04‏/12‏/2019

من الطائفة القادمة التي ستحكم سوريا؟؟



منذ سقوط الدولة العثمانية، كتب التمزق على بلاد الشام، فصارت دولا بعد أن كانت وحدة مجتمعية واقتصادية وسياسية، وفرض عليها الاحتلال الأوروبي أن تكون تحت هيمنة الأقليات، والتي يوجد لكل منها دول غربية ظهيرة لها ترعاها وتتحالف معها كي تحفظ مصالحها في المنطقة، وتكون ذريعة لتدخلها، فالدروز مثلا تحالفوا مع بريطانيا من حوالي قرنين تقريبا، والكاثوليك والموارنة مع فرنسا، الأرثوذوكس مع روسيا، الشيعة مع إيران، والنصيرية مع فرنسا ثم روسيا، وهكذا...
وظل السنة بلا مرجعية ولا ظهير، حتى انتهى الأمر بسوريا لوصول الطائفة النصيرية ( العلوية ) لسدة الحكم، ليس فقط عن طريق استلام حافظ الأسد للرئاسة، بل عن طريق التغلغل الكبير للطائفة في المؤسسات العسكرية والأمنية والحزبية بشكل يفوق حجمها.

النصيرية _ وهذا اسمهم الحقيقي _ اشتُقَ من اسم مؤسس المذهب محمد بن نصير، أما اسم العلويين فقد أطلقته عليهم فرنسا كنوع من التلطيف والتورية لإعادة دمجهم بالمجتمع السوري بعد أن كانوا هم يرفضون الانتماء له، ويفضلون الانفصال عنه متوسلين فرنسا إقامة كيان طائفي مستقل خاص بهم، لكن سياسي الاستقلال وقتها ارتؤوا احتواءهم لبقاء سوريا الفتية كيان سياسي واحد، وحافظوا لهم على اسمهم الجديد.

النصيريون ثاني أكبر طائفة بسوريا بعد المسلمين السنة ومع ذلك لا يشكلون أكثر من عشرة بالمئة من نسبة السكان، حسب أعلى الإحصائيات.

سنوات الثورة وإن كان المذبوح والمهجر والمشرد والمستباح فيها هم السنة، إلا أن الخاسر الأكبر فيها حقيقة هم النصيريون، وذلك لقدرة السنة على التعويض والعودة لحالة الغالبية لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، على عكس النصيريين الذين أحرقوا أنفسهم ومستقبل طائفتهم حفاظا على نظام مجرم منبوذ، وحكموا على أنفسهم أن يكونوا شيئا من الماضي بمعاداتهم لكل الشعب من أجل كرسي الأسد، وعقارب الساعة لن تعود للوراء نهائيا، وهم يدركون ذلك تماما ويخافونه لأن لا حل لديهم لهذه المعضلة التي ورطوا أنفسهم بها.

النصيريون تقريبا خسروا حتى اليوم أكثر من مئتي ألف قتيل ( البعض يعطي ضعف هذا الرقم )، عدا المعاقين، وهذه الخسائر هي من الذكور المنتجين المعوّل عليهم في التنمية والاقتصاد وحماية النظام، خاصة لو علمنا أن نسبة كبيرة منهم من كبار ضباط الجيش والمخابرات ( الركيزة الحقيقية لدولة الأسد ) ناهيك عن ازدياد الأمراض المجتمعية بينهم _ كحال جميع الشرائح السورية بسبب الحرب _ كالفقر والجهل والمخدرات والدعارة والخمور مع فارق أن بيئتهم لا تملك التحصين الطبيعي الذي تملكه باقي المجتمعات السورية المحافظة، ويكفي متابعة منصات النظام الإعلامية ليُعلَم وضع الشارع المؤيد، خاصة طائفة النظام.

حتى لو انتهت الثورة الآن لا سمح الله، وعاد النظام، فسيعود بلا أنياب ولا أظافر، مجرد جسد منهك متعب بعد أن خسر مادته الخام وركنه الشديد وسيكون سقوطه المستقبلي أمرا لا مفر منه، ومع كل تمدد احتلالي له يتبين أكثر عجزه، لأن القوة والموارد حين تحصران بمنطقة صغيرة تظهر آثارهما، وتتلاشيان تدريجيا بتوسع المنطقة، إضافة لأن تراجع الليرة السورية يزيد مع كل سيطرة جديدة للنظام على أرض، كون أن الثوار هم من يشترون بالعملة الصعبة الليرة السورية، وبانحسارهم عن أي منطقة، تتراجع الليرة أكثر.

لكن إلى أن يأتي هذا السقوط الحتمي للنظام الطائفي، من هي الطائفة الأكثر حظا التي ستعتمد للحكم كبديل عن النصيريين بعد أن أحرقوا أنفسهم لأجل عرش الأسد؟

باستثناء السنة كونهم ليسوا الخيار الأفضل بالنسبة للدول الغربية كحكام لسوريا، وبالأخذ بعين الاعتبار خصوصية المسيحيين، ونسب الشيعة والإسماعيلية القليلة، نجد أن المرشح الأكبر هم الدروز، فهم يشكلون حوالي 3% من المجتمع السوري، ولديهم عصبية تجمعهم، وتدعمهم بريطانيا من سنوات، ولديهم امتداد في لبنان، والأردن، وفلسطين، وكانوا مهيئين لأن يكون لهم دولة خاصة بهم بالستينات، عبر مخطط رعاه الكيان الصهيوني لكنه لم يتم، وذلك عبر احتلال جنوب غرب سوريا، ثم إنشاء مقاومة درزية تظهر بدور البطل، ثم الانسحاب من المنطقة لصالح كيان سياسي درزي يخدم مصالح الكيان الصهيوني، وما أفسد هذا المخطط هو مخطط أفضل منه عبر استلام حافظ الأسد وطائفته السلطة في سوريا.

في أواخر عام 1966 أطاح الأسد وطائفته بالضباط الدروز، واستأثروا بالحكم، وتم تحييد الدروز كطائفة عن المشهد السياسي السوري، وفي بداية الثورة انخرط عدد من شبابهم وناشطيهم بها بقوة، لكن كان هناك قرار من رجال الدين بتحييد الطائفة، ونشط المجتمع المحلي المدني في السويداء لمساعدة مهجري ومنكوبي سوريا، وتشكلت فصائل محلية مسلحة هي أقرب للثورة منها للنظام، وهدفها حماية المجتمع المحلي، وصارت ملاذا للشبان الفارين من الخدمة العسكرية في جيش الأسد.

اعتبر النظام السويداء منطقة مستعصية عليه، إلا أنه لليوم أجّل المواجهة العسكرية معها، ولا يزال يبذل الجهود الديبلوماسية لاحتوائها، واستطاع عبر أذرعه الاستخباراتية اختراق المنطقة إرهابيا كعملية اغتيال وحيد البلعوس واستخدام الدواعش كورقة تهديد للدروز، وعبر الوساطات الروسية من خلال بعض القيادات المجتمعية الموالية له.

النظام يعرف تماما أن الدروز قنبلة موقوتة، لو تركت دون تفكيك فستنفجر به حتما، فهم بديل مقبول للحكومات الغربية، ولايزالون لمّا يُستَهلكوا بعد في الحرب الدائرة، وامتدادهم على ثلاث دول مجاورة لسوريا مخيف، خاصة أنهم في لبنان يعتبرون خصوما سياسيين لحلفاء النظام، لذلك من المتوقع ألا تأفل شمس النظام قبل أن يوجه لهم ضربة انتقامية تجهض قواهم وتحيدهم عن اللعبة.

من المضحك المبكي أن سنة سوريا هم الطائفة الأكبر حجما، والأكبر مظلومية، لأنها كانت رافعة حضارية تاريخية لكل المنطقة الإسلامية، ومصدر تهديد رئيسي لأي غزو خارجي للإقليم، وتسكن منطقة مهمة جدا جيوسياسيا، لذلك حرمت ولاتزال من أبسط حقوقها الديمقراطية وهي أن تحكم نفسها وبلدها كونها الأغلبية، وصاحبة الدور التاريخي الأكبر، لكن هذه المعادلة تغيرت بالثورة، ولن تجد القوى الإقليمية والدولية بديلا عن القبول بالسنة كحكام لبلد هم الأكثرية فيه، وهذا بعض مما قد يجعلهم المرشح الأوفر حظا لخلافة نظام الأسد الطائفي.

معتز ناصر ( جاد الحق )


27‏/10‏/2019

تركيا والثورة وتحالف الضعفاء



من الحكمة في عالم الصراع السياسي معرفة حجمك الحقيقي، وحجم شريكك، ومدى قوتكما في غابة التدافع الدولي الشرس.

ما نعانيه اليوم هو قصور تام في معرفة مدى قوتنا كثورة، ومقدار ما نملك للآن من أوراق رابحة، بمقابل تضخم موهوم في تقديرنا لقوة الشريك التركي وحضوره بين الكبار كروسيا وأميركا، وهذا ما يصعّب حركة الشريك التركي ويثقلها، ناهيك عن مشاكله الداخلية الخاصة والعراقيل التي توضع له بشكل مقصود.

غياب القيادات الواعية في الثورة صاحبة العقلية النفعية العامة، وشجاعة الإقدام، التي تحسن تنظيم الجماهير، واستغلال الكوادر والجهود المبعثرة، ومخاطبة العالم بما يفهمه، مع وضع رؤية تخطيطية شاملة بعيدة المدى هو ما نحتاجه، وهذا أمر ليس صعبا، ولدينا مقوماته، لكننا نفقد الثقة بأنفسنا لكثرة الشدائد والضغوط التي وضعنا بها.

إيهام الناس أن تركيا قوة دولية لها ثقل موازي لأميركا وروسيا تدليس كبير عليهم وإساءة مقصودة لها.

أيضا مقارنة تركيا المسالمة، التي لا تتحرك قبل ضمان الأضواء الخضراء من أميركا وروسيا بإيران العقائدية المشاكسة صاحبة البرنامج النووي، التي لها أذرع عسكرية مخلصة ومدربة في كل محيطها الإقليمي تلعب من خلالها، وتقرصن على الدول في مضيق هرمز وأسواق النفط ليس صائبا.

على تركيا أن تعي أن التقليل من خطورة النظام السوري على داخلها، والإصرار على تحييده واعتباره عدوا ثانويا قصور نظر كبير، لأن النظام السوري يملك أوراق ضغط خطيرة تهدد الأمن القومي التركي داخل تركيا، أكثر مما تملك تركيا داخله، فمثلا النظام السوري نظام طائفي بامتياز، واستطاع استمالة أبناء طائفته في المنطقة من غير السوريين في تركيا ولبنان، وشكل منهم جماعات ضاغطة لمصلحته ضمن مجتمعاتهم، مع عدم تناسينا وجود تيار سياسي تركي معارض لتوجه العدالة والتنمية، تزداد قوته يوما بعد يوم في الداخل التركي، ويرى النظام السوري جزء من حل المشكلة السورية وليس سببا لها، ولا ضير عنده من إعادة العلاقات معه، والنظام يعرف تماما كيف يستثمر به، ولن أتطرق لدور النظام السوري في صنع ودعم حزب ال pkk الخطر الأكبر على الأمن القومي التركي لأن الأمر أصبح مملا لكثرة تكراره.

داخليا علينا أن نحسن نظرتنا لأنفسنا وقد صمدنا ثمان سنوات ونحن شعب أعزل في وجه أعتى الهجمات العسكرية، وأشرس المجازر الوحشية، وكسرنا ثلاث أنظمة منافسة لتركيا ومعادية لها وقطعنا أذرعها الإجرامية بمعارك برية لا يوجد بها غطاء جوي يحمينا فيها، فكيف نظن أننا لسنا أهلا لنكون أصحاب كلمة في مستقبلنا ومصيرنا، وحصرا يجب أن نكون ذنبا لغيرنا؟؟
هذا قمة الإجحاف والمهزلة.

تركيا شريك استراتيجي مهم للثورة، علينا الوقوف معه للنهاية، وأهم خدمة نقدمها لها أن نعي أننا بتسليم أمرنا لغير الأكفاء سياسيا وعسكريا ومدنيا قد صرنا حملا كريها يثقلها، ثم علينا أن نعرف حجمها ومقدار قوتها بين باقي اللاعبين فلا نكلفها فوق طاقتها، ولا نرفع معها سقف توقعاتنا ومطالبنا.

تركيا تحتاج الثورة، كما الثورة تحتاجها بل وربما أكثر، وعلينا وعليها مراجعة تفاصيل الشراكة التي فرضتها التقاء مصالحنا وأمور أخرى، ومحاولة تصحيح صورة التعاون والتنسيق، وذلك لا يتم إلا بتغيير أغلب من اعتمدتهم تركيا في إدارة الملف السوري من سوريين وأتراك، مع الاستفادة من الأخطاء والدروس السابقة، فالاستحقاقات القادمة مثل #منبج و #شرق_الفرات، ليست ك #درع_الفرات و #غصن_الزيتون ، في ظل استمرار تهديدات #إدلب و #عفرين .

علينا أن نتذكر دائما أن ال تنظيم ال pkk الإرهابي عدو ثانوي لنا وللأتراك، بينما عداوتنا الرئيسية هي مع النظام الطائفي المجرم الذي صنعه وأحسن استغلاله، لذلك يجب أن ندخل بقوة بشرق الفرات مع أخذنا ضمانات ملموسة وقوية من الشريك التركي بعدم تكرار خطأ #عفرين وحماية أهلنا المدنيين من التجاوزات، وحماية #إدلب وتحرير أراضينا المغتصبة في #تل_رفعت وماحولها، و #منبج و #تادف لأهمية هذه المناطق بالنسبة للشمال المحرر.

لم يبقَ ورقة ضغط بيد تنظيم ال pkk الإرهابي سوى إطلاق الدواعش الأسرى لديه ليعيثوا فسادا بالمحرر، لذلك علينا من الآن الحذر من ذلك، علما أن الدواعش المحررين سيستغلون روابط العصبيات الجاهلية المناطقية والفصائلية والعشائرية، وضعاف النفوس المرتشين من القيادات، للحصول على غطاء يحميهم ويسهل عملهم.

معركة #نبع_السلام أفضل صيغة تقاطع مصالح لنا مع تركيا، علينا أن نناور بها ونضع كل جهدنا لتحصيل أكبر مكاسب سياسية وعسكرية ممكنة، والمنطقة الشرقية هي أهم منطقة بسوريا جيوسياسيا، لذلك تتنافس عليها الدول لتضع قدما فيها، وعلى #الجيش_الوطني أن يثبت لشعبه ثم للشريك التركي أنه أهل للثقة، وركيزة للاستقرار، فلا يزال كابوس المفسدين والمسيئين ينغّص حلم ثورتنا الوردي.

معتز ناصر ( جاد الحق )


بين ثورة "كرميلا السكسي ليدي" وثورة "جنة يا وطنا"



قبل الثورة كنت أخجل أني من سوريا، وأشعر بالدونية والصغر مطلقا زفرات حسرة وألم وأنا أقارن بلدي ومجتمعي مع بلدان ومجتمعات أخرى.

بعد الثورة السورية المباركة، تغير هذا الشعور للنقيض، والفضل بعد الله هو لتلك الثورة وذاك الشعب البطل الذي قام بها.

تلك الثورة التي تم التآمر عليها من جميع الحكومات الطاغوتية الراغبة أن تربي شعوبها فينا، لكن صمود هذا الشعب المبارك في هذا البلد المبارك، جعل السحر ينقلب على السحرة حتى أُلقوا ساجدين صاغرين، وأصبحت الشعوب المتمردة هي من تربي الحكومات المستبدة فينا، وصار الشعب السوري الثائر أيقونة للشعوب المناضلة، وقدوة للشعوب المتحررة، حتى رأينا ألحان القاشوش تتخطى الحدود، ورغم السيل المستمر تسع سنين من المصائب المنوعة بقي هذا الشعب المبارك الأبي صابرا محتسبا متمسكا بقيمه ومبادئ ثورته.

بين ثورتين

أحترم كل تحركات الشعوب ضد ظالميها وأدعمها بشدة، إلا أني لا أستطيع كبح نفسي عن ملاحظة الفرق بين شعب خرجت ثورته من مساجده وحاراته صادحة حناجره بالتكبير وهتافات الحرية والكرامة، مواجها أحط نظام سياسي عرفه البشر، وأشده طاغوتية وإجراما، وشعب آخر خرج لأسباب اقتصادية بحتة _ وهذا مطلب حق طبعا _ وكانت معظم مظاهراته مسرحا للرقص والغناء والفكاهة.

أدرك تماما الاختلافات الثقافية والطائفية بين الشعبين، وخصوصية كل بلد، والأسباب الدافعة للثورة عند كليهما، لكن أسفار المجد المضيئة، وصفحات التاريخ الخالدة تسطرها الدماء والدموع، ويرتلها الضحايا بالأنين والنحيب، وهذا ما يعطيها قدسية البقاء والإلهام للأجيال اللاحقة.

يحز في نفسي كثيرا ما سمعته وقرأته لبعض الثوار أن ثورتنا "فاشلة" وثورة غيرنا أنجح، مستدلا بمظاهرها الطريفة والمطربة التي انتشرت إعلاميا بشكل أراه مقصودا لتنميط حراك الشعب واختصاره بصور معينة، وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال.

لا شك أن ثورتنا لو كانت غناء ورقصا وطربا كانت أريح وأبهج، لكن هل تُصنَع العظمة إلا من الألم؟؟
هل يتمايز النبلاء إلا بالبلاء؟

حقيقة الصراع

كلنا ينزع للمثالية، وترتاح نفسه للسهل، لكن قضية بخطورة ثورة شعب مظلوم على نظام سياسي ظالم ليست إطلاقا أمرا مثاليا، ولا تسلية سهلة، والتاريخ هو الحكم الفيصل بين خصمي كلامي، وعلينا كشعوب عربية أن ندرك يقينا أن هذه الأنظمة بأدواتها المختلفة وأولها الجيوش ليست من جلدتنا، بل هي أشد تنكيلا بنا من دول الاحتلال الأجنبي التي خرجت وتركتها تجرم فينا نيابة عنها وتسومنا سوء العذاب، وتبقينا بشكل غير مباشر ذنبا للاحتلال الراحل الباقي، ومزرعة له، والصور التي تخرج في أول الثورات عن تعاطف الجيش مع ثورة الشعب، ليست إلا خدعة ستنكشف قريبا، وبدأت فعلا بالانكشاف لشعب لبنان الثائر.

لماذا يحاربون ثورات الشعوب؟

محرم علينا حرمة الأم على ابنها، والأخ على أخته أن نختار من يحكمنا، ولو اتخذنا كل قيمنا الدينية والمجتمعية ظهريا، واتبعنا ديمقراطية الغرب وقيمه فلسفة وممارسة شبرا بشبر، لأن الشعب إن ترك حرا لن يختار إلا من يحقق مصلحته، وتحقيق مصلحة الشعب يعني لزاما محاربة مصلحة الاحتلال، فهاتان المصلحتان نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، ولا بد أن تغلب إحداهما الأخرى وتقهرها، ولنا في الشهيد بإذن الله مرسي عبرة، وأظن أن تعاد الكرة في تونس، وبرعاية من أفاعي دول الظلام، وعقارب الثورات المضادة، وفلول المطرودين.

ثمن الحرية الباهظ لا بد من دفعه والعاقبة للصابرين

فكرة جميلة أفادني بها أستاذي وأخي الأكبر الشيخ محمد أبو النصر في نقاش بيننا أود مشاركة القرّاء بها، وهي أن الثورات العظيمة باهظة الثمن حين تشتبك أحداثها، وتتوالى أزماتها تكثر فيها لطميات الندم، والحنين لفترة "كنا عايشين" فتسمع بها كثيرا معزوفات "توبة عاللي بعيدها" و "يا ريت لا طلعنا ولا تبهدلنا" وكنا بطاغية صرنا بألف، لكن حين يأتي موسم حصادها، ويصير وقت قطاف ثمارها الشهية، وتروح السَكرَة وتأتي الفِكرَة، وقتها يدرك أبناؤها أنها تستحق ما ضحوه لأجلها، وتبدأ كلمات المديح والثناء وكتابات الإطراء والتبجيل، وهذا ما حدث في الثورة الفرنسية التي استمرت طويلا حتى تمخضت أخيرا عن جمهورية فرنسا القوية، التي لم تكن لتوجد لولا مآسي الثورة، فمن يقرأ أدبيات عصر الثورة سيجد روح التشاؤم والندم عند أغلب كتاب ذلك العصر _ باستثناء المؤمنين بفكرتها_ بسبب ما شاهدوه من كوارث وأحداث مؤلمة بها، أما من يقرأ أدبيات من أتى بعدهم في عصر الانتصار وقطف الثمار سيجد عبارات الإطراء والثناء والتفاؤل لما لمسوه من آثار إيجابية لها بعد مخاضها الموجع.

هل ما أراه من صور ثورات أخرى يجعلني أخجل من ثورتي؟

أفخر أني ابن ثورة خرجت من المساجد، وقادها شباب متوضئون، كان شعارها التكبير، وأهدافها الحرية والكرامة لكل السوريين، صاغت أمجادها دماء الشهداء، وزفرات الثكالى، ودموع الحرائر، وصبر المهجرين، ورصاص المجاهدين، وإرادة الأحرار على إكمالها حتى النصر القريب بإذن الله، وأقدر وأحترم كل شعب حر ثار لحقوقه ضد لصوصه ومجرميه، وكل شعب ثائر بحق على مستبديه سيمر بطريقنا الذي رسمناه لمن بعدنا، وإن صبر وكافح لا بد أن يقطف أخيرا ثمرة انتصاره، أما مشاهد الثورات الوردية فما هي إلا سحابة صيف عما قليل تقشّع.

معتز ناصر ( جاد الحق )


30‏/08‏/2019

تركيا الخصم والحكم



لو مد الله في عمري سأكتب كتابا أسميه #أساطير_ثورية وسأضع فيه أهم الأوهام التي صدقها ثوار سوريا وانساقوا خلفها، ولعلي أستفتحه بأسطورتي #تركيا_ما_بتبيعنا و #الضمانات_الدولية.

لست من معارضي ومكفري أردوغان، ولا من مناهضي العدالة والتنمية، لكني ببساطة أرى أردوغان وتركيا بمنظور واقعي يوصّف تنوعها وحجمها.

تركيا اليوم ليست دولة الخلافة الإسلامية، بل هي دولة علمانية قومية لمّا تتحرر بعد من نير النظام الدولي المجرم، واتفاقياته المجحفة، رغم أنها تسعى لذلك وبقوة، وأردوغان ليس المهدي المنتظر، ولا أمير المؤمنين الفاروق، بل هو رئيس مسلم أثبت نجاحه لذلك تحيط به المخاطر من كل حدب وصوب.

وحين أقرأ الدعم التركي للثورة لا أقرأه بأنه لدوافع أخلاقية ودينية فقط، بل لدوافع أخرى أهمها المصلحة المشتركة، والمصلحة تخضع للتغير والتبدل، وبالتالي تفرض تبدل الحلفاء والخصوم، فالتعويل على دوام الشراكة هو محض سذاجة وجهل بأبجديات السياسة.

الأنظمة المتصارعة تلجأ لخلق واحتضان أدوات ضغط على بعضها، والغاية منها ليس إسقاط النظام الآخر، بل إجباره تقديم تنازلات توصل الطرفين لحل وسط، وحين يصل الطرفان لحل وسط سرعان ما يتم التخلص من هذه الأدوات من قبل من أسسها ورعاها، أو تسليمها للغريم حتى يحطمها بنفسه، فالدول لا تختار الأدوات على الأنظمة، كنوع من احترام الزمالة والمهنة المشتركة، فحتى في سياسات الدول من تعرفه أفضل ممن تتعرف عليه، والعشرة لا تهون إلا على أولاد الحرام.

حزب ال pkk مثال معاصر حين تخلت عنه أميركا وروسيا لصالح تركيا، رغم ما تأمله ال pkk من ضمانات أقوى دولتين حول العالم، وكانت ساحة التفاوض والمساومة هي #سوريا ، ولا يدل كلامي أن تركيا خانتنا حين ساومت علينا كما يتشدق البعض، بل يدل أننا فشلنا في الارتقاء بأنفسنا من رتبة التابع المأجور، لمنزلة الند البديل لنظام الأسد، والدول لا تراهن على حصان خاسر.

بالعودة للداخل السوري كشمال حلب نجد حالة ممنهجة من الإفساد غايته معالجة الناس بالصدمة لإقناعهم أن المصالحة مع النظام هي طريق النجاة، ومن سيتولى كبرها أناس يُحسَبون على الثورة والجيش الحر لكن ماضيهم وواقعهم مكشوف للكل، هؤلاء سيحاربون بقايا الثوار بعد تشويه سمعتهم، ثم سيبررون خيانتهم عبر شراذم من المرقعين والمطبلين بالواقعية السياسية، والمناورات الديبلوماسية، والاتفاقات الدولية، وضمانات الحلفاء، ولأجل من تبقى، وحتى نعمر البلد من جديد، والناس تعبت وبدها حل، وهاد أفضل السيء، ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وأكتر من هيك ما طالع بالإيد، وسياسة شرعية... إلخ هذه الحجج الواهية التي غايتها تزيين الخيانة وتبريرها.

بالمقابل غالبية كوادرنا الموجودة في تركيا، لا ترى إلا من منظارها، دافعهم الغير مباشر لذلك هو شعورهم نحوها بالامتنان لاحتوائهم، إضافة لحالة الهزيمة الحضارية النفسية التي يحسونها أمام التطور المادي لتركيا مقارنة بسوريا.

وجود هذا الصنف شكل عائقا للتفاهم الصحيح بين الثورة وتركيا، خاصة أنهم يتصدرون المشهد عند المغنم، ويهربون عند المغرم، لذلك نحتاج فعلا لقيادات وكوادر شبابية جديدة أثبتوا حضورهم في المغنم والمغرم على السواء.

أولئك المنهزمون حضاريا أمام تركيا وجهة نظرهم تتلخص بأن الخضوع لتركيا أفضل من الخضوع لروسيا وإيران والنظام، ثم يقولون لك "أرعى جمال أردوغان ولا خنازير بشار"!!
( طيب ما في مجال تكونو محترمين وعندكم كيانكم الخاص المحترم وما ترعو دواب حدا؟
يعني ضروري تصيرو رعيان عند شي حدا!!؟؟ )

يذكرني هؤلاء بالمؤيدين حين كانوا يقولون لنا أول الثورة "إذا راح بشار مين بده يحكمنا !؟"

يعتبرون أي نقد لتركيا خيانة وتآمر عليها ويبررون ذلك بأن حساسية المرحلة لا تسمح وكثرة أعداء تركيا لأنها تبنت الإسلام، ومصلحتنا تقتضي السكوت عن كثير من الأخطاء... إلخ هذا الكلام المثير للغيظ المُسوَّق من باب الحرص على مصلحة تركيا، مع اعتبار أي انتقاد لأردوغان أو السياسة التركية يخدم أعداء الأمة... هذا الانبطاح الغبي يضر تركيا أكثر من أي انتقاد، لأنه يصورها دولة بعثية مخابراتية كسوريا الأسد ( يا أخي والله تركيا فيها معارضة لأردوغان وما حدا بيتهمن بالخيانة والعمالة، وحتى في إسلاميين معارضين لأردوغان ومو من جماعة كولن، فيستر عرضكن اطلعو من جو سوريا الأسد!. )

بنفس الوقت هناك شريحة تعتبر تركيا دولة احتلال، هؤلاء أنصحهم بزيارة مشفى الأمراض العقلية للتعالج من متلازمة التربية القومية الخاصة بالبعث، أو تخريصات الدواعش، أو سموم صهاينة العرب، مع رجائنا لهم بالشفاء العاجل.

ويبقى العقلاء المعتدلون مغيبون قسريا عن المشهد.

ألا يكفينا ما مر بنا بسبب تحكيمنا لعواطفنا، وإحساننا الظن بمن يستحق ولا يستحق، فلنفكر بمصلحية _كحال حلفائنا وخصومنا على السواء_ ولنجعل مصلحة الثورة هي البوصلة للتحرك والموازنة والقياس.

معتز ناصر ( جاد الحق )