 1983، وكان الاجتياح السوري بقيادة الضابط محمد الشعار _ الذي أصبح وزير داخلية في الثورة _ والضابط النصيري المجرم علي حيدر جزار حماة 82، وبدعم من النصيري علي عيد رئيس الحزب العربي الديمقراطي الذي يمثل الواجهة السياسية لنصيرية لبنان، واشترك معهم الحزب القومي السوري.

كان الهدف من العملية القضاء على سنة طرابلس لصالح سيطرة النصيرية حلفاء الأسد، واستمرت عملية الإبادة أسبوعين، شملت طرابلس وما حولها، بحصيلة 26 ألف شهيد، منهم 920 طفل، واغتصاب حوالي 470 امرأة أمام عائلاتهن!!.


أهم مجزرة سورية ضد مسيحيي لبنان

في آذار 1989 سيطر ميشيل عون على المناطق المسيحية في شرق بيروت، واستفاد من الدعم العسكري الدولي المقدم له، وحاول الجيش السوري المستحيل دخول هذه المناطق، ولما عجز اكتفى بقصفها بشراسة موقعا آلاف القتلى والجرحى والمهجرين من المدنيين المسيحيين.

وحين أرادت أميركا كسب حافظ الأسد لصفها في حرب الخليج، سمحت له في تشرين الأول 1990 باقتحام مناطق عون المسيحية، فاقتحمها الجيش السوري ممارسا فيها هوايته ضد المدنيين اللبنانيين من قتل واغتصاب وتعفيش حتى لجأ عون للسفارة الفرنسية وهرب منها لفرنسا.


الخلاصة

الكره اللبناني ضد السوريين قديم، قِدَم الدخول السوري للبنان، وهو نتيجة تراكمات لحوادث قتل واغتصاب وتعفيش وسرقة وإذلال قام بها جيش النظام السوري طوال ثلاثين عام من وجوده في لبنان عبر عملياته العسكرية وحواجزه الأمنية.

لا نعني أن الكره اللبناني والتجاوزات الممنهجة ضد اللاجئين السوريين أمر مقبول ومرحب به، لكن القضية أعمق كثيرا مما يصوره البعض أنه مزاحمة على موارد البلد الفقير بها من الأساس، وننوه أن من يقف خلف هذه التجاوزات ضد اللاجئين السوريين هم حلفاء النظام السوري في حربه الإجرامية ضد شعبه، وعلى رأسهم حزب الله.

صحيح أن حافظ الأسد قد مات لكنه ترك لنا إرثا ثقيلا من الجرائم والتشققات الاجتماعية والسياسية داخل سوريا وخارجها نحتاج لعشرات السنوات حتى نرممه، والأهم يحتاج معالجة جذرية نعترف بها بأساس المشكلة، كخطوة أولى لحلها، فهل ستكون الثورة على قدر من الوعي اللازم لتتغلب به على خطاب الكراهية ضد السوريين في لبنان، وتستثمره في إبراز جرائم النظام السوري المخبأة والتي استهدفت اللبنانيين باختلاف طوائفهم؟؟....


جاد الحق