01‏/10‏/2017

دروس وعبر من الثورة السورية وتجربة فصائلها

من أهم سمات الشعوب الشرقية خاصة الإسلامية منها، أنها لا تتعلم من تجارب الماضي، و لو نظرنا إلى تاريخ الحركات التحررية في الشرق، خاصة التنظيمات السلفية الجهادية لوجدناها تكرر أخطاء الماضي بشكل يصل لحد التطابق، فهذه الحركات و التنظيمات أظهرت عجزا شديدا في فهم و تطبيق السنن الكونية و الإلهية التي تحقق النصر و تضمن ديمومته لفترة أطول، مع تحقيق أنجح استثمار لهذا النصر، و في أرض الشام نستطيع استخلاص دروس و عبر من إخفاقات و نجاحات مختلف الفصائل على الأرض، تحديدا داعش، فهي لوحدها مدرسة تستحق التدبر و الدراسة لاستخراج دروس عسكرية و قيادية تمكننا من اختصار طريق النجاح، و توفير الكثير من الدماء و الطاقات و الموارد.

قد يرى البعض في أسلوب الكاتب لمحة ميكافللية لا تخفى، و ذلك لأننا كلما اقتربنا من التفكير المادي بالنجاح، و ضبطنا هذا التفكير بضوابط الشرع نكون قد حققنا عين ما أمرت به الشريعة، فالسياسة الشرعية تقوم على جلب المصالح للأمة و دفع  المفاسد عنها، و تبيح في ذلك كل الوسائل التي لا تخالف الشرع حتى و لو لم ترد في هذه الوسائل نصوص شرعية تقرها، فيكفي أن لا توجد نصوص لتحريمها.

نبدأ باسم الله:

1) الأيدولوجيا أولا: قبل أن تبني تنظيمك على الأرض، ابنه على الورق بشكل دقيق، و أول ما تبدأ به هو أيدولوجية تنظيمك، أفضل أيدولوجيا هي الإسلام الوسطي، الذي يبتعد عن غلو داعش و تصلب النصرة، و بنفس الوقت يبتعد عن تمييع الإخوان و انبطاحيتهم، مع ملاحظة الاستفادة من تجارب و أيدولوجيات الجماعات الإسلامية و التنظيمات السابقة و العريقة، كالأخوان و حزب التحرير و القاعدة و التبليغ، لكن على أن تكون هذه الاستفادة لا تؤدي إلى استنساخ التجارب و الأشكال السابقة، فبوجود الأصل لا قيمة للتقليد، و أيضا إن حصرت نفسك بهوية من سبقك، ستقع ضحية التصنيفات الدولية، و البروباغندات المسبقة، و الأخطر هو شخصيات المنظرين الذين لهم ما يشبه السلطة الكهنوتية، كالمقدسي و غيره، يجب أن تستفيد من تحارب من سبقك، مع تبييت النية أنك حين يشتد عودك ستنسف كل الماضي و تروج لنفسك.

دائما صاحب الأيدولوجيا مهما كانت يكون الأقوى و الأكثر خطورة، قتال داعش أشد من قتال الميلشيات الشيعية، و قتال الميلشيات الشيعية أشد من قتال النظام، الأيدولوجيا هي السبب الأول وراء ذلك، عندما لا يكون لديك أيدولوجيا تصبح .

كالغريق وسط البحر، موجة تأخذه و موجة تعيده، و الجيش الحر أكبر مثال.
و انتبه لأن تترك مجال دائما للعودة، فلا تكن جامد الفكر، المرونة و التكيف المنضبطة شرعيا و التي لا تضيع الثوابت بل تحافظ عليها من أهم عوامل النجاح، المراجعات الفكرية لأحرار الشام أكبر مثال.

2) الهيكل الإداري ثانيا: الترتيب و التنظيم من أهم عوامل النجاح، دائما المنظم مهما كان ضعيفا و محدود الموارد، يهزم العشوائي مهما كان قويا و مفتوح المصادر، لعل أهم أسباب ضعف الفصائل الثورية و فشلها، هو عدم تنظيمها لنفسها خاصة في المعارك، من عوامل نجاح سهيل الحسن و تحقيقه لعدة انتصارات على الثوار هو تنظيمه، و هذا ما أخبر به كل من واجه سهيل الحسن.

3) كن صاحب استراتيجية و تخطيط: من لا يملك استراتيجية، يسقط في استراتيجية الآخرين، ضع هذه المقولة نصب عينيك و تذكر أن المسلم كيس فطن، دائما تحرك حسب خطة محددة و التزم بها، و ضع عدة خطط بديلة، و لذلك فتش عن أصحاب النظرة الثاقبة و أصحاب الخبرة و التخصص و وظفهم، أنشئ مراكز دراسات و تخطيط، و اصنع منظرين كأبي مصعب السوري، من الأفخاخ التي أوقعنا بها النظام فخ تحرير مدينة حلب عام 2012، فما حصل حقيقة هو أن النظام استغل سذاجة الثوار و عاطفيتهم، و أقنعهم بدخول مدينة حلب، طبعا الثوار و النظام يعرفان أن لا قدرة للثوار على تحرير كامل المدينة، و بنفس الوقت ليس النظام بالغباء الذي سيسمح فيه بسقوط مدينة بأهمية حلب بيد الثوار، فما كان من النظام إلا أن سلم الثوار الأحياء الشعبية و المكتظة سكانيا التي يراها النظام ثقلا يرهق كاهله، و بنفس الوقت فإن أغلبية سكانها من الشبيحة، و غير المتعلمين، و الفقراء، الذين سيكون دخول الثورة إليهم رغما عنهم، و انضمامهم لها أقوى ضربة لنجاح الثورة، و انسحب النظام إلى الأحياء الراقية و الغنية بحلب، و التي كانت تعد هي منطلق الثورة، و التي تحوي دوائر الدولة و فروع الأمن، فماذا كانت النتيجة؟

وجد الثوار أنفسهم أمام ملايين الناس في المحرر يطالبون بالخدمات التي كان يقدمها النظام و يعجز عنها الثوار لقلة مواردهم و انعدام خبرتهم في الإدارة، دخل الشبيحة بأعداد هائلة في صفوف الثوار، و أساؤوا للثورة، و روريدا رويدا تراكمت الأخطاء من فساد و ظلم و فوضوية و أخذت تلطخ الثورة بالسواد و الفشل، و ظهر النظام على أنه خيار أفضل للشعب من الثوار، على الأقل يدفع رواتب و يقدم خدمات.

من التجارب الإدارية الناجحة في الثورة تحرير الرقة و إدارتها من قبل أحرار الشام.

4) اعتمد على نفسك: إياك أن تظن أن سياسات الدول و الداعمين ثابتة، إياك أن تظن أن الدول و الأنظمة منظمات خيرية، إياك أن تظن أن كونك صاحب حق و مظلوم سيجلب لك الدعم، ما يجلب لك الدعم هو إثبات قوتك على الأرض و أنك صاحب قرار، و تقديم نفسك على أنك بديل قوي و منافس لغيرك سواء كان النظام السوري أو باقي الفصائل.

داعش من أنجح من يعتمد على نفسه في سورية، سيطرت على آبار النفط، و منافذ الحدود و المعابر، و صوامع القمح، و الأراضي الزراعية، حفرت الأنفاق للتهريب، عقدت اتفاقات تجارية مع خصومها تضمن مصلحة الطرفين، فرضت الضرائب، لكن ما نقصها هو السياسة و الديبلوماسية التي أدى افتقارها لمحاربتها دوليا - و لو ظاهريا - لذلك الأفضل أن يتم الجمع بين تجربة داعش الاقتصادية و تجربة أحرار الشام في الحضور الديبلوماسي.

5) حاول أن تكون وحدك: لا تسمح لأحد أن يشوش على مشروعك، أو يسلب منك الأضواء، حاول أن تتفرد بوجودك على الساحة، لكن ليس بمصادرة الحريات، و الغدر بالأخوة، حاول أن تكون احتوائيا، بأن تجمع الناس و الفصائل عليك، استخدم الترغيب و الترهيب، و لا تتردد بسحق أعدائك كالخوارج، أو المفسدين، و من يثبت عليهم العمالة، و أفضل الأمثلة على ذلك داعش، و جيش الإسلام في الغوطة، و أحرار الشام.

كمقارنة نسبية أحرار الشام أفضل، لكن ينقصها الحزم و السطوة، فأحرار الشام يغلب عليها طابع اللين و الطيبة، تحتاج إلى وجه قاسٍ يظهر في حرب المفسدين، و تشويل الفصائل العميلة أو ذات السمعة السيئة، و التنكيل بالخلايا الاستخباراتية للأعداء كداعش أو النظام، و التنكيل بمن يستحقون حكم الإعدام من الأسرى.

5) اصنع جهاز أمني قوي: تكاد تكون الاستخبارات هي الحرب، و من يملك الاستخبارات الأقوى هو من يتقدم على الأرض، حصن بنفسك بأمنيات قوية، ثم ابدأ باختراق أعدائك عبر استكشاف نقاط ضعفهم و الدخول منها.

جند كل من تقدر على تجنيده لصالحك بالترغيب و الترهيب، استخدم أسلوب الاغتيالات، اجمع ما تستطيع من معلومات، عملية أمنية واحدة تكفيك حربا كاملة، و أنجح مثال على الإطلاق لذلك داعش، و كتائب أبو عمارة، و أسوأ مثال أحرار الشام.

6) السياسة و أهميتها: من يستطيع تحقيق التوازن بين القوة العسكرية و السياسية هو الأفضل، كل قوة لجناحك السياسي تنعكس بالفائدة على الجناح العسكري، و العكس بالعكس، لكن انتبه لأن تكون الأفضلية و السيطرة للجناح السياسي، لأن الإسلام أساسه السياسة المنضبطة بالقواعد الإلهية، فالنبي صلى الله عليه و سلم لم يدخل حربا حبا بالحرب، بل دخل الحروب لتحقيق غايات سياسية أهم و أكبر تتعلق بالدعوة الإسلامية، لذلك اعمل على ضبط إيقاع العسكرة لديك حسب نغمة السياسة، و انظر إلى ما تفتقره ساحة الثورة السورية لتجد السياسة الشرعية هي أول ما يفتقد في الساحة، التنظيمات الجهادية تضيع كل بطولاتها و تضحياتها بسبب العقلية المراهقة لقياداتها و عدم النضج السياسي، أفضل نماذج السياسة في الساحة السورية هي أحرار الشام، لكن يفتقر الأحرار إلى وجود التوجيه السياسي.

7) التوجيه السياسي: ما فائدة أن يكون لديك مئة ألف مقاتل لا يثقون بك!؟، لا يوجد أكثر من النوازل الشرعية و السياسية على ساحة الثورة السورية، اتخاذك قرار مهما كان صائبا دون أن تشرح لعناصرك لماذا اتخذت هذا القرار، و ما هي الخيارات البديلة، يفتح أبواب من الشك لدى عناصرك لا تغلق إلا بترك مجموعة من عناصرك في كل نازلة و انتقالهم إلى فصيل آخر.

خاصة فصيل مثل أحرار الشام، يحوي تيارات متعددة، و موضوع تجت المجهر الإلكتروني و التلسكوبات الفضائية، و قرر أن يدخل حقل السياسة الملغوم، لذلك إذا لم يفعّل موضوع التوجيه السياسي، فستكثر الشائعات و الأقاويل، و سيفقد العنصر انتماءه للفصيل، و توضح هذا جليا يوم مؤتمر الرياض، و من قبله ميثاق الشرف الثوري
.
أفضل من يستخدم سلاح التوجيه السياسي لعناصره جيش الإسلام.

9) العسكرة و أهميتها: سلاحك وجودك، لا ترمي السلاح مهما حصل، فمجرد أن ترمي سلاحك سيفتك بك القريب و البعيد، و كل ما أحرزت مكاسب عسكرية على الأرض كان ذلك أقوى لك، و دائما الأقوى على الأرض هو من يفرض شروطه، لذلك حاول دائما أن تكون الأقوى عسكريا، احصل على أسلحة نوعية و درب عناصرك عليها، نفذ عمليات نوعية، حافظ على معسكرات التدريب و طور منها، اصرف بسخاء على العسكرة، و بنفس الوقت حاول أن لا يكون المال مهدورا بأمور لا تعود بفائدة، اصنع قادة عسكريين متميزين، و استفد من خبرات من سبقك، و أفضل تكتيك للقتال خاصة بالنسبة للتنظيمات و الفصائل هو أسلوب الحرب الهجين، الذي يدمج بين أسلوب الجيوش النظامية، و أسلوب حرب العصابات، ابدأ دائما بحرب العصابات، و إن تشكل لديك جيوش فحافظ على مجموعات العصابات، و حاول أن تطور من أدائها، لا تتشبث بالأرض، و كن مرنا بالتحركات العسكرية.

أفضل من يستخدم الأسلوب الهجين في الساحة السورية ميلشيا حزب الله، و هذا ما يفسر استعانة النظام بها، إضافة لجبهة النصرة، و داعش.

10) التقنية: بوجود الإنترنت و السوق السوداء، لم يعد التطور التقني حكرا على الحكومات، بإمكانك اليوم الحصول على أجهزة توفر لك الوقت و المال و الجهد، و تحقق نسبة نجاح أكبر، كطائرات الاستطلاع، و أجهزة التجسس، و المناظير الحرارية، إضافة لتوظيف التقنيين المتخصصين بمجالات الاتصالات و البرمجة و صناعة الأسلحة و المتفجرات، لا يمكن أن تحارب عدو أنت معتمد عليه في سلاحك و اتصالاتك.

في مجالات التصنيع أثبتت الفصائل السورية كفاءة لا بأس بها من جهة الاعتماد على النفس في صنع الذخائر و الصواريخ و القذائف، و في المجال التقني أفضل من عمل به جيش الإسلام و أحرار الشام.

11) الإعلام اجعله سلاحك الفاتك: الإعلام يجعلك تنتصر بالحرب دون أن تدخلها، بل و يهزم خصمك و إن كان هو المنتصر، قسم إعلامك أقسام حسب الشريحة التي تريد استهدافها، مؤيدوك، معارضوك، حياديون، للداخل، للخارج، موجه للنخبة، موجه للعامة، المصداقية و استخدام الأساليب اللغوية المدروسة، هي أهم مفاتيح النجاح.

حاول أن تضرب عدوك بنقاط ضعفه و تركز عليها، انشر الشائعات في صفوف أعدائك فإن أثرها أفتك من ضربات السيف، مثلا أنشئ صفحة فيسبوك باسم عدوك تخاطب فيها جنوده، و انشر فيها أخبار ذات مصداقية، و اعتمد على أسلوب الصياغة في نقل الخبر، مثلا رغم قلة اهتمام الحكومة بالجيش و الجنود و سوء أوضاعهم، إلا أن جنودنا الأبطال قاموا بكذا و كذا، أو الإرهابيون يستغلون الاستهتار الحكومي و فساد الدولة، ليفتكوا بإخوتنا أبطال الجيش في محل كذا، و أوقعوا فيهم قتلى و جرحى..... و هكذا دواليك.

و من المبادئ المهمة في الحرب الإعلامية و التي يستخدمها تنظيم داعش دائما، هو تضخيم الانتصارات الشخصية مهما كانت بسيطة، و تتفيه انتصارات الغير مهما كانت عظيمة.

اقرأ و تعلم عن الحرب النفسية و الدعاية و كيف تستخدمها ضد عدوك، و كيف تمنعه من استخدامها ضدك، و الأهم تعلم كيف تجعل الإعلام سلاح التجنيد الأول لديك، عبر الإصدارات و الأناشيد، و حتى الشعر و الرواية و الكاريكاتير إن لزم الأمر، و استخدم دائما مع أعدائك سلاح السخرية و الاستهزاء، و لجذب الناس إليك اجعل نسبة من إعلامك مخصصة لدغدغة عواطفهم و مشاعرهم، فالجماهير دائما عاطفية غير عقلانية.

أفضل إعلام في الساحة السورية هو إعلام داعش دون أي منافسة، تليها الجبهة، و من ثم الأحرار.

12) صناعة الرموز و الشعارات و تسويقها: أنت بحاجة دائما لرمز يلتف الناس حوله و يسيرون خلفه، أو لشعار يجتمعون عليه و يعتبرونه قيمة سامية تستحق التضحية، الرمز مهم جدا من أجل عملية تحشيد العامة، و الشعار مهم لأنه يداعب عاطفة الناس و يسحرهم، و لكن يجب تنبيه من سيلعب دور الرمز أن الغاية هي لجمع صف المسلمين على الحق، لا للوصول للغايات الشخصية، و لذلك الرمز هو الواجهة الظاهرة لمؤسسة دعائية سياسية تعمل خلفه في الظل، و كلما كان الشعار مختصرا و ذو معنى و يفهم بسرعة كلما كان أنجح.

من الرموز الناجحة في الساحة السورية، عبد القادر الصالح ( شعبي تحشيدي)، المحيسني ( شعبي توافقي )، أبو يزن الشامي ( نخبوي )، سهيل الحسن ( شعبي بطولي لتخدير الشبيحة ) ، و من الشعارات الناجحة باقية و تتمدد، ثورة
شعب، مشروع أمة.

13) التجديد: الروتين و الرتابة يولد الملل و السآمة، اجعل مبادئك ثابتة، لكن نوع وسائلك، و الأهم جدد في الوجوه ( خاصة الرموز )، و الشعارات ( حسب كل مرحلة )، ثباتك على شخص واحد سواء قائد أو رمز يعزز الطاغوتية و يرسخ الاستبداد، ثباتك على شعار واحد يظهرك بمظهر الجامد المتحجر، عديم الإبداع، الذي لا يتناسب مع سرعة المتغيرات الحاصلة.

تعتبر المراجعات الفكرية لأحرار الشام من أروع و أفضل أمثلة التجديد في الساحة السورية.

14) الثواب و العقاب: من أهم مبادئ الإدارة و القيادة تفعيل مبدأ الثواب و العقاب، فالإحسان يحتاج لأن يترافق بعصا، و اليد التي تحمل العصا يجب أن تترافق بأخرى تمسح الجروح و تربت على الأكتاف.

مكافأتك لعناصرك يحفزهم للأفضل، و ينمي فيهم حس المنافسة نحو النجاح، و يحضهم على الإبداع، محاسبتك لهم عند إسائتهم تضبط تصرفاتهم و تنمي فيهم حس المراقبة الداخلي، من أهم المحفزات للعناصر هو توزيع الغنائم بشكل عادل و سريع و هذا مما تتهاون به أغلب الفصائل.

جيش محمد أحد الفصائل الذي كان يوزع كل الغنائم على عناصره، مما يزيد في حماسهم و ولائهم له.

15) الحاضنة الشعبية: حاضنتك الشعبية هي السيف الذي تضرب به، و الترس الذي يقيك ضربات عدوك، اعمل على كسب الناس بالحكمة و الموعظة الحسنة، و بالدعوة بالحال و القال، و الصبر عليهم و احتمال أذاهم، و الرفق بهم، و احتوائهم، و اعتماد مبدأ يسروا و لا تعسروا، بشروا و لا تنفروا، لكن إياك أن تتنازل عن ثوابتك بذرائع واهية تجملها بطلاء سياسة شرعية، و مصلحة و مفسدة.

ليس كل الناس يصلحها الوجه الحسن، هناك بعض الناس لا يصلحها إلا السيف، إياك أن تجعل لها المجال لتنشر الفتن و تفسد في المجتمع.

قدم خدمات إدارية للناس، كالإغاثة، و المعونات، و الماء و الكهرباء، و الأمن و الأمان، و كن عادلا رحيما بهم، تكسب قلوبهم و تأييدهم، و لا تحملهم فوق طاقتهم، فإن الجماهير يتقلب مزاجها بسرعة، و لا تكون ثابتة المواقف.

لا تتمايز عن عموم الشعب، لا بزي و لا شكل و لا شعارات و لا علم، حاول أن يكون خطابك عاما يصلح للجميع، و انتبه لنقطة أن الشعوب الشرقية عاطفية، حاول استغلال عاطفتها و توجيهها فيما يصلحها من أمر دينها و دنياها.

أحرار الشام هي من أكثر الفصائل قربا للشعب السوري، و سمعتها طيبة بالإجمال عند الجميع، داعش بفترة من الفترات أحبها الناس لأنها حاربت المفسدين و فرضت الأمن، و قدمت خدمات كالماء و الكهرباء، و أقامت العدل بين المدنيين.

16) صناعة الكوادر و تفعيلها: كما تهتم بالصناعات الحربية و التقنية، عليك الاهتمام أكثر بصناعة الكوادر و القادة، أخطر ما تواجهه الجماعات التصفيات و الاغتيالات و الأسر لقادتها، لذلك الجماعة الناجحة تكون ذات طابع مؤسساتي، لا طابع القائد الأوحد، الذي تموت الجماعة بموته، و تعيش بحياته، دائما ربي قادة و لا تربي أتباع، و احرص على تفعيل كوادرك، و توظيف كل إنسان فيما يبرع به.
حاول أن تخضع كوادرك لدورات في الخطابة و لغة الجسد، و دورات إتيكيت، و دورات سياسية و ديبلوماسية.

أحرار الشام نموذج مؤسساتي يحتذى به، حيث أثبتت هذه الحركة قوتها و تماسكها بعد حادثة اغتيال قادتها الجماعي، أيضا لها باع طويل في استغلال الموارد البشرية، و توظيف كل شخص بما يبرع به.

لواء التوحيد في حلب، كان يعتمد على كارزمية قائده عبد القادر الصالح، و حين مات هذا القائد مات معه لواء التوحيد، بسبب عدم وجود من يغطي مكانه.

17) اجمع التيارات و وظفها بشكل تكميلي لا تحطيمي: التنوع أساس النجاح، و لتستطيع جمع الكل ركز على غايات أساسية و أهداف مشتركة، و ركز أيضا على القيم الأساسية المشتركة و ما أكثرها، و ابتعد عن الأمور الاختلافية التافهة، أو التي على الأقل يمكن تأجيل الاختلاف بها إلى ما بعد تحقيق الغاية الكبرى، إذا عرفت أن تستغل كل تيار بما هو ناجح به، ستنتج لديك لوحة فنية متكاملة من العمل المشترك، و إذا لم تعرف ستتحول التيارات المختلفة لديك إلى سكاكين تفريك من الداخل، و احرص على وحدة الخطاب الصادر عنك، و أن تبدو للجميع قويا متماسكا.

أحرار الشام أيضا من أنجح النماذج في احتواء التيارات المختلفة، من إخوان و سلفية جهادية و غيرها، و توظيف هذه التيارات لخدمة الصالح العام للثورة السورية.

18) لا تعطي أو تأخذ أكبر من حجمك: إياك أن تغش نفسك و غيرك و توهمهما أنك دولة، و بنفس الوقت إياك أن تري الآخرين أنك لا شيء و لا تشكل أي ثقل، كن متوازنا في الصورة التي تكونها عن نفسك، بعض الحالات الاستثنائية تستدعي منك أن تعطي انطباع أنك أقوى أو أضعف مما أنت عليه حقيقة، لكن أغلب الحالات تستدعي منك أن تعطي صورة حقيقة عن قوتك، و تتصرف بناء عليها.

داعش تنظيم أصر على اعتبار حاله دولة، و كلف نفسه فوق طاقته، فكانت النتيجة اهتراؤه خارجيا و اخليا.

19) الأخلاقيات: ثق تماما أنها هي من يجعلك تتقدم و تحرز النتائج، لا تتخلى عن أخلاقياتك لا في الحرب و لا في السلم، الجيوش الأخلاقية تنتصر بسهولة أكثر من اللا أخلاقية، على الأقل بأخلاقياتك ستخفف من كره عدوك لك، بل و قد ينضم إليك لما يراه منك، لكن لا يعني أن كونك أخلاقي يستوجب عليك الذل و الهوان و الضعف، و لا يعني أنك يجب أن تكون مغفلا يستغلك الجميع، انتبه لذلك.

أحد أسباب بغض الناس لداعش هو انعدام أخلاقياتها، كالرحمة و الإحسان و الوفاء بالعهد و الصدق، و أحد أسباب كره الناس للجيش الحر و تفضيلهم للإسلاميين كالنصرة و الأحرار هو الأخلاقيات.

20) لا تنحرف عن الغاية: إذا كانت غايتك إسقاط النظام، فلا تصالحه مقابل دخولك للبرلمان و حصولك على حقيبة وزارية، إذا كان هدفك تحكيم الشرع فلا ترضا بدولة ديمقراطية أو غيرها، و تذكر أن أول تنازل عن ثوابتك تقدمه، ستتلوه التنازلات حتى تجد نفسك تدريجيا صرت في صف عدوك ضد غايتك الأولى، و إياك أن تخدع نفسك بقول الغاية تبرر الوسيلة، مهما كانت الغاية سامية و الوصول إليها ضرورة ملحة، فإن ذلك لا يبرر استخدام وسائل غير شرعية أو أخلاقية للوصول.

في سبيل أن تقيم داعش خلافتها المزعومة سفكت آلاف الدماء المعصومة، و كذبت على الله و رسوله و في الآخر لا هي أقامت خلافة حقيقية كما كانت تحلم، و لا كسبت مودة الناس و محبتهم.

21) لا تكن لوحدك ورطهم معك: في بعض الأحيان تفرض عليك الظروف أن تجلس مع عدوك و تحاوره، إذا جلست وحدك صرت عرضة للطعن و الشتم و التخوين من الجميع، الصواب أن تُجلِس معك حلفاءك، حتى لا تترك المجال لأحد ليطعن فيك.

حين تم توقيع اتفاقية الفوعة/الزبداني بين الثوار و النظام، كان المتفاوضان الرئيسيان هما أحرار الشام و إيران، لكن المفاوضات تمت باسم جيش الفتح، لأنه لو تمت باسم الأحرار فقط فسيصبح الأحرار عرضة للطعن و التخوين من الجميع، و أول من سيطعن بهم من يحسبون على السلفية الجهادية.

22) لا تثق باليساريين و اجعلهم مطية: ثق تماما أن مجرد كونك إسلامي فهو سبب كافي بنظر اليساريين بمختلف توجهاتهم لتستحق القتل و التعذيب و الاغتصاب و السجن، و كن على ثقة أن كل يساري هو عميل خارجي سواء الآن أم سابقا أم في المستقبل، لذلك لا تثق بهم، و احذر منهم، و خذ منهم دون أن تعطيهم، أو اعمل معهم بمبدأ المصلحة المتبادلة، و بنفس الوقت حاول أن تكسبهم لصفك ليحاربوا عدوك معك، أو على الأقل حيدهم عن الصراع.

في سورية بغض اليساريين من ديمقراطيين و غيرهم للإسلاميين، جعلهم يرتمون في أحضان أميركا و روسيا و النظام فقط ليتمكنوا من قتل الإسلاميين، و أكبر مثال على ذلك ما يسمى بجيش الثوار.

23) اهتم بعناصرك: عنصرك هو رأس مالك فحافظ عليه، قدم لعناصرك ما يكفيهم من راتب و إغاثة حتى لا يتكففوا الناس، و لا يصبحوا قطاع طرق، و لا يتمردوا عليك، أو ينفضوا عنك، و لا تتخلى عنهم في حال إصابتهم أو أسرهم، و بنفس الوقت لا تتخلى عن أهاليهم، احرص أيضا على تزويج العزاب منهم، و مساعدة من يرغب بمتابعة تحصيله العلمي.

ما جعل الناس تتطوع مع داعش، الإغراءات و الميزات التي كانت داعش تقدمها لمن ينتسب إليها.

24) التربية الجهادية: أهم ما تبنيه في نفوس عناصرك هو عقيدة الجهاد، لذلك احرص على أن لا تفقد الطابع الجهادي مهما تعددت مجالات عملك، اجعل التربية العسكرية هي الأساس الذي تستند إليه، لا غنى للإغاثي و الإداري و الطبي و غيرهم عن دخول معسكرات التدريب و تعلم استعمال السلاح، معسكرات التدريب تنمي في العنصر شخصيته، و تعلمه الانضباط، و تعوده الحياة القاسية، و تزيد انتماءه للفصيل.

بشكل عام الفصائل كلها تبدي اهتمام بمعسكرات التدريب و تعليم كوادرها حمل السلاح.

25) حافظ على سمعتك: السمعة لأنها تعتبر أنجح استثمار، لا تسمع لأحد أن يشوهها من داخلك أو خارجك، إياك أن تترك المفسدين دون ردع أو عقاب، إياك أن تضم المسيئين إليك ( الأفضل احتواؤهم بفصيل خاص بهم، و العمل عليهم دعويا و توجيهيا، و عدم تركهم دون استثمار )، احرص على بناء علاقات طيبة مع الإعلاميبن و الناشطين و المدنيين، لأنهم من سيصنع سمعتك، اقطع ألسن الناس عنك بالإحسان إليهم.

بحلب أحرار الشام تعد من أفضل الفصائل، لكن بسبب ضعف علاقاتها مع الناشطين و الإعلاميين، و تلقف باقي فصائل الجيش الحر لهم، تراهم دائما يطعنون و يغمزون بالأحرار، و يبررون تصرفات غير فصائل و يدافعون عنها.

26) جندهم لصالحك: عندما تسيطر على منطقة جديدة، لا تتردد بإعدام رؤوس الفساد و الإجرام عند خصمك، و لا تتردد أيضا في قتل من تورط بسفك دم أو هتك عرض، ستبقى لديك فئة كبيرة من معدومي المبادئ الذين يميلون للأقوى، والذين انضموا لعدوك من أجل منفعتهم الشخصية، هؤلاء جردهم مما يمتلكونه من صلاحيات و سلاح و مال، و أدخلهم في معسكرات من أجل الأدلجة و غسيل المخ، و أرهم كيف أعدمت غيرهم و عفوت عنهم، ليشعروا بأنك أحسنت إليهم بإبقائهم أحياء، ثم لقنهم مبادئك و حولهم لجنود في صفك، احذر أن تسلمهم سلطة، هؤلاء يكونون فقط وقود للحرب و الجبهات المشتعلة.

داعش كلما سيطرت على منطقة جديدة كانت تفعل ذلك، و هذا ما يفسر ضخامة قواتها

27) المرأة و الطفل: من أكبر الأخطاء التي ترتكبها الفصائل و التنظيمات خاصة السلفية الجهادية هو تهميش دور المرأة و الطفل في المعركة، النساء أبرع جيش لوجستي لو تم استغلالهن بشكل صحيح، و الأطفال هم جند الغد الذي سيغذي المعركة، احرص على إقامة جهاز نسائي رديف لك، يعنى بتوعية و تدريب المرأة و الطفل على حد سواء، لأن معركة الوعي من أهم المعارك.

داعش تلزم النساء بحضور ما يسمى بالدورات الشرعية، و تفتح معسكرات خاصة للأطفال، لتسكبهم جميعا في قالبها.

28) اعتني بالواجهات: كل شخص سيقابل الناس أو الإعلام و يتكلم باسمك يجب أن يكون على أفضل ما يرام، سواء كان من جهة الشكل أو الثياب، و يجب أن لا يكون متمايزا عن عموم الناس، و يفضل أن يكون شابا، دمث الأخلاق حسن السيرة و السلوك، ذكي و محبوب.

واجهات أحرار الشام، و جيش الإسلام، من أفضل الواجهات في الساحة السورية.

29) صفر مشكلات: حافظ على صفر مشاكل مع من هم حلفاؤك أو في صفك أو بينك و بينهم غاية واحدة من الفصائل و المؤسسات و المنظمات الأخرى، لا تستعدي أحد، و لا تفتعل مشاكل مع أحد، حاول أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، و أن تكون حل توافقي يرضي الجميع، التورط بصراعات جانبية يرهقك و يقضي عليك، و حتى مع أعدائك لا تواجههم جميعا بنفس الوقت، حاول تحييد من استطعت منهم، و اضرب بعضهم ببعض.

أحرار الشام تتميز بقربها من جميع الفصائل في الساحة السورية، و تعتبر صمام أمان للثورة.

30) لا تكن منغلقا: دائما تابع الأحداث و المجريات المحلية و الإقليمية و الدولية، اقرأ و حلل تجارب الغير، تعرف على نماذج جديدة، تواصل مع أناس من دول أخرى لتعرفهم بقضيتك و نفسك، اعقد اجتماعات و مؤتمرات و محاضرات لتعرّف الناس ما لديك، أوصل صوتك و قضيتك أبعد ما تستطيع، و حاول أن تمد يدك للجميع، و تعلم سنن الله الكونية و الإلهية، حتى تستطيع التخطيط و التوقع بشكل أفضل، فالسنن لا تحابي أحد.

أحرار الشام من أبرع الفصائل في هذا المجال، حيث استطاع مسؤول العلاقات الخارجية فيها أن يوصل رسالة و صوت فصيله إلى أشهر الصحف الغربية.

31) لا تكن كتاب مفتوح: السرية و الغموض تضفي عليك هالة من القوة، إياك أن تجعل أعداءك ينجحون بمعرفة كيف تفكر، أو تجعلهم يخترقون صفوفك و يعرفون أسرارك، ما يحدث في بيتك الداخلي يجب أن يبقى في البيت الداخلي و لا يصل للإعلام، دائما نوع أساليبك و جدد طرقك لتبقي أعداءك في حالة ترقب مرهقة، و تباغتهم بما لا يتوقعونه منك.

جبهة النصرة تبدو من أكثر الفصائل المتماسكة في الساحة السورية، أحرار الشام لديها نقطة ضعف في هذه الناحية.

هذه أهم الدروس المستخلصة من تجربة الفصائل السورية، و ننوه لأمر مهم، هو أن كل ما ذكر سابقا يجب أن يكون مضبوط بميزان الشرع الحنيف.

لا تنسونا من دعوة صالحة بظهر الغيب.

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.

جاد الحق























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق