30‏/09‏/2017

بين ملوك الطوائف في الأندلس و ملوك الفصائل في سوريا

مقدمة تاريخية لا بد منها:

كان الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر من أقوى الشخصيات التي حكمت الأندلس ، إلا أن اجتهاداته السياسية في تصفية كل من له طموح بالحكم أدت إلى فراغ قيادي كبير بعد وفاته ، حيث لم تستمر دولة ابنه عبد الملك من بعده إلا ست سنوات انتهت بعدها فترة الخلافة الأموية للأندلس و بدأت مرحلة ملوك الطوائف.

و ملوك الطوائف فترة تاريخية بدأت سنة 422 هجرية لما أعلن أبو الحزم بن جهور سقوط الخلافة الأموية ، و صارت الدولة الواحدة اثنتين و عشرين دويلة كل منها تحاول أن تصور نفسها وريثة الخلافة ، و صار أمراء هذه الدول ألعوبة بيد ملوك النصارى ، يدفعون لهم الجزية و يستعينون بهم ضد بعضهم البعض ، و من المضحك المبكي أن تسمى كل أمير من أولئك الأمراء بأمير المؤمنين ، فكان الراكب يمشي مسافة يوم و ليلة ( ما يقارب ثمانين كيلو متر ) ليمر على ثلاثة أمراء مؤمنين!

حتى قال الشاعر أبو بكر بن عمار :

مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْض أَنْدَلُـسٍ *** أَسْمَاءُ مُعْتَمِـدٍ فيهـا وَمُعْتَضِـدِ
أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا *** كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صُورَةَ الأَسَدِ

و الأدهى و الأمر أن كان هناك طبقة من الكهنة تلبس زوراً زي العلم الشرعي ، و مهمتها الترقيع لما يصدر عن أولئك الأمراء من أجل تخدير الشعب حتى لا يثور و ينهي المهزلة .

أما الجيوش و العسكر كانت مهمتها أن تسوم عموم الشعب سوء العذاب و الكبت ، وتحارب في صفوف النصارى ضد المسلمين ، و إن شئت أن تزداد من المأساة فاقرأ عن مدينة بَرَبُشتَر و ما حل بها كمثال عن حالة التبلد و العجز و الوهن التي أصابت مسلمي الأندلس نتيجة للبطر و الترف السائد حينها ، مما جعل فكرة رد صائل الصليبيين فكرة مستبعدة و غير مقبولة لدى عامة و خاصة أهل الأندلس ، فكان منتهى أملهم اتفاقية سلام و تطبيع مع الصليبيين ، تنتهي بحل سياسي انبطاحي يقوم على الأمر الواقع المهين و دفع جزية للصليبيين.

و لم يُعدَم أهل الأندلس من علماء صادقين يدعون للجهاد و يحذرون عاقبة موالاة الصليبيين ضد المسلمين ، و على رأسهم ابن حزم الأندلسي ، و ابن عبد البر المالكي.

و لا يزال حال مسلمي الأندلس في إدبار ، وأمرهم في تفرق ، حتى سقطت طليطلة بيد ألفونسو ملك قشتالة ، و فعل بأهلها الأفاعيل من قتل و هتك للأعراض ، فتداعى ملوك الطوائف للاجتماع و مناقشة مستجدات الوضع الأندلسي ، فأشار المعتمد بن عباد ملك إشبيلية بالاستعانة بيوسف بن تاشفين إمام المرابطين ضد ألفونسو و من معه من صليبيين.

لاقى هذا الطرح المعارضة من أغلب ملوك الطوائف خوفاً على عروشهم المهزوزة من ابن تاشفين ، لكنه على الطرف الآخر لاقى القبول من العلماء و من المتوكل بن الأفطس ملك بطليوس و عبد الله بن بلقين ملك غرناطة ، و قال المعتمد لمن خوفه من الاستعانة بابن تاشفين قولته المشهورة التي لما نسمعها من أمراء اليوم " والله لئن أرعى جمال ابن تاشفين أحب إلي من أن أرعى خنازير لاذفونش ، و والله لا أعيد الأندلس ديار كفر فتقوم علي لعنة المسلمين على المنابر كما قامت على غيري "

و فعلاً تم قبول الاستعانة بابن تاشفين و بضغط كبير على الأمراء من قبل العلماء و الشعب ، و دخل المرابطون الأندلس ليسحقوا الصليبيين في معركة سهل الزلاقة و ينقذ الله بهم الأندلس لعدة مئات من السنين ، ثم مالبث ابن تاشفين أن أزال العروش الهرمة للأمراء الذين كاد طمعهم و عجزهم أن يعجل زوال الأندلس، بعد أن أفتى له بذلك العلماء الصتدقون لا المرقعون.


أوجه الشبه بين وضع الأندلس في الأمس و وضع سوريا اليوم:

1) الفراغ القيادي سواء كان عسكرياً أم سياسياً الذي خلفه المنصور بن أبي عامر و أدى لنشوء ملوك الطوائف ، يشبه الفراغ الذي تركته الثورة و الذي تنافست الفصائل لسده بشكل إقصائي و من منظور فصائلي ضيق مما سبب فشل الجميع.

2) تسمي ملوك الطوائف كل منهم بأمير المؤمنين ، و مرور الراكب بثلاثة منهم في مسافة لا تتجاوز الثمانين كيلو متر يشبه الكانتونات الفصائلية اليوم ، فيكفيك أن تركب سيارتك و تمشي في المناطق المحررة نفس المسافة لترى على كم حاجز ستمر ، و كل حاجز لفصيل ، و كل فصيل يصور نفسه من زاويته الضيقة على أنه المهدي المنتظر لهذا الشعب المسكين ، و إن كانت نسبة هذه النظرة تختلف من فصيل لآخر ، فهي تزداد عند فصائل بعينها ، و تنقص عند أخرى.

3) التخاذل في نصرة الأندلس في أمس الدابر ، يشبه التخاذل في نصرة سوريا اليوم ، إلى أنه في سوريا أشد و أبشع ، فهو ليس تخاذل فقط بل هو تحالف من قبل الدول العربية و الإسلامية شعوباً و حكومات مع الجلاد ( النظام ) ضد الضحية ( الشعب ) ، و زاد أيضاً من شدته تخاذل بعض فئات الشعب السوري عن جهاد الصائل ، خاصة فئتي الشباب و الكوادر العلمية و الثقافية ، التي إما اصطبغت برمادية عمياء أعاقتها عن نصرة المظلوم ، أو هربت لأحضان الماما ميركل.

4) علماء السلطان المرقعون نفسهم في العصرين ، سواء منهم من أفتى لملوك الطوائف أو يفتي اليوم لملوك الفصائل ، والعلماء الصادقون نفسهم في العصرين ، سواء منهم من جاهد و حرض على الجهاد ، أو طرح المبادرات للّم الشمل و التوحد.

5) الشعب المكبوت من ملوك الطوائف نفس الشعب المكبوت من #ملوك_الفصائل ، و جند ملوك الطوائف نفسهم جند #ملوك_الفصائل

6) الممالك الصليبية التي تقتل و تغزو و تغتصب ، و يتحالف معها ملوك الطوائف ضد بعضهم هي نفسها الدول الصديقة للشعب السوري التي تقصفه و تعين أعداءه من جيش ثوار و pkk و نظام عليه و يتحالف معها #ملوك_الفصائل ضد بعضهم.

بعد كل هذه القواسم المشتركة بقي هنالك فارق واحد ألا و هو المنقذ أو يوسف بن تاشفين سوريا اليوم.

 إياك عزيزي المواطن السوري أن تظن أن هناك يوسف بن تاشفين سيأتيك من خارج سوريا ، لأن كل من خارج سوريا ما هو إلا ألفونسو يتربص بك دوائر السوء ، لذلك الحل الوحيد لك أن تكون أنت بطل نفسك أي يوسف بن تاشفينك الخاص ، و لا يكون ذلك إلا بالدعوة للتوحد تحت كيان سياسي و عسكري و فصائلي يحافظ على ثوابت الثورة و ينهي مهزلة #ملوك_الفصائل.

كن أنت بطل نفسك ، ثق بربك ثم بثورتك التي تحديت العالم بها ، شعب صبر على كل هذه المحن سبع سنوات عجاف خليق به أن يصنع ألف ألف يوسف بن تاشفين ، إياك أن تنتظر النصر من الأمة المهزومة ، إياك أن تنتظر العسل من أفواه أفاعي الشرق و الغرب التي تكيد لك كيداً تزول منه الجبال ، ما عليك إلا أن تعتصم بحبل الله ، و تمشي في ركب العلماء العاملين الصادقين ، الذين يريدون جمع الكلمة و توحيد الصف.

كن أنت الفيصل ، كن أنت القوة التي تدفع نحو الاتحاد ، و افضح كل صاحب مشروع فصائلي لا يريد مصلحتك و يقدم عليها مصلحة فصيله ، و تذكر دائماً هتافك الأثير هييييييي يالله ما منركع إلا ل الله.
 
جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق