30‏/08‏/2018

الشمال السوري يغلي

إدلب، عفرين، ريف حلب الشمالي، ثلاثية تشكل ما تبقى محررا من سوريا، انحشر فيها خلاصة الثورة والثوار، مع اختلاف ظروف وتهديدات كل منطقة.

سنركز على منطقتي عفرين، وريف حلب الشمالي، اللتان حررتا بعملية عسكرية تركية، مدعوة بفصائل من الجيش الحر، استهدف بهاتين العمليتين تنظيمات مسلحة لا تملك شرعية دولية.

بعد أكثر من عام ونصف على تحرير الريف الشمالي، وحوالي ستة أشهر على تحرير عفرين، نجد أنفسنا مضطرين للتصريح بما كنا نلمح به سابقا، فكما كنا نلمح تلميحا حرصا على مصلحة الثورة، فإننا اليوم نصرح تصريحا حرصا أيضا على مصلحتها، لأن الأمر تجاوز حده، وبلغ مداه.

فشلت الفصائل الثورية بمعاونة تركيا أن تقدم بديلا لإدارة المناطق التي حررتها، وللأسف لا نجانب الصواب لو قلنا بأننا كثوار لم نقدم الحد الأدنى من الخدمات المجتمعية التي قدمتها تنظيمات إرهابية مارقة للمناطق التي تحتلها، حتى تنشئ لنفسها قاعدة شعبية فيها.

الثوار يتحملون مسؤولية فشل إدارة ملف المحرر بالدرجة الأولى والثانية والثالثة، أما في الدرجة الرابعة فيتحمل المسؤولية الحليف التركي.

قبيل بدء عملية درع الفرات، تلقت فصائل ثورية حائزة على ثقة شعبية عروضا سخية للشراكة المباشرة بينها وبين الحكومة التركية من أجل خوض عملية التحرير، ثم تسليم ملف الإدارة لهذه الفصائل، مع بقاء القواعد التركية التي تشكل حماية للمنطقة، لكن سطحية تفكير هذه الفصائل، مع صراعاتها الفكرية الداخلية، وسوء تعاطيها مع تركيا القوة الإقليمية الصاعدة، حوّل الأنظار التركية عنها، إلى فصائل أخرى لا تحوز أي رضا شعبي، ولا تمتلك أي كفاءة قتالية، وميزتها الوحيدة هي طاعتها العمياء لمن يموّلها.

شكلت هذه الفصائل عصب عمليتي درع الفرات، وغصن الزيتون، وتعمقت العلاقات بين قياداتها، وبين المسيئين من بعض الضباط والمسؤولين في الجانب التركي، حيث قام قادات هذه الفصائل بتمرير الحصيلة الثقافية البعثية التي تربينا عليها، من رشوة، ونفاق، وغيرها من أخلاق إفسادية، إلى ضعاف النفوس في الجانب التركي الحليف، فأدى ذلك إلى ظهور شريحة من الضباط الأتراك في سوريا، تشبه ضباط نظام الأسد في لبنان كرستم غزالة، وغازي كنعان، ولا أستبعد أن يكون هؤلاء الضباط رواد الانقلاب العسكري القادم في تركيا.

فالرشاوى، والاستثمارات المشبوهة، مع تأمين أجواء وأدوات الانحلال الأخلاقي للضباط الأتراك الفاسدين، مقابل أن يقوم هؤلاء الضباط بتوفير الغطاء الشرعي، الذي يحمي شريحة القيادات الفاسدة المحسوبة على الجيش الحر في الشمال، مع إطلاق يدهم في فعل ما يحلو لهم، ولزمرتهم ضد المدنيين، والفصائل الشريفة.

لذلك كان من الطبيعي أن نرى عمليات النهب والتعدي في عفرين ضد المدنيين الأكراد من قبل بعض أبناء الفصائل التي تملك علاقة متميزة مع الضباط الأتراك الفاسدين، أو أصحاب التوجه القومي المتعصب، وقد وصلت هذه الجرائم من قبل فصائل بعينها حد التعدي على الأعراض، كما أشارت بذلك تسريبات، وأخبار تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فسّر البعض غايتها إجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة، يستهدف الأكراد القاطنين على حدود تركيا.

وصار من المعتاد أن ترى قياديا ذو سمعة سيئة، من فصيل معروف بتجاوزاته، يشهر مسدسه في مشفى ضد امرأة، ثم تتوعد الجهات العسكرية المعنية بسجنه، ومحاسبته، فتكتشف لاحقا أن هذه التصريحات ما هي إلا إبر تخدير، لامتصاص الغضب الشعبي.

بل وصل الأمر بأن تقوم هذه القيادات الفاسدة باستقبال المدعو نصر الحريري، وتأمين الحماية لموكبه، وهو المعروف دوره في إسقاط المحرر بيد النظام المجرم، عبر خدعة ما يسمى المصالحات، مع النشر بلامبالاة أن هدف زيارته للشمال المحرر هو القيام بلقاء جماهيري يتحدث فيه عن اللجنة الدستورية، والتي يعرف الصغير قبل الكبير أن غايتها وضع دستور جديد لسوريا برعاية دول الاحتلال، غايته إعادة الشرعية للنظام المجرم....!!!!!

فأي ثورة يتحدث عنها من يستقبل الخائن الحريري، ومن يتعدى على أعراض المدنيين وممتلكاتهم، ومن يصادر حرية الرأي والتعبير بذرائع قانونية ( تحقير رئيس دولة أجنبية ) تعيد لنا حقبة النظام المجرم، ويسن القوانين لحماية مجرمين متورطين بعمليات خطف، وترويج مخدرات وخمور، من المحاسبة القانونية، ويستغل علاقاته مع أسوأ شريحة لدى الحليف التركي، لضرب صورة تركيا المشرقة، وللقدح بسمعة الرئيس أردوغان المعروف بمواقفه المناصرة لحقوق المظلومين، والداعمة لحرية الرأي!!!

في كل مرة أقول فيها قد وصلنا قاع الفساد، يتضح لي أننا على مسافة كبيرة منه، ونقطعها بسرعة نحوه!
ولن نتمكن من الخروج من هذا المستنقع الذي سكنّاه بترك أمرنا للسفهاء يسيرونا على هواهم، إلا بإعداد مشروع ثوري يصون مبادئ الثورة، وبتشكيل جسم حقيقي يحمل هذا المشروع، ويضرب بيد من حديد على المارقين، والمسيئين للثورة، وحلفائها، على السواء!!!

جاد الحق
#جريدة_حبر

http://telegram.me/jadalhaqarticles


19‏/08‏/2018

غيرة على العرض أم.....؟

حفظ الأعراض من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام ليصونها، والذود عن الشرف من مميزات المجتمعات الراقية، والمتحضرة، ومهما تعلمنت المجتمعات، وتشرقنت، وتغربنت، تبقى لفظة " زنا " وما يتفرع عنها من أوصاف، شتائم قبيحة بحق من تطلق عليهم.

الانتفاض نصرة للمرأة، وشرفها أمر عظيم جدا، لكن ليس كل من ولولت في شارع ما متهمة شابا بأنه يتحرش بها، هي بالضروة صادقة، وليس كل من ذرفت دموعها شاكية أنها ضحية لشاب متهتك عديم الأخلاق والدين، هي ضحية!!
فالأصل الديني والوضعي لأي محاكمة عادلة يصدر عنها حكم بتجريم طرف أو تبرئته أن تكون مبنية على مبدأ سماع الطرفين، وموازنة أدلة كل طرف، مهما بدا الطرف الأول مظلوما مضطهدا، ومهما كان الثاني لئيما زنيما!

ثم من قال أن فقط للمرأة شرف، وحرام قذفها، أو الكلام في عرضها، بينما يجوز ذلك على الرجل!!؟؟
في أي شرع نجد هذه الازدواجية في المعايير؟

عتب الله في القرآن الكريم على نبيه داود عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سماوات حينما قضى في قضية بعد سماع خصم دون الآخر فقال: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ }، لما شرح الطرف الأول دعواه، حكم داود مباشرة قبل أن يسمع الثاني: { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ } ، كان المفروض على نبي الله داود أن ينتظر حتى يتكلم الخصم الثاني، ثم أدرك خطأه فاستغفر وتاب { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ }.

ومن الحكمة في هذا الباب قول أحدهم:
(إذا جاءك الرجل وقد فُقِئَت عينه فلا تحكم له، فلعل خصمه فُقِئَت عيناه)، يعني إذا جاءك يشتكي من مظلمة فانتظر حتى تسمع من خصمه، فقد يكون لخصمه عنده عشرات المظالم.

وقد قص علينا الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف أن امرأة العزيز راودت يوسف عن نفسه وهو في بيتها، ولما فوجئت بدخول العزيز عليهما تحولت من ذئب إلى ضحية، وتقمصت الدور ببراعة، فقالت مباشرة { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ؟؟

أي أنه حاول الاعتداء على شرفي، فهل يستحق إلا العقاب القاسي؟

فاضطر يوسف الصديق لرد التهمة عن نفسه قائلا: { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } !!

لو اقتطعنا عبارة " هي راودتني عن نفسي "  من سياقها في القصة، لاتهمنا يوسف الصديق _ وحاشاه _ أنه يقذف المحصنات، ويرمي البريئات!!!

ومن الدارج أيضا في مجتمعاتنا أن أي قضية تحتاج لتحشيد الناس، فإن أسهل الطرق لذلك هي تحويلها لقضية #أعراض ، و #نساء ، و #اغتصاب !!!

والأمثلة أكثر من أن تحصر، فلديك مثلا الشيعة، هل يجيشون قطعانهم علينا لذبحنا إلا عبر روايات مكذوبة عن سبي واغتصاب نساء آل البيت العفيفات رضي الله عنهن جميعا؟

وهل حرض الدواعش سفهاءهم للتفجير والقتل، إلا عبر شيطنة باقي الثوار، والمجاهدين، باتهامهم بأنهم اغتصبوا نساء المهاجرين؟؟

وهل عبأت النصرة أرذالها لقتال الثوار إلا بذريعة أن العلمانيين _ ويعنون الثوار _ يريدون تسليم المهاجرين لدول الكفر، واغتصاب نسائهم؟؟!!

وقبل الجميع تطل علينا رواية النظام العجيبة عن الطفل الإرهابي حمزة الخطيب ابن الثلاثة عشر عاما، والذي تم اعتقاله من النظام إثر محاولته اغتصاب نساء الضباط!!

لعل من أسباب ازدياد الانحلال الأخلاقي في مجتمعنا هو تمييع موضوع الأعراض، وتحويل قضية صون العرض لدعاية تجارية ترويجية، أو لآلية إرهاب نفسي في خصوماتنا، أو أسلوب إسقاط وتشهير في نزاعاتنا، خاصة مع انتشار #الإعلام_الداعر المتخصص بملاحقة سقطات الناس، وهفواتهم، وإشاعة الفاحشة بالمؤمنين عبر نشر أخبار الفضائح الجنسية، وصورها، وفيديوهاتها، بذريعة الخير والإصلاح، لكن النتيجة مزيد من امتهان العرض، وتلويث الشرف، والانحلال الأخلاقي، والفساد الاجتماعي.

في فطرة البشر مغروس أن الغالي يُضَنّ به، ويُصَان عن الابتذال، لذلك الناس تخبئ ما تخشى عليه الضياع أو التلف، كالنقود، والمجوهرات، وغيرها، أما الرخيص المتوافر، فمبذول للجميع.

للأسف لست من متخصصي علم النفس لأحلل أسباب استهتارنا بموضوع العرض، فهل ذلك بسبب عقد جنسية، ورغبات مكبوتة؟

أم أنه انعكاس طبيعي لحالة الامتهان العامة التي نعيشها في كل تفاصيل حياتنا اليومية؟

أم هو خلل بمنظومتنا القيمية، وآليات تفعيلها على أرض الواقع؟

يبقى السؤال معلقا، ونتركه لأهل الاختصاص......


جاد الحق