08‏/07‏/2018

عصف ذهني ثوري

النفاق، كلمة لها رنتها الخاصة باللغة العربية، تلك الرنة الموسيقية توصل لك معنى الكلمة حتى وإن كنت تجهله، وكون النفاق أذان بخراب الحضارة والعمران، فقد جعل الله انتشار النفاق وأهله علامة من علامات القيامة التي ستنهي الكون، كما دلت أحاديث شريفة كثيرة.

للنفاق أشكال وألوان، بعضنا يظن أخطرها نفاق العالم للسلطان، لكن هناك نفاق أشد خطورة وشناعة، ألا وهو نفاق العالم للشعب!!!!

العالم ليس فقط بالشرع، بل كل شخص بارع بتخصصه هو بالضرورة عالم فيه، ونفاق العالم للشعب يكون عبر إسماعه مايود سماعه _ والضمير يعود للشعب _ .

تصور لو أنك زرت الطبيب فوجد أن أجهزتك العضوية تعمل بكفاءة عالية، لكن هناك ورم بسيط في الدماغ، فقرر حرصا منه على راحتك النفسية وعلى سلامة مزاجك أن ينظر للنصف المليء من الكأس، ويكتم عنك هذه السلبية، بمقابل طمأنتك على أداء باقي أعضاء جسمك!!!

لاشك أن هذا الطبيب يراوح بين دركتي الخيانة، أو الغباء، ولا مكان ثالث يحويه، وسيتضرر من هذا الفعل بالدرجة الأولى المريض الذي يقوم بالتشخيص.

المثال السابق الذي يتفق على صحته أصحاب العقول والفطر السليمة يشرح خطورة نفاق الشعب من العالم حرصا على معنوياتهم وسلامهم الداخلي!!!!

وبما أننا اليوم في الثورة على أعتاب نكبة أرخت ظلها الثقيل على أهلنا في درعا، أجد نفسي مضطرا ارتداء القبعة السوداء من قبعات التفكير الست، لأخبركم ما بات معلوما بالضرورة أن الكارثة حقيقية وتحصل لنا نحن دونا عن سائر الشعوب.

أول خطوات علاج المشكلة هي الاعتراف بوجودها، لذلك الهروب من الواقع المرير لمخدر الأمل الزائف لن يفيد في الحل شيء، أستطيع بسهولة تسويد عشرات الصفحات ببطولات ومآثر ومدائح أهل حوران _ وهم أهل لذلك _  لكن فعليا هذا لن يغير شيئا بميزان القوى، نعم الشجاعة والبطولة والتضحية عوامل تدخل في تعديل كفة الصراع العسكري، لكنها ليست لوحدها قادرة على حسم الصراع، هناك أيضا عوامل أخرى أشد أهمية كالانضباط القيادي، والقوة النيرانية، وكفاءة التخطيط العسكري، والموارد، وغير ذلك.... هنا نستطيع فهم قول الله تعالى: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " كلمة قوة جاءت نكرة تامة تشمل كل القوى الإيمانية والعلمية والأخلاقية والاقتصادية والعسكرية، ثم جاء التخصيص للعامل الأكثر حسما ألا وهو " رباط الخيل " أي القوة العسكرية بلغة اليوم.

علينا الاستفادة من درس درعا لأقصى حد، ولعل أهم استفادة نحصلها هي معرفة الأسباب التي أدت للكارثة، وأهمها الثقة الساذجة بالحلفاء والداعمين، التشرذم، عدم محاربة المفسدين والضفادع واستئصال شأفتهم، وترك القيادة لغير الجديرين والذين تولوها بدعم من جهات خارجية، وخذلان إخوانهم في داريا والغوطتين وجنوب دمشق.

في الشمال تعاد نفس القصة الحزينة، ثقة مفرطة بتركيا جعلتنا نفقد هويتنا الثورية، ونتكاسل في معركة الإعداد والاعتماد على النفس، متناسين أن من يدعم الثورة السورية هو طرف سياسي تركي استطاع بالكاد النجاح بانتخابات شعبية نزيهة، وأفلت وما كاد من براثن انقلاب عسكري مدعوم دوليا.

لا أستطيع استيعاب فكرة أن بيننا من السذج والمهزومين نفسيا من يظن أنه إذا لا قدر الله واستحكم خناق المجتمع الدولي المجرم على تركيا، فإن تركيا ستضحي بمصلحتها لصالح مصلحة الثورة السورية!!!!

القواعد التركية أتت بظروف سياسية متغيرة، ومتشابكة، وقد تتغير وتتشابك أكثر وتُسحَب من سوريا، إذن حل القواعد التركية ومناطق الحماية على المدى البعيد غير مضمون.

المضمون هو خلق حلفاء جدد إقليميا ودوليا، مع عدم التسليم الكامل لهم، والاعتماد على الذات في خلق الاكتفاء الثوري من جميع المجالات.

بعد تثبيت هذه البديهية السياسية لدينا، علينا أن نعمل على انتخاب وضعوا ألف خط تحت كلمة انتخاب، قيادة ثورية في كل المجالات ومن أصحاب القوة والأمانة لإيصالنا لبر الأمان.

إلى أن تلد هذه القيادة لا بد من سحق المفسدين في الشمال لأنهم مشروع ضفادع قريب البدء، لا يهمني من سيتهمني بالدعشنة أو غيرها لأن الواقع هو الواقع، المفسد لن يردعه عن غيه وضفدعته المستقبلية سوى السيف والسوط، أم الدين والأخلاق فهي لأهلمها.

وإلى الحالمين التائهين في عوالم الأمل الواهم، والمدن الفاضلة، والخيالات اللازوردية، الذين يظنون أن الله سينصرنا بمعجزة ما لأننا مؤمنون فقط، فأنا أسألهم أين أفادنا الأمل في النكبات التي حلت بنا من حمص القديمة مرورا بحلب وداريا وانتهاءا بجنوب دمشق؟؟؟

لم تأت الطير الأبابيل، ولا نزلت صاعقة أحرقت بشار، لأن من يفقه سنن الله يعلم أن إغراق فرعون كان آخر تدخل إعجازي إلهي في قصم الجبابرة، ثم أصبحت السنن من بعدها إعداد وجهاد ومجاهدة واستشهاد....

يقول خالص جلبي في كتابه القيم مفسرا السلوك الانهزامي في توقع تدخل المعجزات لحل مشاكلنا :

" إن افتراض حصول تغيرات كونية عظيمة خلاف سنة الله أسهل علينا من مراجعة أنفسنا "

ومن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سيجد أن الصحابة خير البشر بعد الأنبياء، ومعهم خير خلق الله وأعظمهم عنده، قد حسبوا حساب انهزامهم في بدر، فبنوا العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون موقع آمن له يشرف منه على المعركة، ويوفر له انسحاب آمن في حال دارت الدائرة عليهم، فمن نحن اليوم حتى نسقط من حساباتنا حصول الهزائم والانتكاسات؟؟؟؟

أما بخصوص أهلنا في درعا فأذكرهم بأن ضريبة الاستسلام أكبر بكثييييرررر من ضريبة الكفاح والجهاد، فلا حل لهم إلا بمواصلة القتال لآخر رمق، فقوتك على الأرض هي من يجعلك تفرض شروطك على الطاولة، وإياهم أن يثقوا بشياطين الإنس من الحلفاء والداعمين، وأوصيهم بشحذ السكاكين لقطع رقاب الضفادع، واحذروا يا أهل حوران كل الحذر من مكائد بني صهيون، فهناك خطط لهم لاستغلال نكبتكم من أجل تحويل أبطالكم لحراس حدود للكيان الصهيوني كما كان جيش لحد الخائن في لبنان.

وبعد أن ينهي النظام درعا، الكل يعرف أنه سييمّم وجهه شطر الشمال، فماذا أعددنا للمواجهة غير التخوين والمزاودات وتراشق التهم؟

سيرى الكثيرون في المقال أنه متشائم، ويحبط المعنويات، لكني أذكرهم أن الدواء قد يكون مرا أحيانا، وأن السموم دائما ما تمزج بأطايب الطعام.


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق