الحياة عبارة عن تجارب متكررة لحد يثير الغرابة، و يعود هذا التكرار إلى الصفات الإنسانية المشتركة و التي تعيد صنع نفس الأحداث، مع فوارق و اختلافات بسيطة.
شخصية تاريخية أثارت جدلا واسعا، و تركت بصمة في تاريخ الأمة العربية و واقعها لن تنسى و لن تمحى على مر الزمان، و هذه الشخصية حسني الزعيم مهندس الانقلابات العسكرية الأول، و رائدها، الذي سن للطغاة من بعده في التاريخ العربي الحديث سنة الانقلاب بالقوة العسكرية على أي عقد اجتماعي يجمع بين الحاكم و المحكوم، فاستحق بجدارة لقب المعلم الانقلابي الأول.
لن نخوض كثيرا في شخصية حسني الزعيم، التي وصفت من قبل من عاصروه بالتهور و النرجسية و المزاجية و الرغبة باحتكار السلطة، ما سنقف عنده هي معالم الطريق الانقلابية، التي خطها لمن سيأتي بعده، فلتحصل على انقلاب ناجح ما عليك سوى اتباع الآتي:
1) اختر وقتا مناسبا للانقلاب، و يفضل أن يكون بذروة مشاكل سياسية و اقتصادية تعصف ببلدك.
2) جهز أبواق لك لتطبل و تزمر وترقع لما فعلته، و نوّع هذه الأبواق بحيث تغطي قطاعات و شرائح المجتمع.
3) لا بد قبل انقلابك أن تقدم أوراق اعتمادك عند عدد من الدول صاحبة القرار في المنطقة، و يفضل أن تكون من أعداء بلدك لتحظى بدعم أقوى.
4) عندما تحين لحظة الصفر، اجعل قوات الجيش تتجه لمقرات إقامة الرئيس و رئيس وزراءه و أي شخص قد يحبط الانقلاب و اعتقله أو ضعه تحت الإقامة الجبرية.
5) إياك أن تنسى توجيه قوة عسكرية لمبنى الإذاعة و التلفزيون الرسمي، لتذيع منه بيانك الانقلابي الأول، و يفضل أن تكون قد صغت البيان من قبل لأن وتيرة الأحداث المتسارعة قد لا تسمح لك بلحظات صفاء ذهني، تسطر فيها بيانك الأول.
6) نفذ الخطوات السابقة بشكل جيد، و بعدها ستتكفل الدول الداعمة لك، و جوقة المطبلين والمرقعين التي أعددتها سابقا بالإكمال عنك.
هذه الخطوات كانت ملهمة لكل طاغية أتى بعد الزعيم و قام بإنقلاب، كالحناوي، و ما سمي بالضباط الأحرار بمصر، و القذافي و غيرهم.....
و في يوم الرابع عشر من آب، أنهى تلميذ الزعيم و هو سامي الحناوي تعليمه على يد أستاذه، و ذلك بانقلاب عسكري عليه، تماما كانقلاب الزعيم على شكري القوتلي، و تم اعتقال الزعيم و إعدامه ميدانيا بعد محاكمة سريعة و ذلك في الرابع عشر من آب عام 1949
و في عام 2013 بعد مرور حوالي 64 سنة من أول انقلاب عسكري بتاريخ الأمة العربية الحديث و المعاصر، قام المدعو عبد الفتاح السيسي بعملية إحياء لتراث الزعيم، و انقلب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب بتاريخ مصر، متبعا الخطوات التي خطها الزعيم حذو النعل بالنعل.
فبعد تفشيل حكومة الرئيس مرسي من قبل الثورة المضادة و رجالات النظام السابق، حصلت مظاهرات تطالب برحيل الرئيس مرسي، فكانت هذه المظاهرات الذريعة الأولى للانقلاب، و كان السيسي قد أعد مسبقا فرقة التطبيل و التزمير، و أدخل فيها كل نطيحة و عرجاء من الأزهر، و الكنيسة، و الممثليين و الإعلاميين و السياسيين، فهذا التنوع الشعبي الظاهري يضفي على الانقلاب صفة شعبية و مسحة شرعية، و كان السيسي قد قدم أوراق اعتماده لدى كلا من أميركا، و السعودية و الإمارات، و هما من مولتا الانقلاب، تماما كما فعل الزعيم من قبله، إذ كان مدعوما من قبل الولايات المتحدة الأميركية، و السعودية و مصر، لأسباب كثيرة منها ما يعرف باتفاقية شركة التابلاين للبترول.
و بالنسبة لإيقاع حركات الجيش أثناء الانقلاب، فهي نفسها في الحالتين، و أيضا التغطية الدولية للإنقلابين نفسها، و طبعا نتيجتا الانقلابيين الكارثية على الدولة و الشعب ستكون نفسها.
و في نفس اليوم الذي تم به إعدام الزعيم من سنة 2013، قام السيسي بمجازر ترقى لمستوى زميله بشار الأسد، حيث قتل ما يقارب من ألفي مواطن مصري في ما عرف بمجزرتي رابعة و النهضة، و هما ميدانان اتخذهما أنصار الرئيس الشرعي محمد مرسي، مكانين للاعتصام و التظاهر السلمي للمطالبة بعودة الشرعية.
و نأمل أن يكمل التاريخ دورته لنرى نهاية السيسي مشابهة لنهاية الزعيم، بل تزيد عليها في البشاعة لتناسب الزيادة في الإفساد عند السيسي.
كما استفاد الطغاة من التاريخ، يجب علينا كشعوب مغلوبة أيضا الاستفادة منه، فمن يغتصب الحكم بالدبابة، لن يردعه عن إجرامه مظاهرة سلمية، و اعتصام شعبي، لن يردعه عن إجرامه، إلا دبابة مماثلة يقودها ثوار عرفوا معنى الحرية، و على الباغي تدور الدوائر، و في الأيام عبر لمن أردا أن يعتبر.
جاد الحق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق