18‏/11‏/2017

#دروس_وعبر_من_سقوط_الأكاسرة 2


أوائل الانتصارات

بدأ خالد بخطة محكمة من الأُبلّة، وعسكر بمنطقة تسمى كاظمة منتظرا وصول الجيش الفارسي، ليفرض على عدوه أرض المعركة، التي تناسب جيشه، وتعرقل جيش العدو.

كان الجيش الفارسي بقيادة هرمز، وعدده ( 40 ألف )، ثقيلا بحركته، لأن الجنود فيه من الفلاحين المجندين إجباريا، فكانوا يُربطون في المعارك بالسلاسل حتى لا يفروا، أما جيش المسلمين فكان عدده صغيرا، حركته خفيفة، مكون من المقاتلين العقائديين النُخَب، وسنرى لاحقا أثر المقاتل العقائدي خفيف الحركة، بمواجهة الجيوش الثقيلة ذات التجنيد الإجباري ( قارن بين أداء عناصر حزب الله، وأداء الجيش السوري النظامي ).

حين وصل الفرس لكاظمة بعد جهد جهيد، قام خالد بحركة استفزازية ذكية للفرس، وذلك بالانسحاب من كاظمة إلى منطقة أخرى تسمى الحفير شمال كاظمة، فاضطر الفرس لأن يحملوا أثقالهم ويذهبوا للحفير، وحين وصلوا بدأوا بحفر الخنادق الدفاعية هناك حتى لا يلتف عليهم جيش خالد ( لاحظ استخدام الهندسة العسكرية )، وحين انتهوا من حفرها، عاد خالد نحو كاظمة وترك الحفير، فاضطروا مغتاظين للعودة نحو كاظمة، وحين وصل هرمز لكاظمة ارتكب خطأ استراتيجيا شنيعا، إذ جعل نهر الفرات خلفه، وبالتالي ضيق مساحة المناورة على جيشه الضخم الثقيل، وقطع على نفسه خط الانسحاب.

أرسل خالد لهرمز رسالة يطالبه إما بالإسلام، أو الجزية، أو الحرب، وغاية الرسالة إما أن تكون سببا في إسلام هرمز ومن معه وفي هذا تحقيق لمصلحة الجهاد، وزيادة رصيد للقوة العسكرية الإسلامية، أو تخذيل هرمز والفرس عن القتال إلى دفع الجزية، وفي ذلك مصلحة كبيرة أيضا، أو على الأقل تحطيم الروح المعنوية للفرس إن أصروا على القتال عبر إبراز ثقة الجيش المسلم بنفسه، ( استخدام الحرب النفسية كسلاح فعال ضد جيش العدو ).

حين اشتعلت الحرب بين الجانبين، دخلها الفرس بأجسام منهكة من السلاسل والحفر والسفر، ومعنويات محطمة بعد أن قُتِلَ قائدهم على يد خالد، وفعلا هُزِموا بسرعة وقتل منهم 15 ألف بسيوف المسلمين، و10 آلاف من المسلسلين غرقوا في نهر الفرات، وكانت هذه المعركة في محرم سنة 12 هجرية، وكانت خسائر المسلمين قليلة جدا.

معركة الوَلَجَة

وصلت أخبار قدوم جيش فارسي ضخم بقيادة " الأندر زغر " و " بهمن جاذويه " ، فانسحب خالد باتجاه الصحراء نحو الغرب إلى منطقة تسمى الوَلَجَة.

اختار خالد هذه المنطقة لكونها منبسطة تعطيه أريحية التحرك، ولأنها على بداية الطريق الصحراوي نحو عمق شبه الجزيرة العربية، وبالتالي خط الانسحاب والإمداد مؤمن، وجغرافية المنطقة معتادة بالنسبة للجش العربي، وجديدة على الفرس.

قام خالد بإخفاء ميمنة الجيش وميسرته عن جيش الفرس، مستدرجا لهم لكمين محكم.

بدأت المعركة باستدراج وإنهاك قلب الجيش الفارسي، ثم إطباق جناحي الجيش المسلم عليه، حتى فني أغلب الجيش الفارسي تحت سيوف المسلمين ( تكتيك الكماشة وهو من أصعب التكتيكات العسكرية وأشدها خطورة ) ومن فرّ منهم هرب للصحراء ليموت جوعا وعطشا، ومنهم قائد الجيش الفارسي " الأندر زغر " ، أما بهمن جاذويه فقد نجح بالفرار للمدائن عاصمتهم.

معركة أُلّيس

جمع القائد الفارسي جابان جيشا عظيما، وعسكر بهم في منطقة تدعى " أُلّيس " ، وغير خالد من تكتيكه العسكري من جديد ( القائد العسكري الناجح يغير خططه باستمرار )، وهذه المرة باغت خالد الجيش الفارسي الضخم بهجوم مفاجئ وهم يأكلون، وكانت هذه المرة المعركة شديدة حامية الوطيس، وبسبب استماتة المقاتلين الفرس بالقتال، قام خالد بأسر سبعين ألف فارسي، ثم قتلهم، ليفني القوة البشرية للجيوش الفارسية، ويحطم إرادة القتال لديها ( أسلوب آخر لاستنزاف العدو وتحطيم معنوياته ).

تحقيق الهدف من القسم الأول للخطة

سلك خالد في طريقه للحيرة طريقا مختصرا آمنا عبر استخدامه السفن في نهر الفرات، حتى وصل إليها وحاصرها ( القائد الناجح يختار الأسهل والأسلم لجنوده فهم رأس ماله ).

كان لدى أهل الحيرة ما يشبه المدفعية في عصرنا الحالي، وتسمى ب ( الخذاذيف ) وهي كرات من طين، مشتعلة بالنار، لذلك ترك خالد بينه وبين المدينة حين حاصرها مسافة أمان ليحمي جيشه من هذه الكرات ( تحييد سلاح العدو النوعي عن المعركة ) ، وبنفس الوقت استخدم خالد سلاح مضادا وهو النُبُل أو السهام، فالجيش العربي المسلم متميز بالإصابة بها، ومداها يصل لحصون الحيرة ( استخدام سلاح القنص بلغة اليوم ).

وفعلا انهارت معنويات أهل الحيرة وبدأوا بالاستسلام للجيش المسلم على أن يدفعوا الجزية.

بعد هذه الانتصارات العسكرية المدوية، قام خالد باستثمارها معنويا وسياسيا، عبر إرسال رسائل الترهيب والترغيب للقيادات الفارسية بغية إما إقناعهم بالإسلام، أو الجزية، أو على الأقل تحطيم إرادتهم القتالية، وهذا أحد أهم أخطائنا في الثورة، أننا لا نجيد توظيف انتصاراتنا العسكرية بما يضمن لنا انتصارا سياسيا....

#يتبع......


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق