دائماً ما كنت أعجب من نذير الشؤم الذي نحمله بداخلنا، (بُومنا) الكامن إن صح التعبير، ولتقريب الفكرة أكثر تذكر كم مرة جمعك مجلس فكاهة لذيذ محبب للنفس ضحكت فيه حتى نسيت همك، ليقطع أحدهم مرح الجلسة قائلا: “الله يعطينا خير هالضحك”؟! وكأن الله، وحاشاه عن ذلك، كتب في اللوح المحفوظ أن عاقبة كل ضحك هي مصيبة تبكيك من حرها!
عادة ما تكون السعادة مدار البحث والتنقيب في حياة الإنسان، لكن الإنسان العربي لا يدخل ضمن هذا التعميم، بل هو استثناء القاعدة الذي أعجز الفلاسفة والعلماء، فوحده الإنسان العربي من يفتش عن الحزن ليعيشه، وإذا لم يجد الحزن يتفنن بصنعه بنفسه.
اكتب في مستطيل البحث باليوتيوب كلمة الأغنية وستجد اليوتيوب سيكمل لك بالتالي: الأغنية التي أبكت الملايين، الأغنية التي ستجعلك تبكي رغمًا عنك، …. إلخ، ولو اخترت في البحث هذه الخيارات ستصدم من حجم المشاهدات والتفاعل على هذه المقاطع!
بعيداً عن نظرية المؤامرة، لكن يبدو أن اليوتيوب قد فهم تماماً المزاج العربي.
مرة قررت أن أقوم بتجربة ميدانية ضمن دائرة معارفي، سألتهم ماذا تفعلون صباحاً حين تستيقظون؟ ولماذا تفعلون ذلك؟
على السؤال الأول تنوعت الإجابات بين شرب القهوة وسماع فيروز والتدخين، على السؤال الثاني اتفقت الإجابات على تعليل التصرفات بعبارة “حتى أروّق”!
كأنَّ الأصل أن يقوم الإنسان من نومه منزعجاً مكتئباً بعد شجارات منامية، أو أشغال حُلُمية شاقة!
هذا التساؤل العجيب بقي يدور بذهني حتى وجدت له جواباً شافياً عند العبقري الراحل (أحمد خالد توفيق) حيث أتى الجواب في قصته أسطورة (الجاثوم) على لسان بطل سلسلته ما وراء الطبيعة الدكتور رفعت إسماعيل: “لماذا فَقَدَته؟ لم تعد تذكر الآن.. لقد كان يحبها بجنون.. لكن (إرادة النكد) حق لا ريب فيه مثل (إرادة الفشل) و (إرادة الموت) هي الشيء السحري الذي يدفع المرء لإفساد سعادته حين يكون سعيدًا.. ويدفع محبين متفاهمين إلى الشجار دون سبب أو لسبب لا يذكر.”
نعم إنها إرادة النكد، مصطلح أكثر من بليغ يوصّف ذاك الشخص الذي نحبسه بين أضلاعنا وقد نصطلح على تسميته الصوت الداخلي، أو الشخصية، أو الضمير، فهذه الكينونة التي نحويها تؤنبنا دوماً في أي لحظة فرح، وتستغلها لإفساد مزاجنا وسعادتنا بالإيحاء لنا أن هذه السعادة نذير الشؤم القادم، والهدوء الذي يسبق عواصف المصائب، لكن ما سبب هذه الظاهرة؟؟
السبب الرئيس هو حالة الكبت والاختناقات التي تعانيها شعوبنا، أزمات إثر أزمات يقاسيها المواطن العربي حتى ثبت في اللاوعي عنده أن السعادة لذة محرمة عليه، فإن نالها قدرا فعليه التبرؤ منها والتوبة لله واستغفاره عمَّا أجرم.
حتى ذاكرتنا الشخصية تقف ضدنا إن أردنا استرجاع لحظات جميلة عشناها، فتقدم لنا ذكريات سوداء وتقنعنا أنها جميلة، مثل حين أجتمع مع أصدقائي القدامى ونفتح صندوق الماضي، أراهم يتحسرون على أيامنا في المدرسة والجامعة، مع أنني وهم نعرف تماما أنها كانت عبارة عن أزمات مالية، وصدامات مع الأهل، ومشاكل دراسية، وشجارات مع المدرسين لا تنتهي، وصفعات عاطفية محرقة، ومع ذلك أُفاجأ بإصرارهم على تذكرها والتحسر عليها، علمًا أنني سجدتُ شكرًا لله أن نجاني منها إلى ما أنا فيه اليوم من أيام أقل توحشا على الأقل على الصعيد الفردي، وقِس على ذلك ذكريات باقي الناس عن خدمتهم العسكرية الإجبارية في جيش النظام، وما قاسوه هناك من إذلال وتعذيب وإهانات‘ ثم إصرارهم على استرجاع تلك الأيام بغلاف من التلذذ العجيب والحسرة على ما فات!
أظن أن طول عهد القمع السياسي الذي عاشته الشعوب العربية لم يترك فقط آثارا سلبية على اقتصادها وتقدمها، بل الأخطر أنه ترك ندبات محفورة بروحها ووجدانها أوجدت لها ما يشبه التشوه النفسي، واضطراب التمييز بين الجيد والقبيح، لا أرى غير ذلك تفسيرًا لمصطلح إرادة النكد الذي أطلقه الراحل المبدع أحمد خالد توفيق.
جاد الحق
مدونة مقالات معتز ناصر ( جاد الحق ) تهتم بالثورة السورية جمعت فيها مقالاتي التي كتبتها بمختلف المجالات والتي نشرت على العديد من المنصات الإعلامية الثورية السورية على مدار ثلاثة أعوام تقريبا أتمنى أن تنالوا المتعة والفائدة بمطالعة ما كتبته وأنوه أن المقالات غير مرتبة حسب تاريخ النشر.
25/02/2019
المرض النفسي الذي تفرد به العرب
16/02/2019
أرجوكم.... رفقا بالجيل المحترق!
هل ولدت بين عامي 1985 , 1993؟ إذاً مرحباً بك في الجيل المحترق..
لا بد أنك قضيت ردحاً من طفولتك بين صور الزعماء المعتّقين في الطغيان، حافظ الأسد وحسني مبارك، والقذافي، وغيرهم، وصرفت وقتاً غير قليل على برامج التلفاز التي كانت تبثها محطات حكومتك، قبل أن تنعم بميزة الطبق اللاقط أو ما يعرف بالدش والستلايت.
عاصرت الجزيرة في بداياتها، وعايشت أحداث الانتفاضة، والحادي عشر من أيلول، ثم غزو أفغانستان فالعراق، أتوقع أنك خرجت في مظاهرات لدعم الانتفاضة، وضد الغزوين.
وقتها كان في الطغاة السابقين بقيّة من حياء يمنعهم من التطبيع الوقح مع الكيان الصهيوني، ويردعهم عن الانبطاح أمام إرادة أمريكا انبطاحاً يُقصد به بالدرجة الأولى استفزاز الشعوب وقهرها.
ومع تعرفك على عالم الإنترنت المليء بالمدونات، والمشحون بطفرة مواقع التواصل، وتقضيتك ساعات أطول على تلفاز الجزيرة، وذهاب عدد من معارفك للجهاد في العراق وغيرها، فقد بلغ حملك الفكري أتمه، وصار جنين الثورة جاهزاً للخروج إلى الدنيا.
ثم أتى الربيع العربي مترافقاً مع ربيع عمرك، خرجت للساحات والشوارع وصنعت ما كان يعتبره والداك المستحيل جداً، صنعت الثورة، وطالبت بالتغيير، وأسقط جيلك أصناماً ماتت أجيال وهي تعبدها وتقدسها، فصرت كأنك إبراهيم جديد يحطم بفأسه حجرية عقول قومه وأصنامهم، حتى إذا رأوا صنيعك قالوا لك ولجيلك: حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.
تجمعت ضباع الثورات المضادة، وشدت أزرها بثعابين الشرق والغرب، لتفترس جميعاً الجسم الغضَّ الفتي للغد المشرق الذي أحرقت نفسك أملاً أن تصنعه لأمتك، وما تزال إلى اليوم تصارع وتصارع نهشات الضباع، ولدغات الأفاعي، في معركة غير متكافئة، ستحسمها إن شاء الله بنصر مؤزر.
هذه هي باختصار شديد قصة الجيل المحترق، الجيل الذي علّم الناس في الثورات ما الجود، الجيل الذي يدفع ولايزال ضريبة خوف الأجيال التي سبقته، يدفعها من حياته، وشبابه، وعافيته، والأهم من أحلامه التي هدم قصورها بيديه يوم باع نفسه التي لا يملك غيرها لتحرير أمته، وصلي بها نار العدو عسى أن يطفئها برماده المنثور.
لذلك إن رأيتم ناجياً من أبطال هذا الجيل الذين إلى الآن لمّا تأكلهم بعد حرب التحرير فأرجوكم ترفّقوا به، فهو إن بدا متماسكاً صلباً فتياً إلا أنه يخفي تحت هذه القشرة الصلبة روحاً رقيقة هشة مليئة بالندوب.
فكم من مشروع له تحطم! وكم من حبيب له ضاع منه! وكم من صديق له فارقه! وكم من بيت بناه على أمل أن يجد به ما يجد الإنسان العادي في أي بيت صار أمامه هشيما تذروه الريح! ومع ذلك لايزال صابرا محتسبا، مبتسما رغم المصائب، صامدا في وجه العواصف التي بددت رفاقه بين بحار اللجوء غير المشروع، وخيمات النزوح، وقهر الطغاة ومخابراتهم.
عزاء المحترقين أنهم احترقوا لقضيتهم، ولم يحترقوا بالخطأ، أو لقضية غيرهم، وحين تحصل الأحداث العظام لن يسجل التاريخ من عاش وتزوج وأنجب ودرس في الجامعة وتخرج، فهذه أمور مكررة مملة، بل سيسجل الاستثناء ممَّن صنعوا الحدث وقاوموا وماتوا على الطريق، أو وصلوا إلى آخره، فاختر لنفسك أحد الفريقين.
جاد الحق
دليلك لتكون مربيا فاشلا....
التربية ميدان معقد شائك، وبالطبع لست من فرسانه، إلا إني أمتلك من الشجاعة الأدبية ما يجعلني أكتب عن بعض جوانبه السلبية التي شاهدتها في حياتي الاجتماعية ما يصلح ليكون دليلا للمربي الفاشل.
أحمد كان شابا متخلقا هادئا، شديد البر بوالديه، وكأي شاب كان يحب كل ما هو جديد، ويريد عيش عصره بتفاصيله، وهنا تبدء المشاكل بتصادم نظرة الابن التجديدية، مع نظرة الوالدين التقليدية، وليضمن الوالدان كسبهما المعركة يشهران ضد أحمد السلاح الخطير، وهو “ يا بتعمل كذا يا منغضب عليك!!”.
استخدام هذا الإرهاب الفكري من والدي أحمد ضده لكسر شخصيته وتنميطها بالطابع التقليدي الذي يريده الوالدان جعل الغلّ يزداد في صدره، خاصة لو عرفنا أن صراعه مع والديه هو على أمور شكلية ضخماها كقصة الشعر ونمط اللباس، ومع استمرار تراكم القهر في نفس أحمد، وصلت الأمور إلى نقطة الانفجار.
أتى التهديد بالغضب ليعقبه تهكم أحمد، فصدمة الوالدين من ردة فعله الباردة، يقابلها مزيد من التهكم من أحمد، فانفعال الوالدين والدعاء عليه بالغضب..... وهنا وقع المحظور، وانكسر الحاجز عند أحمد وتفلّت من القيود التربوية والدينية التي كانت تضبطه!!!
ترك أحمد والديه وهاجر، وهو الآن يعيش بعيدا عنهما قاطعا الاتصال بهما.
هل أحمد عاق، أم أن ابتزاز والديه له بما لمساه من بره بهما هو السبب؟
هناك أبواب من الأفضل تركها مقفولة، وليس من الحكمة الاقتراب منها فضلا عن العبث بأقفالها الهشّة، لأنها إن كسرت أقفالها وفتحت فلن تغلق بعدها.
جاء رجل لعبد الله بن المبارك يشكو إليه عقوق ولده، فسأله ابن المبارك: أدعوت عليه؟ قال نعم، قال اذهب فقد أفسدته.
بعيدا عن قصة أحمد دعني أسألك سؤالا، ألا تعجب مثلي من تعلق الشعوب العربية بجلاديها وطغاتها، إضافة لكثرة المستبدين الذين تحولهم أي سلطة وهمية لوحوش كاسرة تفتك بمن حولها بعد أن كانوا حملانا وديعة؟
من أسباب هذا الخلل الاجتماعي هو مفهوم خاطئ يغرس في عقولنا منذ الطفولة.
أنت وأخوك طفلان صغيران تلعبان معا، أخوك أكبر منك، يقوم بضربك، أو يكسر لك لعبة تحبها، ترد أنت عليه بفطرتك الطفولية بضربه، وتتشاجران معا، يأتي والدك ويسمع القصة، فيوبخك أنت لأنك مددت يدك على أخيك الاكبر منك!.
وجهة نظر والدك أنك المخطئ لأن الكبير يبقى كبيرا، وإن ظلمك وتعدى عليك فليس من حقك أن تواجهه وتردعه، وبهذا الأسلوب التربوي العظيم ينتج لدينا مصيبتان، الأولى شخصية استبدادية أنانية متسلطة، والثانية شخصية ضعيفة مهزوزة مسحوقة، وبين هاتين الشخصيتين تتوزع غالبية المجتمع.
إنها عقدة الأخ الأكبر الذي من حقه أن يظلم ويقهر ويطغى، ويجب علينا كونه الأخ الأكبر أن نسمع ونطيع ونطأطئ ونصمت، ولذلك رمّز الكاتب جورج أورويل في روايته الشهيرة 1984 للسلطة المستبدة الغاشمة بالأخ الأكبر.
قد تتفق معي فيما ذكرته، أو قد تختلف، لكن النتيجة أن الأساليب التربوية البالية التي سقت لك مثالين منها رأينا إسقاطاتها على أرض الواقع من الخراب المجتمعي الكبير، أفلا يستحق ذلك منا إعادة نظر وتقييم!؟
جاد الحق
22/01/2019
مشاريع الضرار في الثورة السورية
مجالسة أصحاب العقل والتجارب تشحذ نفس المرء، وتزيد وعيه، لذلك رغّب أهل العلم بصحبتهم، ولي بذلك تجربة جميلة مع صديقي أبي المنذر، حيث أثار انتباهي لمعضلة خطيرة ذكرها الله في القرآن.
قصّ الله علينا قصة نفر من المنافقين اغتاظوا من انتصارات النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب أحدهم لقيصر الروم طالبا منه “الدعم الدولي” لمحاربة “التطرف والإرهاب” الذي يزداد بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد استجابة قيصر له، تم التوافق على بدء عملية تنسيق أمني مشترك بين مخابرات قيصر، وبين الطابور النفاقي الخامس المدعي للإسلام، حيث كتب هذا الرجل لزمرته من المنافقين طالبا منهم بناء مسجد مضاد مقابل مسجد قباء، وظيفته تمزيق صف المصلين، ونقطة تجمع للمنافقين، ومركز رصد وتخابر لصالح الروم....
ولإتمام هذه المهمة المخابراتية التي كان المسجد مسرحا لعملياتها قرر المنافقون إضفاء شرعية عليه، وذلك عبر الطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه، والدعوة بالبركة لأهله، بعد أن أقسموا له بالله أنهم بنوه لنية سليمة وخدمة للدين....
اعتذر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأجلهم حتى أتاه الوحي فيهم، فكانت الحقيقة المجردة كما رواها الله سبحانه لنا: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
هل قد يكون بناء المسجد للمضرة؟
هل قد يكون بناء المسجد للكفر!!؟؟
هل قد يكون بناء المسجد للتفريق بين المؤمنين؟
هل قد يكون بناء المسجد للقيام بعمليات رصد وتخابر لأعداء الإسلام!؟
الجواب ببساطة كما قاله الله لنا هو نعم قد يكون ذلك!!!!
إذن ما الحل إن واجهنا مشروعا مخابراتيا مغلفا باسم الدين والشريعة والجهاد أو الثورة والوطنية ومصلحة البلد والشعب؟؟
الحل هو كما قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: “ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا “ أي بلغة اليوم لا تعطيه أي صبغة شرعية، ولا تسكت عن مشروعه المخابراتي الهدّام خجلا، أو تورعا، بل تعامل معه بمنتهى الحسم والحزم، لذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه لهدم وحرق مسجد الضرار هذا، ووصف أهله بالظالمين، ثم أمر بتحويله لمكب نفايات.
رغم أني قرأت آيات هذه القصة كثيرا، إلا أني أعترف بتقصيري عن تدبرها حتى قيض الله لي من ينبهني على معانيها وإسقاطاتها الخطيرة على ثورتنا....
فكم من مشروع ضرار (مخابراتي ) تم تمريره عبر شعارات تحكيم الشريعة، والجهاد، ونصرة الدين والمستضعفين؟؟؟
كم من فصيل ضرار ( مخابراتي ) يسرح ويمرح منفذا مخططات الأعداء، وحاميا خيانته برفع علم الثورة، أو بنسبة نفسه للجيش الحر!؟
كم من شيخ ساذج، وإعلامي منافق، أوثائر جاهل، أعطوا شرعية لفصائل ومشاريع ضرار فتكت بالثورة!!!
ولكي نكون واضحين أكثر فكل فصيل يعتمد أساليب البغي والتكفير، أو المزاودة، والإفساد، خاصة لوأنشأته ومولته جهات مخابراتية، سواء مخابرات الحلفاء والجيران أو ما يسمى بالدول الصديقة للشعب السوري، فهو فصيل ضرار ( مخابراتي )، فما بالك بالفصائل والمشاريع التي أنشأتها دول تعلن بوقاحة سافرة تصريحا وواقعا أنها ضد الدين، وضد تحرر الشعوب، ومع الثورات المضادة!!!!
جاد الحق
14/01/2019
عفوا.... سأخون القطيع
أخي الأكبر مني قاد سيارة والدي خمس مرات، وفي كل مرة يقودها يتسبب بحادث لها، وحين طلب مفتاحها للمرة السادسة من أبي أعطاه إياها!!!.
وجهة نظر أبي أن أخي شاب خلوق وطيب القلب، وأنه من حقه أن يأخذ فرصته في الحياة ليصبح إنسانا أفضل، أضف لذلك أننا كعائلة لدينا أعداء كثر يحسدوننا، ويتربصون بنا، ولا وقت لدينا الآن كأسرة لمحاسبة أخي أو الدخول في مهاترات من أجل قيادة سيارة، خاصة أن امتحاناتنا المدرسية على الأبواب.
من حقك القول عن أبي يُشك في أهليته كربّ أسرة كونه يستهتر بأرواح الناس وأولهم أبناؤه، بتركه أخي يقود سيارة وهو ليس بسائق.
ومن حقك القول عن أخي وقح وبليد كونه لا يتعلم من تجاربه الماضية في قيادة السيارات، ومع ذلك يصرّ على قيادة سيارة والدي وافتعال المزيد من الحوادث......
لكن قبل أن تقول هذا أو ذاك دعني أخبرك أن القصة من نسج خيالي...
لا يوجد إنسان عاقل يعطي ابنه مفاتيح سيارته وهو على يقين _ حسب تجارب كثيرة سابقة _ أنه لا يحسن القيادة، لأن ذلك فيه مخاطرة قد تهدد عشرات الأرواح، وخسائر مادية بالملايين.
بالمقابل هناك أناس تظن نفسها _ أو تظنها أنت _ عاقلة ترضى بتسليم دفة قيادة أعظم ثورة في التاريخ لحفنة من الفاشلين والمراهقين والسذج، رغم أن ضريبة قيادة هؤلاء هي ملايين الأرواح والأعراض، وفساد بالدنيا والدين لا يعلمه إلا الله!!!!.
ومن يسكت عن ذلك يفعله إما بسبب الانتفاع المادي الذي يحققه هؤلاء الأشخاص لأنفسهم ودوائرهم الضيقة، أو لسيطرة العاطفة وطغيانها على الشرع والعقل.
كون أن فلانا من الناس يحفظ القرآن، أو له سابقة حسنة، أو أنك تحبه، لا يعني أنه أهلا لأن يقود، وإلا لما منع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر من القيادة، واستعمل عمرو بن العاص.
وحين أطالب أنا اليوم بعزل ومحاسبة قيادات الفصائل الثورية التي سقطت أمام بغي الجولاني، أو هجمات النظام، واستبدالها بمن أثبت كفاءته في الصمود أمامهما، فليس ذلك لأني أحب فلانا وأكره فلان، بل لأني لا أجد أي دليل شرعي أو عقلي أو مادي، لاستمرار بقاء هؤلاء الفشلة في مناصبهم بعد إخفاقاتهم المتكررة التي ندفع ضريبتها من دمائنا وأعراضنا وأراضينا نحن لا هم...
كلنا يعرف أن من يكونون قادة لا يسكنون الخيام، ولا يشغلون بالهم بتوفير لقمة العيش، أو البحث عن فرصة عمل، أما الشقاء والفقر وسكنى الخيم والبيوت المهدومة فهو حصرا للعناصر والمدنيين، الذين نكبتهم عبقرية القادة الأفذاذ، ومع ذلك يصرّ المنكوبون بشكل شرس على بقاء هؤلاء القادة واستمرارهم بمسيرة الفشل، بتناقض عجيب غير مفهوم!!
كنا نسخر من عبارة "الأسد للأبد" وندعي أننا قمنا بالثورة حتى نختار من يحكمنا بإرادتنا عبر الدستور المتفق عليه، ولمدة يحددها هذا الدستور مع حفظ حقنا بالتعبير، والقيام بدور الرقابة الشعبية على الحاكم....
لكننا بالثورة صنعنا لأنفسنا ألف أسد، وجعلناهم قادة علينا للأبد، وحرّمنا على أنفسنا أي انتقاد لهم،ورفعناهم فوق رتبة الأنبياء فهم يسألون ولا يُسأَلون، وإن قتلونا وشردونا وباعونا فذاك أحب على قلبنا من العسل!!!
وإن تجرأ أحدنا على النقد أو التساؤل واجهناه بالإرهاب الفكري، وغمزنا ولمزنا به، ورميناه بأنه مجرد منظّر لا عمل له ولا شغل، وأن القيادة الحكيمة تعرف ما لا نعرفه، وتدرك ما لا ندركه، ولا يجب علينا أن نتعب عقولنا بالتفكير فهناك من يفكر عنا.... هذا السلوك بماذا يذكرنا يا ترى؟؟؟
لو أن أحدا انتقد القيادة الحكيمة لسقنا له الأدلة فرادى وجماعات عن وجوب السمع والطاعة للأمير في محاكاة لمشايخ الجامية.
لو تجرأ وسأل أين تذهب مقدرات الثورة وأموالها لأجبناه مباشرة أنها في أيدٍ أمينة، كما أجاب حافظ الأسد حين سُئل عن النفط السوري.
لو أن شخصا جمع شجاعة الدنيا وتكلم بما يراه الجميع من أن المعركة التي نخوضها الآن بغير محلها للأسباب المنطقية التالية وراح يذكر ما نعرفه كلنا، لاتهمناه بالعمالة والتخذيل وتثبيط الإخوة.
لو طالب بمحاسبة المقصرين والمفسدين والمتخاذلين، لعارضنا صائحين ليس الوقت الآن للمحاسبة، فالمعركة قائمة، و "لا صوت يعلو على صوت المعركة" مستذكرين شعار جمال عبد الناصر الذي برر عبره إجرامه بحق معارضيه.
إن سأل أحدنا ما أسباب خسارتنا للمعركة الفلانية فالجواب جاهز، المؤامرات الخارجية علينا كوننا شعب الله المختار، الدعم الخارجي للعدو، الأحوال الجوية، الذنوب، الابتلاء والتمحيص، الدورة الشهرية، أي شيء يخطر ببالك، إلا...... القيادات، فهم على حق دائما وإن فشلوا مليون مرة، وضربوا ظهرك وأخذوا مالك، وهتكوا عرضك بخيانتهم، وسلموا أرضك بغبائهم، وقتلوك بعجزهم وفشلهم....
والذي لا أجد له تفسيرا، أن يظن البعض أن من تخاذل عن قتال الدواعش، وأسقط حلب بخيانته وبغيه، وتحالف مع الجولاني، وعادى الحلفاء بصبيانيته، وأدخلنا بمعارك دونكيشوتية لا طائل منها بدعوى تحكيم الشريعة، والتغلب، وغير ذلك.... سيكونون هم أنفسهم من سيجلب لنا النصر المؤزر!!!! فليت شعري ما تركنا للمجانين!!!
لذلك علينا أن نعي أن الإنس والجن، لو حشرت لنا، وأحضر أهل بدر ليقاتلوا معنا، لن ننتصر طالما أن القيادات الفاشلة المهترئة بقيت كما هي، وكل معركة مهما استبسلنا فيها، وأخلصنا النية لله، وكنا فيها أصحاب حق، سنخسرها طالما أننا لم نقم بواجب تولية القوي الأمين، والحجر على السفهاء، ومحاسبة المقصرين، والمفسدين، وتاريخنا يشهد بذلك.
من لا يظن لليوم أن قيادات الثورة السورية بأعمها ليسوا إلا حفنة من المراهقين والسذج والخونة فهو إما مجنون أو خائن ولا أرى له احتمالا ثالثا...
وللأسف أغلب المحسوبين على الثورة يرضون أن يغلقوا عيونهم، ويعطلوا عقولهم، ويسيروا كالقطيع إلى سكين الجزار دون سؤال أو اعتراض، ولو فتحت معهم موضوع عزل القيادات والتمرد على فشلها لأجابوك كمؤيدي بشار "مين رح يحكمنا بعدين!؟" أو يخوفونك بموضوع الفوضى وأن القيادات الحالية على مساوئها أفضل من الثورة عليها، كما يفعل كهنة الأنظمة العميلة حين يخدرون الشعوب بقولهم ولي الأمر على إجرامه وخيانته خير من مصير كسوريا!!!
ووالله ثم والله الفوضى التي تعطيك حرية التحرك والعمل، خير من القيادة التي تكبلك، ثم تسلمك بعجزها أو خيانتها لعدوك.
لذلك أوجب الواجبات اليوم إيقاف هذه المهزلة، ودعوة المقاتلين للتمرد العسكري، والانقلاب على القيادات التي أثبتت فشلها، والالتفاف حول من أثبت نجاحا على الأرض، ولا عزاء للقطيع...
جاد الحق
05/01/2019
اعتراف حول الثقافة والمثقفين
كلما تقدمت بالعمر أكثر أحببت الثقافة أكثر، وكرهت المثقفين أكثر وأكثر....
البعض يظن أنه ليصبح مثقفا فلا بد من تقطيب دائم لوجهه، مع عبوس كالح، والنظر للناس ( الغوغاء ) نظرة اشمئزاز فوقية، والحكي معهم بلهجة الأب الذي عركته الحياة، مع أبنائه السذج الأغرار.
هذا بالنسبة للغة جسد المثقف وإيماآته وسمته، أما بالنسبة لمزاجه، فهو معكر دائما بسبب انشغاله بالقضايا المصيرية، فلا وقت لديه لرحلة لأنها مضيعة للوقت، أو مشاهدة فلم كرتون فكاهي لأنه استخفاف بعقله وقيمته، ولا يصلح مزاجه إلا احتساء ( احتساء وليس شرب ) القهوة السوداء، مع ديوان لمحمود درويش، أو نزار قباني، على أنغام أغنية لفيروز، أو زياد الرحباني، وتوثيق لذلك بعشرات الصور على وسائل التواصل، لينقل لنا هذا الجو المفتعل الذي يريد صاحبه إقناعنا به أنه مثقف من الطراز الرفيع، بينما نحن مجموعات من الأوباش الذين لا يمثلون إلا ضجيجا حياتيا، وتلوثا فكريا، يعكر صفو الأستاذ المثقف.....
مع الأستاذ مثقف أنت في توفز مستمر، واستنفار دائم، فأي نَفَس منك هو ازدراء له، وأي تعليق لك هو تهكم عليه، وأي رأي لديك هو مناكفة مقصودة، لماذا؟ لأنه بالطبع مركز الكون، وظل الإله في الأرض، ففي الوقت الذي تجد أنت فيه طعم الحياة ببساطتها وعفويتها، يركز هو بذكائه اللا محدود، وتميزه الغير طبيعي، على تلك التفاصيل التي تولّد لك آلاف الأسئلة المستهلكة للعمر في الركض اللاهث بحثا عن إجابات لها..... ويمضي العمر عليك مستمتعا بعفوية حياتك هانئا فيها، وعليه متحرقا في لظى الحيرة، هائما في متاهاتها.... لا تفرح كثيرا فالمتنبي يقول:
ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ
وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ
طبعا أنت أخو الجهالة المتنعم، وهو ذو العقل المتألّم :) .
هذا المظهر المقيد الذي يحشر صاحبه نفسه في زنزانته، يجني عليه من الويلات ما لا يطاق، فيكفيه أنه يحرمه الاستمتاع بعفوية الحياة، وبساطتها التي تحوي سر جمالها، فبسبب شرنقة ما يظنه ثقافة، والتي أحاط نفسه بها، يكون قد وضع ألف حاجز بين روحه وأرواح الآخرين، لذلك ترى نفسه سجينة عالم زجاجي بارد، لا وجود فيه لدفء المشاعر الإنسانية، ولا حميمية التواصل البشري!!!
المثقف الحقيقي ليس من يحفظ طول نهر الأمازون، ويزدري الناس، ويقرأ أشعار محمود درويش، محتسيا قهوته السوداء، في طقوس يحاكي بها صورة المثقف النمطية التي صنعها الإعلام وفرضها علينا، وتفصله عن هموم مجتمعه وحياته اليومية، بل هو من يجعل ثقافته وعلمه خادما لمن حوله من بسطاء الناس وعوامهم، الذين لم يسعفهم القدر بأن يحظوا بهذه النعمة.
المثقف من يرى في ثقافته غديرا لتغذية روحه بأحسن الأخلاق وأفضلها، بعيدا عن التشدق والتقعر والعبوس مع البسطاء.
المثقف هو من تعطيه ثقافته ألف سبب آخر ليبتسم في وجه الحياة، هو من يرى في ثقافته منظارا يبصر فيه تفاصيل عفوية للكون تجعل منه مكانا أفضل!!
نعم يحتاج كلنا الفرار من صخب الحياة وضغوطاتها لجو نراه يريحنا، لكن لنسأل أنفسنا بأمانة هل هذا الجو قد صنعناه نحن لأنفسنا، أم اقتبسناه بتقليد غير واعي لمن نظنهم مثقفين!!؟؟
أود أن أختم هذه الخاطرة باعتراف بسيط.....
لي مع الكتب وما يتعلق بها هوى قديم، وعشقي للبرامج الوثائقية لا حدود له، الكتابة والتدوين صمام أمان لعقلي من الجنون، والسينما أجدها فن راق جدا، يكاد يكون أفضل ما أنتجته البشرية، لكن....
وبصراحة مطلقة..... لا أحب أشعار نزار قباني، ومحمود درويش، ولا أجد أي نشوة في صوت فيروز وأغانيها، ولا أطيق احتساء القهوة ولا حتى شربها، لأنها ببساطة شديدة، مرة الطعم!!!
أعشق كتابات أحمد خالد وتوفيق، وأتلذذ بأشعار فاروق جويدة وأحمد مطر والمتنبي، ومشروبي المفضل هو الشاي الأخضر.
أفضل الأفلام الفكاهية والمغامراتية على الأفلام الفلسفية الجدلية، وأحب الشعر البسيط الواضح الموزون، على ذلك المعقد المغرق بالرمزية والمتحرر من الأوزان الشعرية.
في التعاملات الاجتماعية تعجبني العفوية وأكره التعقيد، ويميل قلبي لمن هو بسيط وواضح، وأمقت المُبهَم المتكلِّف.
فهل يا ترى سيقبلني أعضاء نادي الثقافة بينهم ولو عضوا نصيرا، أم سيرفضونني لأني لا أفهم في التأثيرات الكوزموبوليتانية لإرهاصات عصر ما بعد الحداثة!!!؟؟؟
جاد الحق