20‏/01‏/2020

ثورة الجياع القادمة ودورنا فيها



بوادر التفسخ الداخلي وروائحه بدأت تفوح بقوة من النظام السوري، وبات بشار الأسد وأزلامه مدركين تماماً أننا دخلنا في بداية النهاية، وهذه النهاية ستكون مأساوية إذ ليس هنالك من أمل في عودة جديدة، لأن النظام استنفد في البقاء كل موارده وأوراقه الرابحة، ابتداء من طائفة رأسه، وانتهاء بالحلفاء والحاضنة.

خطأ النظام القاتل أنه ظن القبضة الأمنية هي مركب الخلاص، وستبقى فاعلة ومتينة ليوم القيامة، لكنه اليوم يراها تتآكل ببطء أمام ثورة الجياع التي تتشكل من حاضنته ومن الغالبية التي كانت صامتة في السنوات الماضية، والعاصفة تتشكل في الأفق القريب وأصبح يراها عياناً، وتنذر بحرب أهلية داخلية بين أجنحة النظام لا تبقي ولا تذر.

قد يقول قائل ألا يعرف النظام خطورة هذا الأمر، واحتمال استغلال الثورة له؟

الجواب أن النظام يعرف تماماً خطورة هذا الأمر، خاصة أنه لا يملك أدوات وآليات لحله لأن الثورة أنهكته تماماً، لكنه يعوّل على تضييعنا لفرصة استغلاله، كما أضعنا قبل فرصاً ثمينة.

ويبقى السؤال ما هو دورنا كحاضنة ثورية في المناطق المحررة أو المهجر مما يجري في مناطقنا المحتلة؟

أي خلل داخلي وصراع في بنية النظام يعتبر مكسباً لنا، لأنه يقصّر من عمره الافتراضي، وبالتالي يخفّف من خسائرنا الكبيرة، ويعجل بنهاية مأساتنا، لذلك يعتبر التصرف الأمثل هو العزف على أوتار التفرقة بين مكونات النظام، وتوسيع التشققات الطارئة حتى تصبح فجوات كبيرة لا يمكن إغلاقها، وذلك يتم عبر إرسال رسائل تشجيع وطمأنة للحاضنة المتململة من ممارسات النظام في المناطق التي يحتلها، ودعم كل ما يمكن أن يثير الاضطراب بمناطقه ويظهره بمظهر العاجز الفاقد للشرعية، من احتجاجات مدنية سلمية ولأسباب اقتصادية واجتماعية بحتة، إلى عمليات أمنية وعسكرية كالتي تحصل في مناطق المصالحات، لكن علينا الانتباه ألا يكون دعمنا وتأييدنا فاقعاً، حتى لا نُكسِب النظام حجة لشيطنة الحراك والقضاء عليه، وليتشجع المحايد والمؤيد على الانخراط فيه.

من الأمور الهامة أيضاً في هذا الحراك، والتي يجب دعمها وإظهارها أنه يشمل "الأقليات" التي طالما تغنى النظام بحمايتها وتمثيلها، وبالتالي الصبغة التنوعية الطائفية لهذا التحرك المجتمعي هي نقطة قوة كبيرة لنا، وضربة موجعة للنظام تعريه وتفقده الشرعية التي يدعيها، وهذا ما جعله في حيرة وتردد من مظاهرات #بدنا_نعيش بين خيارات قمعها أو السكوت عنها أو احتوائها.

ينظر بعض الثوار نظرة فوقية لهذه التحركات ومن يقوم بها، وهذه النظرة يُخشَى أن يكون ضررها أكثر بكثير من نفعها، لأن الواقع يقول إن أغلب الشعب السوري كان من شريحة الصامتين، الذين لا تحركهم شعارات الكرامة والحرية، والإصلاحات السياسية، بل يحركهم رغيف الخبز وعلبة الحليب، وهذا حال أغلب الشعوب، حيث تكون نسبة النخب الثورية فيها لا تتجاوز العشرة بالمئة في أحسن أحوالها وأكثرها وردية، ثم إن الثائر يدرك أن معركته مع المستبد هي حول تحييد أو استقطاب الكتلة الصامتة التي دائماً ما تكون هي الأكبر، ودائماً ما تكون مع الأقوى، والتي للآن لم نخلق وسيلة للتواصل معها، ولم ننتج خطاباً نقنعها به أننا بديل أفضل من النظام، فضلاً على أننا استعديناها وازدريناها لأنها لم تتخذ الخيار الأخلاقي الذي أخذناه.

من لوازم تقديم أنفسنا كبديل مقبول عن النظام للداخل والخارج أن نكسر حالة الفوضى والعشوائية التي نعيشها، عبر إيجاد مظلة سياسية وعسكرية جامعة، تنافح عن مبادئ الثورة، وتمثلها في المحافل الدولية، وتنظم العلاقة مع الحلفاء، وتصبح هي الممثل الشرعي لسوريا، فمّما يخذّل الناس عن الثورة عدم وجود رؤية واضحة لها، أو مؤسسات قادرة ومنظمة، أو قيادة واعية جامعة.

تكاثر المصائب وتواليها يفقدنا توازننا، ويحرمنا أحياناً ميزة المحاكمة المنطقية السليمة للأحداث، نرى من الصعب أن نتقبل أناساً قرروا العيش في مناطق المجرم الذي هجرنا وقتلنا متجاهلين مأساتنا، لكن من قال إن في السياسة عواطف؟؟؟

قد نتفق أو نختلف بمدى أخلاقية ووعي ثورة الجياع المتأخرة عن ثورة الكرامة بسنوات، لكن من يطمح لبناء بلد قوي، وإنشاء نظام حكم رشيد يصبح مثالاً للشعوب عليه أن يضغط أكثر على جراحه، ويفكر بشكل يرتقي لمستوى هدفه.

معتز ناصر ( جاد الحق )
#نداء_سوريا