02‏/12‏/2017

#دروس_وعبر_من_سقوط_الأكاسرة 4

معركة الجسر

تعد هذه المعركة الهزيمة العسكرية الوحيدة التي تلقاها المسلمون في فتح العراق، وكانت هذه الهزيمة نتيجة طبيعية لمجموعة من الأخطاء العسكرية التكتيكية، لذلك أفردنا لها مقالا خاصا بها، نستعرض به هذه الأخطاء التي لازلنا نكررها بعد سبع سنوات من الثورة، وحوالي 1425 سنة من معركة الجسر.

حين وصل بهمن جاذويه إلى موقع قس الناطف، كان الفرات يشكل حاجزا طبيعيا بين المسلمين والفرس، فأرسل " بهمن " إلى أبي عبيد أن إما نعبر إليكم وتدعونا نعبر بسلام، أو تعبروا إلينا وندعكم تعبرون بسلام.

أشار أصحاب الرأي على أبي عبيد أن يسمح للفرس بالعبور، حتى يكون الفرات وراءهم، وبالتالي يُحصَرون في منطقة ضيقة، تمنع الفرس من المناورة.

لكن أبا عبيد رحمه الله كان عاطفيا متسرعا، وخالف الشورى حيث قال " والله لا يكونون أحرص على الموت منا " واتخذ قرارا خاطئا بعبور الفرات نحو الفرس ( كم أهلكت العنتريات، والعواطف الغوغائية، والتفرد بالرأي، أنفسا مجاهدة منا، وجعلتنا نخسر معارك حاسمة ) ، وفعلا تم إنشاء جسر خشبي على الفرات لعبور المسلمين ( لاحظ استخدام الهندسة العسكرية من المسلمين ) وبهذا الجسر سميت المعركة.

بدأت المعركة الرهيبة، واستخدم الفرس فيها 9 أفيال، مما جعل خيل المسلمين تفر منها، واضطر المسلمون للقتال راجلين، مما أفقدهم ميزة تكتيكية أخرى ( علينا دائما أن ننتبه للأسلحة النوعية التي بيد العدو، ونحاول أن نوجد لها حلول بديلة لتحييدها قبل دخول المعارك ).

حمل أبو عبيد بنفسه على أحد الأفيال، بعد أن أوصى بالقيادة من بعده لسبعة أشخاص كلهم من عشيرته ( كم كانت الولاآت المناطقية والعشائرية، وعدم استغلال الكوادر، سببا في حرمان المسلمين من قادة أكفاء يكونون سببا في انتصارهم ).

استشهد أبو عبيد تحت أقدام الفيل، مما سبب تضعضعا في صفوف المسلمين، ثم قُتِلَ بعده السبعة من عشيرته الذين ولاهم، إضافة لأعداد كبيرة من المسلمين.

أتى رجل من المسلمين يفكر بعاطفته لا بعقله، وقام بكارثة كبرى، حيث قطع الجسر الخشبي مانعا المسلمين من العبور، وقال لهم " موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تنصروا !! " .

سبب هذا العمل غير المسؤول اضطرابا شديدا عند المسلمين، حتى قذف الكثير منهه بنفسه في الفرات مما أدى لغرقهم.

غضب المثنى غضبا شديدا من الرجل، فقام بضربه وتوبيخه على فعلته ( القائد الناجح يكون حازما، ويعرف كيف ومتى يعاقب ).

قام القائد المثنى بموقف بطولي عبقري، إذ نذر نفسه لله عبر الدفاع عن المسلمين ليلموا شتاتهم، ويستعيدوا توازنهم، وينسحبوا بانضباط، بعد أن كلف مجموعة منهم بإصلاح الجسر، ووقف هو بنفسه ترسا للمسلمين دون أعدائهم يحمي ظهرهم وهم ينحازون.

وبعد أن اطمئن المثنى على انحياز الجيش المنظم، قام هو بالانحياز وقد تعرض لجراح خطيرة وهو يدافع عن المسملين المنحازين، وكانت خسائر المسلمين حوالي الألفي شهيد، وألفين فروا، بينما قُتِلَ من الفرس 6 آلاف.

حين وصل خبر الهزيمة لعمر رضي الله عنه، بكى مشفقا على حال جنده، ولم يوبخهم أو يحطم من معنوياتهم، بل قال " اللهم إن كل مسلم في حل مني، رحم الله أبا عبيد لو انحاز إلي، أنا فئة كل مسلم "

انسحب المثنى من الجسر مستدرجا الفرس وراءه، حتى وصل إلى موقع " ألّيس " وهناك حين وجد الظروف مناسبة لجيشه لخوض المعركة، فقام بالانقضاض على الفرس وتمزيقهم، مما أفسد عليهم فرحة الجسر، فيالتلك الروح المعنوية لجيش المسلمين التي تذكرنا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرجوا في حمراء الأسد ليثأروا لأحد، ويالتلك العبقرية العسكرية للمثنى التي اقتبسها من المعلم الأكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم!.


المزيد من المشاكل الداخلية في فارس

أتى شخص فارسي يسمى " الفيرزان " ونازع رستم على الحكم، لتدخل فارس دوامة أخرى من الصراعات البينية، التي كالعادة استغلها العبقري المثنى ليريح جيشه المتعب، وليراسل الخليفة عمر كي يبدأ حملة تطوعية جديدة لصفوف المسلمين، مقترحا عليه أن يدخل فيها من حَسُنَ إسلامه ممن ارتد سابقا، ( هذا يبرز ضرورة وجود مؤسسات إعادة تأهيل للسجناء السياسيين، وأسرى الحرب، وأصحاب السوابق، حتى يتم الاستفادة منهم عسكريا، بعد تصحيح سلوكهم وفكرهم، كما شكلت إيران من أسرى الجيش العراقي في حرب الخليج الأولى ميليشيات فيلق بدر، وكما يقوم النظام بمصالحات مع بعض المرتزقة المحسوبين على الثورة ليعيد إدخالهم في مؤسسته العسكرية ) وفعلا وافق عمر على ذلك، مما أدى لجمع جيش ضخم للمسلمين.

جمع الفرس جموعا ضخمة ما يقارب 150 ألف مقاتل، وولوا على جيشهم قائد يدعى مهران، حيث التقى مع المسلمين شمال الحيرة في منطقة تسمى " البويب " وكان الفرات يفصل بين الطرفين، وكالعادة عرض الفرس على المسلمين أن يعبر طرف لآخر، فاستفاد المسلمون من معركة الجسر، وتركوا الفرس يعبرون إليهم، فيكون الفرات خلف الفرس، وبذلك حشر الفرس نفسهم بمكان ضيق، وخطب المثنى بجيشه محفزا لهم على الجهاد والبذل ( يجب أن يتحلى القائد الناجح بصفة التحدث أمام الجمهور وإثارة حماستهم ).

بدأت المعركة العنيفة وطالت، فأحب المثنى حسمها بسرعة، فحمل على قلب الجيش الفارسي، وتمكن المسلمون من قتل قائد الجيش الفارسي، فانهارت معنويات الفرس، وحاولوا العبور للضفة الأخرى، لكن المثنى قطع عليهم الجسر الذي أنشأوه واضطرهم للقفز في الفرات فهلك أكثرهم غرقا.

قطع الجسر من المثنى كان خطأ كبيرا، اعتذر عنه المثنى لاحقا، لأن إغلاق طرق الانسحاب على العدو يجعله يقاتل باستماتة وتصميم.

استغل المثنى ارتفاع الروح المعنوية لجيش المسلمين وتحطمها لدى الفرس، فشن غارات خاطفة على أسواق الفرس، ليسبب لديهم أزمة اقتصادية خانقة تثير السكان على الطبقة الحاكمة.


إرهاصات القادسية

بحث الفرس عن أي ذكر من نسل كسرى أبرويز ليولوه الملك، وينهوا الانقسام السياسي في مملكتهم، وفعلا وجدوا ذكرا اسمه " يزدجرد " من أحفاد أبرويز، فولّوه عليهم، وانتظم عقدهم من جديد، وأرسلوا للمدنيين الفرس المقيمين في مناطق المسلمين ليحرضوهم على الثورة عليهم، فخاف المثنى من غدر الفرس، وانسحب من كل المناطق المحررة، وعسكر في ذي قار، وهي منطقة صحراوية لها أهمية رمزية عند العرب، حيث كانت أول انتصار للعرب على الفرس في بدايات البعثة النبوية. ( القائد الناجح صاحب مكر ودهاء، تارة يتقدم، وتارة يتأخر، ولا يعبء بالمزاودين، والغوغائيين، والمنافقين ).

وبهذا نكون وصلنا لموقعة القادسية الخالدة التي سنفرد لها بإذن الله مقالا خاصا بها....

#يتبع......


جاد الحق






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق