30‏/04‏/2020

مقاتلو الجيش الوطني في لبيبا، هل أصبح الثوار مرتزقة؟




الارتزاق مهنة تاريخية قديمة، توصّف من يقاتل لا لعقيدة ومبدأ، بل لمكاسب دنيوية، ويتميز من يعمل بها بأن ولاءه يكون لمن يدفع له أكثر، ولهذا يعد استعمال المرتزقة سلاحا ذي حدين.

بعد النفي من أطراف رسمية بالجيش الوطني، ومحسوبة عليه عن ذهاب مقاتلين منه إلى ليبيا، تفاجأ المتابعون بصور ومقاطع تثبت هذا الخبر، بعضها يظهر شبابا سوريين من مقاتلي الجيش الوطني وقعوا بأسر قوات حفتر، مما ولّد ردات فعل متباينة بين السوريين.

بين أناسٍ رأوه أمرا عاديا بل ربما إيجابيا، إضافة أنه يحصل في كل الدول، وآخرين رأوه خيانة للثورة، وسواهم عدّوه مادة للتندر، وغيرهم يراه واجبا دينيا ووجدانيا تجاه تركيا والربيع العربي...
تباينت الأفكار، وتنوعت الآراء، في انعكاس لحالة عامة من عدم التوافق يعيشها السوريون من سنوات.

جمود الجبهات، وحالة شبه الحصار التي تعيشها المناطق المحررة، مع توالي الصدمات والمصائب، وانتشار الفقر والبطالة، مع غياب الدافع العقدي، والانتماء عند عديد المقاتلين في الجيش الوطني، خاصة بوجود غير الأكفاء في مفاصل القيادة فيه خلق ظاهرة من التسيب والإساءات المتكررة من قبل بعض العناصر المنتسبة له، ظهرت هذه الصورة بلون فاقع أثناء تحرير عفرين، وبدرجة أقل في شرق الفرات، ورغم أن هذه التعديات لا تقاس بحجم ما قام به جيش النظام ( العدو الأساسي المفترض للجيش الوطني ) إلا أنها أكثر استهجانا من السوريين كون أنها من مؤسسة محسوبة على الثورة التي انطلقت أساسا ضد هكذا ممارسات وقيم رسخها النظام ونشرها، وهذا ما دفع أصحاب الرأي الأول لاعتبار ذهاب بعضا من مقاتلي الجيش الوطني للقتال في ليبيا برعاية تركية أنه أمر غير مفاجئ، بل متوقع، ويجنح قسم منهم أكثر لاعتباره أمرا إيجابيا لأن بذهابهم لليبيا تكون الثورة تخلصت من بعض عطالتها، وممن يصفونهم بالمسيئين، مع إبداء استغرابهم كيف استعانت تركيا بفصائل يعتبرونها مهلهلة عسكريا، وغير منضبطة سلوكيا، خاصة أنها لم تظهر أداء جيدا في معارك سابقة، ما جعلهم يعتقدون أن المقياس يتعلق فقط بمقدار الولاء والطاعة للأوامر التركية.

أما أصحاب الرأي الثاني فهم يحمّلون تركيا كل الوزر فيما آلت الثورة له، فأردوغان برأيهم لم يحافظ ولا على خط أحمر واحد من خطوطه الكثيرة، وكل تصريحاته بزعمهم هي إبر بنج، فضلا على أن تركيا ضيقت على الثورة، وحشرتها في الزاوية، بعد أن حرمتها من دعم الآخرين، لتبقيها تحت رحمتها، ولتحول أبناءها إلى مقاتلين بالوكالة لحساب مصالحها القومية فقط، وساعدهم على ذلك تمكين من وصفوهم بالمفسدين من قرار الثورة، وحصر المال بأيديهم، وتسليط الإعلام لتلميعهم، بعد أن تم تطويعهم تركيا بسياسة العصا والجزرة، فمن جهة هناك ملفات لجرائمهم وفسادهم التي تحفظها المخابرات التركية في أدراجها لوقت الحاجة، ومن جهة أخرى شراء ولائهم بالجنسية، مع إعطائهم امتيازات تبرزهم في مجتمعاتهم التي كانوا في أسفل سلّمها الاجتماعي، ولذلك باعوا الثورة، وتركوا قتال النظام، ليرهنوا بنادقهم في خدمة مصلحة تركيا، وفي ذلك خيانة للثورة وأبنائها عند أصحاب الرأي الثاني.

أما الساخرون، فقد شبّهوا حال الفصائل الذاهبة للقتال هناك بأنها "كالصوص أبو الخمس ليرات، بتشتريه الصبح وبموت الضهر" في توقع ساخر منهم لما سيكون عليه وضع هذه الفصائل في مواجهة قوات حفتر المتمرسة في القتال، والتي تتلقى دعما دولية كبيرا، خاصة من الإمارات ومصر، وجزء منها يقاتل من عقيدة صلبة ( الكتائب المدخلية ) وبالتالي لن يصمد مقاتلو الفصائل السورية في مواجهتهم، خاصة أن أغلبهم ما عرف الثورة واقعا ولا خاض معاركها، لأنهم بزعم الساخرين "كومبارس مقاتلين" يقتصر دورهم على الموت فقط، وليسوا مقاتلين حقيقيين.

لم يقتصر الأمر على ذلك عندهم بل تبعه عشرات النكات الساخرة، عما سموه "أسواق التعفيش السورية في طرابلس" ، و "طريق دمشق يبدأ من بنغازي" ، وغيرها من نكات انتشرت هنا وهناك في جنبات وسائل التواصل، وفي الأحاديث الشخصية.

لكن ليس الكل من الرافضين، بل هناك من يؤيد ذلك، ويعتبره أقل ما يجب تقديمه تجاه الشقيقة الكبرى تركيا، التي لم تبخل بدعم الثورة وتأييدها، خاصة أن حفتر وداعميه هم من قوى الثورة المضادة، وحلفاء لنظام بشار الأسد، وبالتالي معركة طرابلس هي معركة إدلب، ويزيد ذلك الأهمية الجيوسياسة لليبيا بالنسبة لتركيا العدالة والتنمية وريثة تركيا العثمانية، وحامية المظلومين حول العالم، وللربيع العربي المتعثر، الذي تشكل الثورة السورية جزء منه وليست كله.

ثم إن من يذهب لقتال حفتر يتلقى مبلغا شهريا محترما أفضل مما كان يأخذه في الجيش الوطني يمكّنه من تحسين وضعه ووضع أسرته، وهذا ينعكس إيجابا على الثورة التي هي الجنين، والأم تركيا، وشرعا يمكن التضحية بالجنين حفاظا على حياة الأم، كما نُقِلَ مرة على لسان أحد قيادي الفصائل المقربة تركيا باجتماع ضمهم مع الاستخبارات التركية.

وبين هذه الآراء الأربع ازداد انقسام السوريين، وبقيت كثير من الأسئلة دون جواب...

هل من ذهب مرتزق ومن بقي شريف؟ خاصة أن ليس كل فصائل الجيش الوطني وافقت على إرسال قوات لليبيا، فهناك من تعذر بحجة سد الجبهات مع النظام، وأشيع أنه تعرض لضغوطات تركية وصلت للتهديد بالحل.

هل معركة الوفاق في ليبيا مؤثرة لهذا الحد في مصير الثورة مما يستوجب على الثوار ترك قتال النظام في وقت حرج لأجلها؟

ما مصير الشاب السوري الذي يصاب بتلك المعارك؟ ما مصير أسرته إن فقدته؟ هل سيعترف به أحد أم سيكون مجرد رقم آخر؟

ما طبيعة العلاقة بين الثورة وتركيا وما محدداتها؟ هل هي حقا تحالف وتبادل مصلحة أم تبعية وارتهان؟

ما سبب سكوت النخب الثورية، والقيادات عن فتح الموضوع بشكل مباشر مع الشعب وبشفافية إن كانوا يرون وجهة نظرهم في القتال بليبيا لجانب تركيا صحيحة؟
وإن كانوا يرونها غير ذلك لِمَ لا يحذرون الشباب السوري منها، وينصحون الفصائل التي أرسلت مقاتلين بالتوقف عن ذلك؟

هل تتغير بوصلة الشخص بحيازته جنسية أخرى؟

أسئلة تحتاج الإجابة عنها، والإجابة عنها تحتاج الكثير الكثير من الشجاعة، شجاعة مواجهة الذات قبل مواجهة الغير.