19‏/08‏/2018

غيرة على العرض أم.....؟

حفظ الأعراض من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام ليصونها، والذود عن الشرف من مميزات المجتمعات الراقية، والمتحضرة، ومهما تعلمنت المجتمعات، وتشرقنت، وتغربنت، تبقى لفظة " زنا " وما يتفرع عنها من أوصاف، شتائم قبيحة بحق من تطلق عليهم.

الانتفاض نصرة للمرأة، وشرفها أمر عظيم جدا، لكن ليس كل من ولولت في شارع ما متهمة شابا بأنه يتحرش بها، هي بالضروة صادقة، وليس كل من ذرفت دموعها شاكية أنها ضحية لشاب متهتك عديم الأخلاق والدين، هي ضحية!!
فالأصل الديني والوضعي لأي محاكمة عادلة يصدر عنها حكم بتجريم طرف أو تبرئته أن تكون مبنية على مبدأ سماع الطرفين، وموازنة أدلة كل طرف، مهما بدا الطرف الأول مظلوما مضطهدا، ومهما كان الثاني لئيما زنيما!

ثم من قال أن فقط للمرأة شرف، وحرام قذفها، أو الكلام في عرضها، بينما يجوز ذلك على الرجل!!؟؟
في أي شرع نجد هذه الازدواجية في المعايير؟

عتب الله في القرآن الكريم على نبيه داود عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سماوات حينما قضى في قضية بعد سماع خصم دون الآخر فقال: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ }، لما شرح الطرف الأول دعواه، حكم داود مباشرة قبل أن يسمع الثاني: { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ } ، كان المفروض على نبي الله داود أن ينتظر حتى يتكلم الخصم الثاني، ثم أدرك خطأه فاستغفر وتاب { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ }.

ومن الحكمة في هذا الباب قول أحدهم:
(إذا جاءك الرجل وقد فُقِئَت عينه فلا تحكم له، فلعل خصمه فُقِئَت عيناه)، يعني إذا جاءك يشتكي من مظلمة فانتظر حتى تسمع من خصمه، فقد يكون لخصمه عنده عشرات المظالم.

وقد قص علينا الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف أن امرأة العزيز راودت يوسف عن نفسه وهو في بيتها، ولما فوجئت بدخول العزيز عليهما تحولت من ذئب إلى ضحية، وتقمصت الدور ببراعة، فقالت مباشرة { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ؟؟

أي أنه حاول الاعتداء على شرفي، فهل يستحق إلا العقاب القاسي؟

فاضطر يوسف الصديق لرد التهمة عن نفسه قائلا: { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } !!

لو اقتطعنا عبارة " هي راودتني عن نفسي "  من سياقها في القصة، لاتهمنا يوسف الصديق _ وحاشاه _ أنه يقذف المحصنات، ويرمي البريئات!!!

ومن الدارج أيضا في مجتمعاتنا أن أي قضية تحتاج لتحشيد الناس، فإن أسهل الطرق لذلك هي تحويلها لقضية #أعراض ، و #نساء ، و #اغتصاب !!!

والأمثلة أكثر من أن تحصر، فلديك مثلا الشيعة، هل يجيشون قطعانهم علينا لذبحنا إلا عبر روايات مكذوبة عن سبي واغتصاب نساء آل البيت العفيفات رضي الله عنهن جميعا؟

وهل حرض الدواعش سفهاءهم للتفجير والقتل، إلا عبر شيطنة باقي الثوار، والمجاهدين، باتهامهم بأنهم اغتصبوا نساء المهاجرين؟؟

وهل عبأت النصرة أرذالها لقتال الثوار إلا بذريعة أن العلمانيين _ ويعنون الثوار _ يريدون تسليم المهاجرين لدول الكفر، واغتصاب نسائهم؟؟!!

وقبل الجميع تطل علينا رواية النظام العجيبة عن الطفل الإرهابي حمزة الخطيب ابن الثلاثة عشر عاما، والذي تم اعتقاله من النظام إثر محاولته اغتصاب نساء الضباط!!

لعل من أسباب ازدياد الانحلال الأخلاقي في مجتمعنا هو تمييع موضوع الأعراض، وتحويل قضية صون العرض لدعاية تجارية ترويجية، أو لآلية إرهاب نفسي في خصوماتنا، أو أسلوب إسقاط وتشهير في نزاعاتنا، خاصة مع انتشار #الإعلام_الداعر المتخصص بملاحقة سقطات الناس، وهفواتهم، وإشاعة الفاحشة بالمؤمنين عبر نشر أخبار الفضائح الجنسية، وصورها، وفيديوهاتها، بذريعة الخير والإصلاح، لكن النتيجة مزيد من امتهان العرض، وتلويث الشرف، والانحلال الأخلاقي، والفساد الاجتماعي.

في فطرة البشر مغروس أن الغالي يُضَنّ به، ويُصَان عن الابتذال، لذلك الناس تخبئ ما تخشى عليه الضياع أو التلف، كالنقود، والمجوهرات، وغيرها، أما الرخيص المتوافر، فمبذول للجميع.

للأسف لست من متخصصي علم النفس لأحلل أسباب استهتارنا بموضوع العرض، فهل ذلك بسبب عقد جنسية، ورغبات مكبوتة؟

أم أنه انعكاس طبيعي لحالة الامتهان العامة التي نعيشها في كل تفاصيل حياتنا اليومية؟

أم هو خلل بمنظومتنا القيمية، وآليات تفعيلها على أرض الواقع؟

يبقى السؤال معلقا، ونتركه لأهل الاختصاص......


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق