01‏/10‏/2017

لفتة عسكرية عن حرب العصابات

في الحرب العالمية الأولى، وتحديدا عام 1916، تم حفر أنفاق وتحصينات على الجبهة الفرنسية الألمانية، من القنال الإنكليزي حتى حدود سويسرا، وبطول 500 كم.

وجد الجنود في هذه الخنادق ملاذا آمنا بعد حلقات من الرعب والوحشية عاشوها في السنتين السابقتين، ومع فقدان الإرادة القتالية، انتشر سلوك سلبي بين جنود الطرفين ( الألمان والحلفاء )، تم تسميته ( لتعش ودع الآخرين يعيشون(

هذا السلوك ترجم ببساطة بلا تقصفني ولن أقصفك بالمقابل، لا تستهدف خطوط إمدادي ولن أستهدف خطوط إمدادك بالمقابل، وهكذا......

ليتغلب ضباط الطرفين على هذا السلوك السلبي عند الجنود كانوا يستخدمون القناصين الذين مهمتهم إذكاء نار الحقد من جديد عبر استهداف جنود العدو، وأيضا كان الضباط من الجانبين يلزمون الجنود القيام بغارات على العدو.

أتت هذه الأساليب بثمارها المرجوة، فحين يرى الجندي صديقه يسقط صريعا بطلقة قناص، أو يرى زميلا له يستعرض ما غنمه من عدوه بفخر، تستعيد رغبته في القتال الحياة مجددا.

في سورية لمسنا هذا الأمر واقعا، فمع انخفاض حرارة المعارك يتحول الرباط إلى أمر روتيني أشبه ما يكون بالوظيفة، ويفقد قيمته الجهادية، وأهميته العسكرية، وبالمقابل ينزل المرابط من مرتبة المجاهد، لمرتبة الموظف الذي يؤدي عملا ليأخذ عليه أجرا.

هذا التحول يورث المقاتل جبنا وكسلا وخمولا في الهمة، فإذا تم طلب هذا المقاتل لعمل عسكري نراه يتهرب خوفا مما كان في يوم مضى يتلذذ في أدائه، وذلك لأنه استطاب الدنيا بالركون لها، وترك ما يجب أن يقوم به من واجبات جهادية وأعمال عسكرية.

لذلك من أجل كسر هذا الجمود يجب على القيادات العسكرية في كل الفصائل تدريب مقاتليها على فنون القنص والإغارة والتسللل والكمائن، ثم إجبارهم على القيام بهكذا أعمال في جبهاتهم الباردة المرابطين عليها.

ولرفع همة المجاهدين يستحب تقديم مكافآت لمن يظهر شجاعة وأداء أفضل، مع توزيع الغنائم على من شارك بالعملية لرفع همته، وفتح شهية من لم يشارك.

ولايخف على أحد فوائد عمليات حروب العصابات من إغارات وكمائن وقنص وتسللات فمنها مثلا:

    تكبد المهاجَم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وتمضمن للمهاجِم بقاء خسائره في أقل مستوى.
    توفر تموينا جيدا عبر ما يتم اغتنامه من العدو.
    تزود المقاتلين بمعلومات مهمة من استطلاعهم للمناطق، وتحقيقهم مع أسرى العدو.
    ترفع همة المجاهدين وروحهم المعنوية، وتدمر بالمقابل معنويات العدو وتورثه الخوف والانهزام النفسي.
    تعطي فرصة ممتازة للمجاهدين للتدرب، والبقاء على أهبة الاستعداد العسكري لأي عمل مفاجئ.

هذه بعض فوائد عمليات حروب العصابات التي افتقدنا أثرها الكبير مذ سقطنا بفخ النظام الذي نصبه لنا عبر دخولنا معه بمعارك مفتوحة تستنزفنا.

ومن التكتيكات الناجحة في حرب العصابات هو تكتيك الأنفاق التي توصل لما وراء خطوط العدو، فتحقق المباغتة وأمان التقدم والانسحاب، ولقد أبدعت كتائب القسام في غزة بالأنفاق، ونفذت عبرها عمليات قمة بالروعة كعملية برج " ناحل عوز ".

بقي أن نذكر أن تفعيل حرب العصابات لا يعني مطلقا تسليم الأراضي المحررة للنظام، أو تشجيع الثوار على الانسحابات العسكرية، بل يعني أن نحقق أمر الله سبحانه وتعالى بجهاد العدو والإثخان فيه، وقتله حيثما وجد، والقعود له كل مرصد حتى ينهار ويستسلم.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق