30‏/09‏/2017

اندماج الفصائل السورية بين الممكن والخيال العلمي

اندماج فصائل الثورة السورية بين الممكن والخيال العلمي

لقد طغت أخبار اندماج الفصائل على أي شيء آخر، حتى غدت حديث الناس في سهراتهم واجتماعاتهم، وصرت أشك لو أني فتحت صنبور المياه لنزل منه تسجيلات صوتية للشيخ فلان يبشر بها بقرب الاندماج المنشود الذي سينهي كل آلامنا ويحقق كل أحلامنا، أو مقال للمفكر علاّن ينذرنا بالويل والثبور وخراب الدور من هذا الاندماج، ثم عشرات الردود، ومئات الردود على الردود، وآلاف التعليقات.

وبما أن الكلام عن الاندماج أصبح ” موضة ” خريف وشتاء سنة 2016 فقد قلت لنفسي لِمَ لا أكتب أنا ” العبد الفقير لله ” و ” الثائر المعتر الدرويش ” عن هذا الاندماج قبل أن يصبح حقيقة وأكون قد خرجت من المولد بلا حمّص!؟

يلّح في بالي عدة أسئلة مهمة جدا قبل أن نندمج، مثلا من نحن!؟

هل نحن ثوّار وطنيون سوريون مسلمون نرى في ثورتنا جهاد في سبيل الله وقتالنا هو بالدرجة الأولى للدفاع عن المستضعفين وتحقيق آمالهم بالحرية والعيش الكريم ويجمعنا علم الثورة، وغايتنا بناء دولة سورية بما يتوافق مع دين أهل البلد وثقافتهم، أم نحن جهاديون عالميون نلبس الأفغانية، ونرفع رايات مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وغايتنا إسقاط أميركا وكل أذنابها من الحكومات العميلة والمرتدة وإقامة دولة خلافة إسلامية واحدة تحكم بشرع الله من المحيط الهادي إلى الأطلسي، مع التنبيه إلى أن علم الثورة راية عمّية…..

من نحن بالضبط…….!؟

سؤال آخر: على ماذا نجتمع؟

سيأتي الجواب ببساطة على الثوابت….

وما هي هذه الثوابت؟ ومن سيحددها؟

هذه الأسئلة هي غيض من فيض والتي يفترض الإجابة عليها قبل أن نندمج حتى نعرف أين نضع رجلنا، ويفترض أيضا أننا قد أجبنا عن هذه الأسئلة قبل زمن طويل، أما اليوم حين شد النظام حبله على رقبتنا ليخنقنا فأظن أنه من المتعذر الإجابة عنها والأولى إرخاء قبضة النظام بعمل عسكري والتوقف عن إضاعة الجهود وتشتيت الساحة بالأخذ والرد والتنازع بمسألة الاندماج.

الضغط الشعبي والكلام عن الاندماج زاد بالفترة الأخيرة بسبب حالة التراجع العسكري للثورة والتي سببت حالة من القلق في الحاضنة الشعبية تم التعبير عنها بالسخط على الفصائل، وتم ركوب موجة هذا السخط من قبل أعداء الثورة من النظام والدواعش عبر العمل لإسقاط الفصائل من قبل الحاضنة، والتي فسّرت هذا التراجع بالتشرذم وكثرة الفصائل.

جدير بالذكر أن النظام المتقدم علينا عسكريا لديه تقريبا 66 فصيل من الميليشيات الطائفية تحارب بصفه كلواء أبي الفضل العباس وما يسمى بالنجباء، ناهيك عن الميليشيات القومية ذات التوجه اليساري كنسور الزوبعة والحرس القومي العربي، إضافة لقطعان الشبيحة المحليين الغير مؤدلجين وبقايا جيشه المهترئ، وقوات روسية وإيرانية.

لماذا لا نسمع في صفوف النظام دعوات لدمج وتوحيد هذا الخليط العجيب الغير المتجانس!؟

الجواب يعود لسببين:

أولا: وضوح البوصلة عند العناصر السابقة ذكر جميعها على الأقل للمستقبل القريب، ويتمثل هذا الوضوح بالقضاء على الثورة السورية والشعب السوري بأي ثمن، أما تقسيم الكعكة فيؤجل إلى ما بعد النصر على العدو.
ثانيا: انضباط هذه الميليشيات إلى حد كبير بالقرار العسكري والسياسي النابع من القيادة المشتركة الواحدة، مما يعطيها حالة من النظام والانسجام أقوى من الفصائل الثورية، وتترجم هذه الحالة بانتصارات على الأرض.

فبالله عليكم ألسنا نملك من المقومات المشتركة للاجتماع من الدين واللغة والعادات وصلات القربى والجوار ووحدة الهم والمصير أضعاف ما يملكه عدونا؟

الجواب طبعا نملك

إذن لِمَ على الأقل لم نوحّد خطابنا السياسي أو قيادتنا وقرارنا العسكري؟
فكيف من عجز عن هذا البعض من التوحّد سيقوم نفسه بذاك الكل من الاندماج!؟ يتسائل مراقبون….

ثم إن من سيحقق لنا اندماج العمر هو نفسه من أعاق وخرّب كل الاندماجات السابقة، ألا وهم قادتنا الأشاوس الذين لم يجمعهم ببعضهم لا الدين ولا المصلحة الدنيوية المشتركة.

فهذا الإصرار العجيب على البقاء على الكرسي والعض عليه بالنواجذ، يذكرني بشعار إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد، والذي كانت جماهير الشعب السوري تردده بعفوية وقناعة وضع 46281967619307168 خط تحت هاتين المفردتين، في كل مرة نجدد بها البيعة للقائد الخالد الفذّ الملهم، وحيد دهره وفريد عصره.

يبدو أننا قبرنا قائدا خالدا واحد، لكننا استنسخنا منه عشرات…..

ومما يزهدني أيضا في حكم أندلسٍ على رأي الشاعر، تسجيل صوتي لبعض قادة الفصائل المعروفة بتضحياتها وجهادها، يصرّح فيه ألا مشكلة لديه بالتنازل عن القيادة لصالح الصف الثالث والرابع، ويبقى هو وزملاؤه من القادة السابقين الذين سيصبحون عاطلين عن العمل كمجلس أمناء أو شورى يتحفوننا بنصائحهم الفذة وتوجيهاتهم الفريدة…..

سبحان الله زهد بالإمارة ما بعده زهد، وتغليب للمصلحة العامة يعجز البيان عن وصفه…..
أخطر ما يهدد الثورة هو حشرها في نماذج مسبقة الصنع متنافرة، مثل اندماج يجمع مايسمى بالفصائل المعتدلة بطرف، وفتح الشام ومن معها ممن يدعى فصائل إسلامية طرف آخر، فتتكرر لدينا ثنائية صحوات ودواعش، وهي عبارة عن مسلسل حزين مدمر من مليون جزء مزّق المقاومة العراقية، وبعثر معها العراق شعبا ودولة، وجعلهما لقمة سائغة بفم الذئب الإيراني المتربص.

طبعا لابد من التذكير أن جبهة درعا التي انخفضت فيها درجة حرارة المعارك إلى ما تحت الصفر بألف درجة رأس الحربة فيها هو ما يسمى ” الفصائل المعتدلة “، وأيضا حلب التي تملك العشرات من هذه الفصائل المعتدلة سقطت بيد النظام بسرعة الضوء، وتباهى النظام عبر إعلامه بكمية السلاح والذخائر التي تكفي تحرير سوريا وغنمها النظام من مستودعات هذه الفصائل.

أو النوع الثاني من الاندماجات، وهو اندماج ” كلنا قاعدة ” وإن صنفونا إرهاب قلت الشرف يا احباب، حيث سيختصر الساحة الشامية بمفهوم ضيق أحادي البعد، ويستجلب عليها من البلاء ما يدك الجبال الرواسي، خاصة أن القاعدة ليست لها تجربة حكم وإدارة واحدة ناجحة يستند عليها في بناء دولة، وكل ما تعرفه عن الإدارة هو ما سطره لها أبو بكر ناجي في رائعته الخالدة ” إدارة التوحش ” .
وطبعا القاسم المشترك لفشل كل مبادرات الاندماج السابقة واللاحقة هو دور البطولة المكرّر الذي يقوم به نفس الممثليين من القادة، إذ عقمت نساء المسلمين أن تلد وجوه جديدة خليقة بالقيادة.

وأنا أعجب من كل صوت لقائد أو شرعي أو إعلامي يطالب الفصائل بالتوحد الآني دون أن يقدّم أي مساعدة لهذا التوحد!؟، فهل مثلا من يدعو للتوحد قدم سياسة مالية مشتركة للفصائل تستند عليها حتى تستطيع جمع مكاتبها المالية، أم هل قدم هيكلية إدارية وتقسيم للسلطات تعتمده الفصائل خلال فترة معينة كتسهيل لجمعها ودمجها؟، بل هل أصلا الفصائل فيما بينها متفقة على توجه سياسي واحد، أو مرجعية شرعية وقضائية مشتركة!؟ الجواب على كل ما سبق هو ” لا ” فكيف ستندمج الفصائل وعلى ماذا!؟

حتى فيروز في الأغنية الشهيرة سألت حبيبها لوين رايحين!؟ إذ رغم حبها له فمن حقها أن تسأل وتستفسر حتى يطمئن قلبها، فلماذا نحن حين نسأل قادتنا وشرعييهم لوين رايحين تأتينا عشرات الآيات والأحاديث التي تبشرنا بخزي الدنيا وعذاب الآخرة إذ نتطاول على من يمثل شرع الله ونشكك بهم!؟

والله يا معاشر قادة الفصائل والعلماء وطلّاب العلم أنا أسامحكم بالاندماج الكامل وأسامحكم بكل أخطاء السنوات السابقة إن استطعتم فقط أن توحدوا لنا القضاء، أو الجهد العسكري بما يرجع لنا زمن الانتصارات الجميل، وحينها ستدفعوني رغما عني أن أصدق دعواتكم الاندماجية.

إذا كنا نريد الاندماج حقا فلنعمل له عبر الأخذ بسنن الله الكونية حتى يكون نموذجا تطبيقيا واقعيا يرضي الله بأمره بالاعتصام وذلك عبر الخطوات التالية:

1) إيقاف خطاب المزاودات والتخوين، وسياسات الإسقاط والتشهير الإعلامي من جميع الأطراف.

2) الاتفاق على مرجعية شرعية مؤهلة وإعطائها صلاحيات تسهّل عملها، واعتماد علم الثورة السورية راية لجميع تشكيلات الثورة.

3) غرفة عمليات عسكرية واحدة تجمع الكل وتوحّد الكلمة والعمل.

3) توحيد المحاكم والقضاء، والحواجز، وتفعيل دور الشرطة الحرة، وفصل العسكرة عن الإدارة المدنية، وتسليم ملف الإدارة والخدمات لمن يحقق شَرطَي القوي الأمين.

4) توحيد مناهج المعسكرات وخاصة الشرعية منها، والقيام بمعسكرات مشتركة تجمع كل الفصائل.

5) توحيد الخطاب والعمل السياسي والإعلامي.

6) اعتماد سياسة مالية وهيكلية إدارية واحدة عند جميع الفصائل تمهيدا لدمجها.

7) أن يكون الاندماج شاملا لجميع التشكيلات الثورية المدنية منها والعسكرية، وكل يعمل باختصاصه، مع تقديم الأكفاء والكوادر وإقصاء غير الأكفاء عن القيادة، وأولهم القيادات الحالية.

بهذه الخطوات المنطقية التي تراعي أمر الله وسننه، نحصل على اندماج ناجح وله قابلية للاستمرار والتطور لدولة في فترة لا تتجاوز السنة الواحدة بإذن الله.

” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا “

” إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنه بيان مرصوص “

بهاتين الآيتين الكريمتين ومثلهما من كلام الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، يتم افتتاح كل بيان يتم فيه إعلان انشقاق فصيل أو ولادة فصيل جديد يزيد المتفرق تفرقا، وكأن تالي البيان يريد أن يزرع في عقولنا معنى مضاد للمعنى الأصلي للآيات التي توجب الوحدة والاعتصام، وهو ما حصل فعلا…!

لذلك أخي الثائر والمجاهد والمواطن العادي لا تنخدع بكل دعوة للاندماج تسمعها لأن من يسوّق لها اليوم عبر التلاعب بكلام الله وشرعه، له مقاطع على اليوتيوب شاهدات على كذبه ودجله، ولو كان حريصا على الساحة بحق لما وجدناه ينادي بالاندماج، لأنه ببساطة سيكون مندمجا مع إخوانه، متلاشيا معهم، بعيدا عن البهارج وعدسات الإعلام والأضواء، وما كلام الاندماج إلا هروب للأمام من تراكمات الفشل الثوري المتوارثة، ولاتزال أشباح اندماجات الجبهة الإسلامية والشامية والجنوبية تغزو أحلامنا وتعكر صفو أملنا.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق