01‏/10‏/2017

تشابهت قلوبهم..... حادثة احتلال الحرم المكي وتفجير المدينة من قبل داعش

يد التكفير و الإرهاب امتدت أخيرا لتطال مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم، في عملية انتحارية أعادت للذاكرة حادثة احتلال الحرم المكي في عام 1979.
التشابه الكبير في نوعية الأهداف و قدسيتها، و في أيدولجية المنفذين، يدعونا لسرد أحداث واقعة احتلال الحرم المكي و تبيان تشابهها بواقعة الحرم المدني.
رجل يسمى جهيمان العتيبي، يعمل في الحرس الوطني السعودي، صاحب عبادة و غير متفقه بالدين، متحجر الفكر، و صادف في بداية ظهوره أواسط ستينات القرن الماضي بداية النهضة الاقتصادية و الانفتاح في السعودية، فهاله ما رأى من مظاهر اجتماعية كانت مستهجنة لمن نشأ في بيئة نجد، فشكل تجمع ممن يوافقونه الفكر و حطموا بعض استديوهات التصوير، و تماثيل عرض المحلات التجارية في المدينة المنورة، بحجة مخالفتها للنصوص الدينية.
ثم اتفق جهيمان مع سليمان بن شتيوي و ناصر الحربي على تشكيل جماعة سموها الجماعة السلفية، تدعو لنبذ التمذهب و التمسك بالكتاب و السنة، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و طلبوا من الشيخ عبد العزيز بن باز أن يكون الأب الروحي لهذه الجماعة، فوافق الشيخ و بدأت الجماعة مسيرتها.
في البداية اعتمدوا مجال الدعوة و المحاضرات و الدروس لنشر أفكارهم، مع أمر بمعروف و نهي عن منكر يخالف الهدي النبوي، و كانت منظومتهم الفكرية مهووسة بأحاديث الساعة و الفتن و ظهور المهدي و كل نشاطاتهم تدور في فلك هذه الأفكار، صادف جهيمان رجل يسمى عبد الله بن محمد القحطاني فتزوج أخته، و مع الوقت بدأت انحرافات الجماعة تزداد، و تركها الشيخ ابن باز و هددها بأن يفتي ضدها.
استبق العتيبي ابن باز و أصدر كتابا طبع بالكويت يسمى الرسائل السبع، يغص بالأحاديث و الآيات التي تتكلم عن العقيدة و وجوب السمع و الطاعة و المهدي و إرهاصات القيامة، طبعا إدراج الآيات و الأحاديث كان لتثبيت و ترويج فكر الجماعة و حتى و لو وضعت الأدلة خارج سياقها، و تم توزيع هذا الكتاب على نطاق واسع.
بدأ جهيمان يرسم خطته لتتناسب مع أحاديث الساعة و خروج المهدي، فجعل نسيبه محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي ليوافق الحديث عن المهدي الذي يذكر اسمه محمد بن عبد الله، و قرر أن يدخل الحرم مع جماعته فجر أول يوم من عام ١٤٠٠ هجرية ليحتل الحرم و يجبر الناس على بيعة القحطاني بين الركن و المقام، و اختار أول يوم من العام الهجري الجديد اعتماد على ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله يرسل للأمة مجددا على رأس كل مائة سنة،
و فعلا تم إدخال السلاح عبر توابيت لما قيل أنهم أشخاص ماتوا بحادث سيارة يراد الصلاة عليهم في الحرم، و بعيد صلاة الفجر انبرى العتيبي و من معه للسلاح و دعوة الناس لمبايعة القحطاني على أنه المهدي المنتظر.
صعقت الحكومة السعودية و العالم أجمع من الحادثة، و تم محاصرة الحرم لمدة ثلاث أسابيع و احتجاز المصلين فيه كرهائن، قبل أن تصدر الفتوى باقتحامه من قبل قوات الحكومة السعودية مدعومة بقوات خاصة و خبراء من باكستان و فرنسا، و سقط مئات القتلى من الأمن السعودي و جماعة العتيبي و الرهائن، و تم أسر العتيبي و ستين آخرين من جماعتهم و قطع رؤوسهم بعد ذلك كعقوبة رادعة.
و اليوم في العصر الحديث يخرج علينا أحفاد العتيبي و القحطاني، سفهاء الأحلام من خوارج داعش ليعيدوا نفس السيناريو.
ففي بداية ظهور ما يسمى دولة العراق الإسلامية، كان الانحراف موجودا لكنه صغير، و مع مرور الوقت بدأ يكبر و يزداد إلى أن انتهى بالتكفير و حرب الأمة، و العمليات الانتحاية في الحرم المدني.
و كما اعتمد العتيبي على أحاديث المهدي و أشراط الساعة، اعتمدت داعش على نفس الأحاديث و حاولت أن تناسب نفسها على مقاس هذه الأحاديث.
و كما نشر العتيبي دعوته بين أهل البادية الذين تغلب عليهم الخشونة و الغلظة، و قليلي التعلم، و المغمورين، و أصحاب العبادة و الورع من الجهال، خاطبت داعش نفس الفئة.
و نسأل الله أن يقطع قرن داعش كما قطع قرن جهيمان و من معه.
نستنتج من الحادثتين أمرين أساسيين هما:
١) أي جماعة دينية تبدأ بانحراف بسيط، فلا شك أن هذا الانحراف سيزداد و يزداد، حتى يوجه هذه الجماعة ضد الأمة الإسلامية.
٢) كل جماعة إسلامية تسوق لنفسها عبر أحاديث الساعة و أشراطها و أحاديث الفتن هي جماعة فارغة من الداخل هدفها ليّ أعناق النصوص الصحيحة، لتبرر وجودها و انحرافاتها.
و أصلا تحويل أحاديث الفتن و الملاحم، من نبوءات ستحصل، إلى أوامر يجب اتباعها و محاكاتها هو عين الجهل.
لا شك أن واقع الأمة المرير و رغبة الشباب المتحمس في تغييره، مع سياسة الحكام و الأنظمة الفاسدة لتخدير شعوبها، هو ما يشجع الناس على ترك ما أمرهم الله به من العمل بالسنن الكونية و الدينية و الأخذ بأسباب النصر و التمكين، إلى التعلق بأوهام النصر الغيبي المعجز و المؤزر من الله الذي يظن السذج قدومه دون عمل أو أخذ بالأسباب، و يحسبونه يتحقق بمجرد محاكاة مسرحية للأحاديث النبوية.
جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق