30‏/09‏/2017

صناعة التطرف

التطور الصناعي و الإنتاجي ليس حكراً على الأمور المادية ، بل امتد ليشمل مجالات أخرى إنسانية و فكرية و منها #التطرف.

التطرف لغة من طرف و تطرف بمعنى أخذ طرف الشيئ.

أما في لغة اليوم فقد أصبح حكراً على الإسلام و المسلمين ، فما أكثر أن نسمع مسلم متطرف ، و جماعة إسلامية متطرفة ، حتى تبرمجت عقولنا على ربط الإسلام و شعائره و قيمه بالتطرف و قلما أن تسمع عن منظمات متطرفة غير إسلامية كجيش الرب الأوغندي ، و الجيش الجمهوري الإيرلندي المسيحيين ، و حزب العمال الكردستاني و حركة إيتا الانفصالية ذوي التوجهات اليسارية و جيش المهدي و فيلق بدر الشيعيين و غيرها من تنظيمات ذات أيدولوجيات غير إسلامية ، بل لو أردنا إحصاء المنظمات اليهودية و اليسارية و المسيحية و البوذية و الهندوسية المتطرفة لوجدناها أكثر عشرات المرات من الإسلامية ، و من غير المعقول حصر التطرف و الإرهاب بالتنظيمات الإسلامية فقط ، و ترك الحكومات الإرهابية التي تعتبر المصنع و المورد و الداعم الأول للتطرف في العالم كنظام بشار الأسد و السيسي و الخميني و حكومة ميانمار و أفريقيا الوسطى و من قبلهم الخمير الحمر في كمبوديا و القوميين الصرب بمعزل عن المكافحة و التضييق ، بل على العكس نجد تواطؤ دولي للإبقاء على هذه الأنظمة و تقديم ما يلزمها من دعم مالي و عسكري و غطاء سياسي ليداري سوءاتها.

في القدم لم يكن التطرف كلفظة مستعمل بل كان يستعاض عنها بالغلو ، الذي معناه الإفراط و مجاوزة الحد في الشيئ ، و الغلو الديني معروف من عصر المسلمين الأوائل ، و قد تصدى له أهل العلم بحثاً و تمحيصاً و تحذيراً ،
لكن الفرق بين الغلو و التطرف هو أنه في المجتمع الطبيعي الذي يسوده الإسلام باعتدال منهجه و سماحته من يشدد في أحكام الدين و يفرط بالتشديد هو غالٍ ، و ذلك لوجود الأصل ألا و هو الإسلام ، أما في ظل حكومات الاستبداد اليوم ، حيث قامت هذه الحكومات العميلة بما عجزت عنه الدول الغربية من حرب على الدين ، و سلخ الإسلام من كيان المجتمعات المسلمة ، و حصره في طقوس شعائرية تقام تحت نظر المخابرات فهنا وُلِد التطرف.

إن فرض العلمانية على المجتمعات المسلمة بالحديد و النار المتمثلة بمقولة فصل الدين عن الدولة من قبل حكومات و أنظمة مجرمة ، كنظام أتاتورك و عبد الناصر و جوزيف تيتو و حافظ الأسد ، جعل ممن يتمسك بالدين يبتعد عن عامة تيار المجتمع منزوع الدين و بالتالي أصبح متطرف عن المجتمع.

و مع تمايز من يأبى نزع الهوية عن باقي المجتمع المغيب تبدأ المرحلة الثانية من صناعة التطرف

هنا يزج بأصحاب الفكر الإسلامي بالمعتقلات كتدمر في سوريا و السجن الحربي في مصر و بوكا في العراق ، و تبدأ عليهم أصناف العذاب الجسدي و النفسي التي لم يسمع بها في تاريخ البشر ، و يزرع زبانية المخابرات في عقول المعتقليين أن المجتمع يكرههم و يمقتهم و تخلى عنهم ، ثم بعدها تأتي المرحلة الثالثة بزرع عناصر استخباراتية بين صفوف المعتقلين تروج للتكفير و الانتقام ، و بنفس الوقت و خارج المعتقل يكون الضخ الفكري العكسي ، و ذلك عبر تلميع صورة الانبطاحيين و المميعيين من الدعاة و المشايخ ، الذين يروجون لإسلام علماني أو إسلام منزوع الدسم ، إسلام يقتصر على شعائر عبادية ، و أخلاق مثالية خيالية تناسب مدينة أفلاطون ، و يبتعد كل البعد عن عقيدة الإسلام كالتوحيد و إقامة الشرع و الجهاد.

المرحلة الرابعة أخرج المتطرفين من المعتقلات ، و اصدمهم بالمجتمع ، ثم جهز لهم ضباط مخابرات في ثوب مشايخ لديهم توجه سلفي جهادي ، و أقم لهم معسكرات للتدريب العسكري ، زودهم بالسلاح ثم المرحلة الخامسة و الأخيرة أطلقهم على المجتمع كالكلاب المسعورة لتنهش فيه و بالتالي تزيد تعلق الأفراد بالحكومات لتحميها من أولئك المتطرفين ، و هنا يبدأ المرح الحقيقي عند الأنظمة الحاكمة ، فالحكومة تعلن حالة الطوارئ لأنها تحارب الإرهاب ، الحكومة تضيق الحريات و تكمم الأفواه لأنها تحارب الإرهاب ، الحكومة لا تحارب الفساد الذي انتشر لأنها مشغولة بحرب أهم مع الإرهارب ، و كل من يتجرأ على رفع صوته مصيره الدخول إلى المعتقلات و أفرع الأمن ( مصانع التطرف و الراعي الرسمي للإرهاب ) و ذلك بحجة العمالة و الخيانة فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

و يكفيك أن تتبع قصص قادات التطرف و التكفير لترى بصمات المخابرات التي لا تخطئها العين ، ففي الجزائر مثلاً بالتسعينات ، انشق عن الجيش الجزائري ضابط يسمى حبيب سويدية و ألف كتاباً يسمى الحرب القذرة ، حكا فيه كيف كانت الحكومة تلبس عناصر الجيش و المخابرات ملابس الإسلاميين و تركب لهم ذقون مستعارة ، ثم تطلقهم ليرتكبوا المجازر و الموبقات في الشعب الأعزل ، و لو شئت الاستزادة راجع أيضاً شهادة أبي مصعب السوري عن التجربة الجهادية في الجزائر و كيف أفسدها المتطرفون التكفيريون الذين كان أغلبهم عملاء مخابرات مختلفة.

لدينا أيضاً تنظيم داعش و الذي كان أهم عوامل القضاء على المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي و التي أوشكت على سحق أميركا عسكرياً في العراق بشكل كامل ، ليظهر تنظيم داعش و يقوم بتكفير فصائل المقاومة العراقية و اتهامهم بالردة و العمالة ، و طبعاً للمصادفة المحضة و باستعراض سريع لقيادات تنظيم داعش تجد مثلاً ضابط المخابرات العراقي البعثي سمير الخليفاوي أو ما يعرف بحجي بكر أهم قياديي هذا التنظيم بعد وصول أذرعه لسورية ، إضافة إلى إبراهيم سبعاوي الحسن ابن قائد المخابرات البعثية العراقية ، و لدينا أبو أيمن العراقي الذي كان ضابط برتبة مقدم في المخابرات الجوية العراقية أيام حكم البعث ، ناهيك عن العديد ممن أعدمتهم داعش نفسها بتهمة أنهم مخابرات أجنبية كأبي مصعب الكويتي الشرعي السابق في التنظيم و الذي أفتى بقتل الشعيطات حيث اكتشفوا فجأة أنه عميل للمخابرات البريطانية.

و باتباع الخطوات الخمس السابقة تحصل على عدو متطرف يناسبك ، و يقدم لك السبب لتفعل ما تشاء كيفما تشاء وقتما تشاء فقط قل إنك تحارب الإرهاب.
هذا غيض من فيض عن #صناعة_التطرف و هناك آلاف الأمثلة و الشواهد التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ظهور التكفيريين ليس أمراً اعتباطياً و لا محض صدفة ، بل هناك خطوط إنتاج تصنعهم بالجملة ، و شركات نشر و تسويق تزرعهم حيث يكون هناك أي تهديد للأنظمة المستبدة ، و عندما ينهون مهمتهم يتم التخلص ممن لا لزمة لهم ، و جمع الباقيين لإعادة التدوير حتى يلبوا الطلب عند الحاجة لهم مجدداً.

جاد الحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق