17‏/02‏/2018

إيدز الثورة

إيدز الثورة

تمر الثورات عادة بمراحل تشبه مراحل نمو الإنسان، ففي بدايتها تكون عفوية ساذجة أقرب لبراءة الطفولة، ثم تقوى قليلا ويشتد عودها فتصبح عنيفة صعبة المراس، تمتاز بالطيش والتهور، كمراهق بدأ يتحسس عضلات ذراعه بفخر، ثم تستوي على سوقها، وتمتشق قامتها وتتهيكل ملامحها، وتزداد اتزانا ورزانة، كشاب عشريني بدأ يتلمس بحذر طريقه في الحياة، إلى أن تصل لذروة النضج، وكمال القوة محاكية ابن الأربعين، فتكون قد بلغت أشدها واستحقت النصر، ومن الثورات من يسير بنفسه منحرفا عن الجادة القويمة، كمن أبلى شبابه وصحته بما يضره، فتنتقل الثورة وقتها من الشباب إلى الشيخوخة بغمضة عين، لتقع فريسة أمراضها، ثم تلازم فراش الموت تعالج سكراته، إلى أن تموت وتدفن.

ومن الأمراض المنذرة بقرب نهاية أي ثورة مرض " إيدز الثورة " وهو نقص المناعة الثورية المكتسب، وبهذا المرض تخسر الثورة مناعتها وكرياتها البيضاء _ أبناءها العقائديين _ لتقع فريسة للمتربصين والانتهازيين.

إيدز الثورة، يأتي من العلاقات المحرمة، والتواصلات المشبوهة التي يقوم بها بعض أبناء الثورة مع جهات معادية لها في الداخل والخارج، أو عبر حقن جسم الثورة بدماء وسوائل غريبة عنها، تحتوي هذا الفيروس، تماما كمرض الإيدز البشري ( نقص المناعة المكتسب ).

فيروسات هذا المرض تتسلل لجسم الثورة، وتهاجم كرياتها البيض، وتظل تصارع هذه الكريات حتى تستسلم وترضخ، وتتقاعس عن أداء مهمتها في الدفاع عن الجسد الأم.

قد تكون الفيروسات حفنة دولارات تعطى لبعض القيادات، حتى يتخدر ضميرهم بلونها الأخضر الجاذب، وتسكر عقيدتهم برائحة أوراقها اللامعة، فيخلعون ثوب المحارب العقائدي، ليلبسوا بدلة المرتزق الأجير، الذي انحرفت بوصلته عن هدفه الأساسي، وصار يخلط بين أولوية من استأجره ( الداعم أو الحليف ) ومصلحة من استأمنه الدفاع عنه ( الشعب المظلوم ).

وقد تكون فيروسات إيدز الثورة مناهج سوداوية مخابراتية، تحقنها أيدي آثمة تلبس للتمويه أكفا بيضاء ببدن الثورة، فتهاجم كرياتها البيض، وتصيبها بما يشبه المس الشيطاني، فترى أهلها وإخوانها هم العدو الأول الواجب قتله وإفناؤه، وترى العدو الأساسي عدو ثانوي، وقد يكون حليفا في الحرب على الأهل والعشيرة.

ويوجد نوع من فيروسات إيدز الثورة ذاتي المنشأ، مرده لحالة الانتفاخ والتضخم الواهم الذي تعيشه بعض الشخصيات القزمية المتسلقة على الثورة، فقبل الثورة كان نكرة لا يُعرَف ولا يؤبه له، أما اليوم فقد أصبح القائد الفذ، وشيخ الإسلام، والعالم النحرير، والمفكر العبقري، وصارت القنوات والمواقع ووسائل التواصل تتناقل حركاته وسكناته، وتستخلص منها العبر والدروس، وأضحت صوره وكلماته إلهاما لجيل الشباب الطموح، وكل ذلك لا يعدو الوهم الإعلامي الافتراضي، أما الحقيقة فهي أنه رويبضة تكلم بأمر العامة وهو يدعي كاذبا الفهم، فبلغت وسائل الإعلام المسيسة بكذبته الآفاق، وصيّرته صنما.

عرفنا الداء وشخصناه وتكلمنا عن مسبباته وأعراضه، ويبقى السؤال ما السبيل لعلاجه ودرء خطره؟

صراحة سبيل العلاج لا يكون بصفصفة الكلمات، وتذويق العبارات، ونشر الكلام الإنشائي الطافح بالحكمة، بل يكون عمليا واقعيا بشكل صرف، فما نحتاجه هو القيادة الواحدة المجربة الحاذقة، التي تعرف كيف تسير بالدهاليز، وكيف تمر بالمنعطفات، وكيف تناور في المضائق، أما السير في الطرق المعبدة المستقيمة فجميعنا يتقنه.

نحتاج لقيادة تمتلك شجاعة الإقدام وليس فقط ثبات الصمود، قيادة صاحبة شخصية وحضور بين القوى الدولية، وتجيد فن ابتزاز الحلفاء قبل الخصوم للمحافظة على استقلالية القرار الثوري الوطني.

نحتاج قيادة تواجه بالعنف الثوري كل مفسد وخارج عن جادة الثورة، فحتى لا نغرق بالأحلام الوردية ونلصق كل أخطائنا الثورية بالمناهجة وعلى رأسهم داعش، علينا الاعتراف أن فشلنا في معالجة المفسدين وكفّ أذاهم، وفي استئصال الخائنين وجعلهم عبرة، هو من مهد الطريق للمناهجة في خداع الناس وتضليلهم، كما أن قلة ثقتنا بمنهجنا ورموزنا وأهداف ثورتنا، وانعدام اطلاعنا على تجارب غيرنا من الشعوب، هي من جعلنا نقع ضحية سكاكين مزاودات وخيانات المناهجة أدعياء الشريعة.

لن يصلح أمر الثورة إلا بوجود قيادة واقعية حازمة ذات قرار، تحالف الأصدقاء بناءا على تقاطع مصالح لا على تبعية وانقياد، وتقاتل أعداء الثورة داخلها وخارجها حتى تحيد مكرهم، أما التنظيرات والفلسفات فدعوها لرواد المقاهي، ومواقع التواصل.


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق