24‏/02‏/2018

نعم أنا مع سفك الدماء


لست دراكيولا، ولا داعشي، ولا حتى من هواة أفلام Saw، لكني مسلم ثائر يحاول التفكير بواقعية بعيدا عن ضجيج المشاعر، وصخب الغوغاء.

قد تكون عبارة " سفك الدماء " قاسية وذات وقع ثقيل على الأسماع، لكن لو تفكرنا بها جيدا، ونظرنا إليها بكلتي عينينا لرأينا نصفها المشرق، الذي نصر الله به الدين، وحفظ به حدود الدنيا بين البشر حتى لا تصبح حياتنا فوضى.

لِمَ نتقزز من سفك الدماء بالمطلق إذا كان الله قد وعد من سَفَكَ الدماء في سبيله، وسُفِكَت دماؤه في رضوانه، بالدرجات العلى من الجنة؟
كيف جعل الله ( وهو أرحم الراحمين ) سكب الدماء سبيلا للفوز بأعلى الدرجات؟

لِمَ نظن أن حقن الدماء بالمطلق هو سبيل الرشاد؟ مع أن الشرع والعقل والتاريخ يدلون جميعا على عكس ذلك

ففي الشرع يقول الله { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب }
تفكر بروعة البيان التي أوصلت عظيم المعاني
في البداية قال الله لكم في القصاص ولم يقل لكم في العفو، ثم أردف رب العزة مبينا ما لنا في القصاص فقال حياة، لم يقل رادع، ولا زاجر، ولا تشفي، ولا عدل، بل قال حياة، حياة لكل المجتمع، وتأتي هذه الحياة لكل المجتمع من ضدها وهو القتل، لكن القتل لمن؟ لمن يستحق القتل بسبب التعدي على حدود الله خاصة الدم الحرام، فكما تجرأ المعتدي على الله وسفك الدم الذي حرم، كان لزاما على الله في الدنيا أن يهدر دمه قصاصا، وأن يكون في القصاص منه حياة لكل المجتمع.

ثم يختم الله الآية بتوضيح أن خطابه لأولي الألباب، أي أصحاب العقول الصحيحة، والفطر السليمة، الذين يعرفون بسوي عقولهم، وصحيح آدميتهم، أن ضبط المجتمعات الإنسانية لا يكون إلا بالعقوبات الرادعة لمن يخرق قوانينها.

بالتفكير العقلي الصحيح نجد أن المجتمعات الإنسانية التي تريد تحصين نفسها بقوانين تنظمها، إن لم تضع عقوبات زاجرة على من سيخرق هذه القوانين، وتعاضدت على تنفيذها فيما بينها دون ممالئة لشريف، أو تحامل على تضعيف، فلا شك أن طغيانها الداخلي بين مكوناتها سيقضي عليها قبل أي عدو خارجي، لذلك نجد أن كثير من التشريعات البشرية القديمة والحديثة أدرجت عقوبة الإعدام لبعض الجرائم الخطيرة، كالقتل أو الخيانة العظمى.

ونأتي للتاريخ أبي العلوم، العجوز الحكيم صاحب اللحية والرأس الأبيضين، ونسأله كيف يكون حفظ الدماء والحقوق وإقامة المجتمعات القوية؟

حدثني العجوز الحكيم بقصة مشرك على عهد النبوة اسمه أبو عزة الجمحي، أسره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثم منّ عليه على ألا يقاتله، فخرج ناكثا بعهده يوم أحد ليقع بشر أعماله ويؤسر ثانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه المرة اتخذ القائد الأعظم صلوات الله عليه قرارا حاسما حازما بقتل هذا المشرك الناكث بالعهد وقال له " لاَ تَمْسَحُ عَلَى عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ قَدْ خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنَ " لا ننسى أن هذا الفعل الذي يعده الحالمون الواهمون، والمثاليون الخياليون، عملا قاسيا شنيعا، صدر من النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد يدفعهم الجهل والهوى والتعصب لذلتهم وانبطاحهم إنكار هذه الحاثة، وإن أنكروها فهل سينكرون ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببني قريظة؟ أم هل سينكرون أن من أرسله الله رحمة للعالمين أمر بقتل عبد الله بن خطل يوم فتح مكة وكان متعلقا بأستار الكعبة؟

وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم حازما مع من يستحق القصاص، سار خليفته الصديق على نهجه حذو النعل بالنعل، فنجده يوم الردة قد حفظ للإسلام بيضته، وأعلنه صراعا صفريا بين المسلمين تحت سلطان الخلافة وبين من ارتد، لم يفرق بين من ارتد بالكلية، أو منع الزكاة، حتى عاد الإسلام صلبا فتيا بعد وباء الردة، وما سمعنا يومها أن حسان بن ثابت مثلا طرح مبادرة لحقن الدماء، أو عبد الله بن مسعود دعا لتشكيل محكمة شرعية بين المرتدين المجرمين، والمسلمين المؤمنين!!!

وفي العصر الحديث عبرة لمن أراد العبرة، ففي مصر لم يتخذ مرسي قرارا حاسما لمواجهة المنقلبين نتيجة أنه أعار أذنه للمتخاذلين، والمهزومين نفسيا، والمرتعبين ذاتيا، فكانت النتيجة استلام السيسي، وما أدراك ما السيسي!! قتل 4 آلاف شخص في مكان واحد بيوم واحد خلال بضعة ساعات، ووالله لو أن مرسي قتل من السيسي وزبانيته يوم انقلابهم 40 شخصا لتغير التاريخ.

أحبت القوى الدولية أن تعيد الدرس في تركيا بعد ثلاث سنوات، لكن القيادة التركية وعته جيدا، فأصدر أردوغان أوامره بالاشتباك حتى الموت وعدم التسليم للإنقلابيين، وزج بالقطاعات الموالية له في أجهزة الشرطة والجيش والاستخبارات، إضافة للجماهير الشعبية، زج بهم بقوة في المعركة، فكانت النتيجة ساعات قليلة من التوتر، و400 قتيل من الطرفين، ثم النصر لأصحاب الحق، ولو تردد أردوغان بقرار سفك الدماء لمن يستحق، لكانت النتيجة تعرفونها جيدا.....

كل ما سبق غايتنا منه إسقاطه على ثورتنا، فلو تصفحنا كوارثها لرأينا أعظمها ما كان من ترك قتال الخوارج والمفسدين والبغاة، سواء كان ذلك تورعا، أم ضعفا، فالنتيجة سيان وهي دمار الثورة.

ومن يحمل الوزر الأعظم هي تلك الشخصيات المقيتة، التي تشكل المعادل الثوري لجماعة " الله يطفيها بنوره والله يظهر الحق " والتي تصور كل رد لبغي حاصل، أنه اقتتال بين الطرفين، يتساوى فيه الباغي المجرم العميل، مع المجاهد المدافع عن حقه، فأي خير يتمناه الباغي العميل كمساواته مع المظلوم المدافع، وأي شر يخشاه المجاهد الصادق كجعله كالباغي الظالم!!!!

وكما بدأت كلامي أنهيه، نعم أنا مع سفك الدماء ولست مع حقنها، لكنها دماء الخوارج والمفسدين والبغاة، فبسفك دمائهم تحفظ دماء الأبرياء، ويصان حق المستضعفين، فلا تحقن الدماء إلا الدماء، ولا يرد القوة المعتدية إلا صفعة محرقة من كف الحق المدافع......

جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق