16‏/02‏/2019

أرجوكم.... رفقا بالجيل المحترق!




هل ولدت بين عامي 1985 , 1993؟ إذاً مرحباً بك في الجيل المحترق..

لا بد أنك قضيت ردحاً من طفولتك بين صور الزعماء المعتّقين في الطغيان، حافظ الأسد وحسني مبارك، والقذافي، وغيرهم، وصرفت وقتاً غير قليل على برامج التلفاز التي كانت تبثها محطات حكومتك، قبل أن تنعم بميزة الطبق اللاقط أو ما يعرف بالدش والستلايت.

عاصرت الجزيرة في بداياتها، وعايشت أحداث الانتفاضة، والحادي عشر من أيلول، ثم غزو أفغانستان فالعراق، أتوقع أنك خرجت في مظاهرات لدعم الانتفاضة، وضد الغزوين.

وقتها كان في الطغاة السابقين بقيّة من حياء يمنعهم من التطبيع الوقح مع الكيان الصهيوني، ويردعهم عن الانبطاح أمام إرادة أمريكا انبطاحاً يُقصد به بالدرجة الأولى استفزاز الشعوب وقهرها.

ومع تعرفك على عالم الإنترنت المليء بالمدونات، والمشحون بطفرة مواقع التواصل، وتقضيتك ساعات أطول على تلفاز الجزيرة، وذهاب عدد من معارفك للجهاد في العراق وغيرها، فقد بلغ حملك الفكري أتمه، وصار جنين الثورة جاهزاً للخروج إلى الدنيا.

ثم أتى الربيع العربي مترافقاً مع ربيع عمرك، خرجت للساحات والشوارع وصنعت ما كان يعتبره والداك المستحيل جداً، صنعت الثورة، وطالبت بالتغيير، وأسقط جيلك أصناماً ماتت أجيال وهي تعبدها وتقدسها، فصرت كأنك إبراهيم جديد يحطم بفأسه حجرية عقول قومه وأصنامهم، حتى إذا رأوا صنيعك قالوا لك ولجيلك: حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.

تجمعت ضباع الثورات المضادة، وشدت أزرها بثعابين الشرق والغرب، لتفترس جميعاً الجسم الغضَّ الفتي للغد المشرق الذي أحرقت نفسك أملاً أن تصنعه لأمتك، وما تزال إلى اليوم تصارع وتصارع نهشات الضباع، ولدغات الأفاعي، في معركة غير متكافئة، ستحسمها إن شاء الله بنصر مؤزر.

هذه هي باختصار شديد قصة الجيل المحترق، الجيل الذي علّم الناس في الثورات ما الجود، الجيل الذي يدفع ولايزال ضريبة خوف الأجيال التي سبقته، يدفعها من حياته، وشبابه، وعافيته، والأهم من أحلامه التي هدم قصورها بيديه يوم باع نفسه التي لا يملك غيرها لتحرير أمته، وصلي بها نار العدو عسى أن يطفئها برماده المنثور.

لذلك إن رأيتم ناجياً من أبطال هذا الجيل الذين إلى الآن لمّا تأكلهم بعد حرب التحرير فأرجوكم ترفّقوا به، فهو إن بدا متماسكاً صلباً فتياً إلا أنه يخفي تحت هذه القشرة الصلبة روحاً رقيقة هشة مليئة بالندوب.

فكم من مشروع له تحطم! وكم من حبيب له ضاع منه! وكم من صديق له فارقه! وكم من بيت بناه على أمل أن يجد به ما يجد الإنسان العادي في أي بيت صار أمامه هشيما تذروه الريح! ومع ذلك لايزال صابرا محتسبا، مبتسما رغم المصائب، صامدا في وجه العواصف التي بددت رفاقه بين بحار اللجوء غير المشروع، وخيمات النزوح، وقهر الطغاة ومخابراتهم.

عزاء المحترقين أنهم احترقوا لقضيتهم، ولم يحترقوا بالخطأ، أو لقضية غيرهم، وحين تحصل الأحداث العظام لن يسجل التاريخ من عاش وتزوج وأنجب ودرس في الجامعة وتخرج، فهذه أمور مكررة مملة، بل سيسجل الاستثناء ممَّن صنعوا الحدث وقاوموا وماتوا على الطريق، أو وصلوا إلى آخره، فاختر لنفسك أحد الفريقين.


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق