15‏/11‏/2017

السعودية إلى أين؟

رعت بريطانيا العظمى مؤسس الدولة السعودية منذ بدايات تحركه، وذلك مقابل أن يخدم عبد العزيز آل سعود مصالح بريطانيا في الجزيرة العربية.

اعتمد ابن سعود على الدعوة الوهابية ليعطي نفسه ودولته صبغة دينية ينافس بها خصومه من الأشراف وآل الرشيد، ويحمي عن طريقها أبناءه من ثورة داخلية.

أخذت العلاقة البريطانية السعودية، طابعا حميميا أكثر في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، بعد اكتشاف البترول في الجزيرة العربية.

عقب الحرب العالمية الثانية تراجع النفوذ البريطاني لصالح أميركا، وورثت الامبراطورية الأمريكية الجديدة اتفاقيات الحماية للأنظمة الوظيفية في الدول الإسلامية، وعلى رأسها السعودية.


نقطة التحول

انتشرت في فترة الستينات والسبعينات مظاهر تفلّت وانحلال خُلُقي غريبة على المجتمع السعودي، تم تسويقها تحت شعارات الحداثة والتقدم، مما أغضب شرائح كثيرة من المتدينيين، خاصة أن دولة آل سعود كانت تشجع هذه المظاهر " المأمركة " .

تفجر غضب المتدينيين الحاقدين على التحول الاجتماعي في السعودية بحادثة احتلال الحرم المكي في عام 1979 من قبل جماعة جهيمان العتيبي.

كانت هذه الحادثة الصفعة التي أيقظت آل سعود على خطر سياستهم القديمة، وجعلتهم يتحولون لسياسة أخبث منها.

اعتمدت السياسة الجديدة لآل سعود على عقد تحالف مع المشايخة السلفيين، فبمقابل حصولهم على بعض الامتيازات في المجتمع، كحرية الدعوة ( طبعا بحدود متفق عليها ) ، وإنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوم المشايخ بالمقابل بالترقيع لآل سعود وتجميلهم، وإقناع الناس أنهم سلطة شرعية تمثل الدين ويأثم الخارج عليها.


غزو أفغانستان

في أواخر السبعينات غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، وجدت أميركا فرصتها لتنتقم منه لما فعله معها في فيتنام، وأوعزت لأنظمتها الوظيفية في الجزيرة العربية بالسماح للشعوب المسلمة أن تدعم أبناءها المجاهدين في أفغانستان، فوجد آل سعود فرصة ذهبية بذلك، حيث يخرجون بصورة الحكام الأتقياء الذين يدعمون المجاهدين، وبنفس الوقت يسهلون الطريق للشباب السعودي الملتزم ليخرج لأفغانستان ويريح السلطات من توجهه الديني، ويزيد رصيد مشايخ السلطة المرقعين للحكومة أمام الشعب.

قامت المخابرات السعودية أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان، بالنيابة عن المخابرات الأمريكية، بالدور المعهود القائم على تفريق المجاهدين عبر الدعم والدسائس، وحاولت استقطاب الطالبان عبر الاعتراف بدولتهم أواخر التسعينات.


غزو الكويت

بلغت علاقة تبادل المنفعة بين آل سعود، ومشايخ الترقيع ذروتها في أيام غزو الكويت، وكان عراب التواصل بين المشايخ والسلطة هو نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية المشهور بصيته الإجرامي، ويومها أفتى عدد كبير من علماء المسلمين الموجودين في الجزيرة العربية ( سواءا بالترهيب أو الترغيب ) ، بجواز استعانة السعودية بأميركا والتحالف الدولي وإقامة قواعد عسكرية للقوات الأجنبية في الجزيرة العربية من أجل تحرير الكويت من صدام، مما سبب فتنة ومصائب في الأمة لازلنا نعيش أحداثها لليوم، ولازال الخليج محتلا من قبل أميركا.

ولا يخفى على متتبع دور آل سعود في دعم كل خطوة أمريكية في حرب المسلمين، من ضرب العراق باليورانيوم المنضب، إلى حصاره وتجويعه، إلى غزو أفغانستان، ثم غزو العراق واحتلاله، مرورا بعشرات المواقف الخاذلة للأمة حتى على صعيد الكلام، في مآسي البوسنة والشيشان وكوسوفو وفلسطين....


إيران تتربص

كانت إيران تتربص كالقط لكل خطأ سعودي، فتستثمره لصالحها لأقصى حد، وبنفس الوقت تبني دولتها العقائدية على مبدأ الاعتماد على الذات، ونشر الأذرع التابعة في الدول المجاورة، لتشغلها بإطفاء الحرائق الداخلية.

فكانت النتيجة أن إيران رغم العقوبات المفروضة عليها استطاعت بناء نظام سياسي قوي يملك مكانة رمزية عند كل الشيعة بالعالم، وجيش يصنف من أقوى جيوش الشرق الأوسط، وترسانة عسكرية قوية أغلبها مصنع ذاتيا، وعصابات طائفية دولية تتبع لها وتنفذ أهدافها، بل واستطاعت أيضا استقطاب أو تحييد شرائح من السنة بمناورات كدعم حماس والجهاد الإسلامي، والخطاب المفتعل العالي اللهجة ضد أميركا وإسرائيل.


الربيع العربي

كان آل سعود أشد الأنظمة خوفا من وصول رياح الربيع العربي إليهم لتقلعهم من كرسيهم، أو على الأقل تحد من نفوذهم، لذلك وقفوا من اليوم الأول مع كل الطغاة العرب، وأيدوا كل الثورات المضادة، ومارسوا لعبة الدعم القذر لتفريق الثوار، فاحتضنوا بن علي، ودعموا مبارك، وأيدوا علي عبد الله صالح، وأسقطوا مرسي، ووطدوا حكم السيسي، وثبتوا حفتر، وفرقوا صف الثورة السورية بالدعم المسيس، والمؤامرات.

وليت الأمر وقف عند ذلك فحسب، بل استمر السعوديون بدعم الحوثيين بالسلاح، والمال، ليقاتلوا الإخوان المسلمين باليمن بسبب دورهم في الثورة على صالح، إلى أن سقطت العاصمة اليمنية بيدهم، وقتها استفاق آل سعود على الكارثة.

بل حتى دعم آل سعود الحشد الشيعي في العراق حتى أواسط عام 2015 تقريبا، وساندوا الانقلاب التركي الفاشل نكاية بالشعوب، واليوم يدعمون ميليشيات " قسد " في سوريا، كل ذلك وإيران تضحك من تخبطهم.

وحتى يوم أطلقوا ما يسمى عاصفة الحزم، كانت العملية من بدايتها فاشلة لأنها لا تملك أي خطة، أو هدف، أو استراتيجات واضحة، وعبارة عن تظاهرة عسكرية مكلفة لخدمة دعاية سلمان وابنه المراهق محمد، ووبالا على الشعب اليمني، ولم تستطع السعودية إقناع تركيا أو ماليزيا أو باكستان بالدخول معها، وقامت الإمارات بقيادة بن زايد، بامتطاء السعودية وعاصفتها الحزمية، لتسيطر على موانئ اليمن الجنوبية بما يضمن خدمة النفوذ الإماراتي.



المراهق محمد بن سلمان

هو طليعة الجيل الثاني من أحفاد مؤسس الدولة السعودية، وتلميذ مطيع بمدرسة دحلان وبن زايد، وتابع مخلص لترامب، ويشترك معه بالجنون، والسفاهة السياسية، فكما تسببت سياسات ترامب الارتجالية استقالة وإقالة المئات من موظفي الإدارة الأمريكية العريقين، من ضمنهم العشرات من فريق ترامب نفسه، وكثيرون يتوقعون أن نهاية أمريكا ستكون على يديه، كذلك فعل المراهق بن سلمان، حيث ضرب استقرار وتوازن حكم آل سعود عبر فك ارتباطهم بمشايخ الترقيع الذين كانوا يضفون على حكمهم الصبغة الشرعية، فألغى هيئة الأمر بالمعروف، واستبدلها بهيئة الترفيه، وزج الكثير من المشايخ ودعاة الإصلاح في السجون، وقرب منه أصحاب التوجه العلماني، وصار التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني أمر وقت لا أكثر، كل ذلك بدعوى حرب إيران.

وحتى حملة اعتقال الأمراء ورجال الأعمال الأخيرة بالسعودية ليست الغاية منها محاربة الفساد، بل غايتها تلميع بن سلمان، وخدمة ترامب والكيان الصهيوني بالدرجة الأولى، لأن المعتقلين كلهم يمولون شركات ومؤسسات تابعة لأعداء ترامب من الديمقراطيين وغيرهم، واعتقالهم يعني قطع الدعم عن أعداء ترامب الذين يسعون لإسقاطه، وأخذ ابن سلمان لأموالهم هو بغاية توقيع عقود شراء السلاح من أميركا والكيان الصهيوني في المغامرة الفاشلة التي سيقوم بها قريبا ضد إيران.


ما الهدف من كل الكلام السابق؟

يبدو أن جنون العظمة لمحمد بن سلمان، مع الوعود الكاذبة بالدعم من الكيان الصهيوني وأميركا، ستدفعه لخوض عمل عسكري ضد إيران، أو أذرعها بالمنطقة، وسيكون كالعادة وبالا على السنة، ولا شك أن مشايخة الترقيع والضلال سيصورون حرب بن سلمان العبثية أنها حرب السنة ضد الشيعة لحماية الحرمين،وليت شعري عن أي سنة يتحدثون؟؟

عن السنة الذين يموتون من الجوع والكوليرا في اليمن بسبب آل سعود، وآل زايد ونهيان، أم الذين قصفتهم أميركا في أفغانستان والعراق، أم الذين قتلهم الصرب والكروات في البوسنة وكوسوفا، أم الذين قتلهم الروس في سوريا والشيشان، أم الذين قتلهم الشيعة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، أم، أم، أم ...... وتطول قائمة الجرائم التي تكون دائما ممهورة بختم آل سعود.

إن حرب ابن سلمان ستكون فاشلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وغايتها هي تصوير هذا المراهق السفيه على أنه رجل المرحلة، وبطل الأمة، كما صوروا لنا أتاتورك بعد مايسمى حرب التحرير، وعبد الناصر بعد حرب 56 ، وحافظ الأسد بعد حرب 73 ، ونصر الله بعد حرب 2006.

ابن سلمان ليس إلا مجرما آخر، وهو أكبر عدو للسنة، وسيكون على يديه تمزيق ملك آل سعود، وعلى المشايخ أن يفتوا بخلعه وخلع آل سعود معه، لأن إبر التخدير من نمط أن ابن سلمان خير من إيران، وآل سعود أفضل من الشيعة لم تعد تعطي نتيجة.

بل إيران وآل سعود وجهان لعملة واحدة، وكلاهما لا نريده، إلا أن إيران أقل شرا، وأخف ضررا، لأن عداوتهم ظاهرة، على الأقل نعرفهم روافض متعصبون، ويملكون استراتيجية، ومخطط، وآليات مدروسة لتحقيق الهدف، أما آل سعود وأمثالهم فمحسوبون علينا، وكل مصائبنا من الرضا بهم، والسكوت عنهم، وفوق كل ذلك لا يملكون أي سياسة أو هدف أو خطة من أي نوع، سوى تنفيذ أوامر أميركا، والإثراء المحرم على حسابنا.

الحل للخلاص من الكارثة المرتقبة هو ثورة شعبية تخلع آل سعود وتولي الأكفاء، الذين يمثلون الأمة فعلا، ويستطيعون صيانة حرماتها، وكل مصائب الثورات الشعبية على الشعوب الثائرة، هي أقل بكثير من مصائب الحكام الخونة أو الفشلة على الشعوب الخانعة.

أنصاف الحلول، والمعالجات الترقيعية، والجراحات التجميلية لم تعد تجدي، وصار الحسم الثوري ضرورة لإنقاذ الأمة.

أتمنى ألا أرى اليوم الذي أجد فيه ثوار سوريا قد أخلوا مواقعهم فيه ضد النظام وقسد، ليذهبوا لحرب ابن سلمان مقابل المال، تحت ظلال فتاوى ترقيع أنها حرب لحماية السنة.

حرب إيران وإسقاطها يكون بضربها في العمق، وإشعال الحرائق الداخلية فيها، وضمن حدودها كما تفعل هي معنا....


جاد الحق





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق