14‏/01‏/2019

عفوا.... سأخون القطيع

أخي الأكبر مني قاد سيارة والدي خمس مرات، وفي كل مرة يقودها يتسبب بحادث لها، وحين طلب مفتاحها للمرة السادسة من أبي أعطاه إياها!!!.

وجهة نظر أبي أن أخي شاب خلوق وطيب القلب، وأنه من حقه أن يأخذ فرصته في الحياة ليصبح إنسانا أفضل، أضف لذلك أننا كعائلة لدينا أعداء كثر يحسدوننا، ويتربصون بنا، ولا وقت لدينا الآن كأسرة لمحاسبة أخي أو الدخول في مهاترات من أجل قيادة سيارة، خاصة أن امتحاناتنا المدرسية على الأبواب.

من حقك القول عن أبي يُشك في أهليته كربّ أسرة كونه يستهتر بأرواح الناس وأولهم أبناؤه، بتركه أخي يقود سيارة وهو ليس بسائق.

ومن حقك القول عن أخي وقح وبليد كونه لا يتعلم من تجاربه الماضية في قيادة السيارات، ومع ذلك يصرّ على قيادة سيارة والدي وافتعال المزيد من الحوادث......
لكن قبل أن تقول هذا أو ذاك دعني أخبرك أن القصة من نسج خيالي...

لا يوجد إنسان عاقل يعطي ابنه مفاتيح سيارته وهو على يقين _ حسب تجارب كثيرة سابقة _ أنه لا يحسن القيادة، لأن ذلك فيه مخاطرة قد تهدد عشرات الأرواح، وخسائر مادية بالملايين.

بالمقابل هناك أناس تظن نفسها _ أو تظنها أنت _ عاقلة ترضى بتسليم دفة قيادة أعظم ثورة في التاريخ لحفنة من الفاشلين والمراهقين والسذج، رغم أن ضريبة قيادة هؤلاء هي ملايين الأرواح والأعراض، وفساد بالدنيا والدين لا يعلمه إلا الله!!!!.

ومن يسكت عن ذلك يفعله إما بسبب الانتفاع المادي الذي يحققه هؤلاء الأشخاص لأنفسهم ودوائرهم الضيقة، أو لسيطرة العاطفة وطغيانها على الشرع والعقل.

كون أن فلانا من الناس يحفظ القرآن، أو له سابقة حسنة، أو أنك تحبه، لا يعني أنه أهلا لأن يقود، وإلا لما منع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر من القيادة، واستعمل عمرو بن العاص.

وحين أطالب أنا اليوم بعزل ومحاسبة قيادات الفصائل الثورية التي سقطت أمام بغي الجولاني، أو هجمات النظام، واستبدالها بمن أثبت كفاءته في الصمود أمامهما، فليس ذلك لأني أحب فلانا وأكره فلان، بل لأني لا أجد أي دليل شرعي أو عقلي أو مادي، لاستمرار بقاء هؤلاء الفشلة في مناصبهم بعد إخفاقاتهم المتكررة التي ندفع ضريبتها من دمائنا وأعراضنا وأراضينا نحن لا هم...

كلنا يعرف أن من يكونون قادة لا يسكنون الخيام، ولا يشغلون بالهم بتوفير لقمة العيش، أو البحث عن فرصة عمل، أما الشقاء والفقر وسكنى الخيم والبيوت المهدومة فهو حصرا للعناصر والمدنيين، الذين نكبتهم عبقرية القادة الأفذاذ، ومع ذلك يصرّ المنكوبون بشكل شرس على بقاء هؤلاء القادة واستمرارهم بمسيرة الفشل، بتناقض عجيب غير مفهوم!!

كنا نسخر من عبارة "الأسد للأبد" وندعي أننا قمنا بالثورة حتى نختار من يحكمنا بإرادتنا عبر الدستور المتفق عليه، ولمدة يحددها هذا الدستور مع حفظ حقنا بالتعبير، والقيام بدور الرقابة الشعبية على الحاكم....

لكننا بالثورة صنعنا لأنفسنا ألف أسد، وجعلناهم قادة علينا للأبد، وحرّمنا على أنفسنا أي انتقاد لهم،ورفعناهم فوق رتبة الأنبياء فهم يسألون ولا يُسأَلون، وإن قتلونا وشردونا وباعونا فذاك أحب على قلبنا من العسل!!!

وإن تجرأ أحدنا على النقد أو التساؤل واجهناه بالإرهاب الفكري، وغمزنا ولمزنا به، ورميناه بأنه مجرد منظّر لا عمل له ولا شغل، وأن القيادة الحكيمة تعرف ما لا نعرفه، وتدرك ما لا ندركه، ولا يجب علينا أن نتعب عقولنا بالتفكير فهناك من يفكر عنا.... هذا السلوك بماذا يذكرنا يا ترى؟؟؟

لو أن أحدا انتقد القيادة الحكيمة لسقنا له الأدلة فرادى وجماعات عن وجوب السمع والطاعة للأمير في محاكاة لمشايخ الجامية.

لو تجرأ وسأل أين تذهب مقدرات الثورة وأموالها لأجبناه مباشرة أنها في أيدٍ أمينة، كما أجاب حافظ الأسد حين سُئل عن النفط السوري.

لو أن شخصا جمع شجاعة الدنيا وتكلم بما يراه الجميع من أن المعركة التي نخوضها الآن بغير محلها للأسباب المنطقية التالية وراح يذكر ما نعرفه كلنا، لاتهمناه بالعمالة والتخذيل وتثبيط الإخوة.

لو طالب بمحاسبة المقصرين والمفسدين والمتخاذلين، لعارضنا صائحين ليس الوقت الآن للمحاسبة، فالمعركة قائمة، و "لا صوت يعلو على صوت المعركة" مستذكرين شعار جمال عبد الناصر الذي برر عبره إجرامه بحق معارضيه.

إن سأل أحدنا ما أسباب خسارتنا للمعركة الفلانية فالجواب جاهز، المؤامرات الخارجية علينا كوننا شعب الله المختار، الدعم الخارجي للعدو، الأحوال الجوية، الذنوب، الابتلاء والتمحيص، الدورة الشهرية، أي شيء يخطر ببالك، إلا...... القيادات، فهم على حق دائما وإن فشلوا مليون مرة، وضربوا ظهرك وأخذوا مالك، وهتكوا عرضك بخيانتهم، وسلموا أرضك بغبائهم، وقتلوك بعجزهم وفشلهم....

والذي لا أجد له تفسيرا، أن يظن البعض أن من تخاذل عن قتال الدواعش، وأسقط حلب بخيانته وبغيه، وتحالف مع الجولاني، وعادى الحلفاء بصبيانيته، وأدخلنا بمعارك دونكيشوتية لا طائل منها بدعوى تحكيم الشريعة، والتغلب، وغير ذلك.... سيكونون هم أنفسهم من سيجلب لنا النصر المؤزر!!!! فليت شعري ما تركنا للمجانين!!!

لذلك علينا أن نعي أن الإنس والجن، لو حشرت لنا، وأحضر أهل بدر ليقاتلوا معنا، لن ننتصر طالما أن القيادات الفاشلة المهترئة بقيت كما هي، وكل معركة مهما استبسلنا فيها، وأخلصنا النية لله، وكنا فيها أصحاب حق، سنخسرها طالما أننا لم نقم بواجب تولية القوي الأمين، والحجر على السفهاء، ومحاسبة المقصرين، والمفسدين، وتاريخنا يشهد بذلك.

من لا يظن لليوم أن قيادات الثورة السورية بأعمها ليسوا إلا حفنة من المراهقين والسذج والخونة فهو إما مجنون أو خائن ولا أرى له احتمالا ثالثا...

وللأسف أغلب المحسوبين على الثورة يرضون أن يغلقوا عيونهم، ويعطلوا عقولهم، ويسيروا كالقطيع إلى سكين الجزار دون سؤال أو اعتراض، ولو فتحت معهم موضوع عزل القيادات والتمرد على فشلها لأجابوك كمؤيدي بشار "مين رح يحكمنا بعدين!؟" أو يخوفونك بموضوع الفوضى وأن القيادات الحالية على مساوئها أفضل من الثورة عليها، كما يفعل كهنة الأنظمة العميلة حين يخدرون الشعوب بقولهم ولي الأمر على إجرامه وخيانته خير من مصير كسوريا!!!
ووالله ثم والله الفوضى التي تعطيك حرية التحرك والعمل، خير من القيادة التي تكبلك، ثم تسلمك بعجزها أو خيانتها لعدوك.

لذلك أوجب الواجبات اليوم إيقاف هذه المهزلة، ودعوة المقاتلين للتمرد العسكري، والانقلاب على القيادات التي أثبتت فشلها، والالتفاف حول من أثبت نجاحا على الأرض، ولا عزاء للقطيع...


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق