أخيرا قد تحرك ضميره، صحيح أنه تحرك متأخرا، لكن التأخر أفضل من لا شيء، فبعد عشرات المعارك الفاشلة و التي لا نتيجة منها سوى إزهاق أرواح مئات المقاتلين الصادقين، و بعد الارتهان لأطراف خارجية -بحجة الدعم- جمدت عمليات التحرير و حولت الجهد العسكري إلى مناوشات استنزافية عبثية، و بعد إذلال المدنيين و الضعفاء، و استغلالهم بالإغاثة تارة، و بترهيبهم بالسلاح و السجون تارة أخرى، وبعد عمليات بغي وتشبيح باسم الدين على المجاهدين والمدنيين على حد سواء، وبعد تكفير وتخوين بالجملة للفصائل الثائرة وجموع الثوار، وقف قائد الفصيل الهمام وقفة رجولية يستحق التحية عليها
وقف أمام جموع الشعب ليقول لهم: " أنا فهمت، إي نعم أنا فمهت، فهمت الجميع، الإعلامي، و الإغاثي، و المقاتل، و المدني، فهمتكم، و ها أنا ذا أعلن تخليني عن منصبي القيادي، و تقديم استقالتي اعترافا مني بفشلي، و إفساحا لمن هو أكفأ مني بالقيادة، و تشجيعا مني للكوادر الشابة و الدماء الجديدة، و إني كنت و سأظل بإذن الله ابن هذه الثورة، و إن كنت بالأمس القريب قائدا فيها، فإني اليوم أتشرف بالعودة إليها جنديا، بعد أن غسلت روحي مما علق بها من أدران الإمارة، و حظ النفس، و مفاتن السطوة و القيادة ".
و فعلا استسمح من الجميع، و رد المظالم لأهلها، و سلم ما كان آتيا لدعم الثورة، و استأثره لنفسه من سيارة و سلاح و قبضة، و خرج من الإمارة فقيرا معدما كما دخلها.
هز هذا القائد نفوس الثوار جميعا، و حرك بهم عاطفتهم الفطرية الأولى حين كانوا مواطنين مغلوبين ينادون في الشوارع هي لله هي لله لا للسلطة و لا للجاه، فقال كل واحد منهم في نفسه، ما أفسد ثورتنا الطاهرة كحرصنا على السلطة و الجاه، لنعيدها طاهرة كبياض الصبح، و سرت موجة من الاستقالات في صفوف القادة زملاء القائد المستقيل، و معها موجة من رد المظالم، و توظيف الكفاءات و الكوادر، و خلال شهرين فقط عادت ثورتنا غضة فتية قوية، و ارتأب الصدع بعد طول عهد، و تشكل جسم ثوري واحد جمع الجميع تحت ظله، و أسقطنا النظام و أفنينا داعش، و حررنا سوريتنا الحبيبة، و عم الازدهار ربوع الوطن، و رن هاتفي الجوال لينهي منامي الجميل، و إذ بصاحبي يتصل بي ليخبرني ألا أتحرك اليوم، لأن الفصيل س اشتبك مع الفصيل ع، بسبب خلافات القادة من الفصيلين، و هناك مئات الشهداء و الجرحى، و الجيش يحضر لاقتحام من عدة محاور، بعد فراغ نقاط الرباط، و توجه المقاتلين لمعارك داحس و غبراء القادة......
جاد الحق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق