25‏/11‏/2017

#دروس_وعبر_من_سقوط_الأكاسرة 3

ما بعد تحرير الحيرة

كان خالد يفكر بالتقدم في عمق الفرس بعد الوصول للحيرة، لكنه عدل عن رأيه حين علم أن جيش عياض بن غُنم قد حاصر دومة الجندل، إلا أن أذناب الفرس من نصارى العرب قد قطعوا عليه طريق إمداده، لذلك آثر خالد المصلحة العامة بفك حصار عياض ومن معه، وتأمين ظهر الحيرة لأن دومة الجندل تقع في جنوبها الغربي، على المخاطرة بالمسلمين لتحقيق مكتسبات شخصية دعائية ( قارن ذلك بعنتريات قيادات الثورة العسكرية التي تضحي بآلاف المجاهدين بخطط فاشلة، أو متهورة، أو غير كاملة، فقط لتحقيق ضربة إعلامية، ومجد شخصي ).

درس خالد خطة فك الحصار، ووجد أن هناك تجمعات فارسية في الأنبار تحديدا بمدينة عين التمر، فقرر خالد التوجه إليها وعدم الاصطدام المباشر بالقوات المحاصرة للمسلمين في دومة الجندل ( لاحظ أن خالد استخدم تكتيك دبيب النمل في فك حصار عياض، وهو نفس التكتيك الذي استخدمته إيران في حصار حلب، حيث بدأ بأهداف بعيدة ثم أقرب فأقرب، ليشتت الفرس، ولا يدخل معهم بصدام يجعله يخسر الكثير كما فعل الثوار بمعركة فك حصار حلب ).

وصل خالد الأنبار فوجد أن أهلها يقفون على حصونها باستهتار عسكري واضح، حيث أن أجسادهم واضحة لرماة المسلمين، لذلك استنتج خالد أن أهل الأنبار لا خبرة عسكرية لديهم، وأمر المسلمين برميهم بالسهام واستهداف عيونهم بالذات، فقام المسلمون بفقئ ألف عين منهم، وهذا يبرهن على براعة المسلمين بالرمي ( سلاح القناصين من أنجح الأسلحة في الحروب ) ، فدب الرعب في قلوب أهلها، وفرّ قائدهم منها، واستسلموا لخالد ودفعوا الجزية.

رصد خالد تجمعات للفرس وأذنابهم من نصارى العرب في عين التمر بالأنبار، فتوجه إلى هذه الحشودات للقضاء عليها قبل فك حصار عياض، وكان الفرس بقيادة مهران بن مهران.

وضع مهران نصارى العرب بمواجهة المسلمين، ووقف خلفهم بمن معه من الفرس.

قام خالد باختطاف قائد النصارى واسمه عِقّة بن أبي عِقّة، وغايته تحييد النصارى العرب عن المعركة، وتأليفهم لصالح المسلمين عبر اللعب على وتر القومية، والتقارب الديني بين المسلمين والنصارى بحكم أنهم أتباع ديانات إبراهيمية، والفرس كانوا مجوسا، وفعلا فر نصارى العرب من أرض المعركة إلى عين التمر، ثم صالحوا خالدا على الجزية، وحين رأى الفرس ذلك فروا أيضا بدورهم، وفتح خالد عين التمر.

نجح خالد بفك الحصار، وصار طريقه آمنا نحو دومة الجندل، فتوجه إليها وحاصرها مع عياض بن غنم، وتمكن من فتحها، وأصبح طريق العودة لجزيرة العرب آمنا، حيث كانت دومة الجندل عقدة طرق، على يسارها الشام، وعلى يمينها وشمالها العراق، وجنوبها الجزيرة.


التزام خالد بأومر القيادة العليا

وصلت رسالة من أبي بكر الصديق لخالد بأن يترك فتح العراق، ويتجه للشام ليغيث المسلمين هناك، إذ كان فتح العراق والشام متزامنا.

فأخذ خالد نصف الجيش ومعه القعقاع وتوجهوا للشام مباشرة ( القائد الناجح صاحب سمع وطاعة وانضباط ).


الفرس يعود لهم الأمل

ولّى الفرس عليهم شهريار بن أردشير، مما ولّد لديهم استقرارا نسبيا، وأملا في رد المسلمين عن مملكتهم، ثم حصلت مواجهة بين جيش المثنى وجيش الفرس قرب بابل، وكان عدد الفرس 10 آلاف، والمثنى 9 آلاف، لكن الفرس كان لديهم بوقتها سلاح نوعي ثقيل يستخدمونه ضد المسلمين، ألا وهو الفيلة!

استطاعت الفيلة إحداث بلبلة وخسائر بجيش المسلمين، لكن القائد المثنى استشار الخبراء بأمر الفيلة عن مقاتلها، فأخبروه أن نقاط ضعفها الخراطيم والأعين، فانقض المثنى على أحد الفيلة وقتله، وحذا حذوه باقي المسلمين، وانتصر المسلمون في بابل، وهنا يبرز أمران مهمان، الأول فائدة استشارة ذوي الرأي والخبرة والتخصص في المستجدات العسكرية، والثاني أن شخصية القائد وشجاعته تنعكس إيجابا على عموم الجيش.


مملكة فارس تعود لها الاضطرابات

قام الفرس بخلع شهريار وقتله، وولّوا عليهم امرأة تسمى " آزر ميدخت " ، وقتلت هذه المرأة ابن لكسرى أبرويز، وأحد أكبر رجالات الفرس وهو " الفرّخزاد " والد القائد الفارسي المشهور " رستم " .

بنفس الوقت استعانت بوران بنت كسرى أبرويز برستم بن الفرّخزاد لقتال آزر ميدخت ومن معها، وتمكن رستم من قتلها، وقام بإعلان بوران ملكة على فارس.

هذه الأحداث السياسية ومنعكساتها وأخبارها، كانت تصل أولا بأولا للمثنى عبر استخباراته، وعلى أساس هذه التطورات كان يعد الخطط ويجهزها، فاستغل انشغال الفرس بأمورهم الداخلية ليعطي جيشه استراحة، ويذهب للمدينة يطلب المدد من الصديق، تاركا للفرس حرية أن يقتلوا بعضهم، فلو هاجمهم وهدد عمقهم بهذه الأحداث فقد يصبح سببا لتوحدهم ضده.


وصية الصديق الأخيرة

وصل المثنى للمدينة ليجد الصديق في النزع الأخير، وهنا موقف آخر يجسد عظمة الصديق وحسه العالي بالمسؤولية، إذ رغم أنه يعالج سكرات الموت، إلا أنه أوصى عمر بن الخطاب بإنفاذ المدد مع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق