16‏/12‏/2017

أن نصنع أجيالا ثورية

سبعون عاما على اغتصاب فلسطين من الصهاينة ولازالت جذوة الجهاد الثوري الفلسطيني مشتعلة في صدور أبناء فلسطين.

سبعون عاما ولا تزال البندقية تنتقل من جيل لجيل، وراية الجهاد الثوري يتوارثها الأحفاد عن الآباء عن الأجداد.

لو فتشنا عن سبب استمرار الجهاد الثوري الفلسطيني رغم تقادم الزمن، وتشابك الأحداث، وعبور القضية منزلقات ومنعطفات وسهول ووديان وجبال ومفازات، لرأينا الجواب يكمن في التربية.

أجيال تربت على الإخلاص للقضية، واحترام رموزها، وحب الوطن، وبذل الغالي والرخيص في سبيل الحق، وهكذا يأتي كل جيل من المجاهدين الثوريين ليكمل مسيرة الجيل الذي سبقه، حتى يصل الشعب للهدف المنشود.

كم نحتاج في ثورتنا السورية لهذه التربية، فبتحليل بسيط لمراحل الثورة السابقة نجد أن شعبية الثورة تزداد وتنقص حسب منعكسات الأوضاع عليها، وبالتالي الجمهور الثوري يتقلص ويتمدد بردات فعل على الأحداث الجارية.

في بدايات الثورة، كان خروج المظاهرة، أو كتابة عبارات أو منشورات معارضة للنظام يرقى لمستوى عملية استشهادية، وبالتالي كان عدد الثوار قليلا بسبب ارتفاع نسبة الخطورة.

بعد أن سقط حاجز الخوف عند الشعب، وشاهد الناس الوجه الحقيقي للنظام، والتعاطف العالمي مع الثورات السلمية، زادت نسبة المظاهرات، واتسعت رقعتها وتنفس الناس الحرية للمرة الأولى فعشقوها، وتولدت لديهم تلك الصور الوردية المثالية الخيالية عن تحركات الشعوب والثورات السلمية.

ثم أتى العمل المسلح كضرورة مفروضة لحماية الثورة السلمية، وبدأت المعارك مع آلة النظام العسكرية، وبذلك تقلص عدد الثوار، بسبب انسحاب بعض المثاليين الحالمين من الثورة، نتيجة صدمة العمل العسكري، التي لا تتحملها مشاعرهم الرقيقة.

ومع خروج داعش خنجر النظام الدولي لطعن حركات الشعوب، وظهور بعض المفسدين والأخطاء من قبل الجيش الحر كنتيجة حتمية ومتوقعة لخمسين سنة من التربية البعثية الإفسادية، خرج المزيد من الثوار.

عقب ظهور داعش حصل تراجع عسكري كبير للثوار، ثم أتت فتنة قسد، واستمر التراجع العسكري للثوار بعد تدخل الروس لجانب النظام، وتشابكات المصالح الدولية، وتأثيراتها على الثورة، ثم عمليات البغي الممنهج، والاقتتال الفصائلي المقصود من البعض، والذي يستهدف فصائل الثورة، كل هذه العوامل أدت لتناقص الكتلة الثورية أكثر فأكثر.

هذا التناقص مرده لعدم وجود آلة تجنيد مهمتها صنع أجيال جديدة من الثوار تكمل المسيرة، إما عبر البناء والتربية، أو عبر التجنيد والضم.

بناء جيل عقائدي يحمل الهم ويكمل المسيرة، كلمة كبيرة، لا تُعطى حقها ببضع جمل، لكن سنعطي لفتة سريعة عنها.

الكل مر بمراحل طلائع البعث، شبيبة الثورة، الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، اتحاد العمال، اتحاد الفلاحين، الاتحاد النسائي…إلى آخر هذه التنظيمات البعثية التي كان سببا مباشرا لتخلف الشعب السوري وانحطاطه، وتحوله لشعب مدجن في حظيرة البعث.

يكمل هذه المنظمات مناهج دراسية تعمل على تكرار الفكرة حتى تثبيتها، ونشاطات اجتماعية ( لقاآت، محاضرات، معسكرات، مسابقات…) كلها ترتبط بفكر العصابة الحاكمة.

بل حتى في الدين صنعوا لنا مشايخ بعثيين!!! فأصبح الدين ضحية أخرى لعبث البعث.

لذلك علينا اقتباس التجربة، مع تصحيح المفاهيم، والغايات، والوسائل، فننشئ منظمات ومؤسسات تعنى بكل الشرائح، مهمتها تربية الناس على قيم سامية كالدين والحرية والعدالة وكراهية الظالمين، وحب الفداء، والتحدي، والصمود، والقابلية للاستمرار في جهادنا الثوري المسلح حتى تحقيق غايته، وصيانة مكتسباته فيما بعد.

وعلينا ألا نغفل دور المناهج المدرسية في غرس هذا الوعي، وتفعيل دور إسلامنا الوسطي المتكامل، الذي تعالى عن غلظة الغلاة، وانهزامية المتميعين، فالعامل العقائدي أساسي لقيام المجتمعات، وتحريض الشعوب للعطاء، خاصة في ظل هذه المشاريع العدائية التي تستخدم الأيديولوجيا لتجنيد مجرميها، ولا يصد المقاتل العقائدي إلا المقاتل العقائدي، ولا يفل الأيدولوجيا الخاطئة، إلا الأيدولوجيا الصحيحة.

ومما يسهم في بناء الأجيال الثورية أمران مهمان أغفلتهما الثورة السورية:

1) الإعلام الموجه: الذي غايته تسويق فكر الثورة، والدفاع عنه، وتوعية الجماهير لما يحاك لها، وتجنيد المزيد لخدمة الفكرة، وهذه أهداف تغيب عن الكثير من المحسوبين على إعلام الثورة، حتى بعد سنوات من وجودهم بهذا المجال، بسبب عدم أخذ الإعلام من زاوية أكاديمية حِرَفية، فليست مهمة الإعلام نقل الأخبار فقط.

2) الصبر الاستراتيجي: الذي يعطينا النفس الطويل للتخطيط والتنفيذ، وصب تركيزنا على الهدف الأسمى، فلا نلتفت للمكاسب المهرجانية الاستعراضية على جنبات الطريق، التي مهمتها مشاغلتنا عن الهدف الأصلي، وبنفس الوقت يعطينا ميزة المناورة، والمراوغة، دون تضييع للثوابت، ولمعرفة قيمة الصبر الاستراتيجي يكفيك أن تعلم أن ما تفعله إيران اليوم خططت له من عام 1979، وهو ما سمته الخطة الخمسينية، وتقتضي بنشر مبادئ وفكر الخميني في الدول المجاورة لإيران، لتشكيل امبراطورية أيديولوجية واحدة، من أفغانستان حتى المتوسط، بما عُرِفَ بتصدير الثورة.

صنع الأجيال الثورية هو الضامن الحقيقي لتحقيق أهداف الثورة، وهو ما يجعلنا نطمئن أن الثورة وإن طال بها الزمن ستصل لمستقرها الذي تستحقه بتضحيات أبنائها، لذلك فليكن هدفنا أن نصنع أجيالا ثورية….


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق